مازن صاحب
في تساؤلات سابقة عن الأفق الستراتيجي لاتخاذ القرار في عراق اليوم، يطرح تساؤل مهم عن قيمة التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية من اجل المصلحة الوطنية العراقية، مثل هذه التساؤلات التي تطرح على مجموعات المحادثة “الواتساب” المغلقة تجعل من تشكيل الحكومة المقبلة على حمى صيف عراقي لاهب يتقلب على صفيح المباحثات المقبلة لتأسيس الناتو العربي.
واقع الحال، تتضح سياسة المحاور بعد ظهور محورين، الأول يمكن تسميته بمحور الشرق، يضم إيران وروسيا الاتحادية بعد زيارة وزير الخارجية الروسي لطهران وتأكيداته على رفع التبادل التجاري بين البلدين مقوما بالعملات المحلية بدلا من الدولار الأميركي، والثاني ما يجري العمل عليه بعد اعلان الملك عبد الله الثاني تأسيس الناتو العربي في اجتماعات تضم الرئيس الأميركي مع زعماء الشرق الأوسط التي ربما تغيب عنها إسرائيل لكن حضورها الأمني يبقى طاغيا على نتائج هذه الاجتماعات.
في المقابل، اظهرت نتائج زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لكل من جدة وطهران نوعا من استعادة دور العراق لوظيفة “الموازن الإقليمي” في حلحلة الحوار لكن الكثير من المراقبين يتوقفون عند حجم قدرات الكاظمي او العراق في التعامل مع مجريات الاحداث ما بعد الإعلان عن الناتو العربي او أي صيغة امنية قد تجدها إيران نوعا من الاستهداف لنفوذها في المنطقة.
ما بين هذا وذاك، تظهر مصفوفة الاحتمالات في “لعبة الأمم” ما بين المعادلة الصفرية التي تؤكد عدم وجود خاسر إقليمي كما تطالب بها إيران او معادلة متعددة الأطراف تخضع للربح والخسارة كما تروج لها واشنطن وتوافق عليها الدول الخليجية بمشاركة مصرية – اردنية.
السؤال الاهم، كيف ستؤثر تطورات الاحداث على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب التوقف عند ما يوصف بالتحليل السياسي لحالة الوضع الدولي والإقليمي للتحول المطلوب ما بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، والمساعي الاميركية لتحويل مصادر الطاقة الاوربية من الاعتماد شبه الكامل على النفط والغاز الروسي، الذي عقد بما وصف بـ”صفقة القرن” نهاية ثمانيات القرن الماضي واعتبره في حينه الرئيس ريغان الخطيئة الكبرى لرهن اعتماد الاتحاد الأوربي على الاتحاد السوفيتي المنهار واستطاعت فيما بعد روسيا الاتحادية من تجديد عقد الصفقة، فيما اليوم تواجه روسيا تهديدات في مجالها الحيوي أدى الدفاع عنه الى اشعال الحرب ضد أوكرانيا في عودة الى مقولة الجنرال كارل فون كلاتوفيتز “الحرب اخر وسيلة في يد السياسة للتعبير عن أهدافها”، وادى ذلك الى فرض عقوبات اقتصادية على الدولة الروسية من قبل الولايات المتحدة، فيما سارعت موسكو لمواجهة هذه العقوبات بفرض شراء الغاز والنفط الروسي بالروبل الروسي.
من جانب اخر، لا اعتقد ان الغرب يسعى لتحطيم الدولة الروسية بل يحاول الحد من قدراتها وفرض مسوغات جديدة من خلال إعادة النظر في اعمال مجلس الامن الدولي كما أشار الى ذلك اللورد مالوك براون، رئيس مؤسسات المجتمع المفتوح، نائب الأمين العام السابق ورئيس موظفي الأمم المتحدة وعميد أكاديمية الملكة إليزابيث الثانية في محاضرة القيت في معهد شيتام هاوس في العاشر من حزيران الجاري انه “إذا استمر الاستقطاب الجيوسياسي اليوم، فيمكننا توقع عودة تقسيم العالم على غرار الحرب الباردة – بنفس الجمود وبالمثل، سيصبح دور هذه المؤسسات الدولية مقيداً، وكذلك المؤسسات المالية الدولية (IFIs) ، مرة أخرى تحت الإبهام الأميركي”.
ولأن موضوع الطاقة يرتبط كليا بتجارة المال والسلاح والغذاء والدواء، فان المساعي الاميركية تفترض الخروج من منطقة الشرق الأوسط بعد إعادة تنظيمها امنياً وفعلا بدأت الخروج من منطقة الحرب المتوقعة في الخليج ذات الأفضلية لإيران، هكذا قلصت قيادة القوات المركزية تواجدها في قاعدة العديد القطرية وحولتها الى الأردن فيما سبق وان فعلت السعودية مشروعها الستراتيجي لعام 2030 في منطقة البحر الأحمر، وتواصلت مساعي إسرائيل مع مصر وقبرص واليونان ودخلت تركيا على الخط لترتيب اعمال تصدير الغاز من حقول غاز شرق المتوسط البكر “غير المستثمرة” باتجاه قبرص ومنها الى اليونان وصولاً الى القارة الأوربية العجوز، على ان تبدأ مرحلة جديدة من إعادة تصدير الغاز الخليجي عبر خطوط انابيب من البصرة نحو العقبة وربما ترتبط به خطوط أخرى من السعودية ومنها الى ميناء اشدود الاسرائيلي عقدة السيطرة على هذه الانابيب الذي تعد الصين اكبر مستثمر خارجي فيه، بما يؤكد الحاجة الى مظلة حماية امنية مشتركة تشرف على ادارتها قيادة القوات المركزية الأميركية بلا خسائر مادية او بشرية.
يكرر السؤال عن مواقف عراقية من كل هذه التطورات وطبول الحرب التي تقرع ما بين المعادلة الصفرية الإيرانية – الروسية ومعادلة متعددة الأطراف الاميركية – الإسرائيلية؟.
الجواب من وجهة نظر متواضعة، في عراق اليوم كل حزب بما لديهم فرحون، بما يمثل حالة الانقسام العمودي والافقي في تشكيل الحكومة المقبلة ما بعد مغادرة التيار الصدري لحراكها الشيعي، هناك تصريحات واضحة حذرت السيد الكاظمي من المشاركة في اعمال قمة “الناتو العربي” المرتقبة، فيما أغفل الكثير من المراقبين نتائج زيارة السيد عمار الحكيم الأخيرة للأردن ولقائه مع الملك عبد الله الثاني وما ظهر عن دعمه لأنبوب النفط من البصرة الى العقبة.
لست بصدد وضع سيناريوهات للمرحلة المقبلة، فاذا كانت طبول الحرب تقرع في المنطقة كما جاء في تحذير ثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر، فان حصيلة التأثيرات على تشكيل الحكومة المقبلة يتضمن ثلاثة أنماط من الاستجابة لكلما سبق ذكره تشمل:
أولاً: مشاركة العراق في اعمال القمة المقبلة بلا التزامات يمكن ان تخيلها الحكومة المقبلة ذات الأغلبية المؤيدة لوجهة النظر الإيرانية الى مجلس النواب أيضاً ذو الأغلبية البرلمانية المؤيدة لذات الموقف الإيراني، ولمواجهة أي مواقف أميركية متغيرة، واستبق الشيخ قيس الخزعلي الأمور ودعا الى ان تكون هذه الحكومة مؤقتة تهيئ للانتخابات مبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات بما يتناسب والمحور السياسي المؤيد لإيران.
ثانياً: مشاركة العراق في القمة المقبلة والتوقيع على الاتفاقات التي ستبرم ومنها الالتزامات الأمنية لضمان تسيير الطاقة لضمان عدم ظهور شحة في السوق العالمية والمشاركة عبر حلف الناتو في تعزيز القدرات القتالية العراقية بعنوان جديد للناتو العربي بما يوفر قدرات قتالية افضل للقوات العراقية، الامر الذي ما زال المسؤولين في وزارة الدفاع يصفون الاتفاقات الأخيرة مع وفود الناتو بكونها مجرد “تدريب قتالي” وهذا سيؤدي الى عرقلة تشكيل الحكومة، اكثر مما هو الحال عليه في تشابك المصالح وتضاربها ما بين النفوذين الأميركي والإيراني في العراق وفيه نذر خطورة كبيرة على كل العراق.
ثالثاً: إمكانية تحفظ العراق على بعض بنود الاتفاقات الأمنية الجديدة والموافقة على البنود الاقتصادية، هذا السيناريو الأفضل عراقياً بما يجعله فعلا قادراً على ديمومة التواصل وحمل الرسائل ما بين المحور الإيراني – الروسي من جهة والمحور الأميركي من جهة أخرى وهناك منافس قوى في هذا المجال يمثله الموقف القطري الأخير برعاية حوار غير مباشر بين واشنطن وطهران لمباحثات الملف النووي، لكن وقائع الأمور تتجه ليس الى حلحلة الازمة بتسوية جديدة سبق وان رفضت ايران المقترحات الأميركية عند حدود نفوذها الإقليمي، وستكون هناك نماذج من الطرق على الحديد الساخن الذي يمكن ان يترجم عراقيا بتكرار قصف مراكز اقتصادية في إقليم كردستان من قبل قوى مناصرة لولاية الفقيه الإيراني، وانعكاس ذلك على مباحثات تشكيل الحكومة وهذا يعني تكراراً للنموذج اللبناني في وجود حكومة تصريف اعمال لدورة برلمانية كاملة ويبقى من القول لله في خلقه شؤون.
.
رابط المصدر: