أولًا: المقدمة
تُعد جزيرة تايوان بؤرة للصراع بين قوتين عظيمتين هما الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ويمكن إسناد جذور هذا الصراع منذ وقوع تايوان تحت الاحتلال الياباني عام 1894م بعد أن كانت تحت قيادة صينية لسنوات عديدة، وبدأت الولايات المتحدة أن تكون طرفًا في الصراع منذ وقوع حرب أهلية داخل الصين؛ والتي على إثرها تم إعلان جمهورية الصين الوطنية في تايوان من جانب “حزب الكومينتانج”، وما ساعد على ذلك هو دعم الولايات المتحدة لتايوان.
ومن هنا بدأ الصراع بين الأطراف الثلاثة؛ فالصين تسعى إلى استعادة تايوان كجزء من أراضيها ولن تتنازل عنها خاصةً في ظل الأهمية القصوى التي تمثلها تايوان لها على المستوى الاستراتيجي، الجيوبوليتيكي والاقتصادي، بينما الولايات المتحدة تجد تايوان فرصة للضغط على الصين وتحجيم قوتها المتنامية؛ حتى لا تكون منافس لها في ظل الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية، فإن لتايوان قيمة عسكرية عظمى لها تأثير على توازن القوى هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن خسارة الولايات المتحدة لتايوان؛ سيضعف من مصداقيتها أمام حلفائها في منطقة جنوب شرق آسيا. أما تايوان فتسعى إلى الاستقلال عن الصين وإعلان دولة مستقلة ذات سيادة، وتستغل الدعم المقدم لها من الولايات المتحدة الأمريكية، وما يزيد من ثقتها أن في حالة وقوع مواجهة عسكرية داخل المضيق -وهو الأمر الذي تتجنبه كلٌ من الولايات المتحدة والصين- ستتدخل الولايات المتحدة على إثر ذلك لصالح تايوان.
وينعكس الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان في أبعاد عدة، فبالنسبة إلى الأبعاد السياسية تتبنى الصين مبدأ “الصين واحدة”، أما الولايات المتحدة تتبنى سياسة “الغموض” تجاه تايوان؛ حيث أنها ترفض الاعتراف بتايوان دولة مستقلة، وفي ذات الوقت تستمر في تقديم الدعم إليها في مواجهة الصين، وتدعي محاولة الوصول إلى حلول بالطرق السلمية. وبالنسبة إلى الأبعاد العسكرية، التي تُعد من أهم أبعاد الصراع، فقامت الصين بالتهديد باستخدام القوة العسكرية في حالة رفض تايوان للمفاوضات السلمية، وتستمر محاولاتها في تدعيم قوتها العسكرية خوفًا من قدرات واشنطن، فتدرك الصين أنه في حالة استدعاء الأمر ستتدخل الولايات المتحدة عسكريًا لصالح تايوان، وهذا لا ينفي تخوف الولايات المتحدة أيضًا من تطور القدرات العسكرية للصين بشكل ملحوظ؛ ولذلك كلٌ منهما يتجنب المواجهة العسكرية. كذلك فإن للأبعاد الاقتصادية تأثير واضح على الصراع، والعلاقات بين أطرافه، فتعتمد تايوان بشكل رئيسي على التجارة مع الصين ـوهو أمر غير مطمئن بالنسبة لهاـ، فيستمر الطرفان الصيني والتايواني في التنافس على قمة الهرم الاقتصادي العالمي، كذلك قيام الولايات المتحدة بتحسين علاقاتها الاقتصادية مع الصين انعكس سلبيًا على علاقاتها مع تايوان. فضلًا عن البُعد التكنولوجي ـوالذي يعد حديثًا نسبيًاـ، إلا أنه يمثل نقطة تحول في الصراع، فتُعد الرقائق الإلكترونية حاليًا أساس اقتصاد أي دولة تسعى للهيمنة الاقتصادية العالمية، وتتنافس على صناعتها الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان، التي تستحوذ على غالبية إنتاجها عالميًا.
وتعددت الاستراتيجيات المتبعة في الصراع واختلفت من فترة لأخرى، فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية تغيرت استراتيجياتها عدة مرات حسب كل رئيس تبعًا لاختلاف طريقة تلقيه لتداعيات الصراع، وحسب العلاقات مع الصين بين الرغبة في تحسينها، وتدهورها بسبب استمرار دعم الولايات المتحدة لتايوان، ولكن ما يجمع بين الاستراتيجيات الأمريكية تجاه تايوان باختلاف فتراتها هو سعي الولايات المتحدة إلى تحقيق مصالحها، و مجرد إدارة الصراع ليس حله مثلما تزعم، بينما على الجانب الأخر، فرغم تعدد واختلاف الاستراتيجيات التي تبنتها الصين تجاه تايوان، إلا أن ما جمع بين تلك الاستراتيجيات هو قيامها على مبدأ “الصين الواحدة” وأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، وظهر ذلك في تبني رؤساء الصين لأدوات متعددة في سعيهم لتحقيق هذا المبدأ.
وفي ظل استمرار الصراع، فيمكننا التنبؤ بثلاثة سيناريوهات قد يؤول إليها الصراع، الأول: أن يستمر الوضع الراهن كما هو عليه، أي التمسك بالطرق السلمية دون تدخل خارجي، وترجع احتمالية وقوع هذا السيناريو لعدة أسباب أهمها معاناة الصين من مشكلات داخلية تمنعها من غزو تايوان حاليًا، فضلًا عن عدم قدرتها على مواجهة القوة العسكرية الأمريكية التي ستواجهها في محاولتها لضم تايوان بالعنف، وبالنسبة لتايوان فتخشى خسارة الدعم الأمريكي؛ ففي حالة استقلال تايوان ستتركها تواجه قضاياها الأمنية بمفردها، كذلك مواجهتها للصين بمفردها -وهو الأمر الذي لن تقدر عليه تايوان-، أما الثاني: غزو الصين لتايوان، فمسألة إعادة تايوان تعد من أهم الأهداف الاستراتيجية الصينية؛ لكن يقابل هذا السيناريو عقبات نابعة من الموقف الرافض من كلٍ من تايوان والولايات المتحدة الأمريكية، والثالث: انفصال تايوان وإعلان استقلالها، وفي تلك الحالة ستضطر الصين إلى استخدام القوة العسكرية، وقد يترتب عليه مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ الأمر الذي سيترتب عليه خسائر كبيرة لكل الأطراف على رأسهم الصين.
لذلك تسعى هذه الدراسة إلى عرض تطورات الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان في الفترة (2000-2023) وتوضيح الجذور التاريخية له، وأسبابه المنعكسة في الأهمية الاستراتيجية لتايوان بالنسبة إلى القوتين المتصارعتين، والتعمق في أبعاده، فضلًا عن مقارنة استراتيجيات الدولتين تجاه تايوان وفقًا لأولويات رؤسائهما، وفي النهاية تحليل السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع؛ للتوصل للسيناريو الأكثر ترجيحًا.
ثانيًا: أهمية الدراسة
تنقسم أهمية الدراسة إلى شقين:
1-الأهمية العلمية:
تسعى هذه الدراسة إلى تقديم إسهام متواضع في مجال الأدبيات العربية فيما يتعلق بالصراع الأمريكي الصيني حول تايوان؛ نظرًا لما يتمتع به هذا الصراع من أهمية بالغة لكونه يدور بين قوتين عظيمتين، كما أن الصراع حول جزيرة تايوان هو جوهر الصراع بين واشنطن وبكين، وذلك من خلال توضيح جذور الصراع، وأبعاده والاستراتيجيات التي أتبعها رؤساء كلٍ من الصين والولايات المتحدة، فضلًا عن توقع السيناريوهات المستقبلية للصراع.
2-الأهمية العملية:
تسعى هذه الدراسة إلى أن تضع أمام صانع القرار المصري و العربي الحقائق حول الصراع الأمريكي الصيني في تايوان، وتطورات هذا الصراع، وأهمية تايوان بالنسبة إلى كلٍ من القوتين المتصارعتين، فضلًا عن سياستهما تجاهها، وما سيؤول إليه هذا الصراع.
ثالثًا: المشكلة البحثية
ارتباطًا بما تقدم، تتمحور المشكلة البحثية حول تساؤل رئيسي قوامه ما تطورات الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان؟
وتندرج تحت هذا التساؤل مجموعة من التساؤلات الفرعية :
١- ما الجذور التاريخية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان؟
٢- ما الأهمية الاستراتيجية لتايوان؟
٣ – ما أبعاد الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان؟
٤- ما الاستراتيجيات الأمريكية تجاه تايوان؟
٥- ما الاستراتيجيات الصينية تجاه تايوان؟
٦- إلى أي مدى يمكن أن يؤدي الصراع الأمريكي الصيني إلى مواجهات عسكرية؟
٧- ما السيناريوهات المستقبلية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان؟
رابعًا: هدف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات السابقة، من خلال التعريف بالصراع الأمريكي الصيني حول تايوان، والتعرف على الأهمية الاستراتيجية لتايوان بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والصين، كذلك تناول الاستراتيجيات التي لجأت إليها أطراف الصراع، ومحاولة تقديم سيناريوهات مستقبلية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان.
خامسًا: منهج الدراسة
يُعد المنهج الاستقرائي بمثابة المنهج الملائم لهذه الدراسة من خلال تتبع واقع السياستين الخارجيتين الأمريكية والصينية تجاه تايوان والتوصل لنتائج وفقًا لتحليل الحقائق، متمثلة في رؤية القيادة السياسية الأمريكية لرغبة الصين في ضم تايوان خاصةً بعد استقلال الأخيرة، وتأييد الولايات المتحدة لها، بالإضافة إلى المنهج التحليلي الذي من شأنه عرض الاستراتيجيات الأمريكية والصينية وفق رؤية القيادة السياسية المختلفة تجاه تايوان، أضف إلى ذلك المنهج المقارن؛ وذلك لمقارنة استراتيجيات الرؤساء الأمريكيين والصينيين في تحديد السياسة الخارجية الأمريكية والصينية -على الترتيب- خلال فترة الدراسة في الصراع، وكذلك مقارنة تأثير كلٍ منهم على العلاقات الصينية الأمريكية.
سادسًا: الإطار الزمني للدراسة
تركز الدراسة على الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان منذ عام ٢٠٠٠؛ لأنه لأول مرة يتم انتقال سلمي للسلطة إلى حزب معارض هو الحزب الديمقراطي التقدمي الذي تولى حكم تايوان بزعامة “تشين شوي بيان” الذي أيد صراحةً استقلال تايوان، حتى عام ٢٠٢٣ الذي شهد إطلاق الصين لأكبر مناورات عسكرية على الإطلاق حول تايوان؛ ردًا على زيارة “نانسي بيلوسي” رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان في أغسطس 2022.
سابعًا: الإطار المكاني للدراسة
جمهورية الصين الوطنية «تايوان» التي تقع في جنوب شرق آسيا، وتطل على المحيط الهادئ شرقًا، وعلى مضيق تايوان غربًا، ويقع بحر الصين الجنوبي في الجهة الجنوبية الغربية منها، ويفصلها عن الصين -التي تعتبرها جزيرة انفصالية تابعة لها- مضيق فورموزا، الذي يشهد أيضًا صراع أمريكي صيني حوله.
ثامنًا: الأدبيات السابقة
١-سهام محمد فتحي، مشكلة تايوان وتداعياتها على العلاقات الأمريكية الصينية خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة من (1991-2022)، (رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، 2023).
ركزت الدراسة على مشكلة تايوان التي تعود جذورها إلى أواخر أربعينيات القرن العشرين، وتداعيات هذه المشكلة على مسار العلاقات بين بكين وواشنطن منذ نهاية الحرب الباردة حتى عام 2022، ولقد استخدمت المنهج التاريخي والاستقرائي، وهدفت الدراسة التعريف بتداعيات مشكلة تايوان على العلاقات الأمريكية الصينية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة بما اقتضاه ذلك من الوقوف على نشأة المشكلة التايوانية، وأبرز مراحل تطور العلاقات الأمريكية الصينية، والتحولات التي شهدتها خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وموقع المشكلة التايوانية من العلاقات الأمريكية الصينية، وتوضيح أهمية تايوان بالنسبة للمصالح الاستراتيجية للصين، والولايات المتحدة، وكيف أثرت أزمة تايوان الأخيرة على العلاقات الأمريكية الصينية، وما تداعياتها على النسق العالمي وصورة توزيع القوي فيه، وتوصلت الدراسة إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة من الجانبين الأمريكي والصيني؛ للحفاظ على مسار العلاقات الثنائية بينهما، إلا أن مشكلة تايوان كانت وما زالت تمثل حجر عثرة في مسار تلك العلاقات فمنذ استقلال تايبيه عن بكين 1949 تسعى بكين؛ لاستعادتها وضمها لسيادتها في حين تدعم واشنطن استقلال تايبيه، وترفض استعادة بكين للجزيرة بالقوة بالرغم من اعترافها بمبدأ «الصين الواحدة»؛ مما أدى إلى استمرار حالات التذبذب والتوتر في مسار العلاقات الامريكية الصينية؛ مما أثر سلبًا عليهما رغم أهمية تلك العلاقة الثنائية بين البلدين، وتتميز هذه الدراسة بتناولها الجذور التاريخية للعلاقات الأمريكية الصينية خلال الفترة (1839-1949)، وسيتم الاستفادة من هذه الدراسة في تناول الجذور التاريخية للعلاقات الأمريكية الصينية، واستراتيجيات كل من بكين وواشنطن تجاه الصراع حول تايبيه، ويمكن للباحثين تقديم إضافة عن تطورات ومستجدات الصراع في السنة التي لم تتطرق لها الدراسة.
٢- مروة عدى موسى، مكانة تايوان في الإدراك الاستراتيجي الأمريكي الصيني بعد عام 2009، (رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2023)
تشير هذه الدراسة إلى أن تايوان من أهم القضايا التي تثير الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث تعد تايوان إرث قديم من جمهورية الصين الشعبية، وجزء لا يتجزأ من أراضها أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي تعد حلقة وصل تربطها في منطقة آسيا الباسيفيك، وتهدف هذه الدراسة إلى إيجاد العوامل التي تجعل الطرفان يبتعدان عن سياسة التصعيد عبر المضيق في الفكر أو الممارسة أو على الأقل ضبط وتحليل أي صراعات تصعيدية؛ حتى لا تفقد السيطرة على هذه الصراعات ثم بعد ذلك الانزلاق نحو التصعيد، والضغط من أجل إعادة التوحيد القسري للصين وتايوان، وتوصلت الدراسة إلى ثلاثة مشاهد مستقبلية لمكانة تايوان في الإدراك الاستراتيجي الأمريكي الصيني وهما: الأول مشهد انفصال تايوان واستقلالها، والثاني إعادة التوحيد مع الصين، والثالث بقاء الوضع الراهن كما هو عليه، وتميزت هذه الدراسة بتوضيح الأهمية التاريخية والاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والأمنية لتايوان، واختيار بدء فترة الدراسة منذ ٢٠٠٩ حيث شهد ذلك العام الغزو الروسي لأوكرانيا، ويؤخذ عليها عدم غلق الفترة الزمنية للدراسة، وسيتم الاستفادة من ذلك في تناول الجذور التاريخية للصراع والأهمية الاستراتيجية لتايوان، ويمكن للباحثين إضافة تطورات ومستجدات الصراع خلال السنوات التي لم تتطرق لها الدراسة، بالإضافة إلى تحديد انتهاء فترة الدراسة في عام ٢٠٢٣.
٣- أحمد جلال محمود عبده، أثر الأزمة التايوانية على التوازن الاستراتيجي في شرقي آسيا (العلاقات الصينية الأمريكية من ٢٠١٦-٢٠٢٢: دراسة حالة)، مجلة كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة السويس، العدد الرابع، أكتوبر ٢٠٢٢.
تناولت الدراسة أزمة تايوان كإحدى أقدم الأزمات في العالم الحديث، والتي تعد محور أساسي للأحداث في منطقة شرقي آسيا للعديد من الاعتبارات الجيوبولتيكية، والسياسية والاقتصادية والعسكرية؛ وذلك لتحليل أبعاد هذه الأزمة ومراحل تطورها، ودراسة الأهمية الاستراتيجية لتايوان في شرقي آسيا، ودوافع كل من بكين و واشنطن للاهتمام بتايبيه، وانعكاسات الأزمة التايوانية على التوازن الاستراتيجي في شرقي آسيا، وتأثير ذلك على سياسات القوى والتوازن الاستراتيجي في المنطقة، وهدفت الدراسة إلى تقديم منظور تحليلي كلي السيناريوهات المستقبلية المتوقعة لأزمة تايوان، وسبل تسويتها، وتوصلت الدراسة إلى صعوبة تحقيق واشنطن استراتيجية “احتواء بكين ” بسبب مضي بكين في تطوير قوتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، واحتمالية حدوث تصادم مباشر بين بكين وواشنطن بسبب تايبيه غير قائمة في المدى المنظور؛ بسبب عدم قدرة الطرفين على تحمل التكلفة العسكرية في الوقت الراهن بالإضافة إلى اعتماد واشنطن لسياسة الاحتواء والمنافسة ضد بكين بدلًا من التعاون والشراكة سوف يؤدي إلى التعجيل بتشكيل نظام دولي جديد تلعب فيه بكين دور فعال ومؤثر. ولقد تميزت هذه الدراسة باختيارها الفترة الزمنية حيث بدأت الرسالة منذ تولي «تساي إنغ وين» رئاسة تايوان وبدء تصاعد الأحداث بين بكين وتايبيه وواشنطن، وسيتم الاستفادة من هذه الدراسة في تناول جوانب أبعاد الصراع الأمريكي في تايوان، وتضيف هذه الدراسة تطورات ومستجدات الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان خلال عام ٢٠٢٣.
4- معتصم كريم عبد النبي وآخرون، تأثير الأزمة التايوانية على العلاقات الأمريكية الصينية ، قضايا آسيوية، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، المجلد الرابع، العدد17.
تناولت هذه الدراسة أزمة تايوان، التي تعد محور رئيسي للأحداث في منطقة شرق آسيا؛ للعديد من الاعتبارات الجيوبولتيكية والاقتصادية والسياسية ، من أجل تحليل أبعاد هذه الأزمة وتطوراتها على العلاقات الأمريكية الصينية ودراسة انعكاسات الأزمة التايوانية على العلاقات الأمريكية الصينية وهدفت الدراسة إلى تقديم منظور تحليلي كلي لسناريوهات الأزمة التايوانية وسبل تسويتها ، وتوصل البحث من خلال استخدامه المنهج التحليلي إلى أن احتمالية نشوب مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بسبب تايوان غير قائمة في المدى المنظور لاعتبارات استراتيجية متعلقة بهدم قدرة الطرفين على تحمل هذه التكلفة العسكرية في الوقت الراهن بالإضافة إلى اعتماد واشنطن سياسة الاحتواء تجاه بكين سوف يؤدي إلى تشكيل نظام عالمي جديد تتمتع فيه الصين بدور فعال وتتميز هذه الدراسة بتوصلها إلى أن احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين بكين وواشنطن غير متاحة في الوقت الراهن ويمكن الاستفادة من هذه الدراسة في تناول كل من استراتيجيات كل من بكين وواشنطن في تايوان ويمكن للباحثين تقديم إضافة من خلال تناول أبرز تطورات ومستجدات الصراع التي لم تتناولها الدراسة.
٥-Cal Clark, The Changing Dynamics of the Relations among China, Taiwan, and the United States, Cambridge scholars publishing, 24th June 2011.
ركزت هذه الدراسة على مشكلة تايوان التي تعود جذورها إلى إجلاء «شيانج كاي شيك» وحزب «الكومينتانج» التابع له في نهاية الحرب الأهلية الصينية ١٩٤٩، وهدفت هذه الدراسة إلى التعريف بالمشكلة التايوانية وجذورها، والأهمية الاستراتيجية لتايبيه بالنسبة لبكين وواشنطن والكشف عن العوامل التي تدعم التغيير أو الاستقرار في التفاعلات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وتايوان، وتوضيح نقاط القوة والضعف في قانون العلاقات مع تايوان، ويؤخذ على هذه الدراسة عدم التعرض للنتائج التي توصلت إليها، وسوف يتم الاستفادة من هذه الدراسة في أبعاد الصراع الأمريكي الصيني في تايوان، ويمكن للباحث تقديم إضافة لأهم التطورات في الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان خلال السنوات التي لم تتطرق لها الدراسة بالإضافة إلى أهم النتائج التي تتوصل لها الدراسة.
٦-John F. Copper, “THE TAIWAN FACTOR IN U.S.-CHINA RELATIONS”. In: Zhao, S. (Eds) China and the United States. Palgrave Macmillan, New York, 2008.
هذه الدراسة تعرض قضية تايوان التي تعد القضية الأكثر صعوبة وأهمية في العلاقات الأمريكية الصينية، وهدفت الدراسة إلى التعرف على الثابت والمتغير في العلاقات الصينية الأمريكية التايوانية، ومدى أهمية تايبيه بالنسبة لبكين وواشنطن ، بالإضافة إلى التركيز على العلاقات بين بكين وواشنطن في عهد إدارة «دبليو بوش» والتعرف على مستقبل تايوان، ويؤخذ على هذه الدراسة عدم طرحها للسناريوهات المستقبلية لتايوان أو وضع نتائج للدراسة، وقد تم الاستفادة من هذه الدراسة في تناول استراتيجيات الولايات المتحدة في تايوان ويمكن للباحث تقدم إضافة عن أبرز مستجدات الصراع خلال السنوات التي لم تتطرق لها الدراسة.
تاسعًا: تقسيم البحث
تنقسم الدراسة إلى فصلين، وستة مباحث، وخاتمة على النحو التالي:
الفصل الأول: موقع تايوان في الصراع الأمريكي الصيني
المبحث الأول: الجذور التاريخية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان.
المبحث الثاني: الأهمية الاستراتيجية لتايوان.
المبحث الثالث: أبعاد الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان.
الفصل الثاني: الاستراتيجيات الأمريكية والصينية تجاه تايوان
المبحث الأول: استراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه تايوان.
المبحث الثاني: استراتيجيات الصين تجاه تايوان.
المبحث الثالث: السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان.
الفصل الأول : موقع تايوان في الصراع الأمريكي الصيني
تمهيد:
يمتد الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان إلى سنوات عديدة؛ حيث تعود جذور الصراع إلى أواخر القرن التاسع عشر، فتسعى الصين إلى استعادتها على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها لن تتنازل عنه، بينما الولايات المتحدة الأمريكية فترى تايوان ورقة ضغط رابحة على الصين؛ لذلك تستخدمها لخدمة مصالحها في مواجهة الصين، مما يفيد تايوان الساعية إلى الاستقلال، فضلًا عن الأهمية الاستراتيجية لتايوان بالنسبة إلى البلدين؛ حيثُ تتمتع تايوان بأهمية استراتيجية في السياسة الصينية، فترى الصين أن انفصال تايوان عنها يُنقص من هيبتها. وكذلك تتمتع بأهمية جيوسياسية، فتسعى الصين إلى الاستفادة من تايوان لتعزيز شعبية الحكومة الشعبية، بالإضافة إلى الأهمية الجيوبولتيكية لتايوان، فتسعى الصين إلى مواجهة الولايات المتحدة ومنافستها على المستوى الجيوبوليتيكي عن طريق تايوان بتعزيز وجودها في منطقة الإندوباسيفيك، فضلًا عن وجود احتياطات من الطاقة (الغاز والنفط) في مضيق تايوان؛ مما يضفي أهمية اقتصادية لتايوان بالنسبة للصين.
وعلى الجانب الآخر، هناك أهمية كبيرة لتايوان بالنسبة للولايات المتحدة، فخسارتها لتايوان وغزو الصين لها سيشكلان خطر على الهيمنة الأمريكية، فلا تريد أمريكا منافس لها على الساحة الدولية؛ ولذلك تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية تايوان لعرقلة تقدم الصين، بالإضافة إلى رغبتها في تحقيق وجود جيوسياسي في آسيا؛ ونتيجة لما سبق يستمر الصراع لعقود طويلة، والذي شمل أبعادًا متعددة كان لها تأثير واضح على الصراع وتطوره.
وعليه، نتناول في هذا الفصل، الجذور التاريخية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان، والأهمية الاستراتيجية لتايوان بالنسبة لكلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وأبعاد الصراع السياسية، العسكرية، الاقتصادية والتكنولوجية.
المبحث الأول: الجذور التاريخية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان
تعود جذور الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان منذ انفصال تايوان عن الصين التي تعتبرها جزء لا يتجزأ من أراضيها وتعارض استقلالها، بينما الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر تايوان قاعدة عسكرية استراتيجية مهمة بالنسبة لها، وتسعى من خلالها إلى تحجيم قوة الصين[1]؛ ولذلك نشأ صراع متجذر بين البلدين بشأن تايوان.
وكان أول المستوطنين المعروفين في تايوان هم قبائل “أوسترونيزيان”، ويُعتقد أنهم جاءوا من جنوب الصين الحالية، وبعد فترة من كونها مستعمرة هولندية (1624-1661) أصبحت تايوان تحت قيادة أسرة تشينغ الصينية من 1683 حتى 1895.[2]
يتناول هذا المبحث الجذور التاريخية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان، والتي يمكن أن نقسمها إلى أربعة مراحل: بدايةً بحرب اليابان على الصين عام ١٨٩٤، واحتلالها تايوان، مرورًا بالحرب الأهلية الصينية بعد انتصار الصين في الحرب العالمية الثانية، وتقديم الدعم لتايوان من جانب الولايات المتحدة، ثم أزمات مضيق تايوان الثلاثة، ومن بعدها التقارب الصيني الأمريكي، وتطبيع العلاقات مع استمرار دعم أمريكا لتايوان، حتى عام ٢٠٠٠، وهى بداية فترة الدراسة.
أولًا/ احتلال اليابان لتايوان:
بدأت مشكلة تايوان منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام ١٨٩٤ عندما شنت اليابان حربًا على الصين، والتي سميت “حرب جيا وو”. وتم توقيع معاهدة “شيمونوسيكي”[3]، والتي كانت غير عادلة [4] بين حكومة أسرة “تشينغ” المهزوم واليابان في عام ١٨٩٥، وتنازلت الحكومة عن تايوان وجزر “بنغهو”، فأصبحت تايوان مستعمرة يابانية واستمر الاحتلال خمسين عامًا، واستخدمت اليابان تايوان في الحرب العالمية الثانية؛ فقامت بتطوير الصناعات المتعلقة بالسلاح بما يتناسب مع متطلبات القوة العسكرية اليابانية التوسعية وقتها.[5]
طالبت الصين بعودة أراضيها المحتلة ومنها تايوان وإقليم منشوريا، مستغلة هزيمة اليابان مع دول المحور في الحرب العالمية الثانية؛ حيث تم توقيع “إعلان القاهرة” من الصين والولايات المتحدة وبريطانيا، والذي أكد ضرورة إعادة الأراضي الصينية المحتلة، وأكدت على ضرورة تنفيذ هذا الإعلان معاهدة “بوتسدام” التي وقعت عليها الصين، بريطانيا، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق عام ١٩٤٥، وقبلت اليابان بنودها، واستعادت الصين تايوان بعد ذلك. وفي ذلك الوقت اتبعت حكومة حزب “الكومينتانج” الذي كان يحكم الصين وقتها سياسة خاطئة ففرض حكم استبدادي عسكري على تايوان؛ ونتج عنه حدوث نزاعات بينها وبين مواطني تايوان.[6]
ثانيًا/ الحرب الأهلية الصينية:
بدأ الصراع داخل الصين بين حزب “الكومينتانج الصيني” والحزب “الشيوعي الصيني”، فبعد انتصار الصين في الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥ رفض حزب الكومينتانج برئاسة “شيانج كاي شيك” تكوين حكومة ائتلافية مع الحزب الشيوعي الصيني بقيادة “ماو تسي تونج”، وهنا بدأت الحرب الأهلية بينهما عام 1946؛ بهدف سيطرة حزب “الكومينتانج” على سلطة الحكم. [7] وظلت الحرب مشتعلة بين الحزبين حتى عام ١٩٤٩، عندما تمكن “الحزب الشيوعي الصيني” بمهارات وقدرات حربية فائقة من هزيمة حزب “الكومينتانج”، وحسم الصراع لصالحه، وسقطت بكين في يد “ماو” عام ١٩٤٩.
هرب أعضاء حزب “الكومينتانج” إلى جزيرة تايوان، وتم إعلان قيام “جمهورية الصين الوطنية”، واستطاع أن يكسب شرعية دولية بوجود معظم أعضاء آخر مجلس نيابي منتخب في بكين معه، واعتبر نفسه الممثل الشرعي للصين، وذلك لم يكن سيحدث لولا الدعم الذي حصلت عليه تايوان من الولايات المتحدة الأمريكية والتي هيمنت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي ساعد حكومة الصين الوطنية على الاستمرار، واحتلت المقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي المخصص للصين، وعلى الجانب الآخر ظلت الصين الأم تعيش في عزلة دولية كرستها خلافات عقائدية مع الاتحاد السوفيتي من جانب، ونزاعات حدودية مع موسكو من الجانب الآخر، فاستغل “كاي” الأمر، وقام بتأسيس جمهورية الصين الوطنية في تايوان تحت قيادته. [8]
وفي عام ١٩٥٤ قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتوقيع اتفاقية “الدفاع المشترك” مع تايوان، والتي وضعت فيها تايوان تحت حمايتها، حتى قررت الولايات المتحدة نشر صواريخ نووية تكتيكية في تايوان. [9]
ثالثًا/ أزمات مضيق تايوان:
مر مضيق تايوان بثلاث أزمات بعد انتهاء الحرب الأهلية الصينية، واستقرار كلٍ من جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسى، وجمهورية الصين في تايوان، أي كلاهما على جانبي المضيق.
Image: Map of the Taiwan Strait, 2005 (CIA, public domain)
- جاءت الأزمة الأولى في سبتمبر ١٩٥٤، عندما شنت جمهورية الصين الشعبية قصفًا مكثفًا على جزر “كيموي وماوتسو” الواقعتان تحت حكم تايوان، ولجأت الولايات المتحدة المهتمة بالمنطقة إلى التهديدات النووية في عام ١٩٥٥، واستغرق الأمر ثمانية أشهر مؤلمة من التوترات والتهديدات قبل أن يستعد الصينيون للتفاوض[11]، وانتهت الأزمة التي كادت أن تضع الصين والولايات المتحدة على حافة نزاع مباشر.[12]
- وجاءت احتمالية أخرى لأزمة في مضيق تايوان عام ١٩٥٨، -والتي تعرف بأزمة تايوان الثانية- عندما طالب الشيوعيون الصينيون باستئناف المحادثات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، والتي تقلصت بسبب التطورات التي حدثت بين الولايات المتحدة وتايوان بين عامي ١٩٥٦-١٩٥٧ من تزويد الولايات المتحدة تايوان بالصواريخ، القذائف النووية والعديد من المدافع؛ مما مكّن تايوان عسكريًا في تلك الفترة، بالإضافة إلى قيام الولايات المتحدة تقليص الممثل الدبلوماسي لها من درجة سفير إلى قائم بالأعمال في محادثات جنيف عام ١٩٥٨.
وجاءت أول حركة عسكرية في أواخر يوليو ١٩٥٨ على شكل اشتباكات جوية فوق مضيق تايوان والبر الرئيسي الصيني، سعى القوميون الصينيون إلى الحصول على معدات حديثة لقواتهم المسلحة، وعملوا على حث الولايات المتحدة على الالتزام علنًا بالدفاع عن الجزر البحرية، ولكن رفضت الولايات المتحدة، وزادت مساعدتها العسكرية لحكومة جمهورية الصين، فكانت سياسة الحكومة الأمريكية أنها لن تساعد في الدفاع عن الجزر البحرية إلا إذا كان ضروريًا للدفاع عن تايوان.[13]
وفي أغسطس ١٩٥٨ شن الشيوعيون الصينيون هجومًا مدفعيًا على جزر “كيموي”، ورغم أنه كان متوقع إلا أنه تسبب في إعادة تقييم السياسة الأمريكية تجاه الجزر البحرية، فأكدت الولايات المتحدة أنها ستعتبر الهجوم على كيموي بمثابة هجوم على تايوان، كما أرسلت قافلة أمريكية إلى كيموي، وسلطة احتياطية للدفاع عن تايوان.[14]
وبعد هذا الدعم الواضح من أمريكا؛ بدأ الشيوعيون الصينيون يعيدون تقييم استراتيجيتهم، فبدأ عملهم العسكري المكثف ضد الجزر البحرية يتراجع في أوائل سبتمبر، وبدأت ثقة القوميون تزداد في أن الولايات المتحدة ستتولى الدفاع عن الجزر بشكل كبير، وتم وقف إطلاق النار، وواصلت الدعاية الشيوعية الصينية في التقليل من أهمية الأزمة.[15]
إذًا استمرت الحروب حول أزمتي مضيق تايوان في ١٩٥٤، ١٩٥٥ و ١٩٥٨ بشكل متتالٍ، وأشار الرئيس الأمريكي “أيزنهاور” وقتها أن مضيق تايوان والأعمال العدائية المستمرة مع الصين الشيوعية سببت له إحباط كبير في الحرب الباردة، وأعلن ماو :”لا نريد مصالحة مع الولايات المتحدة دون حل لقضية تايوان”.[16]
- وجاءت الأزمة الثالثة في مارس ١٩٩٦، عند اختبار الصين للصواريخ الباليستية في المياه المحيطة بتايوان؛ وذلك كان ردًا على منح واشنطن تأشيرة دخول لرئيس تايوان وقتها “لي تنج هوي” لزيارة جامعته في الولايات المتحدة خاصةً وهو يتبع استراتيجية انفصال تايوان عن الصين، ونتج عن ذلك إرسال الولايات المتحدة مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات بالقرب من تايوان لجعل الصين تتراجع عن تجاربها، وعلى إثر ذلك تم عقد اجتماعات ثنائية أمريكية صينية على كافة المستويات، بدايةً من مستوى قادة البلدين “بيل كلينتون” و”جيانغ زيمين”، وكذلك لقاءات بين مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك “أنتوني ليك”، ووزير الخارجية “وارن كريستوفر”، ونائب وزير الخارجية “ليو هواكي”، كذلك خلقت واشنطن وبكين آليات مختلفة لإدارة الأزمات؛ لنزع فتيل أي أزمة، وتقليل مخاطر أي خلاف في المستقبل ومنع وصوله إلى الصراع، ومنها على سبيل المثال “الاتفاقية الاستشارية البحرية العسكرية ١٩٩٨”.[17]
رابعًا/ التقارب الصيني الأمريكي:
بدأ التقارب الصيني الأمريكي في إبريل ١٩٧١، وذلك عن طريق مايعرف بدبلوماسية “البينج بونج” القائمة على تقديم الدعاوي، وتبادل الزيارات بين الطرفين، وشهدت تلك الزيارات تغطية إعلامية كبيرة لإذابة العلاقات الأمريكية الصينية.
وفي فبراير ١٩٧٢ وقع الرئيس الأمريكي “نيكسون” ورئيس مجلس الدولة الصيني “تشو إن لأي” ما أصبح يعرف ب(بيان شنغهاي) فيما يخص قضية السيادة التايوانية، وتنص الوثيقة على أن “الولايات المتحدة تقر بأن جميع الصينيين على جانبي مضيق تايوان يؤكدون على وجود صين واحدة، وأن تايوان جزء من الصين”، وتؤكد الولايات المتحدة الاهتمام بتسوية سلمية لقضية تايوان من قبل الصينيين أنفسهم، وبالتالي انسحاب جميع القوات الأمريكية والمنشآت العسكرية من تايوان.
وفي أكتوبر من نفس العام، أجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم “2758”، اعترفت فيه بأن “ممثل حكومة جمهورية الصين الشعبية هو الممثل الشرعي الوحيد للصين لدى الأمم المتحدة، وأن جمهورية الصين الشعبية هى إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي”، كما قررت “إعادة جميع الحقوق الشرعية في الأمم المتحدة إلى جمهورية الصين الشعبية”. وفي الوقت نفسه تم طرد ممثل سلطات تايوان، وعليه قد اعترفت الأمم المتحدة والعالم كله بأن في العالم صينًا واحدة فقط، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين.[18]
وفي عام ١٩٧٥ دعا الرئيس الأمريكي “جيرالد فورد” بتطبيع العلاقات الأمريكية الصينية بعد زيارته التي استغرقت خمسة أيام مع القادة الصينيين، ونتيجة لذلك؛ أنهت الولايات المتحدة معاهدة “الدفاع المشترك” التي وقعتها مع تايوان في ديسمبر ١٩٥٤.[19]
في عام ١٩٧٩، أعلن البلدان عن إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بينهما، وأكدت الولايات المتحدة على مبدأ (الصين الواحدة)[20]؛ لكن رغم ذلك حافظت الولايات المتحدة على علاقات غير رسمية مع تايوان للحفاظ على اعتراف الولايات المتحدة بجمهورية الصين الشعبية، ودعمًا لسياسة الصين الواحدة.
وفي عام ١٩٧٩ أصدر الكونجرس قانون العلاقات مع تايوان، والذي رسم العلاقات فيما بينهما، وسُمي بميثاق “العلاقات مع تايوان”، وتضمن مجموعة من المبادئ أهمها:[21]
١- استمرار الولايات المتحدة في تزويد تايوان باحتياجاتها من الأسلحة الدفاعية.
٢- التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على روابط ثقافية وتجارية مع تايوان.
٣- تظل الولايات المتحدة في استعداد كافٍ لردع استخدام القوة الموجهة ضد أمن تايوان.
٤- يعد السلام والاستقرار في المنطقة من الاهتمامات الأمريكية السياسية، الأمنية والاقتصادية.
٥- ستقيم الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع بكين على أساس حل قضية تايوان بشكل سلمي.
وتعهدت الولايات المتحدة بدعم تايوان للدفاع عن نفسها من خلال توفير الخدمات الدفاعية اللازمة، ولكن ظلت سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان تتسم بالغموض الاستراتيجي حول إذا كانت ستدافع عن تايوان إذا وقع هجوم عليها من الصين في ظل توطد العلاقات مع الصين.[22]
في عام ١٩٨١، عمل الرئيس “ريجان” على إعادة تسليح تايوان لتقوية النفوذ الأمريكي في آسيا والمحيط الهادئ.[23] وأعاد التأكيد على أهمية الحل السلمي لقضية تايوان، والتمسك بمبدأ الصين الواحدة بعد إصدار “بيان شنغهاي الثاني ١٩٨٤”.[24]
وفي عام ١٩٨٢، تعهدت الولايات المتحدة في البيان المشترك بأنها لن تتجاوز المستوى السابق الذي وفرته لتايوان من قبل، أي أنها تعهدت أنها لن تزود تايوان بالسلاح عن طريق تطبيق سياسات طويلة الأجل، بل إنها ستقوم بخفض الكميات تدريجيًا، ولكن ظلت الولايات المتحدة هى الداعم الوحيد بالأسلحة للجيش التايواني، ولم تنفذ بنود البيان المشترك، وحصلت تايوان منها على صفقات أسلحة بقيمة ٣.٢ مليار دولار بين عامي ١٩٩٣-١٩٩٥م.[25]
تحسنت العلاقات الأمريكية الصينية في عام ١٩٩٩؛ بالرغم من إصرار الولايات المتحدة على دعم قادة تايوان سياسيًا، وأصبح واضحًا للصين أنها لن تتخلى عن تايوان مع تعزيز العلاقات مع الصين، فتم اتباع مبدأ المساواة.[26]
وخلاصة ما تقدم في أن تايوان كانت تحت قيادة أسرة تشينغ الصينية من ١٦٨٣ حتى ١٦٩٥، وذلك قبل أن تصبح موضع للصراع بين الولايات المتحدة والصين، وهو الصراع الذي نشأت جذوره عندما تنازلت الصين عن تايوان بعد هزيمتها أمام اليابان في ١٨٩٥، واحتلت اليابان تايوان لمدة خمسين عامًا، وعندما استعادت الصين تايوان بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥، بدأت حرب أهلية داخل الصين بين حزب “الكومينتانج” الذي كانت سياسته استبدادية، و”الحزب الشيوعي الصيني” ١٩٤٦، وبعد انتصار الأخير، وهروب أفراد حزب “الكومينتانج” إلى تايوان، تم إعلان جمهورية الصين الوطنية هناك، والذي ساعد على الأمر هو دعم الولايات المتحدة لتايوان، وأهم صور هذا الدعم توقيع “اتفاقية الدفاع المشترك” مع تايوان ١٩٥٤، ثم أزمة مضيق تايوان، والتي دافعت فيها الولايات المتحدة عن الجزر البحرية؛ لأنها اعتبرت الهجوم عليها بمثابة الهجوم على تايوان، ثم حدث التقارب الأمريكي الصيني في ١٩٧١، وتطبيع العلاقات بين البلدين، وإقامة علاقات دبلوماسية، وظلت العلاقات الأمريكية الصينية تتحسن خاصةً في عام ١٩٩٩، ولكن اشتد الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان مع استمرار دعم الولايات المتحدة لتايوان سياسيًا، وإدراك الصين أنها لن تتخلى عن الأمر.
المبحث الثاني: الأهمية الاستراتيجية لتايوان
تُعد قضية تايوان من أهم القضايا في العلاقات الأمريكية -الصينية، إذ أنها مصدر للصراع بين الولايات المتحدة والصين، ولا تزال هناك خلافات بينهما حول الوضع الراهن في تايوان، بالإضافة إلى أهميتها الاستراتيجية، فهى تشكل أساس سياسة الصين الخارجية، كما أنها تشكل القضية القومية الأولى التي لن تتنازل عنها الصين، أما بالنسبة للولايات المتحدة فهى تنظر إلى تايوان على أنها أداة للضغط على الصين، وستستخدمها كلما دعت المصالح السياسية، والاقتصادية للولايات المتحدة إليها.
وعليه فإننا سنستعرض في هذا المبحث أهمية تايوان لكل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية على النحو التالي:
أولًا/ أهمية تايوان بالنسبة إلى الصين
تمتلك تايوان أهمية كبرى بالنسبة للصين؛ حيث تعدها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها وأُقتُطِع منها في أكتوبر 1949، لذلك ترى الصين أن انفصال تايوان عنها يعد انتقاصًا من هيبتها ووحدة أراضيها.
ولذلك تأتي قضية تايوان على أولويات عمل السياسة الخارجية الصينية في مواجهة رغبة تايوان في الاستقلال في ظل سياسات أمريكا الداعمة لتايوان. وتقع تايوان على بعد نحو 106 كيلومترات من ساحل جنوب شرقي الصين، بينما تبعد حوالي 11200 كيلومتر عن الولايات المتحدة، وتقع جزيرة تايوان فيما يُعرف ب “سلسلة الجزر الأولى” التي تبدأ من شمال اليابان، وتمتد جنوب غربي تايوان، والفلبين ثم فيتنام، وهى سلسلة تتضمن الأراضي الصديقة والمؤيدة للولايات المتحدة الأمريكية، لذلك تأمين تايوان هو بمثابة تأمين للبحرية الصينية من خلال عمق بحري واسع يعطيها حرية الحركة في مسرح العمليات؛ ولذلك تعتبر الصين أن تايوان هى خط الدفاع الأول عن الحدود البحرية الصينية. [27]
وبالنسبة لأغلب الصينيين، تمثل تايوان شيئًا أكثر أهمية بكثير من مجرد أراضٍ، إنها المحاولة الأخيرة للصين للتغلب على إرث “قرن الإذلال ” الذي امتد بين القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما تم استعمارها، وتقسيمها من قبل قوى خارجية.[28]
- أهمية تايوان في المنظور الاستراتيجي الصيني:
تتمتع تايوان بأهمية استراتيجية في السياسة الصينية، فهى قضية مركزية وجزء أساسي أُقتُطِع من سيادتها الوطنية خلال ظروف استثنائية شهدت نزاعات داخلية وتدخلات خارجية في شؤونها من دول أخرى، وتعتبر الصين قضية استقلال تايوان قضية غير قابلة للنقاش. [29]
لذا ترى الصين أن بقاء تايوان في حالة انفصال عنها هو بمثابة انتقاص من هيبتها ومكانتها، كما أن عودتها إلى سيادتها يضمن لها تحقيق تقدم سياسي يوازي مكانتها المتصاعدة عالميًا، فتايوان تمثل نطاقًا حيويًا مهمًا للصين؛ لأنها تشكل قاعدة استراتيجية لعمليات عسكرية محتملة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ضد الصين؛ وذلك نظرًا لأهميتها الجيوستراتيجية التي تقع بين بحري الصين الجنوبي والشرقي ولقربها من الصين؛ وبناءًا على ما سبق فإن الضرورة تحتم من وجهة النظر الأمريكية وجود حكومة تايوانية موالية للولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على مصالحها في هذه المنطقة .[30]
وتتمتع تايوان بأهمية بالغة بالنسبة للصين من المنظور الجيوسياسي، نظرًا لعدة اعتبارات منها: سعي قادة الصين إلى استخدام تايوان لتعزيز شعبية الحكومة الصينية؛ حيث يُعد ضم الصين لتايوان قضية قومية من الدرجة الأولى في البلاد، إذ يستخدمها قادة الحزب الشيوعي الصيني لإذكاء المشاعر الوطنية بهدف تعزيز شعبيتهم، كما أنه في حالة نجاح الصين في استعادة تايوان، فإن بكين سوف تتمكن من كسر محاولات واشنطن؛ لتطويقها في سلسلة الجزر الأولى التي تمتد من اليابان إلى الفلبين، ومن ثم تعزيز قدرتها على تحقيق الهيمنة الإقليمية. بالإضافة إلى محاولة الصين إضعاف المصداقية الأمريكية، حيث إن التحالفات الأمريكية في المحيط الهادئ تقوم على الاعتقاد بأن واشنطن قادرة وراغبة في حماية حلفائها من الهيمنة الصينية، وفي حالة إخفاق واشنطن، أو تقاعسها في الدفاع عن تايوان، فسيكون من الطبيعي أن تخسر مصداقيتها أمام حلفائها في جنوب شرقي آسيا، وخاصةً اليابان، الفلبين وكوريا الجنوبية، وهو ما سيصب في صالح تأكيد هيمنة الصين الإقليمية، بل وتأكيد صعودها كقوى عظمى في النظام الدولي. كما أن خسارة جزيرة تايوان لصالح الصين سوف تكون مؤشرًا لانهيار الإمبراطورية الأمريكية، وتراجعًا للهيمنة الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن تعزيز قوة بكين الاقتصادية؛ حيث تمثل السيطرة على تايوان تأكيدًا لقوة الصين الاقتصادية، خاصةً أن تايوان تسيطرعلى صناعة أشباه الموصلات الحيوية في العالم.[31]
كما تُعد تايوان مركز ثقل السياسة الأمنية الصينية، ولدى تايوان قيمة استراتيجية ضخمة في سلسلة التوريد العالمية للرقائق الالكترونية فائقة التقدم، وهذا سبب قوي أيضًا لدى الغرب في إبقاء الصين بعيدة عن تايوان قدر المستطاع، وبهذا المفهوم يمكن أن تحقق تايوان رادعًا مزدوجًا يحول دون قيام الصين باللجوء للقوة تجاهها، كما يحقق لها الحماية الأمريكية، وموافقة الدول المتقدمة والصناعية على التصدي لأي محاولة لتعطيل إمدادها باحتياجاتها من الرقائق الإلكترونية تحت أي ظرف.[32]
- أهمية تايوان في المنظور الجيوبوليتيكي الصيني:
يُعد المتغير الجيوبوليتيكي من أهم العوامل المؤثرة في تحديد الأهمية الاستراتيجية لأية دولة، إذ تؤدي المساحة والموقع الجغرافي دورًا كبيرًا في قياس قوة الدولة، وتأثيرها على الساحة الدولية في مختلف الجوانب السياسية، الاقتصادية والعسكرية وغيرها، كما تُعد العلاقة بين البيئة الجغرافية والسلوك السياسي نقطة ارتكاز في مجال الدراسات الجيوبوليتيكية، وبذلك فإن المتغير الجيوبوليتيكي يسعى إلى تحويل السلوك السياسي لصانع القرار إلى هدف مرتبط بالبُعد الجغرافي بمعنى أن المتغير الجيوبوليتيكي يحدد نمط الحكم وطبيعة التفاعلات الاستراتيجية للدولة من خلال تأثرها بخصائصها الطبيعية كالسلاسل الجبلية، الأنهار والممرات المائية التي تؤثر على سلوك الدولة السياسي والاقتصادي بشكل أو بآخر؛ والتي أدت إلى معظم الحروب الدامية التي خاضتها البشرية منذ ظهور الدول القومية.[33]
كانت الدوافع المتعلقة بالأرض الحافز الرئيسي والموجه لسلوك الدول القومية والإمبراطوريات في الاستيلاء على دول أخرى حيوية، وهى مؤشر على قوتها ونفوذها، وانطلاقًا من الاعتقاد القائل بأن العامل الجغرافي مازال يمارس تأثيرًا كبيرًا وإن طَرأ عليه بعض التغيير، فإننا سنقوم بعرض أهمية المتغير الجيوبوليتيكي بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية تجاه تايوان[34]؛ إذ تشكل مسألة تايوان أهمية بالغة من الناحية الجيوبوليتيكية بالنسبة لمستقبل الصين بشكل خاص، ومنطقة آسيا-الباسيفيك، بشكل عام والنفوذ الأمريكي في تلك المنطقة[35]. وتتمثل اهتمامات الصين في تقديم نفسها قوة منافسة للولايات المتحدة في ظل طموحاتها لتصبح مركز استقطاب عالمي وخاصةً بعد نجاحها في استعادة “هونغ كونغ” و”ماكاو” ولم يتبقى لها سوى تايوان التي يُعد موضوع إعادتها إلى الصين أمرًا في غاية الأهمية من أجل تعزيز مكانتها في منطقة آسيا-الباسيفيك مع أن الأمر مختلف؛ إذ أن “هونغ كونغ” و”ماكاو” تمت إعادتهما بموجب اتفاقيات أُبرمت مع دول مستعمرة، إلا أن تايوان لها وضع خاص لكونها تُدار بواسطة حكومة صينية منذ قيامها عام 1949. وتنبع أهمية تايوان من الناحية الاقتصادية بالنسبة للصين أنها تقع في منطقة مهمة على طرق التجارة العالمية وبما أن تأمين مصادر الطاقة، تُعد مصادر أساسية لتدوير عجلة الاقتصاد الصيني الذي ساهم في تحقيق صعودها السلمي، وجعلها تتبوأ المرتبة الثانية عالميًا من حيث قوة الاقتصاد و تعزيز قوتها وثقلها على المستوى الدولي؛ لذلك فإن الصين تعد مسألة تأمين تلك المصادر فضلًا عن ضمان حرية نقل بضائعها إلى العالم مرهونًا بدرجة كبيرة بمضيق تايوان.
تكمن أهمية تايوان في موقعها الاستراتيجي الذي يربط شمال شرق آسيا بجنوبها والشرق الأوسط عبر مضيق تايوان وقناة “باتشي”، فهي تشكل حلقة وصل مهمة من الجزر الاستراتيجية الممتدة من جزيرة “ريوكيو” اليابانية في الشمال إلى جزر الفلبين في الجنوب، فضلًا عن موقعها المطل على مضيق تايوان الذي يبلغ عرضهُ 100 ميل وعلى الساحل الصيني الذي يشكل بحد ذاته تهديدًا للصين؛ لكونه يقيد حركتها في أثناء الأزمات، ويدرك صانع القرار الأمريكي أن موقع تايوان يمكن أن يمثل قاعدة مهمة للعمليات العسكرية في حال نشوب حرب في تلك المنطقة، لذا فإن الضرورة تحتم وجود حكومة تايوانية موالية للولايات المتحدة. [36]
3- أهمية تايوان في المنظور الاقتصادي الصيني:
أ) ضمان أمن الطاقة (النفط والغاز): أصبح مفهوم الصين للأمن القومي راسخًا مع مصالحها الخارجية المتزايدة -على النحو المبين في الكتاب الأبيض للدفاع الصيني لعام ۲۰۱۳- ؛ حيثُ يعتبر تأمين موارد الطاقة منفعة مهمة لضمان النمو المستدام للاقتصاد الصيني، وتعد الصين ثاني أكبر مستهلك للطاقة بعد الولايات المتحدة، حيث تباطء النمو الاقتصادي بنسبة ٦.۱ ٪ في عام ۲۰۱۹ وازداد الطلب على الرغم من تأثير وباء فيروس كورونا بشكل سلبي على النشاط الاقتصادي والصناعي، وأصبح مؤثرًا في السوق العالمية، بالإضافة إلى الخلافات التجارية مع واشنطن منذ عام ۲۰۱۷ وزيادة الرسوم الجمركية على معظم السلع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة في عام ۲۰۱۹ [37]، كما بلغ استهلاك الصين من النفط في نفس العام نحو ۱٤ مليون برميل، وهو ما يمثل 14.3% من الاستهلاك العالمي. [38]
يجعل كل هذا اتجاه الصين نحو بحر الصين الجنوبي، وخاصةً نحو مضيق تايوان، أمرًا حاسمًا؛ وذلك لأن مضيق تايوان به احتياطيات كبيرة من الطاقة (النفط والغاز)، إنه يوفر تكاليف أقل واعتماد أقل على بعض المناطق المتقلبة مقارنة بالمناطق الأخرى المنتجة للنفط في العالم [39].
لا تمثل حماية الممرات البحرية التي يمثلها مضيق تايوان ومضيق ملقا عبر بحر الصين الجنوبي بعض المصالح والأهداف الاقتصادية للصين فحسب؛ بل تمثل أيضًا نقطة الانطلاق للممرات البحرية “للحزام والطريق”، وبما أن مشروع الطريق هو مشروع القرن، فإن الصين ترى امتداده كنقطة أساسية يمكن أن تؤثر سلبًا على مستقبلها، إذا سعت الدول إلى الاستفادة من هذه الحتمية الجغرافية، وخاصة الولايات المتحدة.[40]
تسعى الصين أيضًا إلى إيجاد ممرات بحرية لحماية مصالح الملاحة التجارية وضمان الوصول إلى إمدادات الطاقة، وفقًا لاستراتيجية الصين القائمة على نشر القواعد البحرية والعسكرية حول منطقتها، وتُسمى هذه الاستراتيجية ب”سلسة عقد اللؤلؤ”، لاسيما في تايوان وبحر الصين الجنوبي ومضيق “ملقا” إذ كانت من بوادر الصعود الصيني في المنطقة[41].
ب) العثور على أسواق جديدة: تعد أحد الأهداف الرئيسية للصين؛ حيث اخترقت منتجاتها المختلفة أسواق دول آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة تايوان[42]؛ كونها سوق استهلاكي للمنتجات الصينية منخفضة السعر والجودة فهو سوق سهل الاقتران به خاصة بالدول الفاشلة بسبب هشاشة البيئة الهيكلية وفقدان السيطرة عليها[43]. تسعى سياسة الصين إلى تأمين مصادر طاقة استراتيجية بهدف دعم المستوى المعيشي لسكانها الضخم، ولتحقيق هذا الهدف تسعى إلى تأمين الطاقة من الدول المجاورة والدول الغنية بالموارد الأخرى من خلال بناء علاقات مصالحة معها والمحافظة عليها، وتسعى أيضًا إلى حماية المعابر عبر المحيط الهادئ والمحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان[44]، وتسعى الصين إلى تغيير الطريقة التي ينظر بها لها دول جنوب شرق آسيا من دولة تصدر الأيديولوجيا والثورة إلى دولة تصدر النوايا الحسنة والسلع[45]، وهى تعتمد على اقتصاد إقليمي ينمو باستمرار، وتلتزم بتحقيق المنافع الاقتصادية المشتركة من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي، والقضاء على الفقر، وتحقيق الرخاء لشعوب المنطقة والتنمية المشتركة لجميع البلدان بما في ذلك تايوان.[46]
ثانيًا/ أهمية تايوان بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية
١-أهمية تايوان في المنظور الاستراتيجي الأمريكي:
تعتقد الولايات المتحدة دائمًا أن تايوان لها دور استراتيجي مهم في الحفاظ على زعامتها في هذه المنطقة، وتستغل الولايات المتحدة المشكلة التايوانية؛ لعرقلة تقدم الصين.[47]
نظرًا لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تهيمن أي قوة دولية على المنطقة من جانب واحد؛ فقد تبنت الولايات المتحدة استراتيجية لاحتواء الصين للحد من نفوذها في المنطقة، حيث تنبع مصلحة الولايات المتحدة في تايوان من محاولات استخدامها للحد من موقف الصين في المنطقة؛ بناءًا على تهديدها المحتمل لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وتتوافق رؤية تايوان مع رؤية الولايات المتحدة، فلا تريد تايوان أن يُنظر إلى الصين على أنها قوة مهيمنة استراتيجيًا في منطقة شرق آسيا، لامتلاكها أكبر مساحة وأكبر عدد من السكان وأقوى اقتصاد وأكبر قوة عسكرية في المنطقة؛ لهذا لا ترغب تايوان في استفزازها عسكريًا والدخول بصدام مباشر يهدد أمن تايوان.[48]
وتمثل تايوان أهمية خاصة لدى صانع القرار السياسي الأمريكي وإحدى أهم أدوات الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة التي تسعى إلى بسط هيمنتها العالمية وإحدى مرتكزات سياستها الخارجية؛ إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تأمين مصالحها الاستراتيجية على نطاق عالمي، وإن كسب تايوان حليفًا لها من شأنه تأمين تلك المصالح في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لذلك سعت الولايات المتحدة إلى حماية تايوان ونظامها السياسي لإدراكها أن استعادة الصين لتايوان سوف يكون له تأثير كبير وخطير على مصالح الولايات المتحدة في منطقة آسيا الباسيفيك، فضلًا عن كون تايوان ورقة استراتيجية تستخدمها الولايات المتحدة للضغط على الصين متى ما تطلب الأمر.
كذلك فإن التزام الولايات المتحدة بأمن تايوان والحفاظ على ازدهارها قد أثبت بشكٍل فعال أهمية تعزيز العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة على حساب الصين، فلقد عُززِت منذ مدة طويلة المصلحة بين الولايات المتحدة وتايوان، على عكس ذلك فقد قررت الولايات المتحدة أن التزامها السياسي بأمن تايوان هو جزء من التزامها المبدئي بتنمية الديمقراطية والأمن الإقليمي بعيدًا عن التهديد العسكري الصيني[49]، ويدلل على ذلك تأكيد الشخصيات الرسمية الأمريكية على ما أطلق عليه التزام الولايات المتحدة بمسئولية ضمان ” أمن تايوان”، والتنويه عن التدخل العسكري الأمريكي إذا استخدمت الصين القوة ضد تايوان، ويبين ذلك بوضوح أن الولايات المتحدة تستغل تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية بينها وبين تايوان وتعتبرها وسيلة مهمة للحفاظ على وضع ” سلام دون توحيد ” في مضيق تايوان، فضلًا عن زيادة مبيعات الأسلحة المتقدمة والمعدات العسكرية لتايوان التي تستخدم في إقامة نظام مضاد للصواريخ؛ وذلك من أجل توسيع آفاق الاتصالات بين كبار العسكريين في الولايات المتحدة وتايوان، وزيادة التعاون العسكري والفني بينهما، والتعجيل بانضمام تايوان لعملية التخطيط التي تقوم بها الولايات المتحدة وتنفذها في الوقت الحاضر بنشاط وفاعلية وإقامة نظام دفاع الصواريخ الميدانية، والحفاظ على التواجد العسكري الأمريكي في شرق آسيا [50].
تستخدم الولايات المتحدة تايوان لاستفزاز الصين جغرافيًا، سياسيًا، دبلوماسيًا، عسكريًا واقتصاديًا كلما استدعى الأمر[51]. ويمكن القول أن خسارة الولايات المتحدة الأمريكية لتايوان وضمها للصين سيضعفان من قوة حلفاء واشنطن في آسيا ومنها الفلبين وكوريا الجنوبية، وسيقوضان من مجال الحركة للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة، وأخيرًا إضعاف المصداقية الأمريكية؛ حيث ستقوض خسارة تايوان مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية، فالتحالفات الأمريكية في المحيط الهادئ تقوم على الاعتقاد بأن واشنطن قادرة وراغبة في حماية حلفائها من الهيمنة الصينية، وفي حالة إخفاق واشنطن أو فشلها في الدفاع عن تايوان فسيكون من الطبيعي أن تخسر مصداقيتها أمام حلفائها في جنوب شرق آسيا خاصة اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية[52].
ويُعد الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشكل عام وتايوان بشكل خاص، أحد المصالح السياسية للولايات المتحدة في المنطقة، كما أن الهاجس الرئيسي للولايات المتحدة في تايوان هو الحفاظ على توازن القوى في منطقة آسيا والمحيط الهادي[53]، فهى على حد تعبير الجنرال الأمريكي دوغلاس ماك آرثر (Dr. Mac Arthur) حاملة طائرات لا يمكن إغراقها، تسيطر على النقطة المركزية للساحل المحدب للصين، والتي يمكن أن تشكل فرقًا للولايات المتحدة الأمريكية، كما أن القيمة العسكرية المتأصلة في تايوان لا يمكن إغفالها، فمصيرها سيحدد إلى حد كبير توازن القوى في المنطقة[54].
وتستثمر الإدارات الأمريكية في تقديم مساعدات عسكرية لتايوان وإبرام عقود كان آخرها إعلان البنتاجون في إبريل ۲۰۲۲، عن عقد قيمته ٩٥ مليون دولار، وتمت الموافقة على صفقة مماثلة بقيمة ١٠٠ مليون دولار لتوفير خدمات لتايوان وبيع معدات لدعم وصيانة وتحسين نظام الدفاع الجوي (باتريوت) في أوائل فبراير من العام نفسه، ويمكن القول أن اهتمام واشنطن العسكري والسياسي تجاه تايوان ينبع من رغبة واشنطن في تحقيق وجود جيوسياسي في عموم آسيا وشرق آسيا خاصة، وهو ما يساعدها في تقويض مساعي الصين للسيطرة الاقتصادية والسياسية على بلدان تلك المنطقة[55] .
وتتحدد أهم مصلحة أمريكية في قضية تايوان في تجنب المواجهة العسكرية عبر المضيق، لأن من شأن ذلك أن يدفع بالولايات المتحدة للتدخل العسكري لصالح تايوان أو بالنيابة عنها. وتعتبر الولايات المتحدة تايوان قاعدة محتملة للعمليات العسكرية في حالات الأزمات الإقليمية أو العالمية، كما تعتبرها قاعدة هامة للدعم اللوجيستي للقوات الأمريكية في شرق آسيا في حال نشوب معارك محتملة بين الولايات المتحدة والصين أو كوريا الشمالية، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي العسكري كبوابة بحرية بين شمال وشرق آسيا[56] .
وأضاف تحول تايوان من دولة استبدادية ذات حزب واحد إلى ديمقراطية متعددة الأحزاب ومجتمع مفتوح على مدى السنوات العشرين الماضية عنصرًا جديدًا حاسمًا إلى اهتمام الولايات المتحدة بأمن تايوان وقدرتها على البقاء، والحقيقة أن تايوان قد شهدت ما تأمل إليه الولايات المتحدة من شاكلة التحول إلي مجتمع ديمقراطي أكثر انفتاحًا وعدالةً واستقرارًا يقوم على سيادة القانون، كما أن الحريات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يتمتع بها شعب تايوان اليوم تشبه القيم التي تجذبها الولايات المتحدة وتروج لها.[57] ونظرًا لتمتع تايوان بأهمية استراتيجية بالنسبة للدفاع الجماعي عن النفس للولايات المتحدة وحلفائها الديمقراطيين؛ فإن سقوط تايوان في أيدي الصين سوف يشكل خسارة صافية للقوى الديمقراطية في كل مكان.[58]
وترى الولايات المتحدة أن الطريقة التي تتعامل بها الصين مع تايوان ستكون مقياسًا مهمًا لكيفية تعامل الصين مع النزاعات أثناء صعودها وكيف ستدير الولايات المتحدة التحديات التي تفرضها القوة الصاعدة على دول أخرى حول حدوث تحول في ميزان القوى الإقليمية وربما العالمية، مما يدفع تلك الدول إلى اتخاذ خيارات استراتيجية وفقًا لذلك قد لا تفيد موقف الولايات المتحدة في الصين، إذا بدأت الولايات المتحدة أو غيرها في التنازل عن التزاماتها ومصالحها الأساسية وطويلة الأمد بسبب القلق بشأن رد الفعل الصينى؛ فإن هذا من شأنه أن يخاطر بإرسال إشارة ترخيص إلى بكين بشأن مسائل أخرى، كما قد يرسل أيضًا إشارة إلي دول أخرى حول حدوث تحول في ميزان القوى الإقليمية وربما العالمية؛ مما يدفع تلك الدول إلى اتخاذ خيارات استراتيجية وفقًا لذلك قد لا تستفيد منها الولايات المتحدة في آسيا .[59]
وقد حذر الخبير الأمريكي البارز في العلاقات الدولية (ريتشارد هاس)، والذي شغل منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية للفترة ( ۲۰۰۱ – ۲۰۰۳م) من تعقيد وتشابك الوضع بشأن تايوان، موضحًا أنه من منظور الولايات المتحدة قد تتطلب الأوضاع المتسارعة تقديم الدعم لتايوان؛ وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع حرب باردة جديدة، أو ربما اندلاع مواجهة مباشرة مع الصين؛ لكن من جانب آخر فإن ترك تايوان تتدبر أمورها بنفسها قد يكون من شأنه أن يقوض مصداقية واشنطن .[60]
ويمكن القول أن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تخلصت واشنطن من عدو و منافس لم يكن هينًا، وبعد عقود مما أسمته الحروب على الإرهاب، باتت ترتكز الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين بوصفها تهديد محتمل كمتحدٍ للهيمنة الأمريكية على قمة النظام العالمي، وتعززت تلك النظرة عقب القفزات الاقتصادية، السياسية والعسكرية التي حققتها بكين في العقود الأخيرة، وقامت الولايات المتحدة بضم دول أخرى إلى دوائرها الصغيرة ودعمت تحالف العيون الخمسة وروجت للتحالف الرباعي (Quad)، وأنشأت تحالف أوكوس (AUKUS)، وتحاول الآن بناء نسخة آسيا والمحيط الهادئ من الناتو.[61]
٢-أهمية تايوان في المنظور الجيوبولتيكي الأمريكي:
ينبع الاهتمام بمنطقة تايوان انطلاقًا من مكانتها الجيوبولتيكية البالغة الأهمية في تلك المنطقة، إذ يمثل مضيق تايوان مع قناة “باشي” ممرين بحريين يربطان شمال شرق آسيا مع جنوب شرقها، كما أن تنامي دور الصين على المستوى الإقليمي يقابله توافق أمريكي مع جيران الصين ومنهم اليابان والفلبين على استمرار الوضع الحالي في تايوان وعدم عودتها للصين من أجل تأمين حدودها وبناء جدار عازل حليف لهما، أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن انهيار الاتحاد السوفيتي السابق فسح المجال أمامها للتركيز على منطقة آسيا-الباسيفيك من أجل تأمين ممرات التجارة العالمية ومحاصرة الصين والحد من دورها الإقليمي، إذ إن اتساع نطاق مصالح الصين ومكانتها الاقتصادية عالميًا أدى إلى تزايد حجم المخاطر التي قد تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمر الذي دفعها إلى تعزيز حضورها ونفوذها العسكري في الجوار الصيني[62]
كما أن ما يحدث في مضيق تايوان سيكون له آثار هائلة على مستقبل التحالفات الأمريكية في المنطقة ضمن شبكة التحالفات الأمريكية، وكما أشار مساعد وزير الدفاع الأمريكي (إيلى راتنر)، تقع تايوان في نقطة حرجة ضمن سلسلة الجزر الأولى، والتي ترتكز على شبكة من حلفاء وشركاء الولايات المتحدة – تمتد من الأرخبيل الياباني مرورًا بالفلبين وصولًا إلى بحر الصين الجنوبي – وتعد حماية هذه السلسلة أمرًا مهمًا لأمن المنطقة وللمصالح الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تشكل الميزة غير المتماثلة الأكثر أهمية لواشنطن على حساب بكين، علاوةً على ذلك يترقب حلفاء واشنطن في آسيا وعلى رأسهم اليابان، الفلبين، أستراليا وكوريا الجنوبية إلى طريقة تعامل الولايات المتحدة مع تايوان باعتبارها مؤشرًا لمدى الثقة في الولايات المتحدة؛ حيث أن مصير تايوان سوف يلعب دورًا رئيسيًا في استمرار الاعتماد على الولايات المتحدة باعتبارها حجر الزاوية في التحالف .[63]
3ـأهمية تايوان في المنظور الاقتصادي الأمريكي:
تعتبر الانجازات الاقتصادية التي حققتها تايوان هى إحدى الأسباب؛ لاستمرار الولايات المتحدة في الاهتمام بتايوان حيث تُعد تايوان تاسع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية ما يقرب من 65 مليار دولار أمريكي في عام 2007، وقد أصبحت تايوان الرائدة عالميًا في مجال تكنولوجيا مكونات الكمبيوتر والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتعمل كمحور أساسي في تطوير هذا القطاع الحيوي؛[64] لذلك تخشى الولايات المتحدة غزو الصين لتايوان لأنها تعتمد بشدة على توريد تايوان لأشباه الموصلات وإنتاج أحدث التقنيات[65]، وتُعد تايوان ثالث أكبر مستثمر أجنبي في الولايات المتحدة[66]، وهذا ما سنستفيض إليه بشكل أكبر في المبحث التالي.
تشترك الولايات المتحدة وتايوان عبر السنوات الأخيرة بعدد من المصالح الاقتصادية، ومن جانب آخر تستثمر الإدارات الأمريكية في تقديم مساعدات عسكرية لتايوان وإبرام عقود كان آخرها إعلان البنتاجون في إبريل 2022، عن عقد قيمته 95 مليون دولار، وتمت الموافقة على صفقة مماثلة بقيمة 100 مليون دولار لتوفير خدمات لتايوان وبيع معدات لدعم وصيانة وتحسين نظام الدفاع الجوي (باتريوت) في أوائل فبراير -كما ذكرنا سالفًا-، كما أن هناك تطلع من الحكومة التايوانية على تطوير الشراكات السياسية والعسكرية والقنصلية مع الولايات المتحدة.[67]
وتجدر الإشارة إلى أن السبب الرئيسي للتوتر في خوف واشنطن من قوة بكين الاقتصادية وبالتبعية قوتها السياسية المتنامية، وثمة هاجس يسيطر على دوائر الحكم في واشنطن منذ فترة ليست بالقصيرة مفاده أن الصين هى العملاق الجديد الذي يتهيأ لانتزاع زعامة العالم اقتصاديًا وبالتبعية سياسيًا من الولايات المتحدة إن أجلًا أو عاجلًا ويترقب اللحظة المناسبة للانقضاض عليها، وبالتالي فإن الرغبة في تحجيم الصين وكبح جماح طموحها العارم باتت توجهًا رئيسيًا ثابتًا للسياسة الخارجية الأمريكية أيًا كانت الهوية للرئيس الأمريكي.[68]
خلاصة القول في شأن ما تقدم إن القضية التايوانية تُمثل قضية مفصلية في العلاقات الأمريكية الصينية، وأن اهتمام الولايات المتحدة والصين بتايوان يعود لأهميتها الاقتصادية، وموقعها الجيوسياسي المتميز، فضلًا عن كونها تلعب دورًا حيويًا في التأثير علي التوازن الاستراتيجي في منطقة آسيا الباسيفيك، كما تشكل تايوان حالة خاصة بالنسبة للصين، فهى تعتبرها قطعة منها، ولطالما أعلنت بكين أنها على أتم استعداد لاستخدام القوة – إذا لزم الأمر-؛ لذلك تأتي قضية تايوان على رأس أولويات عمل السياسة الخارجية الصينية في مواجهة رغبة تايوان في الاستقلال في ظل السياسات الأمريكية الداعمة لها. ويمكن القول أن القضية التايوانية كانت ولازالت مجالًا للصراع بين الداعم الأكبر لها وهى الولايات المتحدة، والوطن الأم ألا وهى الصين.
المبحث الثالث: أبعاد الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان
تتعدد أبعاد الصراع الأمريكي الصيني، فعلى الرغم من أن سباق التفوق الاقتصادي بين العملاقين هو الأشهر خاصةً من بعد الحرب العالمية الثانية؛ لكن ينعكس الصراع أيضًا في أبعاد سياسية دبلوماسية تتمثل في قطع الولايات المتحدة الأمريكية الزيارات عن الصين لعدة سنوات في مقابل زياراتها الرسمية لجمهورية الصين الوطنية، وهو ما استفز جمهورية الصين الشعبية إذ تعتبر ذلك بمثابة اعتراف من الولايات المتحدة بدولة “تايوان”، فتهدد باستخدام القوة العسكرية، وضم تايوان لسلطتها.
وبعدما كانت شركة Intel الأمريكية هى الرائدة في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية في العالم، أصبحت تايوان هى “جزيرة الرقائق” التي تحتكر حاليًا معظم الإنتاج العالمي من الرقائق؛ حيثُ أنها موطن شركة TSMC التي تستحوذ على أكثر من 90% من الإنتاج العالمي للرقائق فائقة التطور؛ وذلك هو الدافع لجعل الرقائق السيلوكونية درعًا قويًا يحمي تايوان من أي أطماع صينية في أراضيها.
لذا سنتناول في هذا المبحث أبعاد الصراع الأمريكي الصيني تجاه تايوان وهم أربعة أبعاد: سياسية، عسكرية، اقتصادية، وتكنولوجية كالآتي:
أولًا/ الأبعاد السياسية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان
تدور الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين، الدولتين النوويتين والقوتين الاقتصاديتين في عدد من الملفات، إلا أن خلافهما بشأن تايوان يعتبر القضية الوحيدة التي يُحتمل أن تثير مواجهة مسلحة بينهما. إذا انطلقنا من منظور القانون الدولي أو نظريات العلاقات الدولية، فإن الصراع على السيادة عبر مضيق تايوان في السياسة العالمية ينطوي على قضيتين: أولهما هو قدرة تايوان على الحصول على اعتراف دبلوماسي رسمي، وثانيهما هو قدرة تايبيه على العودة إلى المنظمات الحكومية الدولية، ويمكننا عرض الأبعاد السياسية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان كالتالي:
- مبدأ “الصين واحدة”:
أصدرت بكين وثيقة الورقة البيضاء بعنوان “مبدأ الصين الواحدة ومسألة تايوان” في 21 فبراير 2000، كما أنها المرة الأولى التي يحذر فيها قادة جمهورية الصين الشعبية تايوان من أنها يجب أن تتحرك نحو تحديد موعد لمحادثات إعادة التوحيد وإلا فإنها تخاطر بحرب دموية في تايوان. وأشارت الوثيقة إلى أنه “إذا رفضت سلطات تايوان، إلى الأبد، التسوية السلمية لإعادة التوحيد عبر المضيق من خلال المفاوضات، فلن تضطر جمهورية الصين الشعبية إلا أن تبني جميع التدابير الصارمة الممكنة، بما في ذلك استخدام القوة”. وردت الولايات المتحدة بحزم وذكرت أن هذه القضية ينبغي حلها بالوسائل السلمية وحدها وبموافقة شعب تايوان؛[69] بينما تعتبر بكين الاتصال الأمريكي الرسمي مع تايوان هو بمنزلة تشجيع على استقلال الجزيرة.[70]
تسعى بكين إلى توحيد تايوان في نهاية المطاف مع إقليم جمهورية الصين الشعبية،[71] كما تسعى بلا توقف إلى «عزل تايبيه دوليًا»، مستخدمة كل الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية[72]، وتحتفظ بالحق في استخدام القوة لتوحيد تايوان مع البر الرئيسي إذا أعلنت تايوان استقلالها، أو إذا احتلت دولة أجنبية تايوان، أو إذا حصلت على أسلحة نووية، أو إذا رفضت تايوان إلى أجل غير مسمى التسوية السلمية لإعادة التوحيد عبر المضيق من خلال المفاوضات.[73]
تتبنى واشنطن هذا المبدأ، أي أنها تعترف أن تايوان لا تتمتع بالأهلية القانونية الكاملة كدولة، وترفض واشنطن أي إعلان لاستقلال تايوان بشكل دائم عن الصين. في الوقت ذاته يؤدي المزيد من الدعم الأمريكي لتايوان إلى ردٍ قاسٍ من جانب الصين.[74] وحثت بكين واشنطن مرارًا وتكرارًا على وقف بيع الأسلحة إلى تايبيه ووقف الاتصال معها،[75] كما تبحث تايوان أيضًا عن الدعم العسكري المسلح من الولايات المتحدة الأمريكية تصديًا لأي محاولة عسكرية للصين لضم الجزيرة.[76]
تتبع الولايات المتحدة سياسة منذ بداية القرن الحادي والعشرين وهى الإصرار على الحل السلمي للخلافات بين جمهورية الصين الشعبية وتايوان، وتعتقد الولايات المتحدة أن الحوار بين جمهورية الصين الشعبية وتايوان يعزز مناخًا يؤدي إلى خفض التوترات، وتوضيح المفاهيم الخاطئة، واستكشاف أرضية مشتركة.[77]
انخرطت كل من بكين وتايبيه في منافسة شرسة حول مدى قبول حكومات الولايات الأميركية لمبدأ “الصين الواحدة” باعتباره يوجه تعاملها مع كلا الخصمين، وتتركز جهودهم المحددة حتى الآن على خمسة مجالات متميزة[78]:
-اتفاقيات الدول الشقيقة والمدن الشقيقة.
-المكاتب الاقتصادية للولايات الأمريكية في تايوان.
-زيارات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى تايوان.
-القرارات التشريعية المتعلقة بتايوان.
-اجتماعات مسؤولي الدولة والمدن مع كبار الشخصيات التايوانية الزائرة، وخاصةً رؤساء جمهورية الصين العابرين.
- الانتخابات الرئاسية التايوانية:
تُعد الانتخابات التايوانية لانتخاب رئيس وبرلمان جديدين نموذجًا مصغرًا للتنافس الأوسع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، واختبارًا حاسمًا للعلاقات بين الدولتين؛ حيث تظل المسألة الأكثر حساسية في علاقاتهما .[79] وفي عام 2000 عندما انتخبت تايوان “تشين شوي بيان”، الذي ترأس الحزب الديمقراطي التقدمي، رئيسًا لها، شعرت بكين بالقلق، وكان تشين قد أيد صراحة “الاستقلال”. و بعد عام من إعادة انتخابه في عام 2004، أصدرت الصين ما يسمى بقانون مناهضة الانفصال، والذي ينص على حق الصين في استخدام الوسائل غير السلمية ضد تايوان إذا حاولت الانفصال عن الصين.[80]
أدى انتخاب حكومة تايوانية جديدة في عام 2008 و تعيين “ما ينج جيو”، رئيس حزب الكومينتانج، الذي سعى إلى تحسين العلاقات مع الصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية، رئيسًا لتايوان إلى انتهاج سياسة أمريكية أكثر تصالحية تجاه الصين والعودة إلى الود في العلاقات عبر المضيق.[81] واستمر “ينج” في سياسته التقريبية حتى عام 2016، حتى جاءت “تساي إنغ ون” عضو الحزب الديمقراطي التقدمي الداعي لاستقلال تايوان، وأقامت اتصالات مكثفة مع الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” فيما اعتبرته الصين اضطراب غير ضروري للعلاقات الثنائية.[82]
وضع المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الاستراتيجية الأساسية للالتزام بـ “دولة واحدة ونظامان” وتعزيز إعادة توحيد الوطن الأم في أكتوبر 2017، والتي تتركز على تقويض الحركات أو الأنشطة التي تدعو إلى الانفصال في تايوان.[83]
شهدت تايوان في السنوات الأخيرة تطورات سياسية، منها تحول نحو الديمقراطية واستقلالية أكبر عن الصين الرئيسية، فنموذج “الدولة الواحدة والنظامان” قبلته الصين، ولكن رفض الجانب التايواني ذلك الاقتراح.[84] لاسيما توترت العلاقات بين بكين وتايبيه منذ وصول الرئيسة التايوانية “تساي إينج وين” إلى السلطة في 2016، ثم إعادة انتخابها في 2020؛ إذ قطعت الصين جميع الاتصالات الرسمية مع تايوان بعد شهر واحد من تولي “تساى” منصبها، مشيرة إلى ضرورة أن تُقِر الأخيرة أولًا بأن تايوان جزء من الصين، وهو ما ترفضه رئيسة تايوان.[85]
كما تُعد انتخابات تايوان الرئاسية، والتي تم إجراؤها في 13 يناير 2024، أحد أهم نقاط الخلاف بين الجانبين الصيني والأمريكي حتى على الصعيد العسكري، إذ يُخشى من لجوء الصين للأداة العسكرية لضم تايوان لسيادتها، وقد أكد الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، خلال خطاب للأمة بمناسبة العام الميلادي الجديد، أن إعادة توحيد الصين وتايوان هى حتمية تاريخية. وعلى الرغم من أن بكين دعت إلى إعادة التوحيد سلميًا، إلا أنها لم تستبعد أيضًا استخدام القوة، مصورة الانتخابات التايوانية على أنها خيار بين “الحرب والسلام”. واتصالًا، أتهمت وزارة الدفاع الصينية تايوان بالمُبالغة في الترويج لاحتمالية التدخل الصيني في تلك الانتخابات، في حين أن رئيسة تايوان حذرت من ممارسات التدخل الصيني والمتمثلة في تفضيل حزب الكومينتانج، ذي الصلة القوية بالحزب الشيوعي الصيني.[86]
اختار الناخبون في تايوان “لاي تشينغ تي” رئيسًا لهم في انتخابات تاريخية، وفاز “لاي” بنسبة 40% من الأصوات، متغلبًا على منافسيه بشكل مريح الأمر الذي أثار غضب بكين، التي أصدرت بيانًا بعد وقت قصير من ظهور النتائج، أصرت فيه على أن “تايوان جزء من الصين. وعززت الصين وجودها العسكري حول الجزيرة في الأشهر الأخيرة، ما زاد المخاوف من صراع محتمل.[87] وترفض الأغلبية الساحقة من سكان تايوان البالغ عددها 40 مليون شخص، الانضمام للصين والوقوع تحت حكم الحزب الشيوعي الصيني. ويستشهد هذا التيار بما جرى مع جزيرة “هونج كونج” بعد عودتها للوطن الأم، وخسارتها الديمقراطية التى عرفها شعبها لأكثر من مائة عام، فتايوان تعرف نظامًا سياسيًا ديمقراطيًا ناجحًا ينعم فيه المواطن والمواطِنة بحريات لا يعرفها الشعب الصينى، كما أن تايوان تمثل تجربة اقتصادية ناجحة، ويبلغ دخل المواطنة أو المواطن التايواني أربعة أضعاف نظيره الصينى.[88]
- الدبلوماسية الأمريكية:
أقامت الولايات المتحدة في عام 1979 علاقات دبلوماسية رسمية مع جمهورية الصين الشعبية، وفي الوقت نفسه، قطعت علاقاتها الدبلوماسية وألغت معاهدة الدفاع المشترك مع جمهورية الصين الوطنية؛ لكن الولايات المتحدة تحاول الحفاظ على علاقة «غامضة» مع تايوان؛ حيث تقدم لها الأسلحة والدعم الدبلوماسي دون الاعتراف بها كدولة ذات سيادة رسميًا.[89]
أصبحت الاحتجاجات الصينية أكثر صخبًا واستمرارًا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأكد مسؤولو جمهورية الصين الشعبية أن الحكام الأمريكيين لا ينبغي أن يزوروا تايوان قبل زيارتهم للصين. كما تسفر التهديدات الصينية بفرض عقوبات اقتصادية، والجهود المكثفة التي يبذلها حكام الولايات المتحدة لتأمين الوصول إلى السوق الصينية عن انخفاض وتيرة زيارات حكام الولايات إلى تايوان من ما لا يقل عن عشر زيارات في عام 2004 إلى ما بين مرة إلى ثلاث زيارات سنويًا بعد ذلك. على سبيل المثال، في عام 2010، ألغى حاكم ولاية “ميسوري” الديمقراطي “جاي نيكسون” رحلته إلى تايوان بعد أن أعرب القنصل العام لجمهورية الصين الشعبية عن قلقه الشديد من أن زيارته ستؤثر على فرص لجنة مركز الغرب الأوسط للصين في تأمين صفقة لتحويل مطار لامبرت-سانت لويس الدولي إلى مركز الشحن الصيني في الولايات المتحدة. وكذلك بعض الحكام، مثل “تيري برانستاد” من ولاية “أيوا” بعد عام 2011، تجنبوا زيارة تايوان تمامًا.[90]
أثارت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة “نانسي بيلوسي” لتايوان، التي كانت الزيارة الأولى لمسؤول أمريكي بارز لتايوان منذ أكثر من عقدين، في أغسطس 2022، غضب بكين التي قررت تقليص قنوات الاتصال مع واشنطن في العديد من المجالات، وفي مُقدمتها المجال العسكري، بل استعرضت الصين قوتها العسكرية حينها كي تؤكد سيادتها على تايوان، واستمرت القطيعة بين المسؤولين العسكريين بالبلدين منذ ذلك الحين، فعلى سبيل المثال، تخلف وزير الدفاع الصيني عن لقاء نظيره الأمريكي على هامش منتدى “شانغريلا” الأمني في يونيو 2023.[91] ومن المثير للاهتمام أنه لم يقم أي حاكم أمريكي بزيارة الصين بين أوائل عام 2020 وأكتوبر 2023.[92]
وجدير بالذكر أن الاضطراب الدبلوماسي بين البلدين قد بدأت خلال قمة “أبيك” في سان فرانسيسكو في نوفمبر 2023، حينما التقى الرئيسان “شي” و”بايدن”، وتم حينها تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين عبر استعادة العلاقات المُباشرة وقنوات الاتصال المفتوحة بمختلف المجالات ومنها المجال العسكري، كما تعهد الجانبان بالتعاون بموجب الاتفاقية التشاورية العسكرية البحرية، والتي تم استخدامها حتى عام 2020 لتحسين سلامة الملاحة في الجو والبحر.[93]
نستنتج مما تقدم أن التيار الديمقراطي الاستقلالي الذي تمتعت به تايوان مع أول انتخابات رئاسية لها عام 2000 جعلها على قرابة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعهدت بحمايتها ضد أي محاولة للصين لضم الجزيرة عسكريًا. وجود عضو من حزب الكومينتانج في المنصب الرئاسي كان له الدور في التقارب الصيني التايواني؛ لكن مع صعود الحزب الديمقراطي التقدمي، ذي النزعة الاستقلالية، مالت الدفة للولايات المتحدة التي بدت وفي السنوات الأخيرة مشجعة على استقلال تايوان والداعم الأول لها في صراعها ضد الصين.
ثانيًا/ الأبعاد العسكرية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان
يُعد البعد العسكري من أهم أبعاد الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان. لقد عاد التوتر يسيطر على العلاقات الصينية التايوانية منذ انتخاب «تشن شوي» رئيسًا لتايوان عام 2000، ويجب الإشارة أن «تشن شوي» قد أعلن دعمه لاستقلال تايوان عن الصين، وهو ما أثار غضب الصين.[94] وفي ظل أجواء التوتر السادة بين الدولتين وافق مجلس النواب الأمريكي في فبراير2000على مشروع قانون يدعم الروابط العسكرية بين الصين وتايوان، والذي يتضمن إقامة علاقات عسكرية بين الدولتين، وتوسيع برامج التدريب الأمريكي للعسكريين التايوانيين.[95]
على الجانب الآخر أصدر مجلس الوزراء الصيني في فبراير 2000 وثيقة تتضمن أن رفض حكومة تايوان تحديد موعد مفاوضات توحيد تايوان مع الصين سلميًا سوف يدفع بكين لاستخدام القوة كما أشرنا سابقًا، ولقد نددت تايوان بهذه التهديدات، وقلل الرئيس الأمريكي وقتها من هذه التهديدات، واعتبر أن هدفها فقط التأثير على الانتخابات الرئاسية في تايوان كما وضحنا في الأبعاد السياسية. وحاولت واشنطن تحسين علاقاتها العسكرية مع بكين من خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي «ويليام كوهين» لبكين في يونيو 2000 وأتفق الطرفان على توقف السفن الحربية لكل منهما في موانئ الطرف الآخر.[96]
تسعى بكين دائمًا نحو تطوير قدراتها العسكرية؛ نتيجة لتخوفها من تايبيه وحليفاتها واشنطن، وبالرغم من ذلك لم تتعادل أو حتى تقترب من قدرات واشنطن العسكرية؛ حيث أنه في عام 2003 بلغت نفقات الدفاع الوطني الصينية 5,٦% فقط من نفقات الدفاع الوطني للولايات المتحدة الأمريكية.[97] وفي عام 2004 أُعيد انتخاب« تشن شوي» رئيسًا لتايوان مرة أخرى، مما دفع بكين لتمرير قانون مكافحة الانفصال 2005،[98] ولقد بلغت موازنة الدفاع الأمريكية لعام 2006 نحو 420 مليار دولار أي ما يعادل الانفاق العسكري لجميع دول العالم في ذلك العام، وبالرغم من ذلك صدر تقريران عن البنتاجون في عام 2007و2008 يعكسان قلقه من القوة العسكرية المتنامية للصين.[99]
- تحسن في العلاقات الأمريكية الصينية:
بدأت العلاقات الأمريكية الصينية تتحسن في عام 2008 عندما تم انتخاب الرئيس التايواني «ما ينج جيو»؛ حيث عمل على تدعيم الاتفاقيات، والمعاهدات الاقتصادية بين تايوان، والصين.[100] وبالرغم من ذلك أعلنت بكين في مايو 2008 زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 418 مليار يوان (60,2مليار دولار) ، وحسب تقرير استكهولهم لأبحاث السلام الذي نُشر في 9 يونيو2008 احتلت الصين المرتبة الثالثة عالميًا في الانفاق العسكري بعد الولايات المتحدة، وبريطانيا؛ مما أدى إلى سيادة الشك المتبادل بين بكين وواشنطن.[101]
وظهر تخوف الولايات المتحدة الأمريكية من تنامي القدرات العسكرية للصين؛ حيث كشفت بكين عن امتلاكها لأولى حاملات الطائرات، وقاذفة شبح جديدة، وامتلاكها لأسلحة بالستية مضادة للسفن، علاوةً على ذلك قيامها في نوفمبر 2011 بإطلاق سفينة الفضاء «شينخو-8» في إطار استكمال برنامجها الفضائي، و في عام 2013 سعت الصين إلى زيادة إنفاقها العسكري، وقد تراوحت الزيادة بين 135 و215 مليار دولار أمريكي،[102] وفي نفس العام نجحت بكين في إطلاق الدرونز (طائرة بدون طيار).[103]
تسعى الولايات المتحدة دائمًا على أن يكون لها وجود مباشر في تايوان؛ حيث تم إبرام العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات على نحو اتفاقية التعاون العسكري في 2010، والتي بلغت قيمتها 5,6 مليار دولار؛ مما أغضب بكين، وقامت بتعليق علاقاتها العسكرية مع واشنطن؛ لكن واشنطن أدعت أن هذه الاتفاقيات دفاعية بحتة، وليست هجومية؛ من أجل تهدئة الصين.[104] وفي عام 2014 بلغت الميزانية العسكرية الصينية 129,4 مليار دولار، وفي المقابل بلغت الميزانية العسكرية الأمريكية 581 مليار دولار أي الميزانية العسكرية لواشنطن بلغت أربعة أضعاف الميزانية العسكرية لبكين.[105]
- تدهور العلاقات الصينية التايوانية:
سيطر التوتر على العلاقات الصينية التايوانية منذ 2016مع تولي «تساي إينج وين» حكم تايوان، ولقد قامت بإجراء مكالمة هاتفية؛ لتهنئة «دونالد ترامب» بفوزه بالرئاسة في 2 ديسمبر 2016ولقد رفضت الصين ذلك؛ استنادًا إلى مبدأ الصين الواحدة، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها. وفي سبتمبر 2018 اعتمدت واشنطن مبيعات قطع غيار مقاتلات «f16 »، وطائرات عسكرية إلى تايوان قيمتها 230 مليون دولار، ولم تكتفي الولايات المتحدة بذلك؛ حيث وقعت حكومة الرئيس «دونالد ترامب» قانون الدفاع الوطني يسمح بإرسال سفن حربية إلى تايوان في ديسمبر من نفس العام.[106]
أعلن الرئيس الصيني «شي جين بينغ» في أوائل 2019 عن رغبته في إعادة توحيد تايوان والصين، ولقد رفض قادة تايوان ذلك، وفي سبتمبر 2020 أرسلت الصين العديد من الطائرات العسكرية عبر مضيق تايوان بعد أن ظهر نية واشنطن عن بيع أسلحة متطورة خاصة الدرونز. ولقد زادت الصين من اختبارات الصواريخ وارسلت طائرات بالقرب من تايوان، وزادت من دعايتها عن حرب محتملة بين بكين وواشنطن.[107] وفي عام 2021 تم إصدار «قانون التنافس الاستراتيجي لعام 2021» الذي يهدف إلى تعزيز العلاقات بين واشنطن وتايبيه، ومواجهة تحديات بكين، وفي نفس العام وافق الكونجرس الأمريكي على «مبادرة الردع في الحيط الهادئ»؛ من أجل مواجهة قوة الصين العسكرية المتنامية.[108]
وعقدت الولايات المتحدة في 2021 «الحوار الأمني الرباعي» وقامت بتأسيس تحالف ««AUKUS؛ من أجل احتواء الصعود الصيني المتزايد.[109] وفي يناير 2021 تم دعوة ممثل تايوان؛ لحضور مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي «جو بايدن» في واشنطن، وهذا يعد الحدث الأول من نوعه منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين1979 [110]. و في إبريل 2022 وقعت الصين، و”جزر سليمان” اتفاقية تعاون أمني ثنائي، وهذه الاتفاقية سوف تمكن بكين من استخدام موانئ “هونيارا” لأغراض عسكرية؛ مما أثار قلق واشنطن وأستراليا.[111]
بلغ التوتر بين الصين، والولايات المتحدة ذروته في عهد حكومة «جو بايدن» بزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي «نانسي بيلوسي» تايوان، كما أشرنا إليها من قبل، وقد أكدت على التزام الكونجرس الأمريكي بأمن تايوان، ويُعد ذلك تراجع صريح عن التزام الولايات المتحدة « بمبدأ الصين الواحدة»، ولقد عارضت بكين هذه الزيارة، واستدعت السفير الأمريكي في بكين، وأكدت له عن مدى استيائها من الزيارة وتمسكها ب«مبدأ الصين الواحدة»، علاوة على ذلك أعلنت قيادة المسرح الشرقي للجيش الصيني إطلاق مناورات حول جزيرة تايوان، بالإضافة إلى إعلان بكين عن مناورات عسكرية من 4 أغسطس 2022 في 7 مناطق حول تايوان كما ألغت الصين لقاءها مع القادة العسكريين الأمريكيين.[112] كما أصدرت في 10 أغسطس من نفس العام أول «كتاب أبيض» عن تايوان منذ 22 عامًا، وأكدت فيه إعادة توحيد تايوان مع الصين سلميًا، وإن لم تتمكن من ذلك سوف تلجأ إلى استخدام القوة العسكرية.[113]
قامت تايوان بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى نحو 17 مليار دولار في عام 2022، وقد تم تقدير الإنفاق العسكري للصين في العام، ووجد انه يعادل 22 ضعف الإنفاق التايواني.[114]يقول التقرير السنوي للتهديدات 2023 “إن الجيش الصيني يحاول تحقيق هدف «شي» بأن يكون قويًا بما يكفي بحلول 2027؛ لردع أي تدخل عسكري لواشنطن في تايبيه”، ولقد تم الإشارة إلى عقبات جمة تواجه واشنطن في التقارير التي أعدتها صحيفة «وول ستريت جورنال»؛ لبحث مدى قدرات الجيش الأمريكي على مواجهة القدرات العسكرية الصينية في مارس2023.[115] وكان سقوط منطاد صيني فوق أراضي الولايات المتحدة في فبراير 2023 بمثابة سكب مزيد من الزيت على النار، ولقد أدعت واشنطن أن المنطاد يستخدم لأغراض التجسس؛ بينما أدعت بكين أنه منطاد لأغراض مدنية بحتة، ومن أجل تهدئه الأوضاع اجتمع الرئيسان «جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ» في مدينة “سان فرانسيسكو” الأمريكية في نوفمبر 2023، وقد أتفق الرئيسان على “استئناف المحادثات العسكرية رفيعة المستوى على أساس المساواة والاحترام”.[116]
نستنتج مما سبق سيطرة أجواء الشك المتبادل، والتوتر على العلاقات الصينية الأمريكية التايوانية، وسعى كل طرف إلى تعظيم قوته العسكرية؛ من أجل ردع الطرف الآخر.
ثالثًا: الأبعاد الاقتصادية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان
يتبادل الطرفان الصيني و التايواني الصادرات و الواردات بحجم كبير رغم التنافس بينهما، و يُعد البر الصيني هو الشريك الأكبر للجزيرة اقتصاديًا.
1-التجارة بين الصين و تايوان:
وصلت صادرات تايوان إلى الصين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2021؛ وربما مرد ذلك هو قرب سوق البر الصيني من تايوان واتساعه، وكذا انسجام ما تصدره تايوان وما يتقبله السوق في البر الصيني من بضائع تلبي رغباته، كنتيجة للتفاعل الاجتماعي ولديناميكيات الهوية المشتركة وتضغط بكين على الدول؛ لعدم التوقيع على اتفاقيات التجارة الحرة مع تايوان.[117]
تعمَد الصين على جعل الاقتصاد التايواني معتمدًا إلى حد بعيد على الأسواق الصينية، التي تُعد أكبر شريك تجاري للجزيرة، ويوضح الشكل التالي حجم الصادرات والواردات بين كل من بيكين وتايوان كالتالي:
يتضح من الشكل السابق أن بر الصين الرئيسي هو أكبر وجهة تصدير لتايوان في عام 2023؛ حيث صدرت تايوان بضائع بقيمة 95.7 مليار دولار أمريكي تقريبًا.[118] ومع ذلك شهدت علاقتهما الاقتصادية اضطرابات في السنوات الأخيرة؛ ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضغوط بكين على الجزيرة وقلق المسؤولين التايوانيين المتزايد بشأن اعتمادها المفرط على التجارة مع الصين والوصول إلى ضم يتم تحقيقه بسياسة النفس الطويل وهى سياسة ليست غريبة على التقاليد السياسية الصينية.[119]
في 12 أبريل 2023، أعلنت وزارة التجارة الصينية عن تحقيق في حواجز منطقة تايوان أمام 2045 فئة من الصادرات الصينية. بكين على استعداد للتلويح بالتهديد بالإكراه الاقتصادي حتى يتوجه الناخبون التايوانيون إلى صناديق الاقتراع وينتخبون حزب الكومينتانج الذي يعمل على التقارب مع الصين. فعلى الرغم من حجم التبادل التجاري بين الصين وتايوان، ونتيجة لتوجهات الحكومة التايوانية المناهضة لفكرة صين واحدة بنظامين على غرار هونغ كونغ؛ اتخذت الصين عدد من الإجراءات مثل وضع قيود على التجارة مع تايوان، وهو ما عزز المخاوف التايوانية من مخاطر الاستثمار في الصين بسبب التوتر السياسي معها ناهيك عن احتمالات التجسس السيبراني على تايوان وشن هجمات إلكترونية على الحكومة التايوانية والبنية التحتية الحيوية.[120] وبحلول منتصف أغسطس أعلنت وزارة التجارة أن القيود التي فرضتها تايوان تنتهك مبادئ منظمة التجارة العالمية.[121]
يتنافس الطرفان الصيني و التايواني على الصعود إلى قمة هرم الاقتصاد العالمي، وصل بهما الأمر إلى التنافس التكنولوجي، الذى يظهر بوضوح في مسألة اكتساب الصدارة في تصنيع أشباه الموصلات أو الرقائق الإلكترونية الذي تظهر فيه تايوان كمهيمنة في الوقت الحالي، إلى جانب سباق الوصول إلى تكنولوجيا الجيل السادس القائم حاليًا بينهم،[122] وهذا ما سنوضحه تفصيلًا في الحديث عن الأبعاد التكنولوجية.
2-المكاتب الأمريكية في تايوان:
عندما سارعت حكومات الولايات الأمريكية، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين وبدأت في إغلاق مكاتبها في تايوان وتقليل وتيرة الزيارات إلى تايوان، وجدت إدارة “جورج بوش” أنه من الأسهل الوقوف إلى جانب بكين بشأن قضية تايوان. وعندما تجاوزت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين صادراتها إلى تايوان، بدأت بعض الولايات الأمريكية في إغلاق مكاتبها في تايبيه بين عامي 2000 و2020، أنخفض عدد المكاتب الحكومية في تايوان من 22 إلى 10، بينما ارتفع عدد المكاتب الحكومية في الصين من 16 (2002) إلى 32 (2019)، كثيرًا ما يستشهد المحافظون بأسباب تتعلق بالميزانية عند تبرير إغلاق مكاتبهم. ومع ذلك في حالة واحدة على الأقل، كان الصراع بين الصين وتايوان عاملًا واضحًا في قرار الحكومة الأمريكية بإغلاق مكتبها التجاري في تايبيه. في عام 2012، على سبيل المثال، أغلقت شركة “مونتانا” مكتبها في تايبيه؛ وذلك لجذب 150 مليون دولار أمريكي من الاستثمارات الصينية في منشأة معالجة الخنازير، وبينما تم إغلاق المكتب، لم تصل الاستثمارات الصينية أبدًا.[123]
وأصبحت التهديدات الصينية بفرض عقوبات اقتصادية على تلك الدول التي زار حكامها تايوان أقل فعالية في أعقاب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي بدأت في عام 2018 بعد انتخاب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”. وأصبحت “وايومنغ” أول ولاية أمريكية تفتتح مكتبًا في تايبيه في أواخر عام 2018. وفي عام 2021، أعادت “مونتانا” فتح مكتبها في تايبيه، تليها “مينيسوتا” و”بنسلفانيا” و”وست فرجينيا” (2022)، وكذلك “أريزونا” و”فيرجينيا” (2023).[124]
3- تايوان وصناعة الرقائق الإلكترونية:
تُعَد تايوان أكبر شركة مصنعة للرقائق شبه الموصلة في العالم، وتزدهر صناعتها على الرغم من التوترات عبر المضيق. وتوجد هذه الرقائق في معظم الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والمركبات، وحتى أنظمة الأسلحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وكانت الشركات في تايوان مسؤولة عن أكثر من 60 في المائة من الإيرادات التي حققتها الشركات المصنعة لعقود أشباه الموصلات في العالم في عام 2022. و في عام ٢٠٢٢، وقَّعت الإدارة التايوانية على قانون «الرقائق الإلكترونية والعلوم»، الذي يوفر تمويلًا بقيمة ٥٣ مليار دولار لدعم تصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة. كما فرضت ضوابط تصدير على بعض تقنيات أشباه الموصلات التي تعد ضروريةً للقوة العسكرية الصينية. وقد قابلت الصين هذه الإجراءات بتدابيرها الخاصة، بما في ذلك تقديم إعانات لدعم صناعة أشباه الموصلات لديها، والاستثمار في البحث والتطوير.[125]
ويمكن أن يعزي الكثير من ذلك إلى شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC)، وهى أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، وأكبر مورد لشركة أبل وغيرها من الشركات الأمريكية، وهى واحدة من شركتين فقط في العالم(الأخرى هى شركة “سامسونج” ومقرها كوريا الجنوبية) اللتان تمتلكان المعرفة التكنولوجية اللازمة لصنع أصغر الرقائق وأكثرها تقدما، وتقوم TSMC بتصنيع أكثر من 90% منها.[126]
- التجارة بين تايوان والولايات المتحدة الأمريكية:
كشفت ديناميكية الأزمة بين الولايات المتحدة والصين عقب زيارة “نانسي بيلوسي” للجزيرة عن عدة نقاط، وهى كالتالي:[127]
أ-عقاب محسوب: ردت بكين على زيارة بيلوسي لتايوان بحظر تصدير أو استيراد بعض السلع التايوانية للسوق الصيني؛ لكن من غير المتوقع أن تؤثر تلك الإجراءات بشكل كبير على الاقتصاد التايواني. واعترت بعض التحليلات أن تلك الإجراءات مجرد تنفيس عن الغضب الصيني من زيارة “بيلوسي”، وأن العلاقات الصينية – التايوانية ستعود إلى ما كانت عليه في غضون أشهر.
ب-إجراءات محدودة: أنهت بكين، ردًا على زيارة “بيلوسي” التعاون المشترك مع الولايات المتحدة في مجال المخدرات والمناخ والحوار العسكري والجريمة. وعلى الرغم من ذلك، فقد تحاشت الصين اتخاذ إجراءات اقتصادية انتقامية موسعة ضد الولايات المتحدة أو حتى تايوان.
كانت تايوان ثامن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في عام 2023، وتُعد تايوان حلقة وصل رئيسية في سلاسل توريد أشباه الموصلات والتكنولوجيا العالمية للولايات المتحدة والمركز العالمي لإنتاج الرقائق المتقدمة.
يوضح الشكل السابق القيمة الإجمالية لتجارة الولايات المتحدة في السلع (التصدير والاستيراد) مع تايوان من عام 2000 إلى عام 2023. وفي عام 2023، بلغت القيمة الإجمالية لتجارة الولايات المتحدة في السلع مع تايوان 128 مليار دولار أمريكي، وتتكون من صادرات بقيمة 40 مليار دولار أمريكي و واردات بقيمة 88 مليار دولارأمريكي.[128]في يونيو 2023، وقعت الولايات المتحدة وتايوان أول اتفاقية في إطار المبادرة الأمريكية التايوانية بشأن التجارة في القرن الحادي والعشرين.
وقعت تايوان على أول اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة في يونيو 2023، في “أرلينغتون” بولاية “فيرجينيا”، يهدف إلى تعزيز التجارة من خلال تبسيط عمليات التدقيق الجمركية، وتحسين الإجراءات التنظيمية ووضع تدابير لمكافحة الفساد بين البلدين. ولا تقيم واشنطن وتايبيه علاقات دبلوماسية رسمية -كما أوضحنا مسبقًا-؛ لكنهما تبقيان على علاقات غير رسمية عبر “المعهد الأمريكي في تايوان”، الذي يُعتبر بمثابة السفارة الأمريكية في الجزيرة، ووصفت حكومة تايوان الاتفاق بأنه “الأكثر شمولًا” الذي يوقع مع واشنطن منذ 1979.[129]
نستنج مما سبق أن المصالح التجارية بين تايوان و كل من الصين و الولايات المتحدة هو الدافع وراء التوترات على الساحة بين الدولتين في السنوات الأخيرة و خاصة مع تنامي حجم المنفعة الاقتصادية التي توفرها الجزيرة.
رابعًا: الأبعاد التكنولوجية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان
يُعد البعد التكنولوجي بُعدًا حديثًا نسبيًا يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين بالتحديد مع تأسيس شركة«TSMC» في تايوان عام 1987 بمبادرة حكومية، وتُعد أكبر شركة لصناعة الرقائق الإلكترونية في العالم؛ حيث تنتج الشركة حوالي 90% من الإنتاج العالمي لرقائق فائقة التطور، و50% من الرقائق العادية ومتوسطة القوة؛ وهذا ما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى المحافظة على ريادتها في المجال التكنولوجي، والصين التي تريد تحقيق اكتفائها الذاتي إلى سعي كل منهما من أجل السيطرة على تايوان.[130]
١-الرقائق الإلكترونية وأهميتها:
تُعد الرقائق الإلكترونية حاليًا بمثابة العمود الفقري لاقتصاد أي دولة، على الرغم من أن حجم هذه الرقائق أصغر من حجم طابع البريد «10 نانومترات»؛ لكنها تدخل في صناعة الهواتف الذكية، والطائرات، والصواريخ، والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأجهزة الحاسوب، وتشفير الإشارات، وعمليات التجسس، وتدمير البنية التحتية للدول الأخرى، والخدمات اللوجستية والذكاء الاصطناعي. وتحتاج صناعة الرقائق الإلكترونية إلى تكاليف باهظة، حيث تبلغ تكلفة إنشاء مصنع لها نحو20 مليار دولار؛ ومن أجل تحقيق أرباح يستلزم ذلك تشغيل المصنع على مدار يوم كامل بشكل ثابت.[131]
تسعى كلٌ من الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز قدراتها التكنولوجية؛ حيث أنه في عام 2011 أصدر الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» مبادرة «شراكة التصنيع المتقدم-Advanced Man Manufacturing partnership»، وفي 1 نوفمبر2011 أطلقت نظيرتها الصين سفينة الفضاء «شينخو-8» -التي أشرنا إليها سابقًا- في إطار استكمالها برنامجها الفضائي الأكثر تقدمًا في آسيا؛ مما أدى إلى تهديد المصالح الحيوية العسكرية لواشنطن، واتساع ميدان المواجهة بين الطرفين حيث تنتقل من الأرض إلى الفضاء الخارجي؛ نتيجة ارتباط العمليات القتالية التقليدية بتكنولوجيا الفضاء.[132]
2-تطور القدرات الصينية التكنولوجية:
نجحت بكين في إطلاق الدرونز (طائرات بدون طيار) عام 2013،[133] وفي السادس من مايو2013 ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية في تقرير «التنمية العسكرية والأمنية في الصين» أن الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها الحكومة الأمريكية في عام 2012 كانت صدرت بشكل مباشر من بكين.[134] لقد تم الإعلان عن «استراتيجية صنع في الصين2025» في مايو 2015؛ من أجل التخلص من التبعية التكنولوجية الغربية. وفي عام 2015 كان الإنفاق الصيني في مجال التكنولوجيا 9,9 مليار دولار، ثم ارتفع في عام 2016 ليصل إلى 15 مليار دولار ثم ارتفع إلى 21 مليار دولار في عام 2017. [135] ونستنج مما سبق سعي وإصرار بكين المستمر على تطوير قدراتها التكنولوجية، وأيضًا وضع المجال التكنولوجي على رأس أولوياتها.
كما قامت إدارة الرئيس «دونالد ترامب» في عام 2019 بفرض عقوبات على شركة «هواوي» الصينية، وقد تمثلت هذه العقوبات في تقييد مبيعات الشركة من أشباه المواصلات وقد وصفت الصين ذلك بأنه «إرهاب تكنولوجي».[136] وبدأت تتراجع هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المجال التكنولوجي، وعلى الجانب الآخر ظهرت الصين كقوى أخرى مهيمنة، ولعل أبرز مثال على ذلك قيام بكين عقب انتشار فيروس «كوفيد-19» بالإغلاق الكامل لمدينة «ووهان» باستثناء المنشآت التابعة لشركة« «YMTCلأشباه المواصلات، وأيضًا باستثناء موظفيها في عام 2020.[137]
من أجل احتواء وتقويض الهيمنة التكنولوجية الصينية أعلنت الولايات المتحدة في 27 يناير 2022 عن قيام تحالف ثلاثي يضم كل من الولايات المتحدة وهولندا واليابان، وقد قام على تقييد تصدير بعض الآلات المستخدمة في إنتاج التكنولوجيا المتطورة إلى بكين، وأيضًا في التاسع من أغسطس من نفس العام وقع الرئيس الأمريكي «جو بايدن» على قانون «الرقائق والعلوم» الذي نص على تخصيص 52,7 مليار دولار للشركات الامريكية الخاصة بتصنيع الرقائق الإلكترونية، وقد بلغت قيمة الحوافز، والإعفاءات الضريبية لهذه المصانع 24 مليار دولار، وفي شهر أكتوبر أعلنت وزارة التجارة الأمريكية عن حظر تصدير الشركات الأمريكية للرقائق الإلكترونية إلى الشركات الصينية.[138]
يومًا بعد يوم تتزايد مخاوف واشنطن من تنامي قوة، وهيمنة الصين التكنولوجية؛ لذلك في فبراير 2023 أقرت لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون «ردع الخصوم التكنولوجيين لأمريكا «(DATA)من أجل تمكين واشنطن من حظر استخدام تطبيق(Tik Tok) الصيني.[139] في شهر مايو حظرت بكين الشراء من شركة “ميكرون تكنولوجي”، أكبر شركة لتصنيع أشباه المواصلات في الولايات المتحدة،[140] ولقد أصدرت إدارة “بايدن” في أكتوبر2023 قرار يمنع وصول الرقائق الأمريكية الأقل تقدمًا أو القديمة نسبيًا إلى بكين،[141] وتأسيسًا على ما سبق نجد أن كلًا من بكين، وواشنطن تسعى إلى تحقيق الريادة، والهيمنة على المجال التكنولوجي بشتى الطرق الممكنة.
ختامًا، تتنوع أبعاد الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان، فسياسيًا تعتبر الصين تايوان جزءًا من أراضيها، وتعترف الولايات المتحدة بهذا المبدأ في الظاهر، لكن في الباطن تتسم سياستها بالغموض. أما عسكريًا، فتشهد الجزيرة توترات مستمرة، وتلويح باستخدام السلاح من قبل الصين وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وتتعهد بالتصدي له. واقتصاديًا ركزت الصين على القوى الناعمة من خلال مفهومها الخاص عن “السلام التنموي”، وأطلقت مفهوم “أسرة واحدة عبر المضيق”؛ من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البر الرئيسي وتايوان، كما تزداد التبادلات التجارية بين الولايات المتحدة وتايوان خاصةً في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد تنامي صناعة الرقائق الإلكترونية التي تستخدم في كافة صناعات الأجهزة الذكية.
تعقيب:
كما أوضحنا سابقًا فإن الصراع الرئيسي بين جمهورية الصين الشعبية وتايوان يتعلق بوضع تايوان السيادي، فجمهورية الصين الشعبية تدّعي السيادة على تايوان، وترفض فكرة أن حكومة تايوان تمثل حكومة مستقلة ذات سيادة، وتعمل جاهدة على منع استمرار المساعدة الأمريكية لتايوان. وعلى النظير الآخر فإن موقف الولايات المتحدة تجاه هذه القضية واضح على رغم الإدعاء بأنها تقوم بالمساعدة في الحفاظ على السلام عبر المضيق؛ لكن شتان بين ما تدعيه وما يحدث حقيقةً، فهى تستخدم هذه القضية من أجل الحصول على مصالح، أو دفع الصين للتنازل عن شيء من أجلها، ففي كل الحالات هى تسعى لمصالحها الخاصة فقط، وليس لحل الصراع.
ومما يدلل على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم ببيع الأسلحة لتايوان، وتقديم الدعم الفني والتكنولوجي اللازم لمواجهة التهديد عبر المضيق، ويمكن القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم تايوان كقطعة شطرنج للحصول على فوائد اقتصادية ورأس مال سياسي، وذلك من خلال استفزاز بكين عن طريق بيع الأسلحة لتايوان، وإذا نظرنا إلى الوراء على مدى السنوات القليلة الماضية؛ فسوف نجد أنه كلما زادت مشاريع قوانين الولايات المتحدة حول تايوان، ساءت العلاقات عبر المضيق؛ مؤدية إلى المزيد من الخسائر للشعب التايواني.
وعلى الجانب الآخر تدرك الصين أهمية الاقتصاد والتجارة، ونجحت في إقامة علاقات اقتصادية مع تايوان، فالآن تُعد الصين أكبر موالي اقتصادي لتايوان، وكذلك تُعد تايوان مستثمر أساسي في الأراضي الصينية؛ وبالتالي تسعى الدولتين للحفاظ على علاقات دبلوماسية قوية، وتعمل تايوان على عدم استفزاز الصين؛ نظرًا لتشابك المصالح بينهم، وهذه قد تُعد خطوة جيدة في اتجاه حل الصراع الصيني التايواني، فالصين تستخدم بطاقة الاقتصاد والتجارة تجاه تايوان بدلًا من القوات العسكرية؛ لكن تحاول الولايات المتحدة عرقلة أي تقدم يحدث لحل الصراع الصيني التايواني؛ لأنها لا تريد حل الصراع بل إدارته فقط. وختامًا إن العلاقات الصينية الأمريكية تتسم بالتعقيد، الغموض وعدم الوضوح، فكلاهما يتسم بغموض في المصالح والأهداف؛ مما يترتب عليه غموض في الخطوات والأفعال، ومن هنا لا يستطيع أحد أن يحدد الوضع التايواني بينهما بالشكل الدقيق.
الفصل الثاني : الاستراتيجيات الأمريكية والصينية تجاه تايوان
تمهيد:
تمثل تايوان أهمية استراتيجية، جيوبوليتيكية واقتصادية بالنسبة لكلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والصين؛ لذلك تبنت كل دولة منهما استراتيجيات مختلفة في إطار صراعهما حول تايوان، واختلفت هذه الاستراتيجيات من فترة لأخرى؛ حيث نجد واشنطن استخدمت استراتيجيات سياسية، اقتصادية، عسكرية وتكنولوجية، واختلفت تلك الاستراتيجيات حسب أولويات كل رئيس. على الجانب الآخر، تقوم الاستراتيجية الصينية تجاه تايوان على مبدأ “الصين الواحدة”، وقد تنوعت الأدوات التي لجأ إليها كل رئيس صيني، والتي تراوحت بين ما هو سلمي، وما هو عسكري. فضلًا عن مستقبل الصراع، والذي يتراوح بين ثلاثة سيناريوهات محتملة.
وعليه سوف نتناول في هذا الفصل استراتيجيات كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والصين في صراعهما حول تايوان، بالإضافة إلى السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع.
المبحث الأول: استراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه تايوان
تمثل تايوان عقبة أمام العلاقات الأمريكية الصينية؛ حيث اختلفت استراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه تايوان باختلاف رؤسائها، وكانت التغيرات الطارئة عليها تحدث تباعًا حسب التغيرات الطارئة على العلاقات الأمريكية الصينية، ولكن الثابت في الاستراتيجية الأمريكية تجاه تايوان رغم اختلاف رؤسائها هو تحقيق المصلحة الأمريكية، بمحاولة الجمع بين تحسين العلاقات الأمريكية الصينية واستمرار تقديم الدعم لتايوان؛ حتى لا تتمكن الصين من استعادتها وفرض سيطرتها على آسيا.
ولذلك نعرض في هذا المبحث استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه تايوان في الفترة (٢٠٠٠-٢٠٢٣) خلال فترة حكم الرؤساء (جورج بوش الابن، باراك أوباما، دونالد ترامب، وجو بايدن).
أولًا/ استراتيجية الرئيس”جورج بوش الابن” تجاه تايوان في الفترة (٢٠٠١ – ٢٠٠٩)
شهدت العلاقات الأمريكية الصينية أثناء ولاية “جورج بوش الابن” تطورات عديدة؛ حيث انتهج في البداية سياسة صارمة تجاه الصين ورفع شعار ” الصين منافس استراتيجي” للولايات المتحدة وأصبح ذلك تحديًا رئيسيًا للولايات المتحدة في منطقة آسيا[142]، وبعد أن أصبح بوش رئيسًا للولايات المتحدة عام 2001، تخلى عن موقف الولايات المتحدة المتعاون مع جمهورية الصين الشعبية والذي تم تبنيه في عهد “كلينتون”، واستأنف سياسة الخلاف والمواجهة التقليدية تجاه جمهورية الصين الشعبية، وبدأت إدارة بوش في إظهار الدعم العلني لتايوان[143].
كانت إدارة بوش ملتزمة في أشهرها الأولى بإقامة علاقات أوثق مع تايوان، وتحركت نحو الالتزام غير المشروط بأمن تايوان؛ أي الوعد بالدفاع عنها ضد أي هجوم من جانب جمهورية الصين الشعبية، حتى لو كانت تايبيه هى التي بادرت بالإعلان بتحركها نحو الاستقلال[144]، وبعد بضعة أشهر فقط من رئاسة بوش، قام بتوسيع حزمة أسلحة ضخمة لتايوان، وأعلن أن أي حل لمشكلة تايوان يجب أن يحظى بدعم مواطني تايوان، وحذر بكين من استخدام القوة العسكرية ضد تايوان.[145]
وقد استغلت الولايات المتحدة قضية تايوان؛ حيث وافق الكونغرس الأمريكي عام 2000 على مشروع قانون يدعم الروابط العسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان، والذي يُطلق عليه “قانون تعزيز أمن تايوان”، والذي ينص على إقامة اتصالات عسكرية بين الطرفين وتوسيع برامج التدريب الأمريكي للعناصر التايوانية، وهو ما أثار احتجاج وسخط القيادة الصينية[146].
أصبح هذا التوجه المؤيد لتايوان والمناهض للصين في البيت الأبيض في عهد بوش أكثر وضوحًا بعد “حادث هاينان” عام 2001؛ لذلك وافق بوش على حزمة أسلحة ضخمة لتايوان، وعندما سُئل عن دفاع الولايات المتحدة عن تايوان، أجاب بوش بأنه سيفعل “كل ما يلزم”، وقد اعتبر العديد من المراقبين أن هذا يعني أن “الغموض الاستراتيجي” في سياسة واشنطن تجاه الصين وتايوان والذي كان المقصود منه منع الجانبين من الصراع قد انتهى الآن، بعد أن حل محله “الوضوح الاستراتيجي” الذي كان لصالح تايوان.[147]
ونظرًا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تورطت عسكريًا في عدة مناطق من العالم خاصةً بعد حربها على الإرهاب بعد عام 2001، إضافةً إلى الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 والتي أنهكت الاقتصاد والخزينة الأمريكية، أدركت الولايات المتحدة أن المصالح الأمريكية سوف تكون مرتبطة بالصين، فليس من مصلحتها الدخول في تصعيد ومواجهة مع هذه الأخيرة، الأمر الذي جعل إدارة بوش، تتخذ استراتيجية الحفاظ على العلاقات مع كل من تايوان والصين معًا من خلال دعم سياسة صين واحدة، ودعم قانون العلاقات مع تايوان[148] .
وبذلك تحول إقليم شرق آسيا إلى درجة ثانية في الأولويات الاستراتيجية لإدارة بوش، فهذا التشتت الاستراتيجي الأمريكي في مناطق عديدة من العالم قلَص من القدرات الأمريكية لتحمل أعباء إضافية مرتبطة بالتنافس الاستراتيجي مع الصين؛ لذلك سعت الإدارة الأمريكية آنذاك إلى توسيع التعاون مع الصين باعتبارها الخيار الأمثل للحفاظ على قيادتها وتعزيز دورها في شرق آسيا[149] .
وعقب نجاح الرئيس التايواني اليميني “تشين شوي” الذي أعلن يوم تنصيبه أن تايوان بحالة سيادة دائمة، أعلنت الولايات المتحدة رفضها لتوجهات الرئاسة التايوانية، وهو ما اعتبرته قادة تايوان إشارة إلي أن إدارة الرئيس بوش تتجه لتوثيق العلاقة مع بكين على حساب تايبيه، لاسيما في ظل الموقف الصيني الداعم لإدارة الرئيس بوش في السياسة الدولية عمومًا، حيث أعلنت بكين دعهما لأمريكا في حربها على الإرهاب، كما لم تعترض على السياسات الأمريكية في مجلس الأمن.
ورغم أن الرئيس التايواني “تشين تشوي بيان” تبني خطابًا تصالحيًا مع الصين أثناء أول عامين له في منصبه، إلا أن هذا الخطاب انتهى فجأةً في عام 2002 عندما وصف العلاقات عبر المضيق بأنها “صين واحدة وتايوان واحدة”؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم التوترات عبر المضيق، وعندما وافق المجلس التشريعي على قانون الاستفتاء الذي يسمح للرئيس بالدعوة إلى استفتاء دفاعي في حالة وجود تهديد للسيادة الوطنية، وهو ما نددت به بيكين وهددت بإعلان الحرب علي تايوان في حالة الاستقلال[150]، أما بالنسبة لإدارة بوش فقد عارضت الاستفتاء خوفًا من أن يؤثر على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وعارضت خطة “تشين” لتعديل الدستور، فضلًا عن معارضتها لأي قرار أحادي من جانب الصين أو تايوان لتغيير الوضع الراهن[151]، و تشير معارضتها هذه إلى أن الولايات المتحدة عادت إلى التزامها المشروط تجاه تايوان، وهو أن الولايات المتحدة لن تساعد في الدفاع عن تايوان في الأزمة التي أثارتها تايوان بنفسها.[152]
عقد “بوش” لقاء مع الرئيس الصيني “هو جينتاو” عام 2004 أكد من خلاله على حرص حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ودعمه لوجود ممثل وحيد للشعب الصيني خلال إعادة توحيد تايوان مع الصين، وقد اُعتُبر موقف بوش آنذاك مخالفًا لتصريحاته خلال حملته الانتخابية في عام 2000[153]، و يمكن القول أن إدارة بوش بحلول نهاية ولايتها الأولى أصبحت أكثر انتقادًا لسياسة تايوان، فقد أعربت إدارة بوش عن إحباطها إزاء فشل تايوان في شراء أنظمة الأسلحة المتقدمة التي طلبتها حكومتها ووافقت الولايات المتحدة علي بيعها، كما انتقدت الوتيرة البطيئة التي قامت بها تايوان لتعزيز منشآتها العسكرية الرئيسية ضد أي هجوم محتمل، كما شككت بشدة في المقترحات التي قدمها أعضاء حكومة تشن شوي بيان لتطوير القدرة الانتقامية ضد البر الرئيسي.[154]
صدقت جمهورية الصين الشعبية على “قانون مناهضة الانفصال” عام 2005، والذي سمح لبكين باستخدام وسائل غير سلمية لمنع أي محاولة للاستقلال من جانب تايوان، وقد أدان المجتمع الدولي هذا القانون، بما في ذلك واشنطن. وعلى الرغم من أن “بوش” قد أكد من جديد وعد الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان، إلا أنه أبدى تحفظ يتلخص في أنه في حالة قيام الصين بالغزو من جانب واحد فإن الولايات المتحدة سوف تتدخل لمساعدة تايوان بموجب قانون العلاقات مع تايوان؛ لكن إذا أعلنت تايوان استقلالها من جانب واحد، فإن ذلك سيكون قرارًا أحاديًا من شأنه أن يغير المعادلة الأمريكية .[155]
كما أعادت الولايات المتحدة إدانتها في عام 2007 لاستفزازات “تشين”؛ حيث كان قد أعلن في وقت سابق عن فكرته عن “الجمهورية الثانية”، فضلًا عن إعلان إدارة تشين ادعاءاتها لتمرير استفتاء بشأن طلب تايوان للحصول على عضوية الأمم المتحدة[156]؛ ونتيجة لهذه الاستراتيجية الأمريكية التي أتبعتها إدارة الرئيس “بوش الابن” تجاه التعامل مع الأزمة التايوانية، تنامت علاقات التقارب الأمريكي الصيني على حساب العلاقة مع تايوان وولد ذلك مزيدًا من الضغوط على قادة تايوان المحافظين، الأمر الذي أدى إلى خسارتهم الانتخابات الرئاسية عام 2008 وفوز مرشح المعارضة “ما ينغ جيو” برئاسة تايوان، وهو من اليساريين المؤيدين للتقارب مع حكومة بكين وتسوية الخلافات معها، وتجدر الإشارة إلي أن خلافات تايوان حول إدارة الأزمة مع الإدارة الأمريكية لم تؤدي إلى التخلي عن دعم تايوان أمنيًا؛ حيث رضخ الرئيس “بوش” لضغوطات الكونجرس وصادق في أواخر عهده على صفقة بيع سلاح لتايوان بقيمة 6.5 مليار دولار أمريكي.[157]
وجملة القول أنه في الوقت الذي كانت فيه علاقات الولايات المتحدة مع الصين تتحسن، كانت علاقاتها مع تايوان تتدهور؛[158] حيث أعطت واشنطن الأولوية للعلاقات مع الصين بسبب حاجتها إلي العمل مع بكين في التعامل مع كوريا الشمالية[159]، كما أن التغيرات التي طرأت على الأهداف في ظل إدارة بوش تعكس اتجاهين متباينين، فمن ناحية يبدو أن إدارة بوش تعتقد أنه من الممكن من المنظور الأمني التقليدي أن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق الهيمنة في آسيا، وليس مجرد منع الآخرين من القيام بذلك، ومن ناحية أخرى، فإن إدارة بوش منشغلة أيضًا، في آسيا وفي أماكن أخرى، بتحدي أمني غير تقليدي وغير مسبوق ألا وهو الكفاح ضد المنظمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة[160].
ثانيًا/ استراتيجية الرئيس”باراك أوباما” تجاه تايوان في الفترة (٢٠٠٩ – ٢٠١٧)
تولّى الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” الحكم عام ٢٠٠٩م، وقام في بداية عهده بزيارة الصين، وأعلن أن الولايات المتحدة لن تعترف إلا بصين واحدة، وترفض إعلان استقلال تايوان، وقد أكد ذلك على رفض الإدارات الأمريكية المتتابعة القبول بتايوان دولة مستقلة عن البر الصيني، أو القبول بأي تغيير في الاستراتيجية الأمريكية تجاه تايوان.[161]
كما أكد “أوباما” أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى احتواء الصين، وأن النهوض الصيني لا يهدد الولايات المتحدة الأمريكية، بل تؤيد تصاعد الدور العالمي للصين، كما قال “نحن نعرف أن هناك فائدة أكبر من تعاون القوى الكبرى معًا بدلًا من تصادمها”.[162]
وعدم دعم واشنطن لاستقلال تايوان كان له تأثيرًا إيجابيًا في منع تايوان من الانتقال إلى الاستقلال خلال الفترات الصعبة للعلاقات عبر المضيق قبل عام ٢٠٠٨، وبالتالي يتضح أن غموض الاستراتيجية الأمريكية تجاه تايوان وعلاقاتها بالصين لا يساعد على حل الصراع بل يزيد الأمر تعقيدًا.[163]
أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي “أوباما” تنفيذ صفقة بيع طائرات أف-16المقاتلة إلى تايوان، في ضوء تنامي القدرات الجوية والصاروخية الصينية مقابل ضعف القدرات القتالية الجوية لتايوان؛ مما أدى إلى الاحتجاج من جانب السيناتور “جون كورنيان”، أحد زعماء الجمهوريين داخل الكونغرس، برفضه تعيين أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية، وجاءت ضغوطات الجمهوريين داخل الكونغرس؛ استجابة لضغوطات اليمين الأمريكي واللوبي التايواني الداعي للمحافظة على العلاقة الاستراتيجية الأمنية مع تايوان، والحفاظ عليها دولة مستقلة، بالإضافة إلى ضغوطات شركات السلاح الأمريكية الموردة لتايوان والداعمة للحملات الانتخابية للجمهوريين[164]، وقد أتهم كلٌ من الجمهوريين والديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الادارة بإعطاء الأولوية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين بينما تجاهلت تايوان، وخاصةً فيما يتعلق بمبيعات الدفاع.[165]
دفعت تلك الضغوطات الرئيس الأمريكي “أوباما” إلى الموافقة على بيع الأسلحة إلى تايوان عام ٢٠١٠م؛ مما أدى إلى قطع العلاقات العسكرية بين الجيشين الأمريكي و الصيني المستمرة منذ عام ٢٠٠٤م، وأدى أيضًا إلى فتور العلاقة الدبلوماسية بين البلدين؛ بسبب سعي “أوباما” منذ توليه الرئاسة إلى تعزيز الثقل العسكري الأمريكي في شرق آسيا و وسطها[166]؛ أي أن المبيعات الأمريكية لتايوان أضرت بالعلاقات الأمريكية الصينية، خاصةً باقتراح الولايات المتحدة بيع أسلحة بقيمة 6.4 مليار دولار إلى تايوان[167]؛ وردًا على ذلك هددت جمهورية الصين الشعبية بفرض عقوبات على الشركات الأمريكية التي تزود تايوان بالسلاح، وتعليق التعاون في بعض القضايا الإقليمية والدولية.[168]
وبعد صعود الصين، وحدوث تغيرات على الساحة العالمية لصالحها، أكدت الولايات المتحدة أن الصين هى المنافس الاستراتيجي الأكبر لها في آسيا[169]، وانعكس ذلك على العلاقات الأمريكية التايوانية، فبدأت واشنطن مرة أخرى في اتباع سياسة التعاون مع تايوان، ووعدت واشنطن في حالة تعرض تايوان إلى هجوم من قبل بكين، باستخدام كل ما تحتاجه لمساعدة تايوان للدفاع عن نفسها، وبدأت في انتهاج سياسة العداء تجاه الصين، وزادت الولايات المتحدة كمية الأسلحة في تايوان لمواجهة تهديد الصين، وتلقيت تايوان الدعم من واشنطن على مستوى غير مسبوق.[170]
فكانت الولايات المتحدة قد أدركت بعد أزمتها بالداخل ضرورة التركيز على داخل حدودها بدلًا من بذل جهود قوية في مجال السياسة الخارجية[171]؛ وبالتالي تبنت إدارة أوباما مقاربة “التغيير” تجاه شرق آسيا والسياسة الخارجية الدولية، وتعهدت الإدارة بالاهتمام بالبحر وشرق آسيا على نطاق واسع عكس إدارة بوش السابقة.[172] وقد وضحت استراتيجية “أوباما” تجاه الصين بقوله: “إن تاريخنا في المستقبل سيتحدد بوضعنا على الباسيفيك المواجه للصين أكثر من وضعنا على الأطلسي في المستقبل المواجه لأوروبا”[173]
كان النهج المتبع في جنوب شرق آسيا في ظل إدارة الرئيس السابق “باراك أوباما” يتمثل في تطويق الصين، وعزلها واستعادة التوازن الإقليمي بإتباع استراتيجية “الاحتواء”؛ حيث حولت إدارة الرئيس “أوباما” سياسة الولايات المتحدة من سياسة تقوم على المصالح التجارية المشتركة في تايوان وبحر الصين الجنوبي إلى سياسة تهدف إلى احتواء التوسع الصيني المتزايد،[174] من خلال إنشاء قواعد عسكرية في تايوان، واليابان، وكوريا الجنوبية، ليس فقط من خلال تطويق الاقتصاد عبر المضيق؛ لكن من خلال غزو مناطقها ودوائرها الحيوية.[175]
ويرجع هذا التغير في استراتيجية أمريكا تجاه الصين إلى إدراك الولايات المتحدة الأمريكية بأن الثقل الإقليمي للصين في منطقة الباسيفيك قد يجعلها تتفوق على الولايات المتحدة في محيطها الإقليمي؛ وهو ما يهدد المصالح والوجود الأمريكي في المنطقة.[176]
ورأت الصين في الاستراتيجية الأمريكية لإعادة الانتشار العسكري في آسيا خلال فترة إدارة الرئيس “أوباما” بأنها قد تلحق الضرر بالعلاقة الأمريكية الصينية، وقامت بتفسير تلك الاستراتيجية على أنها مصممة في الأساس لاحتوائها، الشيء الذي دفعها إلى تصعيد تحركاتها وتأكيد مطالبها بالمنطقة خاصة ببحر الصين الجنوبي، فضلًا عن رفعها لمستوى الانفاق العسكري.[177]
أصبحت الاستراتيجية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي “أوباما” ترتكز على تعزيز العلاقات العسكرية بين واشنطن وتايبيه، والعمل على زيادة قدرة تايوان على المساومة مع الصين سياسيًا، أي بدأ أن يكون هناك تطور سلمي للعلاقات بين بيكين وتايبيه عبر المضيق. فقد قام بر الصين الرئيسي خلال العقود الماضية بانتهاج سلسلة من السياسات والإجراءات التي تضمن التنمية السلمية عبر مضيق تايوان، وعلاقات واشنطن مع تايوان هى التي منحت الجرأة للانفصاليين في تايوان، وهى التي شجعت الزعيم السابق لتايوان “تشن شوي بيان” على القول:” إن الولايات المتحدة واليابان سوف يوليان اهتمامًا كافيًا إلى المنطقة بمجرد اندلاع حرب عبر المضيق، وإن الولايات المتحدة سوف تأتي لمساعدة تايوان بروح من علاقات واشنطن مع تايوان”، تلك الكلمات فضحت دوافع الانفصاليين التايوانيين لاستغلال علاقات واشنطن مع تايوان لاستدراج الولايات المتحدة إلى صراع مسلح مع بر الصين الرئيسي.[178]
وفي يونيو 2013، ألتقى الرئيس الأمريكي “أوباما” بالرئيس “شي جين بينغ” في مزرعة “صني لاندز”، في رانشوميراج، كاليفورنيا، ـ الذي اُعتُبر أهم اجتماع بين رئيس أمريكي وزعيم شيوعي منذ 40 عامًا، منذ اجتماع الرئيس “نيكسون” والرئيس “ماو”ـ بهدف محاولة بناء “نموذج جديد”، أتفق فيه الزعماء على مكافحة تغير المناخ، وتقليص البرنامج النووي لكوريا الشمالية، ورغم ذلك ظل القادة منقسمين بشدة حول الأسلحة الأمريكية المباعة إلى تايوان.[179]
فضلًا عن التعاون الاقتصادي الذي أطلق الرئيس السابق “باراك أوباما” من أجله استراتيجية “مبادرة المشاركة الاقتصادية الموسعة ( E3 )”، وهو إطار للتعاون الاقتصادي يهدف إلى توسيع العلاقات التجارية والاستثمارية بين الولايات المتحدة ودول جنوب شرق آسيا وزيادة كفاءة سلسلة التوريد في مضيق تايوان.[180]
وفي الانتخابات الرئاسية لتايوان عام 2014، وبفوز الرئيس “ما ينج جيو” عن حزب الكومينتانج في تايوان، قامت الولايات المتحدة بتهنئته بالفوز، والتأكيد على أن العلاقات بين تايبيه و واشنطن تقوم على المصالح المشتركة، والحرية، والديمقراطية، وتشجيعه على إكمال مسيرة التقارب مع الصين؛ وذلك لما يُعرف به “ما ينج جيو” بإقامة العلاقات الطيبة مع الصين، والدخول في العلاقات التجارية والاقتصادية.[181]
لذلك نجد أن استراتيجيات إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” تجاه تايوان كانت متغيرة تبعًا للعلاقات الأمريكية الصينية، ولاتزال تتسم بالغموض بين تحسن العلاقات مع الصين، وتقديم الدعم إلى تايوان، والذي يؤثر بدوره على العلاقات الأمريكية الصينية.
ثالثًا/ استراتيجية الرئيس”دونالد ترامب” تجاه تايوان في الفترة (٢٠١٧ – ٢٠٢١)
تحولت الاستراتيجية الأمريكية تجاه تايوان من العلاقات الجيدة والمستمرة إلى علاقات يسودها شيء من البرود[182]، وذلك بعد تولي “دونالد ترامب” مقاليد الحكم، على الرغم من أن تايوان كانت في البداية تشعر بالتفاؤل لكن ما لبث أن تحول إلى تشاؤم شديد؛ وذلك مرده أن سياسة ترامب مع تايوان متوقفة على علاقاته مع الصين، فكما أوضحنا سابقًا أن الولايات المتحدة تعتبر تايوان ورقة رابحة للضغط على الصين، ولو تعمقنا في سياسة “دونالد ترامب” تجاه تايوان سنجد أنها مبنية على استراتيجية سليمة ومفيدة في الوقت ذاته لتايوان.
كانت تعتبر الفترة ما قبل انتخابات ترامب في أوائل ديسمبر 2016 فترة علاقات جيدة مع تايوان، وذلك من خلال برنامج الحزب الجمهوري الذي أشاد بالقيم السياسية والاقتصادية لتايوان وعزز مشاركتها الكاملة في المنظمات الدولية، بالإضافة إلى أنه دعا إلى زيادة مبيعات الأسلحة الامريكية في الوقت الذي يعد فيه بالدفاع عن تايوان. ودعم “دونالد ترامب” برنامج الحزب الجمهوري بل وأكد على أهمية تحسين العلاقات الأمريكية التايوانية، وأصبحت سياسة ترامب متأججة بعد استقباله مكالمة هاتفية من الرئيسة التايوانية “تساي إنغ وين “، وكان من غير المسبوق أن يكون رئيس الولايات المتحدة قريبًا للتحدث مع رئيس تايوان، وتم انتقاد هذا الفعل من قبل الصين، والبعض رأوا في هذه الفترة أن “دونالد ترامب” يدعم استقلال تايوان، وكانت هذه الفترة الأولى من ولاية “ترامب” والتي أتسمت بسوء العلاقات مع الصين في مقابل زيادتها مع تايوان.[183]
ومما لا شك فيه أن تايوان أبدت إعجابها بالرئيس الأمريكي “ترامب”؛ بسبب دعمه للقضية التايوانية، على الرغم من إدراك تايوان شخصية ترامب وأنه رجل صفقات ومساومات وأن دعمه هذا يخفي ورائه غموض خبئه ترامب للضغط به على الصين لتحقيق مصالحه. [184]
وقد استثمر الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان- وهو الحزب الأكثر نزوعًا للانفصال عن الصين الأم- فترة الرئيس دونالد ترامب في محاولة توسيع نطاق الحركة التايوانية على الساحة الدولية والدخول في بعض المنظمات الدولية مثل “منظمة الصحة العالمية”، فبعد إقرار قانون السفر التايواني من قبل الكونجرس الأمريكي في 16 مارس عام 2018، تحولت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان منذ ذلك الحين إلى أساس رسمي وعالي المستوى. ووقّع الجانبان منذ ذلك الحين اتفاقية قنصلية تضفي الطابع الرسمي على العلاقات القنصلية القائمة بينهما في 13سبتمبر عام 2019. [185]
ووصولًا إلى تقلبات ترامب سنتطرق إلى بداية المرحلة الباردة في العلاقات الأمريكية التايوانية في ۲۰۱۷م ، مع تأكيد الرئيس “ترامب” للرئيس “شي جين بينغ” أنه سيحترم سياسة “صين واحدة”، وهنا نجد تقلب ترامب نحو الصين؛ وهذا قد يؤدي لتقارب كامل بين الولايات المتحدة والصين في المستقبل القريب، ربما حتى يتم التوصل إلى صفقة في تايوان”، بل وأصبح هناك تقارب بين “ترامب” و الرئيس “شي جين بينغ” فيما يعرف ب”الكيمياء العظيمة” خلال قمة إبريل ۲۰۱۷م، وقد أُطلق عليه اجتماع لاثنين من أقوى قادة العالم، وتعهد “ترامب” بخفض مبيعات الأسلحة إلى تايوان، وأنه يتقبل ويحترم سياسة “صين واحدة”؛ وأدى ذلك لتحسين في العلاقات الثنائية الأمريكية الصينية، وتباطؤ آخر في العلاقات الأمريكية التايوانية.
يُعد “ترامب” متقلب الوجه كثيرًا ولا يستمر وفقًا لسياسة واحدة، فهو لا يهتم في آسيا سوى بكوريا الشمالية والحرب التجارية مع الصين؛ حيثُ أنه يقوم بفرض العديد من العقوبات الاقتصادية على الصين ومنتجاتها؛ لكنه في ذات الوقت لا يهتم بتحسين العلاقات مع تايوان أو التقدم فيها، بل ووصل الأمر أنه وصف الصين بأنها منافس استراتيجي لواشنطن في آسيا؛ ولذلك يعمل على تعقيد قضية تايوان لدفع الصين في اتجاهات تتناسب مع استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكي ۲۰۱۸م. [186]
ثم عاد مرة أخرى لاتباع استراتيجيات وسياسات نشطة تجاه تايوان؛ حيث زادت واشنطن تعاونها الأمني مع الجزيرة وخاصةً في مجال غير تقليدي مثل مكافحة الإرهاب، إلى جانب ذلك بيع لمجموعة أسلحة بقيمة ١.٤٢ مليار دولار في ۲۹ يونيو ۲۰۱۷، و هى أول عملية بيع من هذا القبيل بموجب إدارة ترامب، و تتضمن هذه الحزمة صواريخ وطوربيدات متطورة، بالإضافة إلى الدعم الفني من خلال نظام رادار للإنذار المبكر، ويعمل ترامب على تعزيز أمن تايوان وتعزيز مشاركة تايوان في المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية، والإنتربول ومنظمة الطيران المدني الدولي. وقام “ترامب” بإصدار قانون السفر التايواني (28) TTA) في فبراير ۲۰۱۸، وذلك له تأثير خطير للغاية على حجر الزاوية في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين .[187]
نستنتج مما سبق السياسات المتقلبة للرئيس الأميريكي “دونالد ترامب” فيما يخص قضية تايوان، فتارةً هو على تقارب مع الصين، وتارةً أخرى يدعم تايوان ويرسل لها الأسحلة.
رابعًا/ استراتيجية الرئيس “جو بايدن” تجاه تايوان في الفترة (2021 – ٢٠٢٣)
بالنسبة لمورجنثاو كانت الحرية والمساواة دائمًا هى القيم الأساسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛[188] لكن ستكون طريقة التعامل الأمريكي مع قضية تايوان كاشفة لمدى مصداقية استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الجديدة المتمركزة حول نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبرالية السياسية في العالم. وفي إطار تبني السياسة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية لربط العلاقات الأمريكية مع الدولة الحليفة والمنافسة، جاء اتصال الرئيس “بايدن” مع الرئيس الصيني “شي جين بينغ”؛ لإعادة فتح الحوار مع الصين بشأن القضايا العالقة بينهما، إلا أن هذا الاتصال عكس استمرار التوتر بين البلدين.[189]
تتميز السياسة الخارجية في عهد “بايدن” بالتراجع النسبي؛ حيثُ وصلت الولايات المتحدة الأمريكية في عهده إلى مرحلة الانبراء الذاتي، ومن ثم أفسح المجال أمام القوى الدولية الصاعدة والأقطاب الفتية )روسيا والصين( لممارسة أدوار إقليمية وعالمية وفي أول خطاب له حول السياسة الخارجية، وصف الصين بأنها “أكبر منافس”، مؤكداً استعداد واشنطن للعمل مع بكين عندما يكون ذلك من مصلحة أمريكا.[190]
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتبع دائمًا “استراتيجية الغموض” فيما يتعلق بموقفها إزاء الصراع الصيني التايواني؛ حيثُ كانت تحاول الحفاظ على علاقات الود مع جمهورية الصين الشعبية لمحاولة احتواء الصعود الصيني؛ لكن اختلف ذلك منذ وصول “ترامب” إلى الحكم -كما أوضحنا سابقًا- ويستمر الوضع في عهد الرئيس الحالي “جو بايدن”، فمنذ عام 2021، صرح الرئيس “بايدن” أربع مرات أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان، ويبدو أنه يتخلى عن الغموض الاستراتيجي، على الرغم من أن مسؤولي البيت الأبيض قالوا لاحقًا أن سياسة الولايات المتحدة ظلت دون تغيير.[191]
تتخذ الولايات المتحدة من حقوق الإنسان في الصين ستارًا لتدخلها في الشأن الصيني التايواني؛ حيثُ أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن”، منذ توليها السلطة أن مواجهة التمدد الصيني الإقليمي وانتهاكات حقوق الإنسان في الصين ستكون على رأس أولويات سياستها الخارجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ[192]، كما صرح “بايدن” في مؤتمر عُقد في اليابان في مايو 2022 أنه على استعداد لتقديم العون العسكري و الذهاب إلى ما هو أبعد مما قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا؛ دفاعًا عن ديمقراطية تايوان.[193]
فيبدو أن إدارة بايدن عازمة على تقديم مساعدات عسكرية ودبلوماسية ملموسة إلى تايبيه وتلتزم واشنطن بتزويد تايوان بوسائل الدفاع عن نفسها في حالة الهجوم الصيني عليها، استكمالًا لما قامت به إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب” بأساليب مختلفة في التنفيذ وبنهج أكثر مرونة ودبلوماسية[194]، والتي كانت قد سمحت بزيادة مبيعات الأسلحة وبتخفيف القيود على التبادلات الرسمية في المجالين العسكري والدبلوماسي، مما يثير استياءًا شديدًا من جانب بكين ضد “التدخل الخارجي” فيما تعتبره “مسألة داخلية”. وكان من المؤشرات الدالة على ذلك القرار الذي اتخذه فريق بايدن الانتقالي بدعوة سفير تايوان الفعلي في واشنطن “هسياو بي كيم” رسميًا إلى حفل التنصيب الرئاسي لبايدن. أما على صعيد الكونجرس قدم أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، في 8 أبريل 2021، مشروع قانون أُطلق عليه “قانون التنافس الاستراتيجي لعام 2021″، ويهدف إلى السماح للولايات المتحدة بمواجهة “التحديات” التي تشكلها الصين، مشددًا بشكل خاص على ضرورة تعزيز العلاقات بين واشنطن وتايبيه، كما يتفق الحزبان الديمقراطي و الجمهوري على ذلك.[195]
ونقلًا عن خطاب وزير الخارجية الأمريكي “أنطوني بلينكن”، الذي ألقاه في جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأمريكية واشنطن، يوم 26 من شهر مايو عام 2022، قال:[196]” يمكن تلخيص استراتيجية إدارة بايدن في ثلاث كلمات لتحقيق النجاح في هذا العقد الحاسم، ألا وهى “الاستثمار والتوافق والتنافس”، الاستثمارفي أسس قوة الوطن يعني القدرة التنافسية والابتكار والديمقراطية، و التوافق يعني تنسيق الجهود مع شبكة الحلفاء ومن خلال تسخير هذين الأمرين الرئيسيين، ستنافس الولايات المتحدة الصين للدفاع عن مصالحنا وبناء رؤيتنا للمستقبل”. واستكمل:” ما زلنا مهتمين بالسلام والاستقرار عبر مضيق تايوان. وسنواصل الوفاء بالتزاماتنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان؛ لمساعدة الأخيرة في الحفاظ على قدرة كافية للدفاع عن النفس، والحفاظ على قدرتنا على مقاومة أي لجوء إلى القوة أو غيره من أشكال الإكراه، الذي من شأنه أن يعرض الأمن أو النظام الاجتماعي أو الاقتصادي لتايوان للخطر. نحن نتمتع بعلاقة غير رسمية قوية مع تايوان، وهى الديمقراطية النابضة بالحياة والاقتصاد الرائد في المنطقة. وسنواصل توسيع تعاوننا معها بشأن مصالحنا وقيمنا المشتركة العديدة ودعم مشاركتها الهادفة في المجتمع الدولي وتعميق علاقاتنا الاقتصادية، بما يتفق مع سياسة “الصين الواحدة”. وقد رأينا من مناقشات الرئيس مع الحلفاء والشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أن الحفاظ على السلام والاستقرار عبر المضيق ليس مجرد مصلحة أمريكية، بل مسألة ذات اهتمام دولي وقضية حاسمة للأمن والازدهار الإقليمي والعالمي”.
و يتضح من الخطاب السابق أن الخارجية الأمريكية في عهد “بايدن” لم تغير سياستها في التعامل مع القضية التايوانية، ولكن محاولات بكين المستمرة لقطع علاقات تايوان مع البلدان في مختلف أنحاء العالم ومنعها من المشاركة في المنظمات الدولية؛ هو ما يسفر عن التقارب الأمريكي التايواني بدعوة الحفاظ على أمن الجزيرة، بالرغم من عدم ذكر “بلينكن” للمصالح الأمريكية الاقتصادية و مصالحها التكنولوجية في تايوان.
وصف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كيسنجر” التوتر بين واشنطن وبكين بأنه “التحدي الأكبر الذي يواجه البشرية؛ لأن البلدين لديهما القدرة على تدمير العالم والصراع العسكري بينهما سيجعل العالم أسوأ مما كان عليه بعد الحرب العالمية الأولى”. ورغم الإدراك الأمريكي والصيني لذلك فإنهما مستمران في التصعيد السياسي والعسكري حول قضية تايوان؛ لأنها أصبحت ترتبط بأبعاد جيوسياسية هامة لكليهما، منها[197]: توظيف التوتر الصيني الأمريكي داخليًا؛ حيثُ تعمد “بايدن” التصعيد مع الصين لاستقطاب أصوات الحزبين الجمهوري المعارض له والديمقراطي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر 2022، لاسيما بعد تراجع شعبيته لأدني مستوى لها منذ توليه منصبه.
من ناحية أخرى تستهدف الولايات المتحدة من التحالف الأمريكي التايواني احتواء الصين و التضييق عليها في مجالها الحيوي.[198] ومن الأدلة على ذلك، زيارة “نانسي بيلوسي” رئيس مجلس النواب الأمريكي لتايوان في أغسطس 2022، التي تحدثنا عنها سابقًا في الأبعاد السياسية للصراع، إذ أحدثت تلك الزيارة عاصفة دبلوماسية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين؛ نظرًا لأنه لم يحدث مثل هذه الزيارة قبل 25عامًا، وإذا حدثت فقد كانت بسرية تامة[199]، وسأحد الأهداف غير المعلنة لهذه الزيارة هو تعطيل مشروع الصين “حزام واحد، طريق واحد” من خلال استنزاف القدرات المحلية للصين و التشكيك في جدوتها، وللتأكيد علنًا أن الولايات المتحدة لا زالت تحتفظ بمفتاح “اللعبة الدولية”.[200]
أكد “بايدن” أن واشنطن تحتاج إلى مكونات إلكترونية متقدمة لتصنيع أسلحة المستقبل التي ستعتمد بشكل متزايد على الرقائق الإلكترونية، لذا تعتمد واشنطن على سياسات التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع تايوان؛ لتوطين تلك الصناعة داخلها؛ وذلك خشية سيطرة الصين على تلك الصناعة المتقدمة، حال استعادت تايوان بالقوة . و في أغسطس 2022، أصدرت الولايات المتحدة تشريعًا يُسمى( CHIPS and Science Act / قانون الرقائق و العلوم)، الذي أشرنا له في الأبعاد التكنولوجية للصراع، ويسعى القانون إلى زيادة تصنيع رقائق أشباه الموصلات في أمريكا، وتستثمر أكثر من 200 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة في هذه المجالات.[201]
تتمثل أحدث أوجه التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة و جزيرة تايوان في أنه في في يونيو 2023، تقرر أن الولايات المتحدة تفكر في تعزيز ضوابط التصدير، واستهداف الرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي. و من أوجه الدعم العسكري الذي تقدمه إدارة بايدن لتايوان أنه في أوائل مارس 2023، أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة أسلحة جديدة إلى تايوان بقيمة 619 مليون دولار، بما في ذلك صواريخ لأسطولها من طائرات إف-16.[202]
نستنتج مما سبق أن الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” اعتمد، منذ توليه منصب الرئاسة في عام 2021 في الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان، على الأدوات الاقتصادية، العسكرية و الدبلوماسية، و قد أولى اهتمامًا كبيرًا بالاستثمار في تايوان و توطين صناعة الرقائق الإلكترونية؛ حتى لا تنفرد بإنتاجها تايوان أو تسيطر الصين على منتجها الرئيسي في العالم.
ختامًا، الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد حل مسألة تايوان وإنما إدارتها فقط، ويمكن الإشارة في ذلك إلى السياسات الأمريكية المتضاربة، فالكونجرس الأمريكي يدعم قادة الانفصال التايوانيين الداعين لإعلان استقلال تايوان ودعمها عسكريًا؛ لكن الولايات المتحدة تسعى لتحسين العلاقات الأمريكية الصينية. كما اتسمت السياسة الخارجية لرؤساء الولايات المتحدة خلال فترة الدراسة “بالغموض الاستراتيجي”، فلم تكن استراتيجياتهم واحدة مع جمهورية الصين الشعبية إزاء قضية تايوان؛ حيثُ نجد أن “جورج بوش الابن” كان يميل لتحسين علاقة بلاده مع جمهورية الصين الشعبية على حساب تايوان معتمدًا على الأداتين الدعائية والعسكرية. أما “أوباما” فقد بلغ من الغموض درجة أعلى من سالفه؛ حيثُ حاول تحسين العلاقات مع الصين ودعم تايوان في ذات الوقت أيضًا باستخدام الأداتين الدعائية والعسكرية. وكان “ترامب” أكثر وضوحًا وحدية فيما يتعلق بالدعم العسكري لتايوان في حال ضم الصين لها بالقوة، وهى نفس الاستراتيجية التي يستكملها خليفته الرئيس الحالي “جو بايدن” الذي أولى اهتمامه الأكبر للأداتين الاقتصادية والعسكرية.
المبحث الثاني: استراتيجيات الصين تجاه تايوان
تمثل تايوان نطاقًا حيويًا للصين؛ لأنها تشكل قاعدة عسكرية محتملة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ضد الصين، كما أن مبدأ “صين واحدة” هو ما يتزعمه رؤساء الصين في استراتيجياتهم تجاه أي أرض انفصلت عنها؛ لكن تايبيه تصر على مبدأ “صين واحدة” و “تايوان واحدة” ـوهو ما ترفض الصين الاعتراف به ـ، وبالرغم من وحدة المبدأ، تنوعت استراتيجيات الرؤساء الصينيين إزاء التعامل مع القضية التايوانية -في ظل التدخل الأمريكي فيما تعتبره الصين “شأن داخلي”-، وعليه سنعرض في هذا المبحث استراتيجيات رؤساء جمهورية الصين الشعبية منذ بداية الألفية الجديدة تجاه التدخل الأمريكي في قضية تايوان، وهم: (جيانج زيمين، هوجينتاو، وشي جين بينغ).
أولًا/ استراتيجية الرئيس”جيانج زيمين” في الفترة (٢٠٠٠ – ٢٠٠٣)
كان الرئيس “جيانج زيمين” هو من يحكم الصين في عام ٢٠٠٠، وقد تولى الحكم منذ عام ١٩٩٣، وتلك الفترة التي تسبق فترة الدراسة لها تأثير واضح على الصراع حول تايوان.
يُمكن اعتبار الرئيس “جيانج زيمين” أنه من قام بتحويل منصب رئيس الدولة من دور شرفي في السابق، إلى دور فاعل وممسك بزمام الأمور وفقًا للمعايير الدولية، و لعل الحادث الأبرز في عهده ما يعرف ب “أزمة مضيق تايوان الثالثة”؛ حيثُ أعلنت الحكومة الصينية بقيادة الرئيس جيانغ زیمین عام 1995 عن استعدادها لإجراء تجارب صاروخية ومناورات عسكرية واسعة بالقرب من مضيق تايوان؛ كردٍ على زيارة “لي تينج هوي” ،رئيس تايوان السابق، للولايات المتحدة الأمريكية وهو ما أدى إلي توتر العلاقات الأمريكية الصينية[203]، فضلًا عن قيامها بسحب سفيرها في الولايات المتحدة، وسحب قائد قواتها الجوية الذي كان في زيارة للولايات المتحدة.[204]
وقد تبين أن التدريبات العسكرية في الفترة 1995-1996 كانت بمثابة سياسة “حافة الهاوية العسكرية”، وقد تم استخدام القوة العسكرية بطريقة مثالية لإظهار تصميم بكين واستعدادها للتصعيد إلى مستويات عالية من العمل العسكري إذا لزم الأمر، وكانت سياسة “حافة الهاوية العسكرية” تهدف إلى استغلال الخوف من الحرب في تايوان من أجل تجنب الحرب مع تايوان.[205] وفي خطاب ألقاه في ٣ مارس عام ۱۹۹٥، أشار الرئيس الصيني “جيانغ زيمين” بصورة جلية إلى أن الصينيين لا يعارضون قيام تايوان بتطوير العلاقات غير الحكومية الاقتصادية والثقافية مع الدول الأجنبية،؛ لكنهم يعارضون الأنشطة التي تضطلع تايوان لتحقيقها فيما أطلقت عليه « توسيع آفاق الوجود الدولي » لخلق وضع دولتين صينيتين : دولة صينية وأخرى تايوانية، وإن القيام بتلك الأنشطة لا يمكن أن يحل المشكلة، بل على العكس يجعل قوة استقلال تایوان تخرب مسيرة التوحيد السلمى[206] .
وتبين من أزمة مضيق تايوان لسنة 1996 أن الصين سعت لتحقيق ثلاثة أهداف من خلال الإدارة السياسية لهذه الأزمة والتي تمثلت فيما يلي[207] :
1- استهدفت الصين التأثير على تفضيلات جمهور الناخبين وتحويل الرأي العام التايواني ضد رئيسه “لي تينج هوي”، فاعتمدت الصين آلية المناورات وتصعيد الحملة الإعلانية من أجل تقويض الثقة الشعبية فيه .
2- تأكيد الصين على أن عملية و هدف توحيد الأمة الصينية هى مسألة محورية.
3- إسقاط أطروحة القيادة التايوانية وطموحاتها في تصعيد الشخصية الدولية لتايوان.
وفي عام 1997 قام الرئيس الصيني جيانغ زيمين بزيارة دولية للولايات المتحدة الأمريكية، و أصدر الجانبان بيانًا صينيًا أمريكيًا مشتركًا تعهدا فيه بتدعيم التعاون والعمل على إقامة شراكة استراتيجية بناءة تتوجه إلى القرن الحادي والعشرين.[208] وقد انتهزت الحكومة الصينية كل فرصة لها لتأكيد موقفها بشأن تايوان، ويدلل على ذلك أنه في إطار الاحتفالات الصينية بعودة “هونغ كونغ”، سنة 1997، إلى السيادة الصينية أكد الرئيس الصيني “جيانغ زيمين” أن “ماكاو” وتايوان ستعودان إلى الوحدة مع الصين، مؤكدًا أن تايوان سيُعاد توحيدها في نهاية الأمر مع الصين؛ حيث تعد الأخيرة نفسها لضم الأراضي التي تعتبرها تاريخيًا أجزاء منها، وهو ما يمهد إلى إعادة توحيد أراضي الصين للوصول إلى المجد الذي كانت تتمتع به في ظل أكبر توسع إقليمي بلغته خلال عهد أسرة “تشينغ”، كما وضحنا سابقًا في النبذة التاريخية.[209]
ويمكن القول أن منذ زيارة الرئيس “جيانغ زيمين” للولايات المتحدة عام ۱۹۹۷، بدأت علاقات العملاقين تتخذ نوعًا من الاستقرار والإيجابية، ولم يتوقف تحسين العلاقات عند الشكل والرمزية فقط، ولكنه تضمن بعض الأمور الجوهرية فعلًا، ومع ذلك تظل طبيعة العلاقات بين الدولتين غير مؤكدة فهى ليست علاقة مواجهة كما يخمن البعض، وليست علاقة تعاونية، ولا هى مشاركة في الاستراتيجية.[210]
وفي عام 1998 بدأ هناك نوع من الانفتاح الدبلوماسي بين الجانبين الأمريكي والصيني حول المسائل المرتبطة بموضوع أمن مضيق تايوان، لاسيما بعد وصول الأمر بينهما إلى حد التأزم عام 1996[211]؛ حيث أكد “كلينتون” علنًا في زيارته الرسمية للصين في نفس العام على ” سياسة اللاءات الثلاث” أي أنه لا دعم من جانب الولايات المتحدة لمبدأ “صين واحدة” و”تايوان واحدة”، أو “صينين”، ولا دعم لـ “استقلال تايوان”[212] ولا دعم لعضوية تايوان في الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية القائمة على الدولة ذات السيادة[213] .
بالرغم من ذلك التحسن الطفيف في العلاقات الأمريكية الصينية عقب زيارة الرئيس الصيني “زيمين” للولايات المتحدة عام 1997، ظلت النظرة الصينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية كما هى؛ أي أنها عدو لابد من الحذر منه، حتى أن الرئيس الصيني نفسه وبعد عامين على تلك الزيارة أكد في خطاب عام 1999 أن الصين ستعارض الهيمنة الأمريكية وستعمل من أجل عالم متعدد الأقطاب وستقف إلى جانب الدول النامية، راسمًا بذلك الأهداف المعلنة للاستراتيجية الصينية في القرن الجديد الذي يطمع أن تكون دولته أحد أقطابه الرئيسيين [214].
اقترح “زيمين” مبدًأ توجيهيًا ردًا على فوز “تشين شوي بيان” في الانتخابات الرئاسية عام 2000، يهدف من خلاله الجمع بين الضغط العسكري والهجوم السلمي، كذلك جعل التهديد باستخدام القوة العسكرية ذي مصداقية بالمعنى المادي مع تجنب خوض حرب فعلية[215].
ولتنفيذ أهداف سياستها المتمثلة في الانتظار والترقب، عملت بكين في ظل إدارة زيمين على استخدام الضغط والهجوم من كل الجبهات لتهميش إدارة تشين، وإرغام الحزب التقدمي الديمقراطي على التنازل و قبول مبدأ “صين واحدة” الذي تتبناه بكين، و استخدام استراتيجية “الجبهة المتحدة”؛ لجذب ما يُسمى بالقوى المناهضة لاستقلال تايوان، بما في ذلك المشاركة والحوار مع سياسي المعارضة التايوانية في حزب الكومينتانج، وحزب الشعب التقدمي، والحزب الوطني، فضلًا عن بذل كل ما هو ممكن للفوز بالمعركة من أجل كسب قلوب وعقول الشعب التايواني و تقديم تفسير أكثر مرونة لمبدأ “الصين الواحدة”، واستخدام الأوراق الاقتصادية[216] .
و يمكن القول أن عام 2001 قد شهد تحولًا في العلاقات الأمريكية الصينية، لاسيما عقب اندلاع أحداث 11سبتمبر؛ حيث أرسل الرئيس “جيانغ زيمين” برقية إلى الرئيس “بوش” يُعلن فيها معارضة الصين للإرهاب ودعمه للحملة الأمريكية ضد القاعدة و هو ما عرضناه في الحديث عن استراتيجيات الرئيس “جورج بوش الابن”[217] .
إن الطريقة التي تتبعها الصين في تناول قضية تايوان تكشف عن مستوى عالٍ من الإدراك و الثقة في النفس، فمنذ فترة التسعينات حتى بداية الألفينات، باتت السياسات التي تحكم العلاقات المتبادلة يشوبها القلق والتوتر، وترجع تلك المخاوف إلى إمكانية تسلل الفكر الاستقلالي إلى تايوان، لذلك شرعت الصين في استخدام الأسلوب الجبري المكثف في مواجهة هذا الفكر الذي يعيق الجهود الصينية لتوحيد البلاد؛ و لذلك رفضت الصين أي توطيد للروابط العسكرية الأمريكية مع تايوان[218] .
ثانيًا/ استراتيجية الرئيس “هو جينتاو” في الفترة(٢٠٠٣ – ٢٠١٣)
تولى “هو جينتاو”منصب رئيس جمهورية الصين الشعبية في الفترة م 2003 :2013، خلفًا ل”جيانغ زيمين”، ويمكن القول أيضًا بأن فترة حكمه هى امتداد لسياسات المرحلة السابقة عليها، وأن نظام دورات الحكم المتعارف عليه فى الصين منذ سياسة الانفتاح هو أن تلي كل قيادة سالفتها، وتضع بصمتها الفكرية والأيديولوجية للفكر الصينى فى الداخل وملامح سياستها الخارجية فى دوائرها المختلفة.[219]
ولعل من أبرز ملامح السياسة الخارجية الصينية فى عهد “هوجينتاو” الانخراط في الأحداث الدولية بشكل متنامٍ، وتنامي النعرة البراجماتية كإحدى الخصائص المميزة للسياسة الخارجية الصينية، و مراعاة التدرج فى استخدام القوة[220]؛ حيثً يغلب على سياسته الخارجية سمة التعاون لا العدوان، وكان يضع في أولويته الأداة الدبلوماسية السلمية و يستبعد العسكرية.[221]
أثناء إدارة “هوجينتاو” تبنت الصين مبدأ السياسة الخارجية “شاملة الاتجاهات” التي لا تفرق نظريًا بين المناطق الجغرافية أو البلدان، وترى أن “القوى العظمى هى المفتاح، ومحيط الصين هو الأولوية، والبلدان النامية هى الأساس، والمنصات متعددة الأطراف هى المسرح”. وتقسيم “المفتاح، والأولية، والقاعدة” لا يعني بالضرورة -وفق منطق صناع القرار في الصين- الأهمية والاستمرارية؛ لكنه يعكس ترتيبًا معينًا في سُلم أولويات صناع السياسات.[222]
في 29 أبريل 2005، عُقد اجتماع تاريخي بين “هوجينتاو” ورئيس حزب الكومينتانج “لين تشان” في دار الضيافة الدولي “دياويوتاي” في الصين وكان الاجتماع مهمًا؛ لأنه كان بمثابة الحدث الرئيسي الأول بين زعماء العدوين اللدودين السابقين منذ أكثر من ستة عقود، وهدف اللقاء لمباحثات السلام والتعاون المشترك عبر المضيق.[223]
وفي نهاية عام 2006م قام الرئيس الصيني “هوجينتاو” بأول زيارة له إلى الولايات المتحدة الأمريكية أكد فيها على التزام بلاده بحل مسألة تايوان بالطرق السلمية.[224] وفي زاوية أخرى تبين للقادة التايوانيين بأن موضوع الاستفتاء الذي طرح للنقاش عام 2007 م على الشعب التايواني لبيان رأيه حول مسألة الاستقلال، وإعلان الانفصال، لن يلقى الدعم الأمريكي المطلوب، فقد ساند الموقف الأمريكي الحازم تحت قيادة “جورج بوش الابن” الموقف الصيني الرافض للخطوات التايوانية، إذ عارض “توماس كريستينسين”- نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق آسيا آنذاك- باسم الحكومة الأمريكية الخطة التايوانية نحو الاستفتاء، أو سعي تايوان الحصول على عضوية الأمم المتحدة، مما أدى إلى تنامي علاقات التقارب الأمريكي الصيني على حساب العلاقة مع تايوان.[225]
ويبدو أن السنوات التي سبقت عام 2008 كانت من الممكن أن تكون الفترة الأكثر خطورة التي واجهها قادة الصين الحاليين حتى تلك اللحظة، حيثُ الانتخابات الرئاسية في تايوان والولايات المتحدة، و دورة الألعاب الأوليمبية في بكين و الأزمة المالية العالمية.[226] ونتيجة لتلك الاستراتيجية الأمريكية التي اتبعتها إدارة الرئيس “بوش الابن” في التعامل مع الأزمة التايوانية بالدرجة التي توافق السياسة الصينية عليها، ولد ذلك مزيدًا من الضغوط على قادة تايوان المحافظين؛ الأمر الذي أدى إلى خسارتهم الانتخابات الرئاسية عام 2008؛ حيثُ فازت المعارضة بانتخابات الرئاسة وفشل الحزب الحاكم في المحافظة على ذلك المنصب الذي احتفظ به منذ تأسيس الدولة، وفاز مرشح المعارضة “ما ينغ جيو” برئاسة تايوان، وهو من اليساريين المؤيدين للتقارب مع حكومة بكين، وتسوية الخلافات معها، كما أشرنا سابقًا.[227]
أكسبت هذه الأحداث “هوجينتاو” سمعة جيدة باعتباره الزعيم الصيني الذي نجح في إنقاذ العلاقات عبر المضيق من الانهيار والتحفيز على عملية التطبيع.[228] فيعتبر أنه انتهك مبدأ “الصين الواحدة” الذي نادت به الصين منذ رغبتها باستعادة تايوان لها؛ لكنه أيضًا أخذ يصرح بذلك أمام النسق الدولي.[229]
وبعد الأزمة المالية عام 2008، التي كشفت عن الصعود الصيني أمام التخبط الأمريكي، سعت الصين لتوسيع دوائر حلفائها، واختارت سياسة “لا مشكلات zero problem” كمنهج لسياستها لخارجية تحت إدارة “هوجينتاو” الذي يرفض الخطاب الاستعماري ويدعو إلى التضامن التاريخي والشراكة الاقتصادية.[230]
لقد بذل “هو جينتاو” جهودًا متعمدة لجذب شعب تايوان، ورغم أن سياسات بكين تظل ذات جانبين ــ فكل من نهجي “الجزرة” و”العصا” يظل عنصرًا أساسيًا في مزيج سياسات هجينتاو؛ فقد أظهر قدرًا متزايدًا من البراغماتية كما أشرنا سابقًا.[231]
في عشية عام 2009، ألقى رئيس جمهورية الصين الشعبية والأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني “هوجينتاو” خطابًا ختاميًا بمناسبة الذكرى الثلاثين بعنوان “الرسالة إلى المواطنين في تايوان”، أشار فيها إلى ست نقاط لتحسين العلاقات الدبلوماسية و الاقتصادية عبر المضيق، ألا و هى[232]:
1) الالتزام الصارم بمبدأ “صين واحدة”.
2) تعزيز العلاقات التجارية، بما في ذلك التفاوض على اتفاقية تعاون اقتصادي.
3) تعزيز التبادلات بين الأفراد.
4) التأكيد على الروابط الثقافية المشتركة بين الجانبين.
5) السماح بمشاركة تايوان “المعقولة” في المنظمات العالمية.
6) التفاوض على اتفاقية سلام.
عقد “هوجينتاو” و”لين تشان”، رئيس وزراء تايوان الأسبق، اجتماعًا في سنغافورة في منتصف نوفمبر 2009، في قمة “أبيك”؛ حيثُ تم التأكيد على تعزيز التبادل التجاري من أجل تطوير العلاقات الثنائية.[233] واستمر الوضع كذلك في استخدام الأداة الاقتصادية لعقد الاتفاقات السلمية بين جمهوريتي الصين الوطنية والصين الشعبية في العام التالي.
كان عام 2011 عام توتر سياسي شديد؛ حيثُ تنافس حزبي الكومينتانج والديمقراطي التقدمي في جذب أصوات الناخبين في تايوان. ومن الجدير بالذكر أن بعضًا من الشعب التايواني لم يقرر بعد موقفه من أي الحزبين سيختار وذلك لعدم تحديدهم أيهما الأفضل: التقرب من الصين -انتخاب حزب الكومينتانج-، أم السعي نحو الاستقلال – واتباع الحزب الديقراطي التقدمي-.[234] و كانت نقطة التحول عندما تم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تايوان في 14 يناير 2012، و التي أنتهت بحصول حزب الكومينتانج على نسبة 51.60% من إجمالي أصوات الناخبين وحصول حزب الديمقراطي التقدمي على عدد من الأصوات أقل مما حصل عليها في عام 2008 بنسبة 45.63% ، مما عمل على تطور العلاقات الصينية التايوانية وإلى مزيد من الشراكات الاقتصادية والتجارية عبر المضيق.[235]
نستنتج مما سبق أن “هوجينتاو” استبعد من سياسيته تجاه تايوان الأداة العسكرية، ورجح تعزيز الأداتين الدبلوماسية والاقتصادية بشكل خاص، ونجح بالفعل في تعزيز التعاون بينهما؛ حيثُ تم عقد 9 معاهدات في شهر مايو عام 2008[236]. واستطاع أن يُعلي مبدأ ”إعادة التوحيد بالوسائل السلمية وبلد واحد بنظامين “.[237] والخلاصة بالنسبة له هو عدم السماح لتايوان بالانفصال تحت قيادته وعدم خسارتها أبدًا.[238]
ثالثًا/ استراتيجية الرئيس” شي جين بينغ” تجاه تايوان في الفترة (2013 – ٢٠٢٣)
تبنت بكين العديد من الاستراتيجيات تجاه تايوان في عهد) شي جين بينغ-Xi Jinping)؛ حيثُ استخدمت استراتيجيات عسكرية، واقتصادية، وسياسية وتكنولوجية.[239] انتقلت السلطة من «هوجنتاو» إلى «شي جين بينغ» في نوفمبر2012 وقامت سياسته على مبدأ أساسي هو أن “تايوان جزء لا يتجزأ من الصين”، ويجب إعادة التوحيد.[240]
ونجحت بكين لأول مرة في إطلاق الدرونز عام 2013- كما أشرنا إليها سابقًا في الأبعاد العسكرية-.[241] وفي نفس العام التقى الرئيس الصيني «شي جين بينغ» مع نظيره الأمريكي «باراك أوباما» في الفترة من 6-8 يونيو في “كاليفورنيا”، واعتبر البعض أن هذه القمة أهم اجتماع من نوعه منذ 40 عامًا -كما ذكرنا في الحديث عن فترة حكم “أوباما”-، ولقد اختلف القادة حول التجسس السيبراني، والأسلحة الأمريكية المباعة إلى تايوان بالرغم من اتفاقهم حول مكافحة تغير المناخ، وتقليص البرنامج النووي لكوريا الشمالية.[242]
ويُعد الرئيس «شي جين بينغ» أول رئيس صيني أشار إلى قوة الصين الدولية، وإلى ضرورة معاملة بكين كقوى دولية عظمى، وليس نامية كما فعل سابقوه، وذلك عام 2013 أمام رئيس أكبر دولة في العالم.[243] وتمكنت بكين من الحصول على تأييد الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» لمبدأ «الصين الواحدة» في عام 2014. وأيضًا تحسنت العلاقات بين القيادات العسكرية لواشنطن وبكين في نفس العام،[244] ونجحت بكين في زيادة الميزانية العسكرية الصينية إلى 129,4 مليار دولار -كما ذكرنا سابقًا في الأبعاد-؛ واحتلت الصين بذلك المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث إجمالي الإنفاق العسكري.[245]
كما اجتمع الرئيس الصيني «شي جين بينغ» مع نظيره التايواني «ما ينغ جيو» في سنغافورة عام 2015، وأكد الرئيسان على الترابط الوثيق بين البلدين، وأكدوا على ضرورة التعاون؛ لتجديد شباب الأمة الصينية، وتحقيق السلام عبر مضيق تايوان لصالح الأجيال المستقبلية.[246] و زادت بكين من الإنفاق التكنولوجي إلى15 مليار دولار في عام2016 بعد أن كان 9,9مليار دولار في عام 2015، وفي مايو2016 أعلنت بكين عن «استراتيجية صنع في الصين2025» في شهر مايو؛ وذلك للتخلص من التبعية التكنولوجية الغربية -كما أشرنا لذلك سابقًا في الأبعاد التكنولوجية للصراع-.[247] ولقد سجل الاقتصاد الصيني نموًا بنسبة 6,9% على أساس سنوي،[248] ويجب الإشارة إلى أن رئيس تايوان السابق «ما ينج جيو» قد اعترف بتوافق 1992؛ لكنه أصر على تفسير تايوان لما تعنيه عبارة «الصين الواحدة».[249]
توترت العلاقات الصينية التايوانية منذ أن تولت «تساي إنغ وين» من الحزب التقدمي الديمقراطي رئاسة تايبيه في عام 2016، وهى ترفض مبدأ الرئيس «شي جين بينغ» “دولة واحدة ونظامان”، وحاولت «تساي» عدم استثارة غضب بكين من خلال تجنب الإعلان علنًا عن استقلال تايوان، ولقد اتفقت «تساي إنغ وين» مع نظيرها الصيني «شي جين بينغ» على اعتراف الجانبين بالعمل بشكل مشترك لتجنب الخلافات، والبحث عن أرضية مشتركة، كما رفضت «تساي إنغ وين» مبدأ “الصين الواحدة”؛ مما دفع بكين إلى خفض أعداد السائحين الصينين في تايوان إلى النصف تقريبًا؛[250] حيثُ تم خفضها على ثلاث مراحل في عام 2016، فبلغ إجمالي عدد السائحين الصينين إلى تايوان 2 مليون بعد أن كان 4,1 مليون في العام السابق.[251]
استطاعت بكين خلال عهد «شي جين بينغ» تدويل عملتها المحلية بمعنى أن “اليوان الصيني” أصبح عملة دولية صالحة لتسوية المعاملات الدولية في سبتمبر 2016، كما امتلكت الصين حوالي 2942 طائرة حربية وفقًا لإحصاءات 2016.[252]
وأكد الرئيس «شي جين بينغ» في خطابه في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني التاسع عشر في أكتوبر 2017 على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وقد ذُكر في هذا الخطاب «إعادة التوحيد» ثلاث مرات فقط، وربط اثنين منهما بمصطلح سلمي،[253] وقد تم زيادة ميزانية الجيش الصيني بحوالي 7% في نفس العام لتصل الميزانية العسكرية لبكين 945 مليار يوان.[254]
سجل معدل نمو الاقتصاد الصيني 9,5% في عام 2017، وذلك وفقًا لإحصاءات البنك الدولي، كما تمكنت الصين من تصنيع صواريخ جوجو من طراز««Pl-15 القادر على نقل المعركة إلى ساحة الفضاء،[255] ولقد أكد الرئيس الصيني في عام 2019 على موقف الصين الثابت تجاه تايوان، والذى يتمثل في رفض استقلال تايبيه، والسعي نحو توحيدها مع بكين في إطار «دولة واحدة ونظامين» على نحو «هونج كونج» ولقد رفض قادة تايبيه ذلك؛ لأن بكين فرضت قيود صارمة على «هونج كونج»؛ مما أدى إلى تقليل الديمقراطية، والحكم الذاتي فيها، كما يجب الإشارة إلى تأكيد الرئيس «بينغ» الدائم على استعداد بكين لاستخدام كافة الوسائل السلمية والعسكرية؛ من أجل إعادة التوحيد.[256]
استخدم الرئيس الصيني «شي» كلمة «التوحيد» 46 مرة؛ لكنه أدرج كلمة «سلمية» 18 مرة فقط وذلك في خطاباته عام 2017؛[257]ونستنتج من ذلك أن فرص إعادة التوحيد بالطرق السلمية في عهد الرئيس «شي» قد تضاءلت، وعلى الجانب الآخر زادت فرص إعادة التوحيد بالوسائل العسكرية. وفي عام 2020 أكدت بكين على أن «إعادة التوحيد» أمر محتوم، وأنها لن تتهاون أبدًا في استقلال تايبيه بعد أن أعربت رئيسة تايوان «تساي إنغ وين» خلال أدائها اليمين الدستوري لعهدة ثانية في العشرين من مايو عن رفضها أن تكون بلادها جزءًا من بكين بموجب عرض «دولة واحدة ونظامان»؛[258] لذلك قطعت بكين جميع الاتصالات الرسمية مع تايبيه بعد شهر واحد فقط من تولي «تساي انغ وين» منصبها.[259]
كما قامت الصين بتدريبات بحرية تاريخية في 2020، وقد أطلق عليها «مناورات البحار الأربعة»، ولقد زادت بكين من إرسال الطائرات المقاتلة، والقاذفات ذات القدرات النووية لاختراق الأجواء التايوانية منذ دخول «بايدن» البيت الأبيض في عام 2021. وخلال المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني في أوائل مارس 2021 عاد «شي جين بينغ» وأكد على نفس مبدأه، كما أكد أيضًا على هذا المبدأ رئيس مجلس الدولة الصيني «لي كه تشيانغ»، بالإضافة إلى ذلك ذكر أن توحيد الصين عملية تاريخية لا يمكن وقفها، ومبدأ الصين الواحدة خط أحمر لا يمكن تجاوزه وردت إدارة بايدن على ذلك بأن دعمها لاستقلال تايبيه ثابت كالصخر.[260]
قامت الصين بإرسال العديد من الطائرات العسكرية بالقرب من تايبيه في سبتمبر2020؛ بسبب قيام الولايات المتحدة الأمريكية ببيع أسلحة متطورة لتايوان -كما أشرنا إلى ذلك سابقًا في الأبعاد-،[261] وخلال الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني أكد الرئيس «شي جين بينغ» على أن نهضة بلاده عسكريًا واقتصاديًا لا رجعه فيها.[262] ولقد قامت بكين خلال عام 2021 بأكبر توغل لطائرات عسكرية، وقاذفات صينية بما فيها قاذفات «إتش-6» التي تعد من ضمن منظومة الردع النووي الصينية في منطقة الدفاع الجوي التابع لتايبيه؛ حيث بلغت نسبة العمليات التي نفذتها بكين خلال ذلك العام أكثر من 500 عملية من هذا النوع.[263] ولقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في إبريل 2022 على أن الصين لا يمكن أن تغزو تايوان على غرار العزو الروسي لأوكرانيا؛ لأن تايبيه جزء لا يتجزأ من بكين.[264]
كما حذر الرئيس الصيني «شي جين بينغ» نظيره الأمريكي «بايدن» في مكالمة هاتفية من إتمام زيارة «نانسي بيلوسي» إلى تايبيه الذي يعد بمثابة اللعب بالنار، وبالرغم من تحذيرات بكين زارت «بيلوسي» تايبيه في 1 أغسطس 2022؛ مما أثار غصب بكين وقامت بإطلاق صواريخ باليستية، وقامت بمناورات عسكرية على بعد 20 كيلو متر فقط من ساحل تايوان، وفرضت عقوبات تجارية على تايبيه كما فرضت عقوبات غير محددة على «نانسي بيلوسي» كما أشارنا إلى ذلك سابقًا في الحديث عن الأبعاد العسكرية.[265]
و أعاد «شي جين بينغ»، خلال خطابه بمناسبة العام الجديد في 31 ديسمبر 2023 على حتمية إعادة تايبيه إلى بكين.[266] و يجب الإشارة إلى أن الرئيس «شي جين بينغ» ينتمي إلى الجيل الخامس (Fifth generation) وأطلق بعض المنظرين على فترة حكمه «فتره الفرصة الاستراتيجية».[267] مما سبق نستنج تزايد اهتمام وإصرار الرئيس «شي جين بينغ» على إعادة توحيد الصين وتايوان، وأيضًا تزايد فرص لجوئه إلى استخدام القوة العسكرية على خلاف سابقيه.
وختامًا لما عرضناه في هذا المبحث، نستنتج أن تايوان تقع على رأس أولويات السياسة الخارجية الصينية، وظهر هذا الأمر بوضوح في سياسة رؤساء الصين خلال فترة الدراسة؛ حيث سعى كلٌ منهم لتحقيق وحدة الصين باستعادة تايوان، وتراوحت تلك السياسات بين السلمية، والعسكرية، فقد جمع الرئيس «جيانج زيمين» بين كلٍ من الأداتين، على خلاف الرئيس «هوجينتاو» الذي اقتصر على استخدام السلمية فقط، أما الرئيس الحالي «شي جين بينغ» جمع بين الأداتين، ولكنه أكثر من استخدام القوة العسكرية على خلاف سابقيه.
المبحث الثالث: السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان
في ظل تصاعد التوترات بين الصين وتايوان، وامتلاك بكين المئات من الأسلحة النووية، والمعدات العسكرية؛ مما يتيح لها بسهولة فرصة التهديد بالسلاح النووي سواء في مواجهة الحكومة التايوانية، أو في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى حلفاء الولايات المتحدة في جنوب وشرق آسيا؛ وبناءًا عليه يناقش هذا المبحث السيناريوهات المستقبلية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان، ويمكن توقع ثلاثة سيناريوهات رئيسية، وهى:
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن والبقاء عليه.
السيناريو الثاني: اندماج تايوان مع الصين.
السيناريو الثالث: انفصال تايوان واستقلالها.
وفيما يلي عرض لكل سيناريو، وما يرتبط به من مؤشرات.
أولًا/ استمرار الوضع الراهن والإبقاء عليه
ينطلق هذا السيناريو من فرضية مفادها استمرار الحال على ما هو عليه بين الصين وتايوان، إذ يتمسك كلا الطرفين بالمساعي السلمية لحل القضية دون أي تدخل خارجي، وبالتالي فإن هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا، ومن المؤشرات المهمة ذات الدلالة على استمرار الوضع الراهن هى[268] :
أن الصين غير مؤهلة حاليًا لضم تايوان إليها؛ بسبب المشاكل الداخلية التي تواجهها لاسيما الحركات الانفصالية في إقليمي “التبت” و “شينجيانغ”، بالإضافة إلي الدعم الأمريكي لتايوان سياسيًا وعسكريًا، إذ أعطت الولايات المتحدة الحق لنفسها في الدفاع عن تايوان في حالة استخدام الصين القوة ضد الأخيرة؛ استنادًا إلى قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979[269]، وهو ما أعلنه الرئيس الأمريكي “جو بايدن” خلال جولته الآسيوية العام الماضي، والتي صرح فيها بوضوح بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان عسكريًا في حالة استخدام الصين القوة ضد تایوان[270]؛ لذلك تخشى الصين حدوث صدام مباشر مع الولايات المتحدة في حال حاولت ضم تايوان بالقوة، فضلًا عن خشية تايوان من فقدان المكتسبات بسبب الاستقلال، ومن أبرزها الحماية الأمريكية والمستويات المتقدمة التي حققتها في المجال الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي[271].
كما أن محاولة تايوان للاستقلال ستدفع بالولايات المتحدة إلى ترك تايوان لمواجهة قضاياها الأمنية بمفردها، فضلًا عن مواجهة هجوم صيني مؤكد، أما إذا قامت الولايات المتحدة بتقديم ضمانات غير مشروطة لتايوان لاحتواء أي اعتداء صيني؛ فإنه سيشجع تايوان على الانفصال، مما يدفع الصين إلى خلق فكر متطرف ومن ثم تعريض منطقة آسيا الباسيفيك إلى الخطر[272].
ثانيًا/ غزو الصين لتايوان
ينطلق هذا السيناريو من منطلق أن مسألة إعادة تايوان إلى الصين تُعد من أهم الأهداف الاستراتيجية الصينية؛ حيث تمثل هذه الخطوة بالنسبة للصين عامل قوة من شأنه تعزيز مكانتها الإقليمية في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، إلا أن الجهود الصينية الرامية إلي اندماج تايوان مع الصين يقابلها موقف تايواني رافض لهذه الفكرة. فضلًا عن موقف واشنطن، الذي يرفض أيضًا عودة تايوان إلى الصين بهدف إضعاف دور الصين في المنطقة، وضمان التواجد الأمريكي في جزيرة تايوان، التي تشغل موقعًا جيواستراتيجيًا مهمًا يطل على بحر الصين الجنوبي ويربطه مع بحر الصين الشرقي.
ومن المؤشرات التي تؤكد عدم احتمالية تحقيق هذا السيناريو في الفترة الراهنة هو تطور العلاقات الأمريكية الصينية؛ مما دفع بالصين إلى التراجع عن الدعوة في استخدام الأسلوب العسكري لحسم الوضع القائم في تايوان وترجيح الأسلوب الدبلوماسي، لذا فالصين لن تغامر على المدى المنظور باستخدام القوة لضم تايوان إليها؛ كونها تخشى من احتمالية فشلها في هذا المسعى -رغم قدراتها العسكرية المتطورة- في حال تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني تقييد هدف الصين واحتوائها، وتعريض هيبتها العسكرية للضعف والانكسار[273] .
والجدير بالذكر أن تايوان قد عرضت صيغًا أخرى للاقتراح الصيني الخاص بمبدأ “دولة واحدة ونظامين” في محاولة منها لتعزيز موقفها التفاوضي بشأن الوحدة وهى كما يأتي[274]:
- دولة واحدة ذات نظامين: ينطلق هذا المفهوم من المبادئ الأساسية لحزب الكومينتانج وتركز على التوحيد أولًا.
- نظامان وبلد واحد: إذ تركز هذه الصيغة على استمرار الوضع السياسي والاقتصادي كما هو عليه حتي يحين الوقت المناسب للوحدة مع الصين.
- بلدان ونظامان: إذ ترى تايوان ضرورة التأني لمدة لحين حدوث تقارب في المستوى المعيشي والدخل والنمو الاقتصادي بين تايوان والصين حتي يصبح الوضع ملائمًا للوحدة.
- بلد واحد ومقعدان: وتهدف تايوان من هذا المقترح إلى استعادة عضويتها في الأمم المتحدة ووكالاتها.
- الاندماج الثقافي: حيث تستهدف منه تحقيق تقارب ثقافي بين تايوان والصين قبل النظر في تحقيق الوحدة؛ حيث ترى أن الأيديولوجية التي تتبناها الصين تختلف عن أيديولوجية تايوان.
- بلد واحد وحكومتان: إذ تدعو تايوان إلى إتباع سياسة الحكم التي كانت سائدة في الصين إبان فترة مقاومة الاحتلال الياباني (1937-1945).
- دولة واحدة ذات منطقتين: ويتم ذلك من خلال إنشاء اتحاد كونفدرالي، إلا أن الصين رفضت ذلك المبدأ لكونه يسلم باستقلال تايوان.
ويمكن القول أن عزم الصين التفكير على ضم تايوان قد يكون بإحدى الطريقتين: إما الحصار التقليدي والهجوم البرمائي، أو الاعتماد على هجمات طائرات الهليكوبتر والعمليات الخاصة. كما قد تقوم الصين بضم حدود تايوان، وذلك من خلال ضم جزيرة أو أخرى من الجزر البحرية التي تسيطر عليها تايوان، لاسيما جزيرة “براتاس”؛ حيث يبدو أنها الأكثر إغراء لبكين إذا كانت بلا دفاع، وربما لاحظت تايوان ذلك ولذلك شرعت في الدفاع عنها الآن.[275]
أخيرًا قد تقوم الصين بوضع تايوان تحت الحجر الجوي والبحري للصين، و ذلك من خلال سيطرة الحكومة الصينية على الحدود الجوية والبحرية لتايوان، ويمكن للحكومة الصينية تقديم نوعين من الحجج للدفاع عن مثل هذا الحجر: الأولى هى أن تؤكد سيطرة الصين السيادية على تايوان بالنظر إلى أن الكثير من دول العالم قد اعترفت بوجود صين واحدة، والحجة الثانية هى أن تدعي أنها اضطرت للرد على ما تفعله واشنطن و تايبيه الآن؛ حيث أعلنت تايوان والولايات المتحدة الأمريكية عن مبادرات دفاعية مختلفة ومبيعات أسلحة.[276]
ثالثًا/ انفصال تايوان وإعلان استقلالها
يمكن النظر إلى هذا السيناريو باعتباره الأسوأ لحل القضية التايوانية، إذ أن ردة الفعل الصيني المتوقعة هى استخدام القوة العسكرية لمنع تايوان من إعلان استقلالها، وبالتالي احتمالية حدوث صدام مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية لاعتبارات جيوبوليتيكية، وهو ما تتجنبه الصين. وبالمقابل فإن تايوان تخشى هذا السيناريو أيضًا؛ لأنه سيؤدي إلى فقدان المكتسبات التي حققتها تايوان ومنها التقدم الاقتصادي والحماية الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية لها، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتمثل في التفوق العسكري الصيني مقارنة بالقدرات العسكرية التايوانية؛ حيث نجد أن كفة المعادلة تميل إلى تفوق الصين، إذ تمتلك الصين قدرات عسكرية متطورة وأسلحة استراتيجية وإمكانات مالية ضخمة، فضلًا عن التفاوت بين الطرفين في النواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحجم المساحة وعدد السكان.[277]
لذلك في حالة احتمالية حدوث هذا السيناريو و تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لدعم تايوان، فإن احتمالية استخدام الأسلحة النووية ستكون واقعًا لحسم الأمر، ومن ثم تمتد إلى حرب أوسع مع الولايات المتحدة الأمريكية لتشمل حلفاء الطرفين في المنطقة، و هو ما قد يترتب عليه دخول القضية إلى مرحلة حرب باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، على غرار فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي.[278]
و علي الرغم أن احتمالات لجوء الصين للعمل العسكري لاستعادة تايوان أصبحت أقرب مما مضى، لاسيما في ظل استمرار الدعم العسكري الأمريكي لتايبيه في مواجهة بكين[279]، فضلًا عن تنافس واشنطن و بكين على طبيعة الأسس التي ينبغي أن تحكم النظام الدولي الجديد، إلا أنه من المستبعد أن يتجه البلدان إلى مواجهة مكلفة، فمن ناحية ثمة ترابط وثيق بين الاقتصادين العملاقين عالميًا، كما أن أي اهتزاز في أحدهما سيكون له تداعيات على الآخر.[280]
يقوم مدخل القرار الرشيد علي افتراض قوامه: أن الفاعل في عملية صنع القرار يختار البديل الأقل تكلفة و الأكبر منفعة متوقعة من بين البدائل المطروحة، و يمكن الارتكاز إلي هذا المدخل في تحليل آلية صنع القرار الخارجي الصيني، ولكن يصعب استخدام هذا المدخل في تفسير عملية صنع القرار الخارجي لكثير من الدول نظرًا لعدم توافر المعلومات الكافية، و يزداد الأمر صعوبة في ظل المجتمع الصيني، إذ أنه في ظل هذا المجتمع ليست هناك حرية للإفصاح عن كافة البيانات و المعلومات المتعلقة بكافة قضايا الصين الخارجية[281] .
ويمكن القول أن بكين تفضل الحفاظ على الوضع الراهن مع الضغط في اتجاه التلويح بالورقة العسكرية ضد تايوان لتحقيق مكاسب دبلوماسية تتيح لها التقدم خطوة للأمام الذي ينتج في النهاية إعادة طرح فكرة الصين الموحدة؛ لكن إذا أعلنت تايوان استقلالها، أو اعترفت الولايات المتحدة بتايوان كدولة ذات سيادة، فإن الصين ستنظر لتايوان على أنها عنصر تهديد مطلق للسيادة والأمن الصينيين، ومن ثم ستضطر للجوء لسيناريو الغزو، واستخدام الورقة العسكرية، وبالتالي تصبح فرص التدخل الأمريكي في الصراع واردة؛[282] إذ أن أي تحرك عسكري صيني ضد تايوان سيضع إدارة “بايدن” أمام خيارين لا ثالث لهما[283]:
الخيار الأول: هو التخلي عن كيان ديمقراطي صديق.
الخيار الثاني: فهو المخاطرة بما يمكن أن يصبح حربًا شاملة حول قضية ليست على لائحة اهتمامات معظم الأمريكيين، وإذا نجحت الصين في السيطرة على تايوان باستخدام القوة، فربما يكون ذلك بداية الانهيار للأحادية القطبية الأمريكية، أما إذا استطاعت واشنطن قلب الأوضاع في تايوان نحو الاستقلال عن بكين، فسنصبح أمام موجة توجه ديمقراطي سيتردد صداه في كل بقاع العالم.
من الجدير بالذكر أن غزو الصين لتايوان سيكلف الصين خسائر اقتصادية وعسكرية كبيرة، وعقوبات اقتصادية لا يمكن توقعها كما حدث مسبقًا مع روسيا عند ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، وبعد إعلانها عن عملية عسكرية شاملة في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، بيد أن الصين تدرك جيدًا “الفخ الأمريكي” المُعد لها لتوريطها عسكريًا، ثم فرض عقوبات اقتصادية مدمرة عليها، لذا ستدرس بكين خطواتها المقبلة تجاه تايوان بدقة وستستفيد من دروس الأزمة الأوكرانية. كما أن فشل الجيش الروسي المتمرس على القتال في المهمة المباشرة المتمثلة في حسم الصراع في أوكرانيا في وقت قصير، بمثابة تجربة تحذيرية للقيادة الصينية[284]
في سياق الحديث عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عام 2022، لابد من الإشارة إلي إمكانية امتداد عدوى أزمة أوكرانيا إلى تايوان، لاسيما أن التنافس بين الدول الكبرى يعمل على تحويل جميع المشاكل إلى اختبار كبير لمصداقية الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي يؤدي هذا إلى ما يعرف بـ “تأثير الدومينو”؛ حيث يعمل أي إخفاق أمريكي في عرض قدرات قوية إلى إظهار نقاط ضعف في نظر خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك انطوى الانسحاب المتعثر من أفغانستان عام 2021 على انعكاسات على قدرة الولايات المتحدة الأمريكية ومصداقيتها في عدة مناطق في العالم، على غرار أوكرانيا وما صاحب واشنطن من إخفاق في ردع روسيا والذي سينطوي على انعكاسات كبيرة على مصداقية الولايات الأمريكية في تايوان، خاصة وأن التحالفات الأمريكية الباسيفيكية ليست بعمق التزامات حلف الناتو.[285]
وجملة القول في شأن ما تقدم أن استمرار الوضع الراهن والإبقاء عليه هو السيناريو الأكثر ترجيحًا؛ نظرًا لأن أي محاولة لتغيير الوضع الراهن قد تؤدي إلي انجرار واشنطن وبكين في حرب مكلفة اقتصاديًا وعسكريًا للطرفين في ظل امتلاك العملاقين السلاح النووي؛ وبناءًا عليه قد تمتد لحرب واسعة النطاق لتشمل حلفاء الطرفين في المنطقة؛ وهو ما قد يترتب عليه دخول القضية إلى مرحلة حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين تعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
وتكمن أوجه اختلاف بين الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي، والحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين في عدة ملامح أبرزها غياب البُعد الأيديولوجي، والذى تمثل آنذاك في الصراع بين الرأسمالية والشيوعية، إلى جانب غياب شق الأحلاف العسكرية الذى تجسد في حلفي الناتو ووارسو؛ فمن الممكن وصفها بأنها حرب باردة غير معلنة أو تجربة مختلفة ذات أبعاد فريدة.[286]
تعقيب:
استعرض الفصل استراتيجيات كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والصين تجاه تايوان، وباستخدام المنهج المقارن تمت المقارنة بين الأدوات التي لجأ إليها رؤساء كلٍ من الدولتين في فترة الدراسة مع ملاحظة التشابه بين بعضها، وكذلك عرض السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع. وعند الحديث عن استراتيجيات الولايات المتحدة نجد أن إدارة الرئيس “جورج بوش الابن” اتجهت لتوثيق العلاقة مع بكين على حساب تايبيه، خاصةً في ظل الموقف الصيني الداعم لإدارة بوش في حربها على الإرهاب، في حين اتسمت استراتيجية “أوباما” بالتغير تبعًا للعلاقات الأمريكية الصينية، فهى تتراوح ما بين تحسين العلاقات مع الصين، وتقديم الدعم لتايوان، كما أن “دونالد ترامب” لا يستمر وفقًا لسياسة معينة، ويعمل على تعقيد قضية تايوان، ودفع الصين في اتجاهات تتناسب مع استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكي، فهو لا يهتم في آسيا سوى بكوريا الشمالية، والحرب التجارية مع الصين، في حين اعتمد “بايدن” منذ توليه الرئاسة عام 2021 في صراعه مع الصين حول تايوان على الأدوات الاقتصادية، العسكرية، الدبلوماسية، وأولى اهتمامًا كبيرًا للاستثمار في تايوان.
وعلى الصعيد الصيني تكشف سياسة الإدارة الصينية في تناول قضيه تايوان في عهد “جيانج زيمين” عن مستوى عالٍ من الادراك، والثقة بالنفس، وباتت السياسات التي تحكم العلاقات منذ التسعينات حتى بداية الألفينيات يشوبها القلق والتوتر؛ خوفّا من تسلل الفكر الاستقلالي إلى تايوان؛ لذلك شرعت في استخدام الأسلوب الجبري المكثف في مواجهة هذا الفكر، في حين أن “هو جينتاو” غلبت على سياسته الخارجية سمة التعاون لا العدوان، لذلك ابتعد عن الأداة العسكرية، ورجح تعزيز الأداتين الدبلوماسية، والاقتصادية بشكل خاص، مع عدم السماح لتايوان بالانفصال. وقد تنوعت استراتيجيات الصين تجاه تايوان خلال عهد “شي جين بينغ” ما بين سياسية، اقتصادية، عسكرية وتكنولوجية، وقامت استراتيجياته على مبدأ أساس كسابقيه، وهو أن تايوان جزأ لا يتجزأ من الصين، ويجب إعادة التوحيد.
أما عن السيناريوهات المستقبلية للصراع الأمريكي الصيني حول تايوان فقد عرضنا ثلاثة سيناريوهات رئيسية وهى: استمرار الوضع الراهن والإبقاء عليه، غزو الصين لتايوان أو انفصال تايوان واستقلالها. ويُعد السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحًا؛ نظرًا لأن أي محاولة لتغيير الوضع الراهن قد تؤدي إلى انجرار واشنطن وبكين في حرب مكلفة في ظل امتلاك العملاقين للسلاح النووي، وبناءًا عليه قد تمتد لحرب واسعة النطاق لتشمل حلفاء الطرفين في المنطقة؛ وبالتالي قد تدخل القضية إلى مرحلة حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين تعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
خاتمة الدراسة:
استهدفت الدراسة الإجابة عن جملة التساؤلات الرئيسية والفرعية المتعلقة بالصراع الأمريكي الصيني حول تايوان، وفي سبيل ذلك تم تقسيم الدراسة إلى فصلين:
أولًا: موقع تايوان في الصراع الأمريكي الصيني، وقد تناولنا فيه كلًا من الجذور التاريخية للصراع، وأهمية تايوان الاستراتيجية للبلدين وأخيرًا أبعاد هذا الصراع .
ثانيًا: الاستراتيجيات الأمريكية والصينية تجاه تايوان، تطرقنا فيه إلى الاستراتيجيات المتبعة من قبل الدولتين تجاه تايوان، مشيرين ختامًا إلى السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع .
وتم الاعتماد على المنهج الاستقرائي، وأداة المقارنة لتفسير الصراع؛ وبناءًا عليه تطرقت الدراسة لعرض السياسات والاستراتيجيات المتبعة من قبل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية والصين خلال فترة الدراسة.
ووفقًا لما عرضناه، فقد انتهج “جورج بوش الابن” في البداية سياسة صارمة تجاه الصين، ورفع في عهده شعار “الصين منافس استراتيجي”، وكان قد تخلى عن موقف الولايات المتحدة المتعاون مع جمهورية الصين الشعبية ـوالذي كان قد تم تبنيه في عهد “كلينتون”ـ، وأظهرت إدارته الدعم العلني لتايوان. وانتقالًا لاستراتيجية “باراك أوباما” فقد أتسمت بالغموض ما بين تحسين العلاقات مع الصين، وتقديم الدعم إلى تايوان. أما “دونالد ترامب” فكانت سياساته تتسم بالبرود، بالإضافة إلى أنها كانت متقلبة فيما يخص تايوان، فتارةً هو على تقارب مع الصين، وتارةً أخرى يدعم تايوان ويرسل لها الأسلحة. أما الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” اعتمد منذ توليه منصب الرئاسة في عام 2021، في الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان على الأدوات الاقتصادية، والعسكرية والدبلوماسية، وقد أولى اهتمامًا كبيرًا للاستثمار في تايوان، وتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية؛ حتى لا تنفرد تايوان بإنتاجها، أو تسيطر الصين على منتجها الرئيسي في العالم.
أما عن رؤساء الصين، فقد استخدم “جيانج زيمين” القوة العسكرية بطريقة مثالية “حافة الهاوية العسكرية”؛ بهدف استغلال خوف تايوان من الحرب؛ لرغبته هو كذلك في تجنب الحرب معها. ولعل من أبرز ملامح السياسة الخارجية الصينية في عهد “هوجينتاو” الانخراط في الأحداث الدولية بشكل متزايد، وتنامي النعرة البرجماتية كإحدى الخصائص المميزة للسياسة الخارجية الصينية، ومراعاة التدرج في استخدام القوة، فكان يضع في أولوياته الأداة الدبلوماسية السلمية، ويستبعد العسكرية. أيضًا تعددت آليات بكين تجاه تايوان في عهد “شي جين بينغ”؛ حيثُ استخدمت استراتيجيات عسكرية، اقتصادية، سياسية، وتكنولوجية، ويُعد الرئيس “شي جين بينغ” أول رئيس صيني أشار إلى قوة الصين الدولية، وإلى ضرورة معاملة بكين كقوى دولية عظمى، وليس نامية كما فعل سابقوه.
انطلاقًا مما سبق ذكره؛ نستنتج أن هدف الصين يبقى في أن تصبح تايوان في الوقت المناسب جزءًا من الصين وبشكل سلمي إن أمكن، وهو هدف توليه أهمية بالغة من أجل أمنها الوطني وحماية سيادتها الكاملة، لكن الصين لا تستبعد احتمالية اللجوء إلى القوة العسكرية كخيار أخير للمحافظة على سيادتها ووحدة أراضيها، كما أنها تبدي قلقها مما تعتبره تلاعبًا بمبدأ “صين واحدة” وتفريغًا له من مضمونه عبر سلسلة من الإجراءات والتصرفات الأمريكية، خاصةً وأن بعض المسئولين الأمريكيين أشاروا إلى أنهم لن يقفوا صامتين في حال تعرض تايوان لاجتياح صيني.
وتتنوع أبعاد الصراع الأمريكي الصيني حول تايوان بين السياسي، العسكري، الاقتصادي والتكنولوجي بحسب مصالح الدولتين، وتحمل تلك الأبعاد في طياتها اعتبارات المصالح التي تتبدل من حين لآخر، وإرادة كلٌ من الشعب الصيني المتمسك بضم تايوان، والشعب التايواني المتمسك بالاستقلال، والإدارة الأمريكية المستفيدة من الصراع عبر المضيق كما ذكرنا آنفًا.
ومن خلال ما تقدم؛ توصلت الدراسة إلى الاستنتاجات الآتية:
١-إن تايوان تمتلك أهمية استراتيجية من ناحية موقعها الجيوبوليتيكي المهم؛ كونها تمثل حلقة وصل بين بحر الصين الجنوبي والشرقي، كما تمتلك قوة اقتصادية هائلة من خلال صناعتها لأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية؛ مما جعلها مطمعًا للعديد من الدول الإقليمية والدولية.
٢-حقيقة بقاء تايوان خارج السيطرة الصينية، أو استقلالها تعني أنها ستضمن موقعًا مهمًا للولايات المتحدة في المناطق الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي، وستعزز قوتها على حساب القوة الصينية في شرق آسيا والمحيط الهادئ.
٣-العلاقات الأمريكية الصينية لاتزال في اضطراب بين تصاعد الخلافات بين البلدين، وبين التوصل إلى حل لصراعهما حول تايوان، وهذا الاضطراب يحدث باختلاف الإدارات الأمريكية، وسياستها تجاه الصين.
٤-العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تحدد الوضع التايواني، وهذا ما تدركه تايوان بوضوح فهى تعلم جيدًا أن واشنطن تستخدمها في وقت العداء مع الصين، ثم إفلاتها في وقت السلم، وبالتالي تعمل تايوان على بناء قوتها العسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، وتحاول بناء علاقات مع دول أخرى، وحجز مقعد في مجالس المنظمات الدولية؛ لتعزيز موقفها وقوتها في حال هجوم محتمل من الصين على الأراضي التايوانية، وذلك في ظل تجاهل أمريكي.
٥-كانت الاستراتيجية الصينية تجاه تايوان في البداية عسكرية بحتة؛ وذلك بسبب التدخل الأمريكي، والاستراتيجية الأمريكية التي كان يؤيدها الحزب الحاكم في تايوان إبان فترة الحرب الباردة ـ والذي كان يعادي الحزب الشيوعي في الصين ـ؛ مما أدى إلى استمرار حرب خفية من جانب الولايات المتحدة ضد الصين حتى قامت علاقات تعاون بين بكين وواشنطن؛ والتي أدت إلى تغيير في الاستراتيجية الصينية والأمريكية تجاه بعضهما البعض، وتجاه تايوان من ناحية أخرى؛ حيث بدأت واشنطن في إهمال تايوان، وإنهاء علاقات التعاون معها، وبالتزامن تحولت الاستراتيجية الصينية نحو الدبلوماسية، والحوار، والمفاوضات مع تايوان.
٦-يجب دائمًا فصل الخلافات السياسية عن العقوبات الاقتصادية، وخاصةً على التجارة -أي عدم فرض قيود على التجارة والاستثمار-، فعند التهديد بفرض عقوبات اقتصادية، أو سحب استخدام ميزة الدولة الأكثر رعاية فلابد من مراعاة طبيعة الظروف والملابسات عند التهديد، فمثلًا العقوبات الأمريكية التي فرضت على الشركات الصينية، والتعريفات الجمركية على بعض المنتجات الصينية، أدت إلى عقوبات متشابهة من الصين على الشركات الأمريكية، فضلًا عن معاناة واشنطن بسبب الكثير من الخسائر، بالإضافة إلى الآثار السلبية الناتجة عن زيادة التسلح، والإنفاق العسكري.
٧-أهم النتائج كذلك أن القضية التايوانية لن تُحَل إلا بالاتفاق بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ولن ينتهي هذا الصراع إلا إذا تحولت نية الدولتين نحو حله، أي من خلال توقف واشنطن عن دعم تايوان، ومساندتها ضد التهديدات والمناورات الصينية، فضلًا عن سحب القوات الأمريكية من المضيق والأراضي التايوانية، مما يعد نجاح للاستراتيجية الصينية، أو عن طريق تخلي الصين عن تايوان؛ وبالتالي استقلال تايوان عن الأراضي الصينية، وهذا يُعد نجاحًا للاستراتيجية الأمريكية، وهاتان الطريقتان من الصعب تحققهما؛ لأنهما يتعلقان بالهيمنة والنفوذ للدولتين.
٨-بقاء الوضع الراهن كما هو عليه هو السيناريو المستقبلي المتوقع للصراع؛ وذلك لصعوبة التوصل لحل يرضي الطرفين، وكذلك تايوان غير قادرة عسكريًا على تحدي القوة العسكرية الصينية، وأنه في حالة إعلان الأخيرة الحرب لن تتقدم واشنطن وتساعدها؛ وبالتالي فلن تلجأ للخيار العسكري، كذلك من الصعب الدخول في حرب عسكرية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية؛ نظرًا إلى عدم تكافؤ القوة بينهما، وإمكانية تحولها لحرب نووية مدمرة.
والخلاصة هى أن التنافس الأمريكي الصيني حول الهيمنة والزعامة في العالم لن ينتهي، بل يستمر حول العديد من الملفات الشائكة التي ترتبط بمصالحهما الخاصة، والصراع حول جزيرة تايوان يعتبر إحدى التهديدات التي تؤثر على العلاقات الأمريكية الصينية، وبالتالي يجب على الطرفين اتخاذ القرار الرشيد وعدم التسرع في الانجرار نحو حربٍ قد تتحول إلى كارثة نووية تهدد سلام واستقرار النسق الدولي بأكمله.
قائمة المراجع:
أولًا/ المراجع باللغة العربية:
- الكتب:
- تشنج، ليو شيه، و دونج، لي شي، الصين و الولايات المتحدة الأمريكية خصمان أم شريكان، ترجمة: عبد العزيز حمدي عبد العزيز، ( المشروع القومي للترجمة، الطبعة1، العدد 478، 2003).
- الجحيشي، فراس محمد أحمد، التوازنات الاستراتيجية الجديدة في ضوء بيئة أمنية متغيرة (عمان: الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2015).
- الجنابي، صباح جاسم محمد، أثر المتغير الجيوبولتيكي في السياسة الخارجية الصينية تجاه تايوان، (العراق: المركز العربي الديمقراطي، 2021).
- جيا، تشانغ باي، التجربة الصينية: الماضي والحاضر والمستقبل، ترجمة: مريم محسن، (المركز العربي للنشر والتوزيع: 2017).
- حرزلي، أميرة أحمد، “مبادرة الحزام و الطريق الصينية: الخلفية-الأهداف-المكاسب”، في مجموعة مؤلفين: مبادرة الحزام والطريق الصينية: مشروع القرن الاقتصادي في العالم، (ألمانيا: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2019).
- حسين، هادي محمد، التنافس الامريكي الصيني في القارة الافريقية بعد الحرب الباردة 2010-1991، (الأردن، زهران للنشر والتوزيع، 2015).
- حيماد، سيدي محمد، “السياسة الخارجية الصينية: محاولة في الفهم”، مجموعة من المؤلفين لكتاب: السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، (ألمانيا، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ۲۰۱۸).
- دندن، عبد القادر، الصعود الصيني والتحدي الطاقوي ” الأبعاد والانعكاسات الإقليمية”، (الأردن: مركز الكتاب الأكاديمي للنشر، ۲۰۱٦).
- الرفاعي، منتصر عمران ناجي، تأثير الصعود الصيني في مستقبل الهيمنة الأمريكية في القارة الأسيوية، (لبنان: بيسان للنشر والتوزيع، 2017).
- شلبي، أمين، من الحرب الباردة إلى البحث عن نظام دولي جديد، (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، ١٩٩٥).
- طارق، عزيز، استراتيجية الولايات المتحدة في آسيا في ظل النهوض الصيني، (قطر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة، ۲۰۱۷).
- عبد الحي، وليد سليم، المكانة المستقبلية للصين في النظام الدولي 2010-1978، )أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2010).
- عبدالله، أحمد عبدالجبار الصين والتوازن الاستراتيجي العالمي بعد عام ٢٠٠١ وآفاق المستقبل، (لبنان، بيروت: الدار العربي للعلوم ناشرون، ٢٠١٥).
- مجيد، دياري صالح، بحر الصين الجنوبي (تحليل جيوبولتيكي)، (لبنان: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ۲۰۱۸(.
- مكنامارا، روبرت س.، و بلايت جيمس ج.، شبح ويلسون تقليص خطر النزاعات والقتل والكوارث، ترجمة: هشام الدجاني، (الرياض: دار العبيكان للنشر والتوزيع، الطبعة 1، 2003).
- وايتنج، ألن اس، التأكد في القومية في السياسة الخارجية للصين، ترجمة: مركز البحوث والمعلومات، (العراق: مركز البحوث والمعلومات، ١٩٨٤).
الدوريات العلمية:
- “السياسة الأمريكية تجاه الصين: تطوير مسرح ’’الإندو-باسيفيك’’”، التقرير الاستراتيجي العربي2021،القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، (2022)، ص ص.44-51.
- “تأثير أزمة تايوان على العلاقات الاقتصادية الأمريكية – الصينية”، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، العدد 1624 ،( أغسطس 2022)، تقرير.
- “سياسة الصين الخارجية”، مركز الملك فيصل للبحوث و الدراسات الإسلامية، عدد فبراير، (عام 2014 (، تقرير.
- “ماذا لو اندلع الصراع بين الصين وتايوان؟”، مركز المعلومات ودعم اتخاد القرار، العدد3، (2023)، تقرير.
- “هل تؤدي القمة الصينية الأمريكية إلى تسوية الخلافات بين الدولتين؟”، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، العدد 290 ،(2023)، تقرير.
- أبو الوفا، هبة الله محسن، “العلاقات الصينية التايوانية في ضوء نظرية السلام الديمقراطي (١٩٤٩-٢٠٢٣)”، مجلة البحوث المالية والتجارية، جامعة بورسعيد، المجلد 25، العدد 2، (إبريل ٢٠٢٤)، ص ص.146-182.
- أبو زيد، هدير، “حرب الرقائق الإلكترونية بين الولايات المتحدة والصين…الملامح والأبعاد”، مجلة السياسة الدولية، المجلد 58، العدد232، (إبريل 2023)، ص ص. 278-287.
- أحمد، جعفر كرار، “تقييم منتدى التعاون العربي –الصيني في عشرة أعوام”، مجلة السياسة الدولية، المجلد ٤۹، العدد ۱۹٦، (إبريل ۲۰۱٤)، ص ص.160-170.
- أحمد، مسعد الشناوي، “القدرات العسكرية الصينية”، مجلة السياسة الدولية، المجلد43، العدد 173، (يوليو2008)، ص ص. 128-131.
- بشير، هشام، قضية تايوان في العلاقات الامريكية الصينية، مجلة السياسة الدولية، المجلد 54، العدد216، (إبريل 2019)، ص ص.258-262.
- بشير،هشام، “تايوان.. الاستقرار أولًا”، مجلة الديمقراطية، مجلد 12، العدد46، (2012)، ص ص. 157-160.
- جاسم، إياد، “محددات العلاقات الصينية الأمريكية في الربع الأخير من القرن العشرين”، مجلة الجامعة العراقية، العدد 36، (ديسمبر ٢٠١٧)، ص ص.405-444.
- حسن، حنان فالح،”استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية حيال الصين بعد أحداث 11 ايلول 2001″، مجلة قضايا سياسية، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، العدد63، العراق، (2020)، ص ص.541-560.
- خليفة، إيهاب، “الصراع الأمريكي الصيني على التكنولوجيا فائقة الذكاء”، مجلة السياسة الدولية، المجلد54، العدد218، (أكتوبر2019)، ص ص.90-95.
- خليفة، صفاء، “الصين نحو تنافسية قطبية متعددة في القرن الحادي والعشرون: مبادرة الحزام والطريق نموذجًا (2013-20219)”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد بني سويف، العدد الثالث عشر، (يناير2022)، ص ص .154-202.
- الدسوقي، أبو بكر، “تطور العلاقات الأمريكية الصينية”، السياسة الدولية، العدد 142، ص ص .179-182.
- الدهراوي، خضر، “الأزمة الصينية التايوانية”، مجلة الدفاع العربي، لبنان، دار الصياد اللبنانية، العدد 9، (سنة 2000)، تقرير.
- دياب، أحمد، “العلاقات الأمريكية الصينية بين التعاون والصراع”، مجلة السياسة الدولية، المجلد 43،العدد173،(يوليو 2008)، ص ص.122-127.
- سليمان، منى، “هل ينذر استمرار التوتر الصيني الأمريكي حول تايوان بحرب إقليمية؟”، مجلة السياسة الدولية، نُشر في 20/9/2022، شوهد في 18/4/2024، متاح على الرابط https://www.siyassa.org.eg/News/18359.aspx
- السيسي، صفاء محمد، “الأزمة التايوانية بين المصالح الأمريكية والرغبات الصينية”، مجلة السياسة الدولية، المجلد57، العدد229، (يوليو2022(، ص ص. 182-189 .
- شلبي، السيد أمين، “العلاقات الأمريكية الصينية بين التعاون والمواجهة”، مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، العدد١٩١، )٢٠١٠(.
- طاهر، أحمد، “توازنات جديدة: مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية”، مجلة السياسة الدولية، المجلد48، العدد 193، (يوليو2013)، ص ص.143-148.
- طلعت، عبد المنعم، “الاستراتيجية الأمريكية في شرق آسيا (صياغة آسيوية)”، مجلة السياسة الدولية، العدد131، (1998)، ص ص.22-55.
- العامري، ابتسام محمد، “الاستراتيجية الأمريكية حيال تايوان”، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد 26، (2005)، ص ص.11-114.
- عباس، نادية فاضل، ” عرض لكتاب: نصف العالم الآسيوي الجديد، للكاتب كيشور محبوباني”، مجلة دراسات دولية، العدد45، (يوليو 2010).
- عبد العاطي، عمرو، “استمرار القرن الأمريكي في صورة جديدة”، مجلة السياسة الدولية، المجلد 50، العدد 202، (أكتوبر 2015)، ص ص. 179-180.
- عبد العاطي، عمرو، “المواجهة والتعاون سياستان حاكمتان في المنافسة الأمريكية الصينية”، مجلة السياسة الدولية، المجلد 58، العدد232، (إبريل 2023(، ص ص. 148-149.
- عبد العزيز، غادة، ” الملامح الأولية لسياسة بايدن تجاه الصين”، مجلة السياسة الدولية، نُشر في )11/3/2021(، شوهد في 17/4/2024، متاح على الرابط
https://www.siyassa.org.eg/News/18043.aspx
- عبد النبي، معتصم كريم ، و خيرو، حسام ممدوح، “تأثيرالأزمة التايوانية على العلاقات الأمريكية الصينية”، مجلة قضايا آسيوية، المجلد الخامس، العدد7، (يوليو 2023(، ص ص.59-77.
- عبده، أحمد جلال، “أثر الأزمة التايوانية على التوازن الإستراتيجي في شرق آسيا(العلاقات الصينية الأمريكية من 2016-2022: دراسة حالة)”، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية جامعة السويس، العدد الرابع، (أكتوبر 2022)، ص ص.99-164.
- عقيل، وصفى محمد، “الاستراتيجية الأمريكية تجاه تايوان في ضوء المتغيرات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة”، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، المجلد10، العدد1، (2013)، ص ص. 999 -1035.
- علاء، عمرو، “صراع النفوذ بين الولايات المتحدة و الصين .. هل هى حرب باردة؟!”، مجلة السياسة الدولية، نشر في 22/8/2023، شوهد في 5/4/2024، متاح على الرابط https://www.siyassa.org.eg/News/19659.aspx
- فاروق، أسامة، “الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين: دراسة للأسباب والقضايا”، المجلة العلمية لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، المجلد24، العدد 4، (أكتوبر2023)، ص ص.115-148.
- فرحات، محمد فايز، “تكريس حالة اللايقين حول تايوان: الحرب المحتملة القادمة في آسيا، ملفات عام على الحرب الروسية الأوكرانية تحولات ومسارات”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، (فبراير2023)، ص ص. 20-25.
- قنديل، أحمد، “تايوان: تفاقم التوتر بين الصين والولايات المتحدة”، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية، نُشر في 19/4/2021، شوهد في 5/4/2021، متاح على الرابط https://acpss.ahram.org.eg/News/17118.aspx
- كلاع، شريفة، “المنظور الاستراتيجي الصيني تجاه قضية تايوان”، ستراتيجيا مجلة دراسات الدفاع و الاستشراف، العدد 17، (السداسي الأول 2022)، ص ص.46-81.
- كلاع، شريفة، “تأثير قضية تايوان على العلاقات الصينية الأمريكية”، مجلة الفكر القانوني والسياسي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، المجلد 7، العدد1، (2023)، ص ص 1512، 1535
- منصور، شادي عبد الوهاب، “خسائر متبادلة: حدود التصعيد الصيني – الأمريكي حول تايوان”، سلسلة تقديرات المستقبل، أبو ظبي: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، العدد 1383، (نوفمبر2021)، تقرير.
- نبيل، محمد، “سيناريوهات صراع النفوذ والتصادم الصيني الأمريكي في تايوان”، مجلة السياسة الدولية، نُشر في 22/6/2022، شوهد في 7/4/2024، متاح على الرابط https://2u.pw/BWT9rH3b
ج) الرسائل العلمية:
- إبراهيم، زينة عبد الأمير عبد الحسن، الإستراتيجية الإقليمية للصين ودورها في تحديد مكانتها العالمية (رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، بغداد، 2012).
- جبر، منى، العلاقات الصينية في ضوء النظرية الواقعية: دراسة حالة منطقة وسط آسيا (رسالة دكتوراة، كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2017).
- خليل، محمد، تأثير اللوبي الصيني على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين خلال الفترة (2001_2016)، (رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية و العلوم السياسية، جامعة الاسكندرية،2021).
- الربيعي، ياسين عامر عبد الجبار، واقع مكانة الصين ومستقبلها في البنية الهيكلية للنظام الدولي: القيود والفرص، (رسالة ماجستير، عمان: جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، قسم العلوم السياسية 2018).
- علي، رزگار، الصراع الأمريكي – الصيني في ظل المتغيرات الجديدة: دراسة في الأبعاد السياسية والاستراتيجية والاقتصادية فترة (2008 _ 2020)،( رسالة ماجستير، كلية العلوم الاقتصادية والإدارية، جامعة الشرق الأدنى، نيقوسيا، قبرص، 2021).
- علي، محمد علي عباس مستقبل التنافس الامريكي –الصيني في بحر الصين الجنوبي ، (رسالة ماجستير غير منشورة، العراق ، الجامعة العراقية، كلية القانون والعلوم السياسية، ۲۰۲۱).
- عنتر، عادل، التأثيرات التبادلية بين بنية النسق الدولي و السيناريوهات الخارجية للدول “دراسة حالة السياسة الخارجية الصينية خلال الفترة (1949:2017)“،(رسالة دكتوراة، كلية الدراسات الاقتصادية و العلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، 2019).
- محمد، سهام فتحي، مشكلة تايوان وتداعياتها على مسار العلاقات الأمريكية الصينية خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة (من 1919ـ2022)، (رسالة ماجيستير، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم الساسية، جامعة الإسكندرية،2023).
- موسى، مروة عدي، مكانة تايوان في الادارك الاستراتيجي الأمريكي الصيني بعد عام ٢٠٠٩، (رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسة، جامعة بغداد، ٢٠٢٣).
- ناصر، شيماء محمد، التوازن الاستراتيجي العالمي في منطقة الشرق الاوسط دراسة في مثلث القوة (الولايات المتحدة –الصين –روسيا)، (رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، العراق، 2022).