- مارسيلو آتشيربي
- مارتن هيجر
- هيلينا نابر نابر
- ليا سيغهارت
ما هو أفضل طريق للبناء والأكثر مراعاة للظروف البيئية بعد جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)؟ يطرح القادة في مختلف أنحاء العالم هذا السؤال ويخرجون بإجابات مختلفة. فعلى سبيل المثال، يسلط الاتحاد الأوروبي الضوء على الطبيعة باعتبارها الحليف الأقوى للتعافي الأخضر بعد الجائحة. وتخطط كوريا الجنوبية للاستثمار في المدن الخضراء وكذلك دعم الصناعات والأعمال الخضراء الجديدة ضمن مشروعات أخرى.
وتختلف أفضل وصفة للنجاح باختلاف البلدان والمناطق، وكما أوضحنا في مقال الرأي السابق ، سيتعين على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تطبيق ممارسات مستدامه تراعي الظروف البيئية لتحقيق تعافٍ أكثر شمولاً وقدرة على الصمود.
وكما قال ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي: “تعرضت الكثير من النظم الطبيعية للإهمال على مر السنين مما أدى إلى تلوث الماء والهواء وتكرر وقوع الأحداث المناخية ؛ في حين تشكل جودة المياه والمواد البلاستيكية البحرية تحديات أخرى”. وقد أبرزت جائحة كورونا الحالية الحاجة إلى التركيز على مثل تلك القضايا من أجل تحقيق تعافٍ أفضل بعد انحسارها.
وهناك حالياً فرصتان متاحتان أمام المنطقة:
- تحسين جودة الهواء في المناطق الحضرية: تشهد المنطقة أعلى مستويات تلوث الهواء بعد جنوب آسيا (انظر الشكل أدناه). ويعيش معظم سكان المنطقة في مدن تعاني من ارتفاع تلوث الهواء بما يتجاوز الحدود التي وضعتها منظمة الصحة العالمية لما يُعد هواءً صحياً بأربعة إلى خمسة أضعاف.
المصدر: البنك الدولي (2020) استنادًا إلى بيانات منظمة الصحة العالمية (2020).
وكما يوضح تقريرنا القادم، فإن ارتفاع تركيز تلوث الهواء المحيط هو السبب في الآثار الصحية الضارة التي تؤدي إلى أكثر من 250 ألف حالة وفاة مبكرة فضلا عن شكوى ملايين الأشخاص من العديد من الأمراض بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية. ويعد تلوث الهواء المحيط رابع أهم عامل من عوامل الخطر المؤدية للوفاة المبكرة، بعد عوامل الخطر الأخرى المتمثلة في التمثيل الغذائي والنظام الغذائي والتبغ.
ومن الجدير بالذكر أن تلوث الهواء المحيط هو خطر خارج عن سيطرة الفرد ويتطلب عملاً جماعياً، حيث يتسبب في حدوث العديد من الوفيات بما يعادل الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق وأمراض السكري والسل والملاريا ومرض الإيدز والتهاب الكبد المزمن مجتمعة. وقد طُرحت مسألة الصلة بين تفشي فيروس كورونا وتلوث الهواء على طاولة النقاش العام خلال الأزمة التي خلفتها هذه الجائحة.
وتعد التكلفة الاقتصادية للتأثيرات الصحية الناجمة عن تلوث الهواء هائلة حيث يؤدي إلى انخفاض إنتاجية الأيدي العاملة. ففي القاهرة الكبرى وحيث تؤثر قضايا الصحة البيئية بشكل كبير على جودة حياة المواطنين وعلى الاقتصاد، تصل هذه التكلفة إلى ما يعادل نحو 1.4% من إجمالي الناتج القومي المحلى. ووافق البنك الدولي مؤخراً على مشروع بقيمة 200 مليون دولار لدعم المبادرات المصرية للحد من تلوث الهواء والمناخ من القطاعات الحيوية وزيادة القدرة على التصدي لتلوث الهواء في القاهرة الكبرى. ويركز هذا المشروع على أنشطة النقل وحرق النفايات الصلبة، وهما المصدران الرئيسيان لتلوث الهواء المحيط.
- تحسين إدارة المناطق الساحلية: يقيم معظم السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مسافة تقل عن 100 كيلومتر من السواحل، حيث تتركز أنشطتهم الاقتصادية بما في ذلك الصناعات والموانئ والأماكن السياحية. وهناك مخاوف متزايدة بشأن الاستدامة البيئية لهذه المنطقة حيث يُتوقع أن يتضاعف عدد السكان بحلول عام 2050، وستؤدي سرعة التوسع العمراني إلى زيادة الضغط على المناطق الساحلية. واليوم، فان 80% من أحمالي التلوث في مياه البحر الأبيض المتوسط ناتج عن مصادر برية وخاصة النفايات البلاستيكية التي تتم معالجتها بشكل سيء. وتعاني بلدان المشرق والمغرب، على وجه الخصوص، من ارتفاع مستويات النفايات البلاستيكية التي تتم معالجتها بشكل سيء، كما أن أكثر من نصفها تتسرب إلى البحر (الشكل أدناه في تقريرنا القادم). وقد تفاقم هذا الأمر أيضاً من جراء تأثير جائحة كورونا.
المصدر: البنك الدولي (2020) استنادًا إلى جامبيك وآخرين (2015).
علاوة على ذلك، فان سواحل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرضة بشدة لخطر التآكل، حيث يرتبط انحسار السواحل واختفاء الشواطئ بارتفاع مستوى سطح البحر. وعلى الرغم من أن المتوسط العالمي لانحسار السواحل يبلغ حوالي 0.07 متراً في السنة (م/سنة)، فإن تونس تُعد البلد الأكثر تضرراً. فكما يوضح تقريرنا القادم فإن معدلات انحسار السواحل في هذا البلد أعلى بعشرة أضعاف حيث تصل إلى أكثر من 0.70 م/سنة. ومثال آخر هو المغرب، حيث ينحسر ساحلها على المحيط الأطلسي حالياً بمعدل 0.12 م/سنة وساحلها على البحر الأبيض المتوسط بمعدل 0.14 م/سنة. وتُعد السواحل حيوية لقطاع السياحة؛ ولهذا السبب يجب أن تستفيد البلاد من الفرصة المتاحة حالياً للتعامل مع تآكل السواحل بطريقة تسمح بالحفاظ على التعافي في هذا القطاع بعد انحسار الجائحة.
ومع نمو المدن وبخاصة المطلة على السواحل بالمنطقة، فإن التعافي من أزمة كورونا يتطلب اتخاذ مسار إنمائي أكثر مراعاة للظروف البيئية وأكثر شمولاً وقدرة على الصمود لتأمين الفرص لمواطنين أصحاء في مدن أقل تلوثاً. ويمكن أن تؤمن السواحل والمحيطات النظيفة الملايين من وظائف “الاقتصاد الأزرق” من خلال إدارة الموارد الطبيعية على نحو أكثر كفاءة وقدرة على الصمود. وسيكون هذا التعافي الاقتصادي القادر على الصمود أكثر شمولاً إذا تضمنت الخطة حلولاً قائمة على الطبيعة لصالح البيئة، ورأس المال الطبيعي للمنطقة، والاستخدام الأمثل للموارد.
ولا يمكن الاستفادة من الفرصتين المذكورتين أعلاه إلا من خلال إصلاح السياسات والمؤسسات ونظم الحوكمة وتحسين إتاحة البيانات وشفافيتها، بالإضافة إلى المشاركة من جانب المواطنين. وتتمتع بلدان المنطقة بفرصة التحرك نحو مستقبل يراعي الظروف البيئية ويتصف بالشمول والقدرة على الصمود عند تحقيق مستوى أعلى في جودة الهواء وكفاءة في إدارة السواحل. ولدى الحكومات في هذه البلدان ومواطنيها حالياً أفضل فرصة يمكن اغتنامها لمواجهة هذه التحديات والمضي قدماً إلى الأمام.
رابط المصدر: