الصراعات وبجعة الإرهاب: السودان نموذجًا

تقى النجار

تخلق الصراعات المسلحة على اختلاف دوافعها وأنماطها حالة من السيولة السياسية والأمنية التي تنصرف إلى هشاشة الدول، ويُعد الصراع السوري والليبي واليمني خير نماذج لهذا الطرح، إذ ترتب على اندلاع الأحداث في هذه الدول حالة من الفراغ الأمني والتي انصرفت بطريقة غير متوقعة – فيما يعرف بنظرية البجعة السوداء أي الأحداث غير متوقعة الحدوث- على أمن الدول وترتب عليها صعود التنظيمات الإرهابية وتهديدها للأمن الإقليمي والدولي، وبتطبيق هذا الطرح على الحالة السودانية نجد أن السياق ليس بالبعيد، حيث هناك احتمالية لتكرار مشاهد الدول سالفة الذكر، وبالتالي يكون من المتوقع -كما أشارت النظرية السابقة إلى أن البجعات البيضاء أمر متوقع الحدوث- أن ينصرف المشهد في السودان إلى صعود التنظيمات الإرهابية عبر استغلال تصاعد الأحداث. وبالتالي قد يحمل هذا المشهد المتشابك جُملة من التداعيات المحتملة على الظاهرة الإرهابية، سواء على جغرافيا نشاطها أو على مسارات حركتها وذلك على خلفية الرؤية التي تتبناها التنظيمات الإرهابية تجاه السودان.

كيف تنظر التنظيمات الإرهابية للأحداث في السودان؟

مع سقوط نظام “عمر البشير” في السودان تزايد اهتمام التنظيمات الإرهابية بالشأن السوداني، وبرز هذا التوجه في خطاب “أبو بكر البغدادي” -زعيم تنظيم داعش آنذاك- الذي جاء تحت عنوان” وقل اعملوا” في عام 2019 حيث وصف السودان باعتباره ساحة معركة مستقبلية.

ومع توقيع الاتفاق السياسي في السودان، بين الفريق “عبد الفتاح البرهان” (رئيس مجلس السيادة السوداني) وعبد الله حمدوك (رئيس الوزراء الانتقالي)، والذي قضي بعودة الأخير لرئاسة الحكومة، جاءت افتتاحية صحيفة النبأ الناطقة باسم التنظيم في العدد 315 الصادر في 2 ديسمبر 2021، تحت عنوان “صراع الطواغيت في السودان” حيث عقب التنظيم على هذه التطورات السياسية، موضحًا أن تدهور الأوضاع هناك يعود إلى عدم تطبيق أحكام الشريعة داعيًا الشعب السوداني إلى “الجهاد”، طبقًا لرؤيته.

وبالتزامن مع اندلاع الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع، جاءت افتتاحية النبأ في العدد 387 الصادر في 20 إبريل 2023، تحت عنوان “لا أَمن بغير الشريعة”، إذ لفت التنظيم إلى القتال المندلع بين الجانبين، مؤكدًا على أن كل فريق منهما تنازعه المصالح والولاءات المتعددة، وذلك على خلاف “الدولة الإسلامية” التي يحكمها مفهوم الوحدة، على حد وصفه.

وفي سياق موازٍ، أظهر تنظيم ” القاعدة” اهتمامًا مماثلًا بالأحداث في السودان، حيث نشرت دار “بيت المقدس” إحدى المنصات الإعلامية التابعة له في 17 أكتوبر 2022 كتابًا حمل عنوانًا: “الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان” لمُنظر التنظيم البارز “أبي حذيفة السوداني”، إذ دعا عناصر التنظيم إلى تعزيز نشاطهم في السودان على خلفية رؤيته بأن “البيئة السودانية باتت مهيئة لانطلاق العمل الجهادي”.

ومن ثم، يعكس هذا التعاطي الكيفية التي تفكر بها التنظيمات الإرهابية في الحالة السودانية، إذ تنظر إلى السودان باعتبارها ساحة مهمة للنشاط الإرهابي من ناحية، وحلقة وصل بين الأفرع التابعة لها من ناحية أخرى، لا سيما مع وجود عدد من الأفرع التابعة لكلا التنظيمين في القارة الأفريقية، مما يفتح المجال أمام تعزيز مظاهر الدعم البشري واللوجيستي بينهم، وينصرف إلى اتساع نطاق تهديد الأمن الإقليمي.

تداعيات محتملة

ثَمّة تداعيات محتملة قد يحملها المشهد في السودان على الظاهرة الإرهابية، يمكن استعراضها على النحو التالي:

  • تمدد جغرافي: مَنّ المرجح على خلفية تدهور الأوضاع في السودان، حدوث تمدد جغرافي للظاهرة الإرهابية سواء على المستوى الأفقي أو على المستوى الرأسي، لا سيما مع ارتباط منطقة شمال أفريقيا بالتفاعلات السياسية والمعادلات القائمة بالساحل والصحراء، إذ تشهد جغرافيا الأخيرة حالة من الاضطرابات السياسية والأمنية المنعكسة بصوره واضحة على تصاعد التهديد الإرهابي داخل الدول الواقعة في نطاقها الجغرافي الذي يجاور الدولة السودانية.  وعليه، يترتب على هذا المشهد جملة من التداعيات، يأتي في مقدمتها نجاح التنظيمات الإرهابية في تدشين حلقات ربط بين مناطق نفوذها الموجودة في القارة، وبالتالي اتساع النطاق الجغرافي للظاهرة الإرهابية، الأمر الذي ينذر بأن الإرهاب سيكون مؤثرًا على مستقبل القارة كلها.
  • ساحة تمويل: قد تسعى التنظيمات الإرهابية إلى استغلال الأوضاع في السودان من أجل تمويل نشاطها لا سيما تنظيم “داعش” وذلك على خلفية تراجع ميزانيته، حيث ذكر التقرير الحادي والثلاثون لفريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات المعني بتنظيمي “داعش” و”القاعدة” الصادر عن الأمم المتحدة في فبراير 2023، انخفاض الاحتياطات المالية للتنظيم لتتراوح ما بين 25 و50 مليون دولار بعدما كانت تُقدر بنحو 100 مليون دولار في فبراير 2021.

وبالنظر إلى السودان، نجده يتمتع بموارد طبيعية متعددة،  تتمثل في الموارد الزراعية والحيوانية والثروات المعدنية، مثل الذهب، إذ بلغ إنتاج السودان من الذهب حوالي 18.637 طنًا لعام 2022، وذلك طبقًا لبيانات الشركة السودانية للموارد المعدنية “الذراع الفني لوزارة المعادن”، ما يُمثل موردًا مهمًا  يمكن أن يستغله التنظيم لتمويل نشاطه حال نجاحه في السيطرة على عدد من مناجم الذهب هناك، وذلك بالقياس على  السيناريو الذي اتبعته التنظيمات الإرهابية في  كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إذ فرضت سيطرتها  على الكثير من مناطق تعدين الذهب  في هذه الدول على خلفية غياب سلطة للدولة المركزية.

  • تهديد حيوي: من المُحتمل أن يؤدي تصاعد الأحداث في السودان إلى سعي بعض التنظيمات الإرهابية إلى  تهديد أمن البحر الأحمر لتحقيق أهدافها، إذ تقع الممرات الملاحية في دوائر اهتمام التنظيمات الإرهابية وذلك على خلفية توظيفها لتلك الممرات في ضوء  ثلاثة سياقات رئيسية؛ يتعلق أولها بحصولها على موارد مالية، سواء عبر التجارة غير المشروعة أو عبر فرض الإتاوات على السفن،  وينصرف ثانيها إلى استغلالها كساحة لنقل العناصر والأسلحة، ويتصل ثالثها بتنفيذها عمليات تجاه أهداف بحرية عالية القيمة كالقواعد العسكرية البحرية أو  ناقلات النفط.

وتشير العديد من التقارير إلى قيام حركة ” الشباب الصومالية” التي تتمركز بشكل أساسي في الصومال، باستغلال موقع الصومال الجغرافي المطلع على البحر الأحمر من أجل تعزيز أنشطتها البحرية حيث الابتزاز والتهريب والقرصنة، ولا يستعبد احتمالية سعي تنظيم “داعش” للتمدد في السودان بهدف الاقتراب من البحر الأحمر رغبة في تعزيز موارده المالية أو نقل عناصره الإرهابية، لا سيما في ضوء عجزه عن التمدد في الصومال في ظل نفوذ حركة “الشباب” هناك. وبالتالي يمكن القول أن مآلات المشهد في السودان قد تنصرف إلى تهديد حيوي لأمن البحر الأحمر ما ينعكس على حركة التجارة العالمية.

  • تدفق المقاتلين: قد يتيح تدهور الأوضاع في السودان إلى تحولها لبيئة حاضنة لنشاط المقاتلين الأجانب، ما يعيد إلى الأذهان توظيفهم في الصراع السوري والصراع الليبي، ويجدد الحديث مرة أخرى عن دور هؤلاء في تعقد الظاهرة الإرهابية من ناحية وإطالة أمد الصراعات من ناحية أخرى، وتكمن خطورتهم في ضوء ثلاثة عوامل؛ يتعلق أولها بالارتباط الوثيق بينهم وبين فواعل إقليمية ودولية لديها أجندات سياسية تسعى إلى تحقيقها عبر توظيفهم.  وثانيها يتمثل في كونهم قناة للتعلم التنظيمي عبر نقل خبراتهم التي اكتسبوها إلى الأطراف الفاعلة في الصراع. ويتصل ثالثها بتحويلهم نمط الصراع من صراع مسلح نظامي إلى نمط حروب العصابات، سواء على المستويين العملياتي والتكتيكي. وبالتالي ينعكس هذا المشهد على إطالة أمد الصراعات مع العمل على إفشال المحاولات التي تهدف إلى إنهائها.

مجمل القول، تجادل العديد من التحليلات أن البيئة الاجتماعية والفكرية في السودان ليست بيئة حاضنة للتطرف، في ضوء ميل المزاج الديني السوادني إلى  نموذج  التدين الصوفي،  ناهيك أن ارتباط السودان بالإرهاب  كان نتيجة لسياسة الباب المفتوح التي اتبعها الإسلاميون مع العناصر الإرهابية في التسعينيات، أي أن الإرهاب كان وافدًا من الخارج إلى السودان وليس مكون داخلي لديها، إلا أن هذا الطرح لا ينفي احتمالية أن يخلق الصراع الحالي جملة من المحفزات التي تدشن واقعًا، قد يعزز من نشاط التنظيمات الإرهابية على رأسها الضغط على المؤسسات الأمنية، وبالتالي خلق ثغرات تستطيع من خلالها هذه التنظيمات تنفيذ أهدافها.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76864/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M