قد تساعد صفقة غاز جديدة وقّعتها ألمانيا مع قطر على الحد من استيراد الغاز الطبيعي الروسي، لكن دول الخليج تخاطر من خلال ربط الطلبات الملحة للطاقة من الدول الغربية بقضايا إقليمية هامشية على ما يبدو.
تغفل الأخبار التي تصب تركيزها على الأزمة الأوكرانية عن الشرق الأوسط الذي يُعد من الأبعاد الهامة، بل الأساسية، في المعادلة. ويتعلق هذا الجانب في المقام الأول بالطاقة – تقويض هيمنة روسيا على إمدادات النفط والغاز – وبالتالي بالأرقام التي لا تتلاءم عادة مع الوسائط والعناصر البصرية. وتتمحور التقارير الإخبارية على المدى القصير حول تقدم الأرتال المدرعة أو التحدي البطولي للصعوبات وتتخللها تقارير مروعة عن الضحايا واللاجئين. ولكن على المدى الطويل، ستقتصر المواضيع على الطاقة.
في الواقع، وردت في العشرين من آذار/مارس أنباء عن صفقة غاز طويلة الأمد وقّعتها ألمانيا – التي تعتمد حالياً بشكل كبير على واردات الغاز الطبيعي الروسي – مع دولة قطر الخليجية التي تملك ثالث أكبر احتياطي غاز في العالم. وصرّح وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، في الدوحة قائلاً، “ربما لا نزال بحاجة إلى الغاز الروسي في هذا العام لكن ليس في المستقبل.” وتسرع ألمانيا في إنشاء محطتين لـ “الغاز الطبيعي المسال” لكي تتمكن من استيراد حمولات السفن التي ستوفرها قطر.
وفي هذا السياق، لم يساعد موقف السعودية التي أعلنت أنها لن تتحمل مسؤولية نقص إمدادات النفط في سوق الطاقة العالمية في أعقاب الهجمات الثلاث التي نفذها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران بطائرات بدون طيار على منشآت نفطية سعودية. إلّا أن هجمات الحوثيين لم تلحق الضرر بالقدرة الإنتاجية أو التصديرية للمملكة، وفقاً لبعض التقارير. لذلك، تم تفسير البيان على انحياز الرياض مجدداً إلى الجانب الروسي في كارتل “أوبك بلس” وأدى هذا التعنّت إلى استمرار ارتفاع الأسعار. فبعد تراجع أسعار النفط عن مستوياتها القياسية في الأسبوع الثالث من آذار/مارس، ارتفعت مرة أخرى في الحادي والعشرين من الشهر نفسه بنحو 7 في المائة.
بالإضافة إلى ذلك، تشنّجت العلاقات بين الرياض وواشنطن بسبب العداء الشخصي بين الرئيس الأمريكي بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يمسك فعلياً بزمام الأمور وليس والده الملك سلمان المعتل الصحة – في الأسبوع الثالث من آذار/مارس، تم تركيب بطارية جديدة في جهاز تنظيم ضربات القلب للعاهل السعودي.
أما موسكو، فلم تُعر الضغط الدبلوماسي الذي تتعرض له بشأن الطاقة أي اهتمام. فقد تراجعت صادراتها لأن استخدام الطاقة الروسية أصبح يهدد سمعة الشركات ولكن إيراداتها الإجمالية ارتفعت على الأرجح بسبب ارتفاع الأسعار. وتأمل الحكومات الغربية على ما يبدو أن تؤدي النكسات العسكرية إلى تقييد الخناق على روسيا وحل الأزمة بسرعة لأن الحل البديل غير محبّذ. فهي لا ترغب في مطالبة مواطنيها (الناخبين) بقبول ارتفاع أسعار البنزين وربما فرض قيود على الطاقة للحد من التشدد الروسي.
وفي الأسبوع الثالث من آذار/مارس اقترحت “وكالة الطاقة الدولية” ومقرها باريس – وهي مجموعة الدول الصناعية التي تنتمي إليها الولايات المتحدة – خطة من 10 نقاط لخفض استهلاك النفط وشملت خفض حدود السرعة القصوى، واستخدام السيارات المشتركة، والحد من السفر جواً في إطار الأعمال، وعدم استخدام السيارات أيام الأحد. وقد تبدو هذه الإجراءات منطقية من الناحية النظرية ولكنها صعبة التطبيق من الناحية العملية.
وعاد الشرق الأوسط مجدداً إلى قائمة الحلول من خلال القمة الثلاثية التي عُقدت في مصر بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات. وجاءت هذه الخطوة بعد ثلاثة أيام فقط من استضافة محمد بن زايد للرئيس السوري بشار الأسد في أبو ظبي، في حدث اعتبرته وزارة الخارجية الأمريكية “مخيباً للآمال ومقلقاً للغاية”.
فهذا هو الوضع المربك في الشرق الأوسط، إذ ترحّب حليفة للولايات المتحدة (الإمارات) بحرارة بقادة دكتاتوريين (بشار الأسد) يحظون بدعم إيران بينما يتذمرون علناً من غياب الدعم الأمريكي لمواجهة التهديد الإيراني. وقد يكون هذا التصرّف مبرَّراً ولكنه ليس بالضرورة مقنعاً بنظر الناس العاديين. فالمنطق يقول إن مصر وإسرائيل والإمارات تريد إبعاد الأسد عن طهران. ولم يتضح ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يوافق على أسلوب محمد بن زايد ولكن انزعاجه المحتمل لم يكفِ لإلغاء الاجتماع.
يبدو أن دبلوماسية الشرق الأوسط تستهدف إدارة بايدن التي أوشكت على إعادة إحياء اتفاق إيران النووي (الذي انسحب منه الرئيس السابق ترامب). وتترافق هذه الاستراتيجية الدبلوماسية في أحسن الأحوال مع مخاطر عالية وقد تصرف النظر عن حل الأزمة الأوكرانية. لقد حدد حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط أولوياتهم ويبدو أنها تختلف للأسف عن أولويات واشنطن.
.
رابط المصدر: