خلال ثلاث سنوات فقط، الفترة من 2020 وحتى عام 2022، مر العالم بالعديد من الازمات الاقتصادية التي كانت بدايتها في جائحة الكورونا والتي خلفت اغلاقات اقتصادية أثرت على الاقتصادات عالميا وعزلت الدول مرة أخرى عن بعضها البعض وهددت مفهوم العمولة، وشلت حركة سلاسل التوريد الصناعية عالميا، شكل ذلك الوقت أزمة عالمية تخطت حاجز فيروس الكورونا، إذ استفاق العالم في ضوء أزمة مركزية شديدة في الاعتماد على الصين كمصنع للعالم، إذ انصرفت الرأسمالية الاقتصادية للبحث عن توفير المكاسب نتيجة للوفورات الاقتصادية للحجم من الإنتاج في الصين والشحن إلى باقي دول العالم، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية التي ترتبط بالمخاطر الجيوسياسية والتهديدات الكبيرة المرتبطة بمركزية الاعتماد على منطقة جغرافية للوفاء بمعظم احتياجات العالم.
كان لسياسات الاغلاق الاقتصادي المصاحبة لاحتواء وباء الكورونا أثر كبير على أعادة تغيير طريقة التفكير في توزيع الخريطة الصناعية عالميا من المركزية الصينية إلى اللامركزية في مناطق جغرافية مختلفة بين دول العالم، وكان للوطن العربي دور في ذلك التفكير، حيث ساهمت تلك الازمة العالمية في تسريع وتيرة سعي دول الوطن العربي لتحقيق التكامل الصناعي بين دولها، وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف فقد تم تشكيل اللجنة العليا للشراكة الصناعية التكاملية للتنمية الاقتصادية المستدامة والتي تضم ممثلين عن كل من مصر والامارات والأردن والبحرين برئاسة وزراء الصناعة في تلك الدول، تستند تلك الشراكة على 5 أهداف رئيسية تتمثل في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، و سلاسل توريد مرنه وقادرة واعتمادية، والقدرة على تطوير صناعات تنافسية بمستويات تصل إلى العالمية، وتعزيز دور قطاع التصنيع ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للدول، وتعزيز نمو وتكامل سلاسل القيمة والتجارة بين البلدان الأربع. وقد عقدت تلك اللجنة اجتماعها الثالث في فبراير من العام الحالي (2023)، والذي نتج عنه توقيع عدد 12 اتفاقية بين كل من الأردن والامارات ومصر والبحرين يضم عدد 9 مشاريع صناعية تكاملية في عدد 6 قطاعات هي القطاع الزراعي، والأدوية والمعادن والكيماويات والسيارات الكهربائية وإدارة النفايات بقيمة اجمالية تبلغ 2 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تساهم المشاريع في زيادة الناتج المحلي في بلدان الشراكة بقيمة تتجاوز 1.6 مليار دولار أمريكي، وخلق حوالي 13 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في الدول الأربعة
وضع القطاع الصناعي
وبالنظر إلى التقسيم القطاعي للناتج المحلي الإجمالي للدول الأربع نجد أن الامارات هي صاحبة النسبة الأعلى من حيث مساهمة القطاع الصناعي وعلى الرغم من اهتمام دولة الامارات العربية بالقطاع الصناعي غير النفطي، حيث افتتحت الامارات خلال عام 2021 عدد 220 مصنعا في إطار برنامجها الصناعي الذي يحمل اسم “برنامج القيمة الوطنية المضافة”. من جانب آخر فإن مصر تأتي في المركز الثاني من حيث مساهمة القطاع الصناعي بالناتج المحلي الإجمالي بنسبة 31% وتمثل معظم مساهمة القطاع الصناعي المصري في الصناعات التحويلية غير النفطية، لكن الحكومة المصرية تبذل جهودا حثيثة لزيادة نصيب الصناعات التحويلية من القطاع الصناعي، حيث تم افتتاح 17 مجمعا صناعيا باستثمارات تقدر بحوالي 10 مليار جم تضم عدد يتجاوز الخمسة الاف منشأة صناعية، ساهمت تلك الاستثمارات في زيادة نصيب القطاع الصناعي من التوظيف بنحو 60% (ارتفع عدد المشتغلين بالقطاع الصناعي بنسبة 60% في عام 2021 بالمقارنة بعام 2014)، وبلغ اجمالي عدد المنشآت الصناعية المصرية 56.6 الف منشأة صناعية توظف نحو 3.2 مليون عامل.
أما عن الأردن فيمثل القطاع الصناعي نسبة بحوالي 17.4% من الناتج المحلى الإجمالي يتمثل معظمها في الصناعات الكيماوية التي تتمثل في الأسمدة والأغذية والصناعات الدوائية، لكن الأردن تعول على ذلك القطاع بشكل كبير لتحقيق النهضة الاقتصادية، إذ تعول المملكة الهاشمية على القطاع الصناعي لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي لها بحلول عام 2033، وتوفير نحو 260 الف فرصة عمل والمساهمة في زيادة صادرات البلاد من القطاع الصناعي بنسبة تتراوح بين 35 – 65%، تأتي تلك المستهدفات في ظل ما يسمي ب “رؤية التحديث الاقتصادي” التي تم اطلاقها بالأردن والتي تضم عدد 14 مبادرة صناعية ترتكز أهدافها على ترويج الصناعة المحلية، وجذب استثمارات جديدة للقطاع، وخفض تكلفة الطاقة، وتحسين الكفاءة الاقتصادية للمنشآت الصغيرة، والدمج بين البحث العلمي والصناعة، والاهتمام بالثورة الصناعية الرابعة، وتحفيز ريادة الأعمال، والشراكة بين القطاعين الخاص والعام وتبسيط اللوائح والقوانين ووضع خطط لزيادة الصادرات.
وتأتي البحرين في المرتبة الأخيرة من حيث مساهمة القطاع الصناعي بالاقتصاد بنسبة 14.1% بين الدول الأعضاء في المبادرة، ويحتل القطاع الصناعي الترتيب الثاني في البحرين بعد قطاع الخدمات المالية، ويعتبر القطاع الثالث من حيث حجم التوظيف، إذ يوظف ذلك القطاع 11% من العاملين، ويتركز القطاع الصناعي في دولة البحرين على مجموعة من الصناعات وهي تكرير البترول، وإنتاج الألومنيوم والبتروكيماويات، وتجهيز الأغذية، بالإضافة إلى ورش عمل التصنيع وأنشطة التصنيع (المنتجات التي يتم تصنيعها في الموقع مثل المخابز وأنشطة الخياطة المخصصة)، لكن البحرين تضم مؤسستين على درجة عالية من الأهمية وهي مصنع “بابكو” الذي يعد أول مصفاة بترول خليجية تم تأسيسها، ومصنع “ألبا” الذي يعتبر اكبر مصنع في العالم لصهر الألومنيوم من موقع واحد خارج الصين
أهداف الشراكة التكاملية
تعتبر أحد أهم النتائج الرئيسية للشراكة التكاملية الصناعية لتحقيق التنمية الصناعية المستدامة هو استثمار شركة “إم جلوري” القابضة لصناعة السيارات لمبلغ 550 مليون دولار أمريكي لإنشاء عدد ثلاث مصانع متكاملة للسيارات الكهربائية بخطوط انتاج متخصصة في كل من الامارات والأردن ومصر بسعة إنتاجية بحوالي 40 ألف سيارة من سيارات طراز “كروس أوفر كومباكت” في السنوات الثلاث الأولي، تلك الصناعة تخدم الأهداف الرئيسية للدول الثلاث وتمكن تلك الشراكة التكاملية الصناعية من تحقيق تنمية مستدامة بين الدول الأربعة من خلال خلق كيان صناعي إقليمي منافس خصوصا في مجال صناعة السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط لتحقيق نقلة نوعية بتلك الصناعة وتمكين الترويج لها على نطاق إقليمي ودولي، هذا فضلا عن أن ذلك التعاون سيساهم في توفير فرص العمل ودعم جهود الاقتصاد المستدام وخفض الانبعاثات الكربونية، خاصة وأنه من المتوقع أن يتم الانتقال إلى أنواع أخرى من السيارات بخلاف “كروس أوفر كومباكت” بعد مضي الثلاث سنوات، وبطاقة إنتاجية تلبي احتياجات الدول الأربع من السيارات.
من جانب آخر كان قطاع الصناعات الدوائية هو الآخر محل اهتمام في تلك الاستراتيجية، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة عمان للصناعات الدوائية والتي بموجبها ستعمل “بيوفينتشر” على إصدار ترخيص لإنتاج عدد من المنتجات الدوائية ونقل التكنولوجيا اللازمة للمنتجات الطبية للعناية بالعيون في منطقة الشرق الأوسط، من خلال فتح الباب أمام زيادة الفرص الاستثمارية في مجال تصنيع مستحضرات العيون الدوائية بالمنطقة، والاهتمام بجوانب أخرى مثل التكنولوجيا وانشطة البحث والتطوير لمنتجات طب العيون. أما عن شركة دبي للاستثمار فقد وقعت مذكرة تفاهم مع شركة “جلوبال فارما” المتخصصة في تصنيع وتسويق الادوية، هذا فضلا عن شراكة مع شركة الإمارات لألواح الزجاج المسطح والذي يعتبر المصنع الأول من نوعه لصناعة الزجاج المسطح في الامارات.
.
رابط المصدر: