يعتقد الصينيون أن الولايات المتحدة هي قوةٌ في طور انحدار، ويؤسسون جميع أفعالهم على هذا التوقع. والسبب الذي يجعل الصين تشعر اليوم أنها قوية بما يكفي للتعامل مع حصن لا يمكنها منازعته أو التغلب عليه الآن، هو العملة الأمريكية وامتيازاتها الباهظة.
بقلم: ميشيل سانتي[1]
الاستراتيجية الهادفة إلى إضعاف الدولار، وبالتالي التشكيك وبشكل مباشر في سيطرة الولايات المتحدة، لا ترتكز على الهجوم عليها وجهًا لوجه، ورأس الحربة في هذه الاستراتيجية هو إطلاق اليوان الرقمي والترويج النشط له بهدف تدويله، ما يسمح، مع عوامل أخرى، بالتحايل على سلطة العقوبات الهائلة التي تنادي بها الولايات المتحدة بشكل منظّم.
أما من وجهة النظر الأمريكية، فإن هذا التهديد الصيني يؤخذ على محمل الجد؛ لأن فقدان سلاح الردع الشامل الذي تمثله العقوبات سيشكل بالنسبة لها ضعفًا كبيرًا، وخطرًا أكبر من خطر النزاع المسلح.
ومن خلال اليوان الرقمي تقدّم الصين للمستخدمين المستقبليين في أنحاء الكرة الأرضية – إن كان في القطاع الخاص أو المؤسسي بل وعلى مستوى الدولة – نموذجًا في متناول اليد، وكذلك صندوق أدوات لاستخدام العملات الرقمية المستقبلية. وبتأمين وتقييم نموذجها الخاص من العملة الرقمية، كما فعلت سابقًا مع 5G وتقنية التعرف على الوجه، يمكن أن تنهي – بفضل التكنولوجيا – هيمنة الدولار؛ لأن البنى التحتية المالية الأمريكية متأخرة في مجال التحديث بشكل واضح.
وعلى غرار سياسة اللقاح الصيني الذي يهدف وبشكل جليّ إلى امتلاك قلوب مواطني الدول الناشئة، فإن هذا اليوان الرقمي سوف يستهدف أيضًا مليار وسبعمائة مليون فقير حول العالم ليس لديهم حساب مصرفي، لذلك سيكون من السهل تخيل المكانة والقوة التي ستُمنح للصين عندما يوظِّف العمال المهاجرون واللاجئون اليوان الرقمي في عمليات الشراء عبر الإنترنت وفي تحويل الأموال.
المعاملات المُقوَّمة[2] باليوان الرقمي:
يمكن كذلك أن نتصور وبدون عناء الحصص السوقية التي قد يحققها اليوان الرقمي الفعال في الظرف الذي تستغرق فيه التحويلات المصرفية الدولية عدة أيام، وتتطلب دائمًا إجراءات معقدة. وفي النهاية يمكننا أن نتصور كذلك القلق الأمريكي من التبادلات التي – بتجاوزها نظام Swift الخاضع لها – لن تفلت منها من الآن فصاعدًا فقط، بل ستجلب أيضًا وبطريقة حاسمة المستخدمين المنتشرين في جميع أنحاء العالم إلى الصين، حيث الشركة الأم. حتى بدون وجود حساب مصرفي، فإن الشركات الصينية – التي تزداد رسوخًا في العالم – ستنفذ معاملات مُقوَّمة باليوان الرقمي، خارج أي وساطة بنكية تقليدية، مما يسهم بنشاط في التخلص من الدولار الذي يمثل اليوم أكثر من ٨٥٪ من حجم التجارة العالمية.
وبذلك فإن ثورة حقيقية في الاقتصاد الكلي[3] تلوح في الأفق؛ ذلك لأن هذا النظام سيسمح لدولة معينة ببرمجة تاريخ صلاحية حزم عمليات رقمية معينة بهدف تنظيم الاستهلاك. ومن المحتمل أن تكون التداعيات من حيث النمو والسيطرة على التضخم ومحاربة الركود هائلة؛ لأنه سيكون من الممكن بعد ذلك إصلاح اقتصاد معين، ومنح فرص للعاطلين عن العمل، من خلال تنظيم تدفق الإنفاق وتداول الأموال في عجلات الاقتصاد. عندئذ سيضطر المدخر والمستثمر إلى إنفاق مبالغ معينة اليوم كونها لن تكون قابلة للاستخدام غدًا.
لذلك وإلى جانب الآثار المترتبة على اليوان الرقمي ونوايا الصين، فإن الحقيقة هي أن هذا البلد هو الأول في العالم الذي يبشر بعصر يتم فيه تغيير طبيعة واستخدام الأموال بشكل جذري.
الرابط الأصلي من هنا
[1] ميشيل سانتي، خبير في الاقتصاد الكلي، متخصص في الأسواق المالية والبنوك المركزية، مؤسس ومدير Art Trading & Finance ومؤلف كتاب جديد بعنوان “Le testament d’un économiste désabué ” .
[2] العملة المخصصة للدفع في المعاملات بالعملات الأجنبية هي العملة المقوَّمة، يتم في اتفاقية تحديد العملة تسمية من سيتحمل المخاطر المرتبطة بتغيرات أسعار العملات.
[3] الاقتصاد الكلي هو مجموعة حلول نظرية تتعامل مع الاقتصاد كتلة واحدة؛ بهدف فهمه وتطويره، وهو دراسة الاقتصاد من خلال العلاقات بين المجاميع الاقتصادية الرئيسية، كالدخل والاستثمار والاستهلاك والبطالة والتضخم… إلخ.
رابط المصدر: