منعم خميس مخلف
“دراسة مقارنه للنظام الجمهوري- الرئاسي، البرلماني، حكومة الجمعية النيابية- الفرص والبدائل”
هيكلية البحث:-
– مقدمة عامة
المبحث الأول/ مفاهيم ومنطلقات أساسية:-
المطلب الأول:- مفهوم النظام السياسي.
المطلب الثاني:- مفهوم النظام الحزبي.
المطلب الثالث:- العلاقة ما بين النظام السياسي والنظام الحزبي.
المطلب الرابع:- الواقع السياسي العراقي بعد 9/4/2003 والقوى الفاعلة فيه.
المبحث الثاني/ النظام السياسي الإسلامي وأهم الآراء الفكرية فيه:-
المطلب الأول:- آراء أهل السنة في الحكومة.
المطلب الثاني:- آراء الشيعة الامامية في الحكومة رأي الإمام الشيرازي نموذجاً
المطلب الثالث:- أمكانية تطبيق النموذج عراقياً.
المبحث الثالث/ النظام الرئاسي:-
المطلب الأول:- نشأة وتطور النظام الرئاسي.
المطلب الثاني:- أسس ومتطلبات النظام الرئاسي.
المطلب الثالث:- مزايا وعيوب النظام الرئاسي.
المطلب الرابع:- إمكانية تطبيق النموذج عراقياً.
أ- الآثار الايجابية ب- الآثار السلبية
المبحث الرابع/ النظام البرلماني:-
المطلب الأول:- نشأة وتطور النظام البرلماني.
المطلب الثاني:- أسس ومتطلبات النظام البرلماني.
المطلب الثالث:- مزايا وعيوب النظام البرلماني.
المطلب الرابع:- إمكانية تطبيق النموذج عراقياً.
أ- الآثار الايجابية ب- الآثار السلبية
المبحث الخامس/ نظام حكومة الجمعية النيابية:-
المطلب الأول:- نشأة وتطور نظام حكومة الجمعية النيابية.
المطلب الثاني:- أسس ومتطلبات نظام حكومة الجمعية النيابية.
المطلب الثالث:- مزايا وعيوب نظام حكومة الجمعية النيابية.
المطلب الرابع:- إمكانية تطبيق النموذج عراقياً.
المبحث السادس/ البديل المقترح.
– الخاتمة.
– مصادر الدراسة.
“مقدمة عامة”
يعد العراق من بين أكثر الدول العربية التي شهدت تحولات وأحداث سياسية عنيفة منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة في العشرينيات من القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر وقد كان لهذه التحولات والإحداث بقدر ارتباطها باعتبارات المصالح والسياسات والتحالفات الدولية والإقليمية من جهة وتضارب أو تلاقي أفكار وأهداف الإطراف والقوى السياسية العراقية المختلفة من جهة أخرى في كيفية إدارة شؤون الدولة أثاراً شملت مجمل نواحي الحياة في العراق ومن بينها النواحي السياسية التي يمكن أن تعبر عنها بدلالة الفاعلية السياسية والاستقرار السياسي.
ولقد شهد العراق تحولات سياسية تمثلت في الأنظمة السياسية المختلفة التي تولت إدارة شؤون البلاد منذ عام1921 إلى الوقت الحاضر. فمنذ ذلك العام نشأ في العراق نظام ملكي برلماني أستمر حتى عام1958 تعاقبت فيه تسع وثلاثون وزارة على مدى (سبع وثلاثون عاماً) وتعاقب فيه على العرش ثلاثة ملوك هم على التوالي (الملك فيصل الأول، ثم أبنه الملك غازي ثم الملك فيصل الثاني) الذي تسلم العرش بعد بلوغه سن الثامنة عشر ونهاية وصاية الأمير عبد الإله، ثم أنهت ثورة1958 النظام الملكي ليحل محله النظام الجمهوري الذي استمر لغاية وقتنا الحاضر بالرغم من توالي وتعاقب القيادات والمذاهب السياسية المختلفة في قيادته.
لقد أثبتت التجارب السياسية السابقة أن هناك علاقة وثيقة ما بين شكل النظام السياسي المتبع والفاعلية والاستقرار السياسيين للدولة.
ففي العراق يمكن تحديد جملة من المؤشرات يمكن من خلالها قياس أداء الأنظمة السياسية المتعاقبة في مدى تحقيق الفاعلية والاستقرار السياسيين وما يتبعه من تقدم اقتصادي واجتماعي منها ما يتعلق بمدى النجاح في تطبيق قواعد الديمقراطية والحريات العامة والمشاركة في الحكم والتداول السلمي للسلطة والتعامل مع المسألة الكردية والمسألة الطائفية، ومنها ما يتعلق بنوعية العلاقات الخارجية مع المحيطين الإقليمي والدولي.
مشكلة البحث:-
تتلخص مشكلة البحث في استجلاء ما إذا كانت هناك علاقة بين طبيعة وشكل النظام السياسي الذي سوف يطبق في العراق من جهة والفاعلية والاستقرار السياسيين من جهة أخرى، وما هي نوعية هذه العلاقة بمعنى هل سيكون النظام الجمهوري رئاسي الذي قوامه رئيس جمهورية قوي هو الأفضل في إدارة شؤون البلاد في المرحلة الجديدة؟ أم النظام الجمهوري البرلماني الذي تكون فيه الوزارة بنفس القوة السياسية مع البرلمان؟ أم إن نظام حكومة الجمعية النيابية ونظام تدرج السلطات هو الأفضل؟ أم أن هناك شكلاً أخر من الأنظمة السياسية يمكن أن يكون البديل الأفضل، بمعنى البديل الذي يحقق أعلى المكاسب بأقل الخسائر الذي يتناسب مع الطبيعة المركبة للمجتمع العراقي.
فرضية البحث:-
اتساقاً مع مشكلة البحث التي طرحناها فإننا ننطلق من فرضية قوامها “أن هناك علاقة موجبة بين شكل نظام الحكم من جهة والفاعلية والاستقرار السياسيين من جهة أخرى في العراق” بمعنى آخر إنه كلما كان نظام الحكم الذي سيشكل مستوعباً للطبيعة المركبة للمجتمع العراقي كلما كان قادراً على تحقيق الاستقرار السياسي الذي يتبعه استقرار داخلي عام. وقد برهنت على هذه الفرضية عبر التاريخ نماذج عديدة من الأنظمة السياسية العالمية التي استطاعت النهوض بمجتمع حضاري متقدم على انقاض جملة من الصراعات الدينية والمذهبية والسياسية والاجتماعية بين جماعات لها أصول وديانات ومذاهب مختلفة بعيداً عن التدخلات الخارجية، وهذا ما تحقق في دول عديدة مثل الهند التي تضم تشكيلة اجتماعية مركبة بشكل كبير جداً وكذلك المجتمعات الأوربية التي استقرت بعد الصراعات الدينية والعرقية فيها ومثالها فرنسا وبريطانيا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تضم خليط من أديان وأعراق مختلفة.
منهجية البحث:-
إن دراستنا هذه تتطلب استخدام المنهج المقارن بشكل أساسي للمقارنة بين سمات الأنظمة السياسية المختلفة، وإبراز خصائصها الايجابية والسلبية التي يمكن أن تبرز في حالة التطبيق على الواقع العراقي، وكذلك استخدام المنهج الاستنباطي الاستدلالي للوصول إلى الحالة الأمثل لشكل النظام السياسي العراقي.
المبحث الأول/ مفاهيم ومنطلقات أساسية.
قبل الدخول إلى أي دراسة علمية لا بد من دراسة بعض المفاهيم والمنطلقات الأساسية لهذه الدراسة، فتحديد المفاهيم خطوة أساسية وعملية في تأسيس إدراك متبادل وفهم مشترك للموضوع أو الظاهرة قيد الدراسة.
وتأسيساً على ما تقدم سنعمد إلى دراسة مفهوم النظام السياسي ومفهوم النظام الحزبي ثم العلاقة ما بين النظام السياسي والنظام الحزبي ثم نعمد إلى دراسة الواقع السياسي العراقي وتجليات الاحتلال الأمريكي للعراق في 9/4/2003 وتداعيات ذلك الاحتلال على واقع العراق سياسياً وما هي القوى الاجتماعية التي بزغت على الساحة السياسية.
المطلب الأول:- مفهوم النظام السياسي.
يعد مصطلح النظام من أكثر المصطلحات استخداماً في أدبيات السياسة والعلاقات الدولية في الكتابات العربية أو الأجنبية على حد سواء، وإن كان يستخدم في الكتابات الغربية بدلالات مختلفة ولكن يترجم إلى العربية وفق كلمة نظام فكلمات Order و System وregime كلها تترجم إلى نظام بالغة العربية ونحن هنا لسنا بصدد فلسفة اصطلاحية ولكننا أردنا الإشارة إلى شيوع استخدام هذا المصطلح.
وفقاً للمفهوم التقليدي كان يقصد بالنظام السياسي أشكال الحكومات المختلفة التي تباشر السلطة في المجتمعات الإنسانية وكانت دراسة النظام السياسي تتركز في تحديد شكل الدولة ونوع الحكومة ولا تتعدى البحث في مجالات نشاط السلطة والجوانب الاجتماعية والاقتصادية لهذا النشاط، وبذلك يرى البعض إن النظام السياسي استخدم بدلالة القانون الدستوري تقليدياً حيث أن كل منهما تتركز الدراسة فيه على نظام الحكم من الناحية القانونية المجردة (عبد الغني بسيوني،1985، 807) حيث يرد الترادف ما بين النظام السياسي والحكومة. لأن الحكومة بالمعنى الواسع إن هي ألا ممارسة السلطة في جماعة سياسية معينة وعلى هذا الأساس فإن الأخذ بهذا التعريف يؤدي إلى انحسار أو حصر موضوعات النظم السياسية أساساً في الجانب العضوي أو الشكلي للسلطة بعيداً عن الخوض في أهداف السلطة ومجالات أنشطتها، وإنما فقط دوران دراستها حول النصوص الدستورية المنظمة للسلطة (ثروت بدوي،1964، 5).
بيد إن هذا المفهوم للنظام السياسي والنظرة القانونية الضيقة قد تراجع في فترة ما بين الحربين العالميتين، بسبب الانتقادات العنيفة التي وجهها له علماء السياسة السلوكيون حيث فضل علماء السياسة استخدام مصطلح PoIiticaI System على مصطلح Regime PoIiticaI حيث يأخذ المصطلح الثاني بعداً قانونياً بينما المصطلح الأول بعداً أوسع وأشمل، حيث انه مكون من مجموعة أمور مترابطة ومن تفاعلات عناصر مختلفة ومن تخصيص للمصادر الموجودة في المجتمع بناءاً على قوانين، ولهذا لم تعد السياسة مقرونة فقط بالقوة والعنف والاجبار، وإنما غاية السياسيين أصبحت تنصب على تعيين أهداف المجتمع كالبحث عن الهيبة والنفوذ والأمن للبلاد والرفاه الاجتماعي د.صادق الأسود،2″ وهكذا نشأ المفهوم الحديث للنظام السياسي حيث إن النظم السياسية لم تعد تنفذ نشاط السلطة في الحدود الضيقة التقليدية بل أصبحت تتدخل في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وبهذا أصبح هناك تحولاً بل وانقلاباً في المفهوم التقليدي للنظام السياسي فأصبحت الدراسة تنصب على مجالات نشاط السلطة لا شكلها فقط وأصبح شكل الحكومة عنصر من بين عناصر للدراسة، والسبب الأساس في تطور مفهوم النظام السياسي هو اتساع دائرة نشاط السلطة (ثروت بدوي،1964، 6) وعملها وامتدادها إلى أمور لم تكن تتناولها سابقاً.
ويرى ديفيد استن النظام السياسي بأنه “جزء من نظام أشمل هو النظام الاجتماعي وأن هناك علاقة تأثير متبادلة ما بين النظامين وإن محور النظام الاجتماعي هو النظام السياسي الذي يعد أكثر الأجزاء تطوراً وأكثرها تأثيراً في حياة أية دولة” (David Aston,1971, 97) أما موريس دوفرجيه فيرى إن النظام السياسي يمكن تعريفة بإيجاز على إنه “حكم وتنسيق” (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ، 95).
ومن كل ما تقدم نلخص بالقول إن أي نظام سياسي هو ليس الحياة الاجتماعية للجماعة الإنسانية وهو ببساطه عبارة عن شبكة من العلاقات السياسية بين مجموعة من الأطراف تؤدي إلى تتبادل فيما بينها.
المطلب الثاني:- مفهوم النظام الحزبي.
إن الأحزاب السياسية من المواد الأساسية والضرورية لدراسة الظاهرة السياسية وخصوصاً الداخلية منها والمتعلقة بالنظام السياسي وهناك بعض الخلط- في بعض الأحيان- بين مصطلح الحزب السياسي PoIiIicaI Party وبعض المصطلحات الأخرى مثل مجموعة الضغط Prussure group أو جماعة المصلحة Intrest group ولكنها في الحقيقة تختلف كثيراً الواحدة عن الأخرى إن مفهوم الحزب السياسي يشير- وكما يرى ذلك جاندا- إلى أنه “تنظيمات تسعى إلى وضع ممثليها المعلنين في موقع الحكم” بينما يعرفه فريد ريجيز بأنه “أي تنظيم يعين المرشحين للانتخابات لدخول الهيئات التشريعية” أما جوزيف شليسنجر فيرى بأن الحزب السياسي هو “التنظيم السياسي الذي يشارك بنشاط وفاعلية في التنافس من أجل المناصب الانتخابية” بينما يقدم سار توري ما يطلق عليه الحد الأدنى لتوافر عناصر الحزب السياسي وهو بذلك يرى إن الحزب السياسي “هو أي جماعة سياسية تتقدم للانتخابات وتكون قادرة على أن تقدم من خلال تلك الانتخابات مرشحين للمناصب العامة” (نقلاً عن أسامة الغزالي حرب،1987، 18).
أما في الجانب التطبيقي لتعريف الأحزاب فنرى إن قانون الأحزاب المصري النافذ يعطي تعريفاً للحزب السياسي- كما هو الحال لبقية قوانين الأحزاب الأخرى. وينص على انه “كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام القانون “قانون الأحزاب المصري” وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية والديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشؤون السياسية والاجتماعية للدول، وذلك عن طريق المشاركة في مسؤوليات الحكم ” (محمد رفعت عبد الوهاب،1990، 247). وعليه نرى أن هذا التعريف يتفق مع التعريف المتفق عليه إلى حد ما بين فقهاء القانون الدستوري والعلوم السياسية فالحزب السياسي بالنسبة لهؤلاء يتميز بمجموعة نواحي يمكن إيجازها كالآتي:- (محمد رفعت عبد الوهاب،1990، 247).
أ- كونه تنظيم أو جمعية منظمة بطريقة تسمح بالبقاء والاستمرار.
ب- ومن ناحية أخرى إن الحزب السياسي يسعى نحو الوصول إلى السلطة من أجل تطبيق مبادئه واختياراته السياسية “وبهذا يختلف مفهوم الحزب السياسي عن مفهوم ومدلولات جماعة الضغط وجماعة المصلحة التي تسعى إلى التأثير على السلطة دون المشاركة فيها أو محاولة الوصول إليها وهو ابرز ما يميز الحزب السياسي عن الجماعات الأخرى”.
ومما تقدم يمكننا إعطاء تعريف موجز للحزب السياسي على انه “مجموعة منظمة من الأفراد يجمعهم هدف وفكر مشترك يسعون للوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها بغية تحقيق تلك الأهداف ونشر ذلك الفكر
المطلب الثالث/ العلاقة ما بين النظام السياسي والنظام الحزبي:-
إن أي نظام سياسي من خلال اتساعه أصبحت دراسته ترتبط بشكل مباشر بدراسة موضوع الأحزاب السياسية، فإن ممارسة السياسة أو السلطة بشكل عام وخصوصاً عند مباشرة حق الانتخاب والاستفتاء تحتاج إلى تنظيم أو تنظيمات سياسية لتوعية المواطنين وممارسة الحريات السياسية الدستورية، وبالذات حرية الرأي والتعبير وبهذا فبدون النظام الحزبي أو الأحزاب السياسية ينشأ فراغ سياسي هام وهائل ما بين السلطة والمواطن فالحزب يعمل على بلورة رأي المواطن واتجاهاته.
إن الدول تختلف في أسلوب تنظيم الممارسة السياسية فمنها من تأخذ أسلوب التنظيم السياسي الواحد أو بنظام الحزب الواحد، وهذا عموماً كان في المجتمعات الاشتراكية وبعض بلدان دول عالم الجنوب والبعض الآخر أخذ بمبدأ التعددية الحزبية ومثال ذلك الديمقراطيات الغربية.
ويشير كل من باول والموند إلى إن دور الحزب السياسي هو دور النظام السياسي بسلطاته الثلاث وهي صنع القاعدة وتطبيق القاعدة والحكم بالقاعدة، وإن الأحزاب السياسية بوظائفها التي هي استجابة لمحيطها تساعد على تكييف ذلك النظام، وذلك بواسطة التوظيف والإعداد والتنشئة السياسية والتعبئة السياسية تختلف من مجتمع لأخر حسب الثقافة السياسية السائدة ومستوى الوعي والنظم السياسيين (حسان العاني،1980، 62)، ولمزيد من التفاصيل حول دور الحزب في التعبئة السياسية وأثرها في تشكيل بنية النظام السياسي أنظر،
(Martin Buvch and athers, 1985, 206-210)
وعلى هذا الأساس فإن الأحزاب السياسية تعد من أهم ركائز النظام السياسي كونها تؤدي مجموعة من الوظائف الأساسية فهي توفر أمكانية المشاركة السياسية والتعبير عن الرأي وتجميع المصالح وتعبئتها، وأداة من أدوات التجنيد السياسي، وتساهم بإسباغ الشرعية على نظام الحكم، (وصال العزاوي،2001، 59)، فواقع الحال يشير إلى أن استقرار النظم السياسية في بلدان العالم وخصوصاً لدى البلدان النامية يعتمد إلى حد كبير على قوة أحزابها وتكون العلاقة بينهما علاقة تبادلية، فقوة النظام الحزبي واستقراره يؤدي إلى استقرار النظام السياسي والعكس بالعكس.(أسامة الغزالي حرب،1987، 170).
ومن جهة أخرى فإن هناك من يربط بين نوع النظام الحزبي القائم وديمقراطية النظام السياسي من عدمها فيعد النظام السياسي ذا الحزب الواحد شمولياً وغير ديمقراطياً والنظام السياسي متعدد الأحزاب ديمقراطياً.
المطلب الرابع:- الواقع السياسي العراقي بعد 9/4/2003 والقوى الفاعلة فيه:-
بعد أن أصبح العراق ساحة لصدامات سياسية، وأصبح بلداً يعاني من فراغ سياسي وأمني، ودولة بلا مؤسسات سياسية ولا هيئات سلطه، بهذا أصبح الوضع العراقي والقضية العراقية غاية الحساسية والتشابك.
إن دراسة الواقع السياسي العراقي الذي نحاول الاشاره إليه بإيجاز إنما يكون مدخلاً لمعرفة النظام السياسي المناسب له.
ولعل من أبرز المؤشرات هو ظاهرة إنشاء الكثير من الحركات والأحزاب السياسية إلى درجة أصبح هناك أكثر من مائتي حزب وحركة سياسية بعد أن كان نظام الحزب الواحد هو السائد، أصبح واقع العراق يعاني من مشاكل اجتماعية برزت بشكل كبير قد تكون مكبوتة سابقاً لكنها ظهرت بعد سقوط الحكومة المركزية في بغداد. (أنظر سعد ناجي جواد ضمن محمد جمال باروت،2004، 39). وأصبحت هناك بطالة عارمة وتخلف أقتصادي شديد وأرتفاع معدلات الجريمة بكل أشكالها، وأصبح هناك انتشار لآفات اجتماعية كان العراق وباعتراف المنظمات الدولية المختصة خالياً منها مثل آفة المخدرات، وأصبح هناك ضعف متزايد في البنى الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والخدمية والعلمية والسياسية والأمنية واتسم الوضع العراقي في هذه الفترة بوجود خلافات ووجود رؤى سياسية لتشكيل مستقبل العراق وشكل الدولة هل هي دولة فدرالية؟ أم دولة مركزية؟ وهناك قوى وجهات تسعى لخلق فتن طائفية وعرقيه ومذهبيه وهي مشاكل يجب أن تواجه لأن هذه المشاكل لها تفاعلاتها على الصعيد المحلي الإقليمي والدولي وهناك جهات خارجية تغذي مثل هذه المشاكل وفقاً لمصالحها الاستراتيجية.
ومن جهة أخرى هناك اختلافات حول دور الدين “الإسلام” في السياسة فهناك اتجاهات نحو فصل الدين عن الدولة وهناك توجهات إسلامية أصولية، وهناك تيارات وسطية، فأصبح الواقع السياسي العراقي يشير إلى هذا المزيج المركب من الوضع الحالي، وكل هذه الحالات تدفع باتجاه ضرورة البحث عن شكل للنظام السياسي يستطيع جمع أطياف المجتمع العراقي في ظل نظام سياسي مستقر ودولة واحدة تتجسد فيها الوحدة الوطنية، لأن الشرعية هي خير وسيلة للاستقرار السياسي إذ أن عدم شرعية السلطة يضعف فاعليتها- تماماً كما إن الضعف أو اللافاعلية تقلل من الإيمان بشرعيتها وللا فاعليه ولا شرعية السلطة تأثير مدمر على الوعي الذاتي الجماعي الشامل الأوسع لقطاعات المجتمع التعددية، (ادوردسي بانفليد،1994، 21).
إن التحولات السياسية الأخيرة التي تمثلت باحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتغيير نظام الحكم العراقي بالقوة وإنشاء شكل جديد وطرق جديدة لإدارة النظام وشؤون الدولة وبالشكل الذي فتح الباب واسعاً أمام الروئ والأفكار المختلفة والمتضاربة في بعض الأحيان برزت إشكالية إدارة الشؤون السياسية وعبر أي نظام من أنظمة الحكم المعروفة عالمياً للتعامل مع التركه السياسية والاجتماعية والاقتصادية الثقيلة والوضع السياسي الجديد الناشئ عن طبيعة الاحتلال والبيئة السياسية الداخلية والخارجية للعراق.
وقد برزت العديد من القوى الاجتماعية على الساحة السياسية العراقية فبرزت العشائر والمرجعيات الدينية العليا إضافة إلى بعض الأحزاب الكبيرة ذات النفوذ الاجتماعي، (راجع صباح ياسين، دور العشائر العراقية،2004، 24 وكذلك رضوان السيد،2004، 131).
ولذلك يجب على الباحث أتباع التحليل السياسي العلمي الذي يمتاز بالموضوعية، والمساهمة في تشكيل نظري لنظام سياسي يتم فيه تجاوز كل التناقضات المجتمعية العراقية.
المبحث الثاني:- النظام السياسي الإسلامي وأهم الآراء الفكرية فيه.
لقد أسست الشريعة الإسلامية الفرّاء أسساً لنظام سياسي إسلامي، وكان ذلك على أساس الحكم الشرعي الذي يقابل القاعدة القانونية، فكلاهما خطاب يوجه إلى الكل ويلزمهم بانتهاج سلوك معين، وكلاهما ينطوي على معنى التنظيم أي تطبيق ما يشير أليه باطراد واستمرار وانتظام، وكلاهما يقلل إلى عنصرين هما الفرض والحكم، أما الفرض فيعني ما يفترض من مشكلة أو قضية يراد حلها، وأما الحكم فيعني الحل المنشود للقضية التي افترضت (مصطفى إبراهيم الزلمي، عبد الباقي البكري،1989، 39).
لذلك فان الفكر السياسي الإسلامي فكر رصين ومنشق من أرضية صلبة، فهو فكر يحافظ على حل المشاكل والقضايا الاجتماعية من خلال المحافظة على القيم والعادات والتقاليد النافعة، وأن يشذب كل ذلك ويهذبه ويرتقي به إلى مستوى ما يتطلبه الأساس المقدس وتفرضه نظرية النهضة، فعلم السياسة الحديث يقرر إن للعلماء الواعين الدور الأول في تغير بين المجتمع وعليهم تطوير الأداء السياسي وتصعيد العمل النهضوي بامتلاك الإرادة الواعية والنزاهة والإخلاص (د. أياد موسى محمود،2001، 594-595).
في حقيقة الأمر إن مباحث الخلافة التي كتبها علماء السن قبل أكثر من عشرة قرون تقريباً ما زالت تشكل لمجموعها هيكل النظرية السنية في الحكم والاحول الرئيسة التي ما زالت في صلب معتقدهم الديني، فالقائد السياسي أو الخليفة هو منصب يخلف به رسول الله (ص) وينزل فيه بمنزلته مما يؤدي أن تكون له الولاية العامة بل ويشير عبدو بن مالك العطار عن فتوى الإمام أحمد أبن حنبل أن من غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر فيذلك يكون الامامه العسكرية- الحكم العسكري- صحيحاً ومشروعاً (إبراهيم الشبوط،2004، 4).
وفي باب الكلام في حكم الاختيار من تمهيد الباقلاني قال إنما يصير الإمام إماماً بعقد من يعقد له الإمامة من أفاضل المسلمين الذين هم أهل الحل والعقد والمؤتمنين على هذا الشأن، وهذا التعريف الواقعي يمكن أن يستوعب كل ما يستجد من تطور في وظائف الحكم ومهامه وواجباته وحدود حاكميته وهو يشبه ما نسميه اليوم بمجلس الشورى أو البرلمان أو مجلس نواب الامة غير أن قصروا وظيفته على اختيار الحاكم وتسميته فقط ولكن هذا يرد حقيقة إلى أن الحاكم في الحكومة الإسلامية- وفق وجهة نظرهم- هو مصدر كل السلطات لا يقيده بها شيء غير الشريعة الإسلامية التي بذاتها لا تحتاج إلى تشريع أخر ولا ناظر غير الخليفة يكون مسؤولاً عن تطبيقاتها في المجتمع (إبراهيم الشبوط،2004، 7-8).
وهناك مجموعة من الركائز لبناء الدولة يمكن أن نشير إليها بإيجاز وهي كما يأتي:-
1. الشورى.
2. العدل.
3. المساواة.
4. الحرية.
وقد قرر فقهاء المسلمين السنة أن رئيس الدولة هو مستودع السلطة التنفيذية فهو الذي يمارس بصورة مباشرة أو غير مباشرة بحكم المسؤولية عن الرعية أمام الله وأمام الناس وعليه الاستعانه بذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص كل في حقل حكمه واختصاصه ويتكون جهاز السلطة التنفيذية من رئيس الدولة ومن هؤلاء المعاونين الاداريين في كافة المرافق العامة وللامام (رئيس الدولة) صلاحيات دينية ودنيوية (سياسية).
ولعل أبرز الصلاحيات الدينية حفظ الدين والجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأمة الإسلامية، ورعاية الشرع والعدل في جباية الأموال من موارد الدولة، السهر الدائم على إقامة الشعائر الدينية أما الصلاحيات الدنيوية (السياسية) فهي الإشراف على الشؤون العامة والدفاع عن الدولة في مواجهة الأعداء بأعداء الجيوش المحافظة على أمن الدولة والنظام العام والإشراف على أقامة العدل بين الناس والأشراف على الإدارة المالية واختيار أعوانه على الأسس الشرعية السلمية ممن تتوفر فيهم الكفاءة والخبرة والإخلاص والشعور بالمسؤولية (مصطفى إبراهيم الزلمي، عبد الباقي البكر،1989، 209-212).
المطلب الثاني/ آراء الشيعة الامامية في الحكومة (رأي الإمام الشيرازي نموذجاً).
يرى الإمام الشيرازي أم إن مهمة الحاكم في الحكومة في الإسلام هي إدارة البلاد والعباد إدارة تؤدي إلى عمران البلاد وازدهارها وأن تلك الإدارة يجب أن تكون قائمة على سياسة اللاعنف، كما إنه ليس للحاكم حق الديكتاتورية والاستبداد، ويجب أن تكون السياسة من صميم الإسلام، لأنه هو المستوعب لا حكام ما يفعله الإنسان (السيد صادق الحسيني الشيرازي،2003، 11) وفي الحكم والسياسة ضرورة وجود الحريات الإسلامية إذ يعدها أساس تقدم الإنسان وتطوره ويرى أن الحكومة الإسلامية في العراق بأن تستند إلى القدرة الواقعية المنبثقة من الشعب والقائمة على وجود الأحزاب والمنظمات والمؤسسات الدستورية أي إنه يؤمن بالتعددية وضرورة وجود رقيب على الحكومة أو معارضه تمنع الاستبداد.
ومن جهة أخرى يجب إطلاق العمل الحزبي والتنافس الحزبي مما يدفع نحو التقدم والرقي وكذلك ضرورة التعايش السلمي مع الأقليات على أن يكون الحكم بيد الأغلبية.
أما عن شكل الحكومة وكيفية تشكيلها فيرى أنها يجب أن تنبثق عبر انتخابات حرة ينتخب فيها الحاكم تبعاً لأكثرية الآراء شرط توافر المواصفات التي اشترطها الله سبحانه وتعالى كالعدالة والاجتهاد في الأمور الدينية والإطلاع على شؤون الدنيا وتكون الانتخابات في فترات محدودة ولزمن محدود. ولذلك فهو يرفض النظام الوراثي للحكم كما إنه يرفض الحكم بالانقلاب العسكري حتى وإنْ كان الحاكم مسلماً (السيد محمد الحسيني الشيرازي،2000، 19-20).
أم بالنسبة لمسألة ولاية الفقيه أو رؤيته للمرجعية القيادية فالمرجعية منصب ديني يحظى بأهمية بالغة في العالم الإسلامي والشيعي على وجه الخصوص وهي لمصطلح تعني الرجوع إلى المجتهد العالم بالحكم الشرعي في مجالات الحياة المختلفة في عصر غيبة الإمام المعصوم.
والمتصدي والمكلف بإدارة المسلمين دينياً ودنيوياً يسمى بالمرجع. ويرى بأن المرجع بمنزلة القائد والأمة بمنزلة الجيش وهذا ما يخلق تفاعلاً بينهما ويرتب الحقوق والواجبات المتبادلة.
والولاية العامة قسمان:
1. الولاية العامة المطلقة: بمعنى أن ما للإمام المعصوم (ع) من الصلاحية تكون للفقيه الجامع للشرائط أيضاً وتشمل الدماء والفروج والأموال.
2. الولاية العامة المقيدة: وهي المرتبة النازلة من تلك الولاية وما فوق الأمور الحسية كالولاية على الاجتهاد والحدود والسياسات وغيرها وهذه وإنْ كثرت الكلمات فيها واختلفت الأقوال لكن الأقوى في النظر جواز تصدي الفقيه لها إلا ما خرج بدليل خاص (مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات،2002، 36-37).
إن الأمة هي التي تفوض القيادة الرسمية للفقيه بعد انطباق شرائط الشريعة عليه وهي البلوغ، العقل، الأيمان، العدالة، الرجوع اليه، الحرية، كونه مجتهداً مطلقاً، الحياة، الاعلميه، طهارة المولد، (مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات،2002، 38-39).
لذلك يمكن القول أنه في غيبة الإمام المعصوم (ع) فيلزم في الحاكم أمرين أساسيين مهما:
1. أن يكون جامعاً لشرائط الفتوى وهي العلم بأمور الدين والدنيا والعدالة والذكوره والايمان وغير ذلك مما ورد أعلاه في الكتب الفقهية.
2. أن يكون مختاراً من قبل الشعب بأكثرية الآراء.
ويؤكد الإمام الشيرازي على الشورى كمبدأ في مقابل الاستبداد الفردي في الحكم ويقول مسألة شورى الفقهاء والمراجع وأهم ملامح هذه النظرية أو الرؤية لديه أنه في الإسلام الحكم شورى يعني إذا كان سلاحه أكثر من مرجع تقليد فيجب إشراك الجميع في الحكومة على نحو الاستشارة وما قررته الأكثرية منهم يلزم العمل والأخذ به وبهذا يمكن استيعاب المراجع الفقهاء مع اختلافهم في وجهات النظر (مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث،2002، 43).
ويأتي بعد الحكم الهيئة التطبيقية (مجلس الأمة الإسلامية) والهيئة القضائية والهيئة التنفيذية. وتتشكل الحكومة وفق ثلاث انتخابات وهي كالأتي:-
1. انتخابات السلطة العليا من الفقهاء الذين هم مراجع تقليد الأمة ليكونون مجلس الشورى.
2. انتخاب رئيس الدولة مما يصطلح عنه برئيس الجمهورية وهو منتخب بالموافقة والتوافق ما بين السلطة العليا ومجلس الأمة وجماهير الأمة.
3. انتخاب مجلس النواب في انتخابات حرة.
وهكذا يبرز الإمام الشيرازي الفرق بين الحكم الإسلامي والحكم الديمقراطي بالأتي:
1. وجود سلطة عليا من الفقهاء.
2. تقييد الحكم بأن يكون في الإطار الإسلامي ولذا فمجلس الأمة للتطبيق لا للتشريع.
ويؤكد على إن الحاكم مقيد في البلاد الإسلامية فهو ليس ديكتاتوراً وكما يقول الإمام علي أمير المؤمنين (ع) ليس سبعاً ضارياً يعني إنه يصادر أموال الناس وحرياتهم ويكبت أنفاسهم حتى بالنسبة للكفار الذين يعيشون في البلاد الإسلامية (السيد محمد الحسيني الشيرازي،2001، 221).
ويجب على الحاكم إعطاء الحريات العامة لمختلف الأحزاب السياسية والتقدم بالمسلمين وعدم تدخل الحكومة في شؤون الناس بشكل استفزازي. ومثلما يؤكد الإمام الشيرازي على مسألة الشورى وإنها أساس في الحكم الشرعي، فإنه يؤكد على وجوب أن يكون هناك إتباع لسياسة اللاعنف لإدارة وازدهار وعمران البلاد (د. سعد الاماره،2003، 156) وإن القوانين الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.
أما بالنسبة للتعامل مع مسألة الأقليات فيرى أن التعايش السلمي مع الأقليات وهم مخيرون حتى في القضاء بين قضاء الإسلام وفضاءهم مقابل التزامهم باحترام المشاعر الإسلامية لكن لا يجوز لحزب أن يدعو إلى ما يعادي الإسلام (السيد محمد الحسيني الشيرازي، بلا تاريخ، 762) وأن أساس الدولة اقتصادياً يكون على أساس مبدأ حرية رأس المال.
المطلب الثالث/ إمكانية تطبيق نموذج عراقياً
حقيقة الأمر وفي ظل التطورات الدراماتيكية التي يعيشها العراق حالياً وتأثيرات البيئة الداخلية والإقليمية والدولية- دون الدخول في تفاصيل هذه الظروف لا يمكن تطبيق نموذج الحكم الإسلامي حالياً في العراق لا لوجود عيب أو خلل أو نقص في أنظمة الحكم الإسلامية وإنما لطبيعة الظروف الخارجية- أي خارج إطار الشريعة الإسلامية- ولعل أبرزها وجود قوى علمانية رافضة تماماً للنموذج الإسلامي في الحكم ووجود قوى خارجية تخشى من وجود مثل هكذا نظام.
لذا فأننا يمكن أن نستفيد من مبادئ عامة وأساسية لتشكيل نظام سياسي عراقي قوي يعتمد الشريعة الإسلامية كأساس وإطار عام وذلك للخصوصية الإسلامية للمجتمع العراقي- والتي لا يستطيع أحد إنكارها- ويمكن الاستفادة من روئ مراجع الدين وذلك من خلال تشكيل هيئة عليا من الفقهاء المسلمين- من كافة أطياف المجتمع الإسلامي العراقي. وبعض رجال الدين المسيحيين والديانات الأخرى وتكون مهمتها استشارية ويكون رأيها توافق مع الحكومة ويجب على الحكومة الاستئناس برأي هذه الهيئة أو المجلس
المبحث الثالث:- النظام الرئاسي.
إن النظام الرئاسي هو نوع من أنظمة الحكم يضع الهيئة التنفيذية بيد رئيس الدولة وهو رئيس الصفوة الحاكمة يعاونه مجموعة وزراء يعدون بمثابة مستشارين “وأحياناً يطلق عليهم أسم سكرتير كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية” ويكون رئيس الدولة هو رئيس الحكومة بالوقت نفسه، ويكون غير مسؤول سياسياً أمام السلطة التشريعية، ويختار رئيس الدولة “الحكومة” من قبل الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويعطي البعض تعريف للنظام الرئاسي فيرى إنه “ذلك النظام الذي ترجح فيه كفة رئيس الدولة في ميزان السلطات”، (محمد كامل ليله،1968، 568).
ويقوم النظام الرئاسي على مجموعة من الأسس وله مجموعة من المميزات كما أن له عيوب بالوقت نفسه، وقد يصلح هذا النموذج للعراق وقد لا ينجح. وعلى هذا الأساس سنتناول هذه الفقرات أدناه:-
المطلب الأول:- نشأة وتطور النظام الرئاسي.
لقد كان لآراء لوك مونتسكيو في ألفعل بين السلطات تأثير كبير على واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية في سنة1787 فأقاموا نظامهم السياسي على أساس ذلك المبدأ وقد كان قصد واضعي الدستور الأمريكي اعتماد الفصل المطلق بين السلطات وتحقيق المساواة بينها، غير أن النصوص الدستورية التي قررها أسفرت عن فصل نسبي سمح ببعض التداخل في الاختصاصات كما إن العمل قد أدى إلى رجحان كفه السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الدولة، وهذا النظام يختلف اختلافاً كبيراً عن الأنظمة المسماة خطأ بالرئاسية مثل بعض نظم دول أمريكا اللاتينية أو مصر وهي ليست بذات المعنى القانوني والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ففي مصر مثلاً يمكن لمجلس الشعب إقالة وزير وفقاً للمادة “126” من الدستور المصري لعام1971 والتي نصت على المسؤولية السياسية الفردية لكل وزير على حده إذ نصت على أن لمجلس الشعب أن يقرر سحب الثقة من أحد نواب الرئيس لمجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم وسحب الثقة يكون بناءاً على تصويت مجلس الشعب عقب استجواب تمت مناقشته. (محمد رفعت عبد الوهاب،1990، 247). ومع هذا تم وضع عدة شروط وضمانات لذلك العمل بيد أنه نص على إمكانية تدخل السلطة التشريعية بعمل السلطة التنفيذية وهناك أيضاً المسؤولية الجماعية للوزراء أمام البرلمان التي نصت عليها المادة “127” والدستور المصري لعام1971. (محمد رفعت عبد الوهاب،1990، 247). وهذا غير موجود في أسس النظام الرئاسي.
إن أساس فكرة إقامة نظام سياسي يعتمد على مبدأ الفصل بين السلطات وهو النظام الرئاسي كانت أفكار لوك إذ وجد أنه في عام1988 وهو عام الثورة في إنكلترا وإعلان وثيقة الحقوق BiII of Riyhts إذ إن القضاة كانوا قابلين للعزل في وقت كانوا فيه خاضعين لسلطة الملك يتصرفون حسب ما يوصي إليهم به، وكانت الأمور تسير على أساس التنكيل بخصوم الملك وتبرئة أنصاره، وبالرغم من تغير وضع القضاة بعد الثورة إذ أصبحوا غير قابلين للعزل إلا بقرار من البرلمان إلا إن هذا التغير في الوضع لم يضمن لهم الاستقلال الكامل في قضائهم والحياد والنزاهة في إحكامهم لأنهم كانوا خاضعين ومتأثرين باتجاهات وميول حزب الأغلبية في البرلمان، (عبد الحميد متولي،1961، 112) وهذا ما دفع لوك إلى إدراج القضاء بين سلطات الدولة التنفيذية وعدم اعتباره سلطة مستقلة، لكننا نلاحظ أن القضاء أصبح بمضي الزمن سلطة مستقلة لها ضماناتها وحقوقها. (رايموند كيتل،1960، 285 وما بعدها). وبمرور الزمن استطاع الرئيس الأمريكي الاستئثار بالعديد من السلطات والصلاحيات مما أدى إلى رجحان كفه الرئيس باعتباره مرشح الأمة وممثل الشعب بأكمله وكذلك من خلال السلطات الممنوحة له من قبل البرلمان “الكونكرس” نفسه فالصلاحيات المالية التي يتمتع بها الرئيس قد فوضت إليه وفقاً للقوانين التي صدرت بخصوص الميزانية والحساب الختامي في عام1921. (رايموند كيتل،1960، 251).
وبتوالي الأحداث وانتشار النموذج الأمريكي في الحكم والديمقراطية الأمريكية أدى ذلك إلى محاولة العديد من دول العالم نقل النموذج الأمريكي، لكن الحقيقة تشير إلى الكثير من بلدان العالم لم تنجح في مسعاها ذاك لأسباب تختلف من بلد لأخر بسبب اختلاف المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية… الخ، فالدستور والنظام السياسي هو وليد البيئة الاجتماعية وليس حدثاً طارئاً عليها، ويجب الإشارة إلى أن الدستور الأمريكي وغيره من الدساتير التي آخذت بالنظام الرئاسي قد تأثرت بشكل كبير بآراء مونيسكيو وخصوصاً كتابة روح القوانين Siprit of Laws الذي بين فيه نظريته الخاصة بمبدأ الفصل بين السلطات.
المطلب الثاني:- أسس ومتطلبات النظام الرئاسي.
إن النظام الرئاسي يقوم على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى ويمكن الإشارة إلى هذه الأسس والمتطلبات بالآتي:-
1- وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
2- الفصل شبه المطلق بين السلطات.
3- يكون اختيار الوزراء “الحكومة” بيد رئيس الدولة دون تدخل من السلطات الأخرى ويكونون مسؤولون أمامه فقط.
4- المرونة الحزبية.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات وفقاً لمجموعة محاور وكما يأتي:-
1- وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
يقوم النظام الرئاسي على وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب، ويجمع بين صفة رئيس الدولة ورئيس الحكومة وقد قصد واضعوا الدستور الأمريكي مثلاً بذلك تحقيق المساواة ما بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فقد ركزوا السلطة التنفيذية بيد رئيس الدولة المنتخب من الشعب، ولذلك أصبح في مركز متعادل مع البرلمان الذي يستمد سلطته من الشعب هو الأخر. (محمد كامل ليله،1968، 570 وكذلك لتفاصيل أكثر حول الظروف التي أدت إلى استئثار الرئيس بالقيادة الأمريكية توضع للنظام الرئاسي،(Martin Bureh and others,1985, 237-238) لكن الواقع العملي أثبت أن الكفه تميل لصالح الرئيس إذ أنه ممثل الشعب بأكمله ويتمتع بتأييد غالبيته، بينما النائب في البرلمان وإنْ كان ممثل الشعب بأكمله إلا إنه لا يتمتع بالأغلبية إلا في دائرته الانتخابية والتطور العلمي والثقافي أدى إلى ازدياد دور السلطة التنفيذية وتزايد اختصاصها مع جعل الرئيس يتمتع بقوة ونفوذ في مواجهة البرلمان.
إن الشعب هو من ينتخب رئيس الجمهورية وليست الهيئة النيابية وذلك عن طريق الاقتراع العام سواء أكان مباشراً أم غير مباشر-لذا- فإن رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة وهذا يعني أنه لا يوجد فصل بين منصبي رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية “رئيس الحكومة”، وتظهر لنا عملية الانتخاب ووحدة المركز بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة هو إن النظام الرئاسي لا يمكن تطبيقه في النظام الملكي. (ثروت بدوي،1975، 341).
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام وعلى درجتين “مرحلتين”، ولكن المندوبين الذين ينتخبون الرئيس إنما يتلقون في الواقع- وكما يؤكد ذلك موريس دوفرجيه توكيلاً على سبيل الإلزام. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،95). ولكن ما زالت واقعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية لعام2000 ماثله في الأذهان إذ إن المرشح الديمقراطي ال غور قد فاز في الاستقصاءات العامة “انتخابات الدرجة الأولى” بينما فاز المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش في الانتخابات النهائية “انتخابات الدرجة الثانية” وعلى هذا الأساس فإن مسألة التوكيل على سبيل الإلزام، قد تكون واقعة قانونية بيد إنها في الوقت نفسه مسألة نسبية في كل الأحوال.
ويتضح مما سبق أيضاً أن الرئيس “رئيس الدولة” يسود ويحكم بنفس الوقت، بل إنه يتمتع بصلاحيات وسلطات واسعة جداً.
2- الفصل شبه المطلق ما بين السلطات.
إن الأساس الذي يقوم عليه النظام الرئاسي هو مبدأ الفصل بين السلطات ولهذا المبدأ تاريخ قديم يعود إلى فلاسفة الاغريق إذ رأى افلاطون ضرورة توزيع وظائف الدولة وأعمالها المختلفة على هيئات متعددة مع إقامة التوازن والتعادل بينهما حتى لا تستبد هيئة بالحكم في الدولة فتضطرب أحوالها ويؤدي ذلك إلى حدوث ثورات وانقلابات… الخ لذلك نرى أن افلاطون قد رأى ضرورة فصل وظائف الدولة وفصل الهيئات التي تمارسها عن بعضها على أن تتعاون كلها للوصول إلى الهدف النهائي أو الرئيسي للدولة وهو تحقيق النفع العام للشعب وفي سبيل عدم انحراف هيئات الحكم عن اختصاصها وأهدافها تقرر لها بعض الوسائل الرقابية فيما بينها. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،95).
ومع إن البعض يرى أن النظام الرئاسي يقوم على الفصل التام بين السلطات. (محمد كامل ليله،1968، 551). إنهم استخدموا عبارة الفصل بين السلطات وهم يقصدون مجرد توزيع السلطات بين هيئات مختلفة دون أن يستلزموا إقامة فصل جامد أو حواجز منيعه بين تلك الهيئات. (عبد الغني بسيوني،1985، 279).
لقد تصور رجال الثورة الفرنسية أن الدولة التي لا تقوم على مبدأ فصل السلطات تفقد أساسها الدستوري وفسروا مبدأ الفصل بين السلطات بمعنى الفصل التام والمطلق والجامد ما بين السلطات، إذ تنفي كل علاقة أو تداخل بين الهيئات التي تتولى هذه السلطات، وفوق هذا وذاك لم يجعل رجال الثورة الفرنسية من مبدأ الفصل بين السلطات مجرد وسيلة لتحديد السلطة أو ضمانة لحريات الأفراد بل وجدوا فيه مبدأ قانونياً يسند إلى عد كل وظيفة من وظائف الدولة جزءاً منفصلاً ومستقلاً عن أجزاء السيادة الأخرى وتأسيساً لذلك تأسس أول دستور للثورة الفرنسية في 3- أيلول1791 الذي جعل كل سلطة مستقلة تماماً عن السلطات الأخرى متأثراً بالدستور الأمريكي، وهذا ما أدى في فرنسا إلى الاستبداد وقمع الحريات وإقامة أبشع صور الإرهاب. (ثروت بدوي،1975، 322).
إن النظام الرئاسي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات لذلك نجد الدستور الأمريكي يجعل اختيار القضاة بالانتخاب وينص على عدم إمكانية تعديل نظام المحكمة الاتحادية العليا إلا وفقاً للأوضاع الخاصة بتعديل الدستور نفسه، وكذلك عدم إمكانية الجمع بين العضوية البرلمانية والمنصب الوزاري في مقابل عدم مسؤولية الرئيس والوزراء سياسياً أمام البرلمان، ولا يحق للرئيس بالمقابل حل البرلمان سواء بالنسبة لمجلس الشيوخ أو لمجلس النواب، وليس للوزراء أن يحضروا جلسات مجلس البرلمان بهذه الصفه. (ثروت بدوي،1975، 234، ولتفاصيل أكثر انظر حسن الحسن،1971 وخصوصاً 37، 39).
ولكن في حقيقية الأمر ليس فصلاً مطلقاً وإنما توجد له بعض الاستثناءات فلرئيس الجمهورية حق الاعتراض على مشروعات القوانين التي وافق عليها البرلمان، ولكنه اعتراض توفيقي فقط إذ إن البرلمان يستطيع إقرار القانون الذي اعترض عليه الرئيس وجعله نافذاً مباشرةً دون اشتراط موافقة الرئيس في حالة موافقة ثلثي أعضاء البرلمان على المشروع، وفي المقابل يقر الدستور الأمريكي بعض الامتيازات لمجلس الشيوخ يمارسها تجاه السلطة التنفيذية فيستلزم موافقة مجلس الشيوخ لتعيين بعض كبار موظفي الدولة مثل السفراء وقضاة المحكمة الاتحادية العليا وكذلك ضرورة موافقته في مسألة المعاهدات والاتفاقات الدولية. (عبد الغني بسيوني،1985، 280)، إذ إن موافقة مجلس الشيوخ ضرورية ولازمة لإبرام أي معاهدة أو اتفاقية دولية ولعل حادثة عصبة الأمم التي هندسها الرئيس الأمريكي الأسبق ودرو ويلسن بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وفي مؤتمر فرساي عام1920 إلا إن عدم موافقة مجلس الشيوخ عليها حال دون دخول الولايات المتحدة الأمريكية للعصبة.
3- يكون اختيار الوزراء “الحكومة” بيد رئيس الدولة فقط دون تدخل من السلطات الأخرى ويكونون مسؤولون أمامه فقط.
مع إننا سبق وإنْ بينا أن تعين كبار موظفي الدولة لا يتم الا بموافقة مجلس الشيوخ فإنه قد جرى عرفاً في الأنظمة الرئاسية وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية- أن يقوم رئيس الدولة دون تدخل من احد بتعيين وزراءه أو مساعدية وهو يعينهم كما يحق له إقالتهم دون تدخل من احد وهكذا ظفرت السلطة التنفيذية متمثله بشخص رئيس الدولة بصلاحيات واسعة وسلطات عظيمة. (ثروت بدوي،1975، 298). ويسيطر الرئيس تماماً على وزراءه ويخضعون له ولهم سلطات استشارية فقط معه، مما يروى عن سيطرة الرئيس على وزراءه إن الرئيس الأمريكي الأسبق لنكولن قد لاحظ عند استشارته لوزراءه في إحدى المسائل أنهم أجمعوا على رأي مخالف لرأيه فلم يعتد برأيهم وقال بابتسامه ساخره”سبعه قالوا لا، واحد قال نعم، إذن هي نعم صاحبة الأغلبية” واتخذ قراراً مخالفاً لرأي مستشاريه- وزراءه-، ومن جهة أخرى فإن الوزراء لا يسألون أمام أي جهة أخرى عدا مؤسسة الرئاسة ممثلة بالرئيس، وإنْ كان هناك المسألة الجنائية التي يرى البعض إنها قد تتحول إلى مسؤولية سياسية إذا كانت الأمور قد سارت بهذا الشكل وذلك الاتجاه. (موريس دوفرجيه، بلا تاريخ،96). لكنه أمر صعب ولعل قضية مونيكا لوينسكي التي عصفت باركان البيت الأبيض في عهد رئاسة كلينتون خير دليل على ذلك.
4- المرونة الحزبية.
إذ إن النظام الرئاسي يتطلب توافر درجة عالية من المرونة الحزبية، أي عدم التصويت ككتلة حزبية واحدة وقد يثور التساؤل لماذا؟ الجواب إن السلطة التشريعية تمتلك الكثير من السلطات ومن بينها السلطة المالية، والحكومة لا تنبثق من حزب الأغلبية البرلمانية في النظام الرئاسي أي قد يكون رئيس حزب رئيس الدولة لا يستند إلى أغلبية حزبية مماثلة في البرلمان، فإذا حصل تصويت لمسألة ما تقدمت بها السلطة التنفيذية، ولتكن تتعلق بأمور مالية وكان هناك انضباط وصرامة حزبية وهناك معارضة للحكومة داخل البرلمان كان التصويت حتماً سيكون لغير صالح الحكومة، مما يعني حدوث نوع من الجمود الحكومي وعدم قدرة الحكومة على العمل وبالتالي إلغاء مبدأ الفصل بين السلطات أما في حالة المرونة الحزبية فان النائب لا يُلزم بالتصويت مع اتجاه حزبه بشكل قاطع.
وعلى هذا الأساس نرى إن الأحزاب في الولايات المتحدة الأمريكية أحزاب لا تقوم على قاعدة ايدلوجيه واجتماعية وإنما تهدف إلى السيطرة على بعض المناطق الإدارية والسياسية. (عامر فاخوري،2004، 98).
المطلب الرابع:- مزايا وعيوب النظام الرئاسي.
للنظام الرئاسي كغيره من الأنظمة السياسية الأخرى مجموعة من المزايا والعيوب ويمكن إيجازها بالآتي:-
أ- المزايا.
1- توفير الاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة. (محمد كامل ليله،1968، 597).
2- تأمين استقرار الحكومة بغض النظر عن الاتجاهات الحزبية المعارضة.
3- يوفر فرصة أفضل لعمل الحكومة وحرية الحكومة وفي المقابل يوفر للبرلمان حرية الحركة والمناقشة فللبرلمان سلطة مهمة لعل أبرزها يتركز في المسائل المالية. (نادية المختار،2001، 30).
4- إن الرئيس في النظام الرئاسي يتمتع بشعبية كبيرة وهيبة مهمة لأنه مرشح الأمة ومنتخب من الأمة بشكل مباشر وهذا ما يعفي الرئيس من الولاءات الضيقة.
5- إنه نظام ناجح في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكامله والتي يكون فيها مستوى النضوج والوعي السياسيين عالياً. (د.ثناء فؤاد عبد الله،1997، 256). لأن الديمقراطية لا تكتفي برسم حدودها لما يحق أو لا يحق أن تفعله، ولكنها أيضاً تحكم على بعض الأفكار والمعتقدات التي تجد لها مكاناً في أذهان بعض الأفراد من الشعب، بل يجري في بعض الأحيان السماح للعنصرين بالتظاهر والتعبير ضد هذه الجهة أو تلك باسم الديمقراطية وحرية الفكر وهذا غير موجود في كثير من دول العالم الأخرى. (د. رجا بهلول،2000، 50-51).
ب- العيوب.
1- إن تطبيق هذا النظام الذي يقوم على الفصل بين السلطات غير ممكن لأنه يعني كالفصل بين أجزاء الجسم البشري، لان الاتصال بين السلطات الثلاث اتصالاً عضوياً.
2- إنه يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية وصعوبة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.
3- يرى روسو أن فيه تجزئة للسيادة، وذهب آخرون مثل بعض الفقهاء/ المان كجيلنك ولاباند والفرنسي العميد ديكي إلى القول، إن الفصل بين السلطات يؤدي إلى هدم وحدة الدولة. (راجع أحسان المفرجي وآخرون،1990، 75).
4- أنه يؤدي إلى الاستبداد في دول عالم الجنوب أي استبداد السلطة التنفيذية وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً في الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة.
5- ويذكر بعض المفكرين العرب أن الأنظمة العربية وبشكل عام هي نظم محافظة وهي على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسي والهياكل الأساسية بنحو سلمي وكاستجابة لمطالب الرأي العام، بل إن الأدهى من ذلك إنه ليس هناك تغير لأي نظام سياسي عربي قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون التغير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية. (يحيى الجمل،1984، 363). ولذلك فالنظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.
المطلب الرابع/ إمكانية تطبيق النموذج عراقياً.
بدءاً يجب القول إننا يجب أن لا ننعزل عن العالم الخارجي في عالم أصبحت الحياة والعالم قرية صغيرة في ظل الثورة المعلوماتية والاتصالية، ولا يمكن التقوقع والأنكفاء على الذات والتأثير والتأثر بالآخرين هذا من جهة، لكن من جهة أخرى يجب أن نفهم أمور عدة لعل أبرزها مسألة الخصوصية وأثرها في بلورة رؤية سياسية ودستورية قادرة على خلق نظام سياسي فعال، فاختلاف البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستؤدي حتماً إلى اختلاف درجة نجاح هذا النظام أو ذاك.
إن تطبيق النظام الرئاسي في العراق ستكون له آثار ايجابية وأخرى سلبية، وسنحاول في هذه الفقرة إعطاء الرأي حول مدى صلاحية ذلك النوع من الأنظمة من العراق، وستكون هذه الفقرة بمثابة استنتاجات حول مدى الصلاحية من عدمها.
أ- الآثار الايجابية:-
1- يمكن أن يلعب الرئيس في النظام الرئاسي بعد انتخابه من غالبية الشعب دوراً رئيساً في تعزيز الوحدة الوطنية لا سيما إن كان يحظى بتأييد مهم من قبل معظم أطياف ومكونات الشعب العراقي إذ ينظر إليه كرمز للوحدة الوطنية.
2- إن وجود سلطة تنفيذية قوية برئاسة الرئيس سيساعد على تخطي حواجز الجمود القانوني والبيروقراطي والعمل بسرعة وديناميه لا سيما في مجال اتخاذ القرارات الملحة التي تعالج أفعال أو ردود أفعال تستدعي الرد السريع وهذه هي السمه الغالبة في عالم اليوم، إذ أصبح رجال الدولة وخبراء السياسة اللامعين غير قادرين على نحو متزايد على قياس آثار الدرجة الأولى أو الثانية لقراراتهم نتيجة للتعقيد والسرعة التي ميزت التفاعلات والعلاقات الدولية الراهنة.
3- وجود رئيس جمهورية يتمتع بتأييد أغلبية أطياف الشعب العراقي يساعد إلى التخفيف إلى حد ما من الأزمات السياسية الداخلية التي يمكن أن تحدث في ظل وجود عدد هائل وكبير من الأحزاب السياسية المتقاربة من حيث موازين القوة والتأثير بشكل يضعف كثيراً من الأداء السياسي للحكومة العراقية ويهدد الاستقرار السياسي والأمني في حالة الأنظمة السياسية الأخرى.
4- أنه سيساعد على معالجة الأوضاع الأمنية المنفلتة بقوة، وتكون له القدرة على تحقيق الخدمات الأساسية لان المرحلة الراهنة تحتاج إلى عمل سريع وقوي.
ب- الآثار السلبية.
1- يمكن أن يؤدي النظام الرئاسي الذي يقوم على تخويل سلطات واسعه للرئيس في حالة استلهامه نسقاً لا روحاً فضلاً عن ضعف الجهاز المؤسسي وأجهزة المراقبة على أعمال الحكومة إلى نشوء ديكتاتورية جديدة في العراق ولو بشكل مختلف، على غرار ما حدث في دول كثيرة لدى تطبيقها للنظام الرئاسي كالمكسيك وتشيلي وحتى في ظل النظام المصري الحالي.
2- إن هذا النظام سيؤدي إلى إضمحلال سلطة الوزراء أمام رئيس الدولة مما يعني كبح الآراء المعارضة وتعدد الآراء.
3- قد يؤدي تطبيق هذا النظام إلى تمتع الرئيس بصلاحيات واسعة أمام البرلمان بصفته منتخب من قبل الشعب بشكل مباشر، فان ذلك سيحد من الإمكانية العملية للبرلمان في مراقبة ومحاسبة الرئيس ووزراءه أو حتى محاولة إسقاطه إذ سيكون الرئيس متمترساً خلف مبدأ الفصل الجامد بين السلطات وبشكل يمكن أن يحد من إمكانية توظيف القدرات الكامنة والمتحركة المختلفة التي تنطوي عليها البيئة الداخلية العراقية المتنوعة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً وقومياً… الخ لإعادة البناء والنهوض والتي هي مهمة لا يمكن إنجازها ألا بالجهد المشترك لجميع فئات المجتمع العراقي الكبيرة والصغيرة.
إجمالاً يمكن القول إن النظام الرئاسي ممكن أن يطبق في العراق كحل مؤقت لا جذري فحالياً وبسبب ضعف الوعي السياسي ودرجة النضج السياسي وظاهرة تكاثر الأحزاب والحركات والتكتلات السياسية لا نستطيع تطبيق النظام البرلماني، وإلا كُنا كل شهر بدون حكومة، تسقط وزارة لتشكل أخرى بسبب الائتلافات الحزبية ونموذج ايطاليا ليس عنا ببعيد وخصوصاً في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
ولكن في ظل الثقافة العراقية وثقافة استبداد السلطة فان النظام الرئاسي يبقى مجرد وسيلة مرحليه وليست دائمية لذلك فالبيئة الثقافية العراقية قد لا تتقبل النظام الرئاسي بكل حذافيره هذا خيره وأنما يجب أن تشذب الآثار السلبية إذ أريد له أن يطبق وعليه نستطيع القول إن النظام الرئاسي نظام ناجح في بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية قد لا يكون ملائماً لبيئة أخرى مثل البيئة العراقية.
المبحث الخامس:- النظام البرلماني.
إن النظام البرلماني هو نوع من أنظمة الحكم ينقسم فيه الحكم “السلطة” بين هيئتين احدهما الحكومة أو مجلس الوزراء “الوزارة” وثانيهما البرلمان الذي يتم انتخاب أعضاءه من قبل الشعب مباشرة ومنه تنبثق الحكومة، ويجوز فيه البرلمان سحب الثقة عن الحكومة، كما يجوز للحكومة حل البرلمان، فهو إذاً نظام يعتمد التعاون والتوازن بين السلطات، وعلى مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.
وهناك من يعرف النظام البرلماني بشكل موجز ويرى بأنه ذلك النظام الذي يتضح فيه بوضوح التوازن والتعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية. (اسماعيل مرزه،1969، 275).
ويقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس كما يتطلب مجموعة متطلبات وله مجموعة من المزايا والعيوب، بالوقت نفسه وقد يكون بالامكان تطبيق هذا النظام في العراق كنموذج بيد أنه يحمل في طياته فرص الفشل كذلك وعليه سنتناول الموضوع في الفقرات أدناه:-
المطلب الأول:- نشأة وتطور النظام البرلماني.
من المعروف إن نشأة النظام البرلماني ومهده الأول كانت بريطانيا، وقد تحددت أسسه وخصائصه ومميزاته فيها، وقد مر النظام البرلماني بتطورات كثيرة وفترة طويلة قبل أن يستقر على الشكل الذي هو عليه اليوم، وكذلك الحال بالنسبة للدول التي اقتبست النظام البرلماني فنرى تفاوتاً واضحاً في تطبيقات هذا النموذج.
لقد مر النظام البرلماني بتطورات عديدة كانت موازية ومتناغمه مع تطور التاريخ السياسي لبريطانيا نفسها فمن الملكية المطلقة في العصور الوسطى إلى الملكية المقيدة منذ القرن الثالث عشر إلى النظام البرلماني الذي أخذ صورته الكاملة في القرن التاسع عشر، فبعد أن كان الملوك في العصور الوسطى يتمتعون بسلطات مطلقه أخذت هذه السلطات تنكمش قليلاً حتى تضاءلت تماماً وأصبحت مجرد سلطات إسميه أو رمزية وكان التطور الأخير نتيجة تقرير المسؤولية الوزارية إمام البرلمان، وانتقال سلطات الملك إليهم وفي ظل حكومة أسرة “هانوج” التي وليت عرش بريطانيين من سنة1714 إلى سنة1873 والتي عجز ملوكها عن مباشره سلطاتهم واضطروا لأسباب مختلفة أن يتركوها بيد الوزراء (ثروت بدوي،1975، 293).
إن تطور ونجاح التجربة البريطانية في النظام البرلماني كشكل من أشكال الأنظمة السياسية الموجودة في دول العالم إلى الآخذ بهذا الشكل لأنظمتهم السياسية ولكن اختلاف البيئة الداخلية والخارجية لهذه الدولة أو تلك قد كان لها دور بارز وواضح في نجاح أو عدم نجاح هذه التجربة ولعل فشل التجربة البرلمانية العراقية في عشرينات القرن المنصرم خير دليل على ذلك.
المطلب الثاني:- أسس ومتطلبات النظام البرلماني.
يقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى ويمكن إيجاز هذه الأسس والمتطلبات وكما يأتي:-
1- وجود ثنائية الجهاز التنفيذي.
2- وجود تعاون وتوازن ما بين السلطات.
3- وجود نوع من الصرامه الحزبية أو الانضباط الحزبي.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات بشيء من التفصيل وكما يأتي:-
1- وجود ثنائية الجهاز التنفيذي.
إن ذلك يعني وجود منصبي رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وتكون المسؤولية السياسية ملغاة على عاتق الحكومة، وتكون الوزارة مسؤوله مسؤولية تضامنية أمام البرلمان وهذا يفضي بطبيعة الحال إلى وجود رئيس دولة بغض النظر سواء أكان ملكاً أم رئيساً للجمهورية، غير مسؤول سياسياً أي يسود ولا يحكم ويختص بأمور شكلية وفخرية ولكن رئيس الدولة يسأل جنائياً في الأنظمة الجمهورية “عكس الأنظمة الملكية التي تعد الملك منزه عن الخطأ وبالتالي عن المسؤولية”.
ولذلك تبعاً لوظيفة الرئيس تلك انقسم الفقه بشأن دور الرئيس إلى قسمين قسم يرى سلبية ذلك الدور وأنه لا يستطيع ممارسة أي سلطات حقيقة، وقسم يرى أن الدستور يسند له بعض الصلاحيات والسلطات خصوصاً بعد التنسيق مع الوزارة، (عبد الغني بسيوني،1985، 200).
أما الجهاز التنفيذي الثاني فهو الحكومة أو الوزارة، حيث أنها هي التي تضطلع بأعباء الحكم بوصفها المحور الرئيس للسلطة التنفيذية في النظام البرلماني لذلك فالمسؤولية السياسية الكاملة تقع على عاتقها أمام الهيئة النيابية، ولذلك فالمسؤولية الوزارية تعد بالفعل حجر الزاوية في النظام البرلماني والركن الأساسي في بنائه وبدونها يفتقد هذا النظام جوهره وتتغير طبيعته وهذه المسؤولية قد تكون جماعية تضامنية أو فردية تتعلق بوزير أخر، وتعني المسؤولية التضامنية أو الجماعية إن الوزارة تكون مسؤولة بمجموعها عن السياسة العامة التي تسير عليها أمام البرلمان ويلزم الحصول على تأييده لها وإذا اعترض البرلمان على هذه السياسة ولم يوافق عليها فإن هذا يعني سحب الثقة من الوزارة وإسقاطها بمجموعها، أما المسؤولية الفردية فتتعلق بمسؤولية وزير واحد عن تصرفاته الخاصة بإدارة وزارته، وسحب الثقه منه يحتم عليه تقديم استقالته من الوزارة، (عبد الغني بسيوني،1991، 299). وكذلك أنظر صكبان حميد المفرجي وآخرون،1989، 200).
2- وجود تعاون وتوازن ما بين السلطات.
فالنسبة لهذا الأساس فهو يعني أن توزيع الاختصاصات ما بين السلطات مرن غير جامد، فمع قيام السلطة التشريعية بوظيفة التشريع فإن للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والتصديق عليها وبالمقابل فإن للسلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتصديق على الاتفاقيات التي تقدمها السلطة التنفيذية، وتنظيم العلاقة هذه بين السلطتين يكون قائماً على فكرة التوازن بينهما فهناك مساواة وتداخل بين السلطتين، فللسلطة التنفيذية الحق في دعوة البرلمان للانعقاد وحتى حله، وكذلك للبرلمان الحق في استجواب الوزراء والتحقيق معهم وحجب الثقة عن الوزارة أي تقرير المسؤولية الوزارية، (عبد الغني بسيوني،1991، 295).
ولعل هذا الأمر واضحاً جداً في بريطانيا حيث أن الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية هو الذي يشكل الحكومة، ورئيس الوزراء يكون رئيس الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية، وهنا تظهر وشائح العلاقة الواضحة ما بين الحكومة “بوصفها جزءاً من السلطة التنفيذية” والبرلمان “بوصفه جزءاً من السلطة التشريعية”.
3- وجود نوع من الصرامه الحزبية أو الانضباط الحزبي.
وهو مطلب أساسي آخر، إذ يتطلب النظام البرلماني نوع من الانضباط الحزبي لأنه وكما قلنا فإن الحزب الفائز بالأغلبية البرلماني هو الذي يشكل الحكومة وبالتالي فإن الحكومة.. ومن الناحية النظرية سوف تتمتع بأغلبية برلمانية مساندة مما يسهل عمل الحكومة، وقد يثور التساؤل لماذا؟ فالجواب لأننا وكما نعرف إن السلطة المالية مثلاً بيد البرلمان فإنه في حالة وجود انضباط حزبي قد تكون أية خلافات وعدم التزام نائب من حزب الأغلبية بالتصويت لمشروع الحكومة سيؤدي إلى نوع من الجمود في العمل الحكومي. ولذلك نرى انه بمرور الوقت فإن الأحزاب البريطانية ولكونها تتبع النظام البرلماني نرى أنها تتميز بالانضباط الحزبي العالي بل والمركزية المفرطه في بعض الأحيان. (عامر فاخوري،2004، 99). لكن هذا لا يعني أنه سيكون هناك دمج كامل للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وكأنهما جهاز واحد يعني انعدام المعارضة لأنه وإنْ كانت هناك أغلبية برلمانية مؤيدة للحكومة لكن هذا لا يلغي وجود المعارضة التي تنتقد أعمال الحكومة “حكومة الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية” إضافة إلى التقاليد الديمقراطية المترسخه منذ زمن طويل لهذه الأنظمة.
بيد إن هذا الكلام وإن أنطبق على الدول المتقدمة ديمقراطياً لكنه لا ينطبق في حقيقة الأمر على الدول ذات التجربة السياسية الحديثة والتي تفتقد إلى الجذور الديمقراطية والى ترسيخ قواعد وأحوال ممارسة العمل الحكومي بأسلوب ديمقراطي. (رياض عزيز هادي،1989، 231).
المطلب الثالث:- مزايا وعيوب النظام البرلماني.
للنظام البرلماني جملة من المزايا التي يتسم بها بيد إن ذلك لا يلغي كونه يحمل في طياته من العيوب والأمور السلبية أيضاً ويمكن إيضاح ذلك وكما يلي:-
أ- المزايا:
1- إنه يؤدي إلى التفاعل الحقيقي بين السلطات الثلاث التي تعد كلاً منها مكملة للأخرى.
2- إنه يرسخ الديمقراطية ويمنع الاستبداد.
3- إن هناك المسؤولية السياسية مما يعني استحالة التهرب من الخطأ السياسي وسهولة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.
4- إنه يؤدي إلى وحدة السيادة للدولة.
ب- العيوب:-
1- إنه قد يؤدي في دول عالم الجنوب إلى ظاهرة عدم الاستقرار للحكومة، (رياض عزيز هادي،1989، 231).
2- في ظل الاتجاهات الحزبية المعارضة والمتضاربة من الصعوبة بمكان الحصول على تأييد قوي لعمل الحكومة ، (نادية المختار،2001 ،22).
3- إن رئيس الحكومة قد لا يتمتع بشعبية كبيرة كشخص مما قد لا يفضي عليه من الهيبة والرمزية العالية كرمز للأمة.
4- إن الحكومة ستكون خاضعة لتأثير جماعات مصالح مهمة وستكون الولاءات الضيقه حزبياً طافيه على السطح.
5- إن نظام غير فعال في الدول ذات التجربة السياسية الحديثة فهو يحتاج إلى وعي وإدراك سياسيين عاليين، إضافة إلى تعمق التجربة الحزبية.
المطلب الرابع:- إمكانية تطبيق النموذج عراقياً.
إن تطبيق النظام البرلماني في العراق ستكون له آثار ايجابية وأخرى سلبية وسنعمل هنا إلى تحليل مكونات هذا النظام وما هي آثاره السلبية والايجابية ومدى ملاءمته لواقع العراق السياسي.
أ- الآثار الإيجابية:-
1- يمكن أن يساعد التطبيق السليم للنظام البرلماني على توافر مجلس وزراء متجانس يتكون من أعضاء حزب الأغلبية وبالتالي يشتق برنامج الحكومة من برنامج الحزب نفسه، غير إن ذلك مشروط بوجود حزبين مهيمنين على الساحة السياسية أو عدد من الأحزاب المتكتلة ضمن اتجاهين رئيسيين لهما القدرة على الائتلاف وبخلاف ذلك لا يمكن الاستفادة من هذه الميزة.
2- استناداً إلى تحقيق الأثر أعلاه يمكن الاستفادة من ميزه أخرى متصلة وهي ضمان مجلس الوزراء الفوز بالثقة أمام البرلمان طيلة الفترة التشريعية للبرلمان على شرط عدم حدوث انشقاق داخلي لحزب أو تكتل الأغلبية وهذا ما يضمن استقراراً للحياة السياسية وتحقيق الأمن وهو في سلم أولويات أي حكومة عراقية مستقلة.
3- ستتمكن الأحزاب الصغيرة الغير مؤتلفه من تكوين معارضه داخل البرلمان تعبر عن اختلاف التوجهات السياسية والقومية والمذهبية العراقية.
ب- الآثار السلبية:
1- في حالة هيمنة نظام الحزبين “هو أمر مستبعد في ضوء المشهد العراقي” أو تكتل الأحزاب ضمن تيارين أو جبهتين “وهو أمر غير مستبعد بشكل تام” على الرغم من إيجابياته في الحفاظ على نوع من الاستقرار السياسي والفاعلية السياسية العراقية إلا إنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى تركز السلطة بيد رئيس الوزراء أو خلف ستار التعاون والاندماج بين السلطات بشكل يؤدي إلى خضوع البرلمان لرئيس الأغلبية الذي هو رئيس الوزراء مما يهدم أهم ركن في النظام البرلماني وهو التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ويتحول الفصل بين حزب أو تيار الأغلبية في البرلمان وبين المعارضة مما يقود إلى التعسف وهو ما يمكن أن يحدث في الدول التي لا تتمتع بعلوية وسيادة القانون على باقي السلطات، وكذلك سيادة مبدأ الشفافية والرقابة أو تلك التي تمتاز بضعف جهازها المؤسسي.
2- في حالة هيمنة نظام تعدد الأحزاب على الحياة السياسية العراقية وهو المشهد السائد حالياً والمتوقع له الاستمرار، فإن أي تقارب بين الأحزاب من حيث القوة والتأثير بالشعب وعدم حصول حزب أو تيار سياسي على أغلبية المقاعد البرلمانية، فإن ذلك يدفع وبشكل حتمي نحو تكوين الائتلافات الحزبية مما يعرض الحكومة بشكل مستمر لخطر التغيير والتبديل لعدم تمتعها بالأغلبية اللازمة في البرلمان ويضعف من قدرتها على حفظ الاستقرار السياسي الداخلي وأدائها السياسي الخارجي أو في مواجهة الأزمات الاجتماعية الداخلية “ويمكن الإشارة هنا دون المقارنة لما حدث في مناسبات عديدة أبان العهد الملكي في العراق”.
3- تعد البيئة السياسية والاجتماعية الداخلية العراقية بكل ما تتضمنه من تناقضات وتشوهات لأسباب عديدة- لسنا بصددها هنا- مضيفاً مناسباً لأن تقوم الأحزاب التي تمتلك رصيداً كافياً في العمل السياسي والنيابي أثناء تنافسها بإتباع سلوكيات وتصرفات ريماغوغية بوعدها الجماهير المندفعة بوعود مستحيلة وطوبائيه مما يؤثر على عمل الحكومة الائتلافية، إذ يبدأ كل حزب مشترك في الحكومة باتهام الحزب الأخر بعرقلة تنفيذ تلك الوعود.
4- إن سيادة نظام تعدد الأحزاب والتيارات وليس نظام الحزبين أو التيارين في العراق فإنه وفي ظل تطبيق النظام البرلماني فإن ذلك يضعف إلى حد كبير من إرادة الناخب في تعيين رئيس الوزراء أو تحديد شكل الوزارة ويترك تلك المهمة لتوافق إرادة الأحزاب بل ربما لتوافق إرادات رؤساء الأحزاب. إذ من الملاحظ إن الأحزاب السياسية في العراق تتسم بسيطرة رئيس الحزب على أغلب توجهات الحزب مما ينقل السلطة من يد الناخبين إلى يد رؤساء الأحزاب.
5- إن نجاح الحياة النيابية والديمقراطية في عراق متعدد الأحزاب والمذاهب والقوميات يحتاج بالإضافة إلى توافر جهاز مؤسسي قوي وآليات عمل وحماية هذا الجهاز وخبرة عملية ونظرية في مجال العمل السياسي الحر والديمقراطي إلى ثلاث شروط لا غنى عنها وهي:-
أ- الشفافية.
ب- المساواة السياسية القانونية.
ج- العدالة الاجتماعية.
وهذه الشروط لا يحتمل توافرها مع بداية الانتخابات الرئاسية أو النيابية القادمة.
ومن خلال ما تقدم نلخص بالقول إلى إن النظام البرلماني حالياً غير ذي جدوى، بل سيؤدي إلى عرقلة عمل الحكومة وعدم قدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار الذي نحتاجه بل نحن بأمس الحاجة إليه، وكذلك فانه في ظل التعددية الحزبية غير المحسوبة فإن تشكيل حكومة تتمتع بأغلبية برلمانية أمر صعب المنال. ولذلك فالنظام البرلماني لا يصلح حالياً للتطبيق في العراق ولن يخرج العراق من مأزقه الاستراتيجي.
المبحث السادس:- نظام حكومة الجمعية النيابية.
إن نظام حكومة الجمعية النيابية هو أحد الأنظمة السياسية وشكل من أشكال الأنظمة السياسية. ويقصد عموماً بنظام حكومة الجمعية النيابية ذلك النظام الذي تكون فيه تبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية واندماجها فيها. ونلاحظ هنا انعدام التساوي أو المساواة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وإنما هناك تبعية لإحدى السلطتين الأخرى وخضوعها لأوامرها خضوعاً تاماً.
ويستند نظام حكومة الجمعية النيابية إلى مجموعة من الأسس والمتطلبات إضافة إلى تمتعه بمزايا وعيوب كباقي الأنظمة السياسية الأخرى، ويمكن تطبيقه في العراق وقد لا يمكن ذلك وعليه سنتناول هذا النظام وفقاً لمحاور متعددة وكما يأتي:-
المطلب الأول:- نشوء وتطور نظام حكومة الجمعية النيابية تاريخاً.
في حقيقة الأمر عن هذا النظام لم يطبق كثيراً وقد طبق لأول مره في فرنسا عام1792 واستمر هذا الوضع حتى عام1795 ثم عادت إليه عقب ثورة عام1848 ولكنه لم يدم طويلاً، وقد عهدت الجمعية الوطنية في ذلك الحين بمهمة الوظيفة التنفيذية إلى خمسة أشخاص يتولون أدائها نيابة عن الجمعية ثم انتهى الأمر أخيراً بأن تولى الجنرال “كافيناك” أعمال السلطة التنفيذية وحده بناءاً على تفويض من الجمعية الوطنية، ورجعت فرنسا إلى تطبيق هذا الشكل من الأنظمة سنة1871 وذلك بعد سقوط الإمبراطور “نابليون الثالث” إذ استوحذت الجمعية الوطنية على السلطتين التشريعية والتنفيذية واختارت المسيو “ثيير” ليقوم بأعمال الوظيفة التنفيذية وقد جاء في قرار تعيينه أنه يظل خاضعاً للجمعية بحيث يكون لها حق عزله في أي وقت وفعلاً تم عزله سنة1873، وعينت مكانه المارشال “مكما هون”، (محمد كامل ليله،1968، 371).
ويبدو جلياً إن نظام حكومة الجمعية النيابية غالباً ما يظهر بعد الثورات والانقلابات وفي فترات عدم الاستقرار السياسي بيد أنه ينتهي سريعاً، أي أنه يمكن القول إنه خيار تكتيكي لا إستراتيجي وقد ظهر نظام حكومة الجمعية النيابية في عدد من الدساتير الحديثة التي صدرت بعد الحرب العالمية الأولى مثل دستور النمسا1920 ودستور بروسيا ودستور بافاريا الألمانيتين كما إن تركيا أخذت بنظام الحكم المجلسي في دستورها العام1924، ولعل أبرز مثال على ذلك- أي حكومة الجمعية النيابية- هو النظام السويسري الذي ما يزال قائماً لحد الآن. (عبد الغني بسيوني،1985، 201).
إن النظام السويسري ومذ عام1848 على أساس حكومة الجمعية النيابية ومن الثابت إن المجلس التنفيذي الاتحادي السويسري يحظى باستقرار يحسد عليه كما إنه يمارس اختصاصه في كثير من الحرية والاستقلال. (ثروت بدوي،1964، 301). وهذا لا ينطبق على الكثير من دول العالم التي اقتبست هذا النظام ولعل من المثال التركي أمام حكومة اتاتورك أوضح على ذلك إذ أدى إلى الاستبداد والديكتاتورية
.
المطلب الثاني:- الأسس والمتطلبات لنظام حكومة الجمعية النيابية.
يقوم نظام حكومة الجمعية النيابية على مجموعة من الأسس ويستلزم توافر بعض المتطلبات لنجاح تطبيق هذا النظام أو إمكانية تطبيقه. ويمكن إجمال تلك الأسس والمتطلبات بالآتي. (عبد الغني بسيوني،1985، 270-271).
1- تركيز السلطة بيد البرلمان.
2- تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان.
3- الدمج بين السلطة التشريعية والتنفيذية.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات بشيء من التفصيل وكما يأتي:-
1- تركيز السلطة بيد البرلمان:
إذ يتمثل ذلك بأن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية متركزه بيد البرلمان، إذ تقوم حكومة الجمعية النيابية على أساس دمج السلطتين وليس الفصل بينهما- كما نرى لاحقاً- إذ إن البرلمان المنتخب من قبل الشعب هو الذي يقبض بيده على ناصية الأمور في البلاد ويقوم بكل السلطات سواء أكانت تلك السلطات والأعمال على صعيد تشريعي أم تنفيذي والوزراء يعينون من قبل البرلمان ويختار البرلمان رئيس الوزراء لإدارة الشؤون التنفيذية ويخضع رئيس الوزراء للبرلمان في تلك الإدارة.
2- تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان.
من خلال الفقرة أعلاه نلاحظ إن السلطة التنفيذية ممثله بالوزراء ورئيس الوزراء ستكون خاضعة تماماً للبرلمان وتابعة تبعية كاملة له، إذ إن البرلمان يتولى توجيه الحكومة والإشراف على عملها، ويستطيع البرلمان تعديل قرارات السلطة التنفيذية وحتى إلغاؤها، والوزارة مسؤولة سياسياً أمام البرلمان ولذلك لا يوجد رئيس دولة غير مسؤول أمام البرلمان. (عبد الغني بسيوني،1985، 170-171) كما وجدنا في النظام الرئاسي وهنا في مسألة المسؤولية السياسية يقترب نظام حكومة الجمعية النيابية من النظام البرلماني.
3- الدمج بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
إذ يتطلب عمل نظام حكومة الجمعية النيابية على الدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وليس أساس الفصل بينها كما ظهر لنا في النظام الرئاسي أو التعاون والمساواة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كما هو الحال في النظام البرلماني. ونرى هنا إن هاتين السلطتين تبدوا وكأنهما سلطه واحدة أي هناك دمج بين هاتين السلطتين وليست هناك اختصاصات محددة لكل منهما وإنما هناك خضوع تام من قبل السلطة التنفيذية لصالح السلطة التشريعية. (ثروت بدوي،1964، 275).
المطلب الثالث:- مزايا وعيوب نظام حكومة النيابية.
لنظام حكومة الجمعية النيابية جملة من المزايا والعيوب التي يتسم بها هذا النوع من الأنظمة ويمكن تناولها كم ا يأتي:-
أ- المزايا:-
1- إنه يمثل مرحلة انتقالية تستطيع الدول من خلالها تجاوز مرحلة حرجه من تاريخها، (ثروت بدوي1964، 301).
2- إنه ستكون هناك هيئة تنفيذية وليس مجرد شخص واحد مما يعطي- كما يرى مؤيدو هذا النظام- إمكانية تعدد الآراء وبالتالي تعدد الآراء والحلول وشمولية الرؤية. (عبد الغني بسيوني،1985، 271).
3- إن الهيئة التنفيذية مسؤوله مسؤولية سياسية أمام البرلمان مما يمنع استبداد السلطة التنفيذية.
4- إن الشعب من الناحية النظرية هو من يمارس السلطة الحقيقية وهي الديمقراطية الحقيقية بل يرى البعض إن النظام المجلسي هو أكثر النظم ديمقراطية. (محمد كامل ليلهن1968، 557).
ب- العيوب:-
1- إن نظام حكومة الجمعية النيابية يمنع استبداد السلطة التنفيذية بيد أنه لا يحول دون إمكانية استبداد الهيئة التشريعية “البرلمان”. (شمران حمادي،1966، 122).
2- من الناحية العملية هناك هيئة تابعه للسلطة التشريعية هي من تنفذ القوانين وليس الشعب أي إن السلطة الحقيقية هي لهولاء- الهيئة التشريعية- لا الشعب. (عبد الغني بسيوني،1985، 274-275).
3- إن إدماج السلطات كلها بيد سلطة واحده سيؤدي إلى الاستبداد والقضاء على الديمقراطية تدريجياً.
4- إن نجاح نظام حكومة الجمعية النيابية في سويسرا يعود للظروف الخاصة بسويسرا، بيد أنه فشل فشلاً ذريعاً في دول وقاد إلى الاستبداد والديكتاتورية كما حدث في فرنسا بعد الثورة الفرنسية لعام1789 وفي تركيا بعد سنة1924. (عبد الغني بسيوني،1985، 275).
المطلب الرابع/ إمكانية تطبيق النموذج عراقياً:-
في حقيقية الأمر إن التجربة السويسرية تجربة تستحق الاشاده والإعجاب ففي بلد تتنوع فيه اللغات والانتماءات وتجتمع فيه نظم سياسية عديدة في آن واحد ويكون بهذا الاستقرار والديمقراطية فهو يستحق بذلك الاحترام، إذ إن الشعب السويسري شعب يتميز بروح الاعتدال وضعف شهوة الحكم لدى الأحزاب ورجال السياسة وهذا كان سر وأساس نجاح النظام المجلسي في سويسرا. 0عبد الغني بسيوني،1985، 276)، ومن جهة أخرى فإن جهاد سويسرا دولياً واحترام الدول الأخرى لذلك سهل أيضاً من مهمة تعزيز النظام المجلسي والاستقرار السياسي لسويسرا، أما الواقع العراقي فيشير إلى غير ذلك فهناك تدخلات دولية وإقليمية بل أصبح العراق نقطة لارتطام واصطدام الاستراتيجيات الدولية والإقليمية على حد سواء، إضافة إلى التنافس الشديد على السلطة الذي يصل في بعض الأحيان إلى الصدام من أجل السلطة.
من جهة أخرى فإن الشعب العراقي شعب عاش وعانى ولسنين في ظل نظام ذي طابع فردي فليس من السهولة بمكان الانتقال فجأة إلى مثل هذه الأنظمة، إذ إن العراق يعاني من ضعف التجربة الديمقراطية حاله كحال بقية الدول العربية، إضافة إلى حاجه العراق حالياً لسلطة تنفيذية قوية وهذا ما لا يوفره نظام حكومة الجمعية النيابية.
المبحث السابع/ البديل المقترح- النموذج الفرنسي:-
من خلال استقراء وتحليل كل ما تقدم من المباحث السابقة يمكن القول أن طبيعة المجتمع العراقي المركبة والتعددية العرقية والمذهبية…الخ فيه تدفع إلى إتباع النموذج الفرنسي كنظام للحكم.
ولعل من المفيد التطرق إلى كيفية عمل هذا النظام وكيف تطور وما هي أركانه ومفاصله.
لقد ولد هذا النظام وترعرع منذ عام 1962 وقد اتبعت بعض الدول بعض خصائصه مثل النمسا، ويتكون هذا النظام من نوعين من المؤسسات وهي السلطة النتفيذية التي تتكون من رئيس الدولة ورئيس الحكومة والسلطة التشريعية المتمثلة بالجمعية الوطنية(البرلمان) وهذا النظام يقرر انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام دون أن يلغي سمات النظام البرلماني، أي يمكن تطبيق العديد من مباديء النظام البرلماني، فهو يقترب من النظام البرلماني في مسألة ثنائية السلطة التنفيذية إذ أن هناك رئيس دولة ورئيس حكومة(رئيس الوزراء) ويسأل مجلس الوزراء أمام البرلمان سياسيا فيستطيع البرلمان أن يجبر مجلس الوزراء على الاستقالة بكامل أعضاءه إذا صوت البرلمان بحجب الثقة عنه، في حين إن للسلطة التنفيذية الحق في حل البرلمان في حالة نشوب خلاف بينهما حول مسألة أساسية، ويتم اللجوء هنا في مثل هذه الحالة إلى الشعب(حسام شفيق العاني، 1988، 166) وهذا ما يفتقر إليه النظام الرئاسي.
ومن جهة أخرى يقترب هذا النظام من النظام الرئاسي في عملية اختيار الرئيس إذ أن الشعب هو من يختار رئيس الدولة في حين النموذج الفرنسي يأخذ بذلك إذ أن رئيس الدولة يختار من قبل الشعب عن طريق الاقتراع العام المباشر أو غير المباشر، لذلك يختار رئيس الدولة سلطات واسعة وامتيازات قانونية تفوق امتيازات قرينه في النظام البرلماني (عبد الله هدية،1984، 238) وكذلك أنظر محمد طه بدوي، محمد طلعت الغنيمي1958، 295).
إذ يلعب الرئيس دور الحكم بين المؤسسات في حالة الخلاف بينها ويختار رئيس الوزراء ويستطيع استخدام سلطاته الاستثنائية التي يكفلها له الدستور للحفاظ على استقلال الأمة على إن يحيط رئيس الوزراء والبرلمان علماً أما بالنسبة للحكومة فهي التي تحدد وتقود سياسة الأمة، ورئيس الوزراء يقود عمل الحكومة ودوره مكمل لدور رئيس الدولة وهو النقطة “أي رئيس الوزراء” التي تتمحور حولها السياسات القطاعية المختلفة للحكومة بسبب وضعه الإداري والدستوري ونفوذه في السياسة الوطنية يزيد من دوره في رسم السياسة الخارجية بالرغم من أن لا يقف على إنه قدم المساواة مع رئيس الدولة من حيث السلطات الدستورية، كما إنه مسؤول عن التنسيق بين الوزراء وأعضاء الحكومة والمحافظة على البناء الهرمي للنظام السياسي والإجابة عن أسئلة البرلمان في المسائل الداخلية والخارجية أي من الممكن له القيام بإعمال السياسة الخارجية والدفاع (أنسام إسماعيل إبراهيم،2002، 60).
أما بالنسبة للوزراء فيختارهم رئيس الوزراء ويعينهم رئيس الدولة، وهنا تترك حرية لرئيس الوزراء ورئيس الدولة في كون الوزراء نواب في البرلمان أم إن يكونوا خارج البرلمان وهنا يمكن للوزير أن يكون برلمانياً، أو غير برلماني على أن يستقيل بعد شهر من البرلمان في حالة استيزاره مع حقه في توكيل نائب عنه ليحل محله في تلك الفترة- فترة الاستيزار وإلا وفلا حاجة لإعادة الانتخاب في منطقته الانتخابية لمرة ثانية، (حسان شفيق العاني،1988، 167).
أما بالنسبة للبرلمان فيمكن أن يتكون من مجلسين أو مجلس واحد، فهناك مجلس النواب الذي ينتخب عادة بصورة مباشرة من قبل الشعب، وهناك مجلس يسمى الأعيان أو الشيوخ ينتخب بشكل غير مباشر، وهناك لجان دائمية في المجلس أو البرلمان، ولا يتمتع البرلمان بصلاحيات كبيرة كما في النظام البرلماني لا سيما بعد إن فقد سلطة الاستجواب التام، (إبراهيم درويش،1968، 12-13)، أو التحقيق غير أنه من الممكن أن يستجوب الحكومة بشكل غير مباشر عبر ما يعرف بطرح مسألة المسؤولية السياسية للحكومة أو التصويت على الميزانية، (أنسام إسماعيل إبراهيم،2002، 66) وعلى الرغم من صلاحيات البرلمان في تشريع القوانين غير إنها صلاحيات محددة فالعديد من مجالات الحياة العصرية التي تنظم بقوانين من قبل البرلمانات الأوربية ذات الصفة البرلمانية أصبحت تسن من قبل السلطة التنفيذية في فرنسا، (بيبار باكيت،1995، 577)، غير إن البرلمان الفرنسي يملك سلاح فعال ورئيس في مواجهة السلطة التنفيذية ألا وهو الحق في إسقاط الحكومة عبر حجب الثقة عنها، (هنري دبليو ايرمان، ومارتن ايه،1997، 388).
ويوفر هذا النموذج جملة مزايا منها انه سيوفر الاستقرار السياسي لقمة هرم السلطة السياسية متمثلاً برئيس الدولة، دون أن يؤدي ذلك إلى الاستبداد، وسيكون هناك رمز للأمة تلتف حوله الجماهير.
وستكون للبرلمان سلطة موازية يستطيع من خلالها حجب الثقة عن الوزراء بالاستناد إلى استفتاء شعبي وهذا سيؤدي إلى محاسبة المسؤول عن الخطأ وإنه نظام يتناغم مع التجربة السياسية العراقية القصيرة نسبياً مع نظام التعددية وكذلك إنه يعزز من وحدة السيادة للدولة.
الخاتمة:-
لاحظنا من خلال هذه الدراسة إن النظام السياسي الذي خرج من إطاره القانوني الضيق ليأخذ أفقاً اجتماعياً أوسع والذي هو عبارة عن شبكة من العلاقات السياسية بين مجموعة من الأطراف تتجاذب التأثير فيما بينها. وكذلك إن شكل النظام السياسي يعتمد بشكل كبير على شكل النظام الحزبي السائد في البلد إذ إن هناك علاقة وطيدة ما بين النظام السياسي والنظام الحزبي.
وحاولت الدراسة التطرق إلى أبرز نماذج الأنظمة السياسية مثل النظام الرئاسي والنظام البرلماني ونظام حكومة الجمعية النيابية، ودراسة تلك الأنظمة ومعرفة كيف تطورت؟ وما هي عيوبها؟ وما هي فوائدها؟ أو مزاياها؟ وما هي إمكانية تطبيقها في العراق؟ ولخصت الدراسة إن أي نظام من هذه الأنظمة السائدة لا يمكن تطبيقه بكل خصائصه وإنما يجب أن تكون هناك تكيفات لتتلاءم مع الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي العراقي، وخلصت الدراسة إلى إن النموذج الفرنسي الذي يحمل في طياته توليفيه ما بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني، هو الأفضل من وجهه نظرنا المتواضعة لتغطي المأزق الاستراتيجي للعراق
باحث في العلوم السياسية والاستراتيجية *
مصادر البحث.
1- إبراهيم درويش، النظام السياسي- دراسة فلسفية تحليلية، القاهرة، دار النهضة العربية1968.
2- ادورد سي بانفليد، السلوك الحضاري والمواطنة، ترجمة سمير عزة نصار، مراجعة د. أحمد يعقوب المجدويه، (عمان، دار النشر والتوزيع،1994).
3- إسامة الغزالي، حرب الأحزاب السياسية في العالم الثالث، سلسلة كتب عالم المعرفة، (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،1987).
4- إسماعيل مرزه، القانون الدستوري- دراسة مقارنه للدستور الليبي ودساتير الدول العربية الأخرى، (طرابلس، منشورات الجامعة الليبية،1969).
5- أنسام إسماعيل إبراهيم، التأثير الأمريكي في السياسية الخارجية الفرنسية حيال العراق، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة إلى مجلس كلية العلوم السياسية- جامعة النهرين،2002.
6- بيار باكيت، النظام السياسي والإداري في فرنسا، ترجمة عيسى عصفور، (بيروت، منشورات عويدات،1995).
7- ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغير الديمقراطي في الوطن العربي، (بيروت، مركز الدراسات الوحدة العربية،1997).
8- ثروت بدوي، النظم السياسية، (القاهرة، دار النهضة العربية،1975).
9- ……….، النظم السياسية- النظرية العامة للنظم السياسية، (القاهرة، دار النهضة العربية،1964).
10- جيمس دورتي، بيروت بالتفران، النظريات المتضاربه في العلاقات الدولية، ترجمة وليد عبد الحي، (كاظمه، كاظمه للنشر والتوزيع،1985).
11- حسان شفيق العاني، المبادئ النظرية لتحليل النظم السياسية في الجزائر، ايطاليا، فرنسا، (بغداد، مطابع التعليم العالي،1988).
12- ………، الأنظمة السياسية المقارنة، (بغداد، مطبعة المعارف،1980).
13- حسن الحسن، الأنظمة السياسية والدستورية في لبنان وسائر البلدان العربية، (بيروت،1971).
14- رضا بهلول، حكم الله حكم الشعب، حول العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية، (عمان، دار الشروق للنشر والتوزيع،2000).
15- رضوان السيد، الصراع على مستقبل العراق، مجلة المستقبل العربي، العدد292، بيروت،2003.
16- ريموند كيتل العلوم السياسية، ج1، ترجمة فاضل زكي محمد،1960.
17- صباح ياسين، العشائر العراقية بين الاحتواء وثقل الحضور، مجلة المستقبل العربي، العدد32، بيروت،2004.
18- صكبان حميد المفرجي وآخرون، النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام السياسي في العراق، (بغداد، مطابع التعليم العالي،1989).
19- عبد الغني بسيوني، النظم السياسية- أسس التنظيم السياسي الدولة والحكومة الحقوق الحريات، (الإسكندرية، الدار الجامعية،1985).
20- ……..، النظم السياسية- أسس التنظيم السياسي- دراسة مقارنة لنظرية الدولة والحكومة والحقوق والحريات العامة في الفكر الإسلامي والفكر المعاصر، (الإسكندرية، منشأة المعارف،1991).
21- عبد القادر محمد فهمي، النظام السياسي الدولي، (بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة،1995).
22- عبد الله هدية، مدخل إلى الأنظمة السياسية، (الكويت، مكتبة أم القرى،1984).
23- عامر فاخوري، الأحزاب السياسية ودورها في الحياة الديمقراطية، مجلة دراسات قانونية وسياسية، العدد التجريبي، فرنسا،2004.
24- عبد الحميد متولي، في القانون الدستوري والأنظمة السياسية- القاهرة،1961.
25- مازن الرمضاني، السياسة الخارجية- دراسة نظرية، (بغداد، مطابع التعليم العالي،1990).
26- محمد جمال باروت، ندوة احتلال العراق وتداعياته عربياً وإقليمياً ودولياً، مجلة المستقبل العربي، العدد302، بيروت،2004.
27- محمد رفعت عبد الوهاب، القانون الدستوري- المبادئ الدستورية العامة دراسة في النظام السياسي المصري، (الإسكندرية، منشأة المعارف،1990).
28- محمد كامل ليله، النظم السياسية، الدول الحكومة، القاهرة، دار الفكر العربي،1968).
29- محمد طه بدوي، محمد طلعت الغنيمي، النظم السياسية والاجتماعية، مصر، دار المعارف،1958).
30- موريس دوفرجيه، النظم السياسية، ترجمة حسيب عبد البديع، القاهرة بلا تاريخ.
31- شمران حمادي، النظم السياسية، بغداد، شركة الطبع والنشر الأهلية،1966).
32- نادية المختار، مجموعة محاضرات القيت على طلبة كلية العلوم السياسية- جامعة النهرين في مادة النظم السياسية المقارنة،2001.
33- وصال نجيب العزاوي، السياسة العامة- دراسة في حقل معرفي جديد، بغداد، (مركز الدراسات الدولية،2001).
34- هنري دبليو ايرمان، ومارتن ايه، السياسة في فرنسا، ضمن جابريل الموند وآخرون، السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر، نظرة عالمية، ترجمة هشام عبد الله، (عمان، الأهلية للنشر والتوزيع،1997).
35- يحيى الجمل، أنظمة الحكم في الوطن العربي، ضمن سعد الدين إبراهيم وآخرون، أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، (بيروت، مركز الدراسات الوحدة العربية،1984).
36- رياض عزيز هادي، المشكلات السياسية في العالم الثالث، (الموصل، مطابع التعليم العالي،1989).
37- Dav:d Aston, Tha PoIitical System, (London: Sc: ent: Fic Boor Agency, 1971).
38- Martin Burch and Others, Three, Three PoIili cal system aneader in British, soviet and Amiri can PoIitics, (Manchester Univeristy Press, 1985).
36- مصطفى إبراهيم الزلمي، عبد الباقي البكري، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، (بغداد، المكتبة الوطنية،1989).
37- أياد موسى محمود، دراسات في فكر الإمام الشيرازي، واشنطن 2001.
38- إبراهيم الشبوط، الحكومة الإسلامية وآليات الشورى، بغداد، تموز2004.
39- عمر الشريف، مذكرات في نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية، بلا تاريخ.
40- السيد صادق الحسيني الشيرازي، السياسة من واقع الإسلام، بيروت مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر،2003.
41. السيد محمد الحسيني الشيرازي، السبيل إلى إنهاض المسلمين، بيروت، مؤسسة الفكر الإسلامي،2000.
.
رابط المصدر: