ترجمة: ابراهيم قنبر
إن الصِّدام وجهًا لوجه بين الجنود الصينيين والهنود في جبال هيمالايا هو أوّل مواجهةٍ تتسبّب في وقوع ضحايا منذ عام ١٩٧٥، لذلك فإنّ السياق الجيوسياسي يعطي هذه الحادثة شكلًا مقلقًا خاصّةً أنّها تعترض قوّتين عسكريّتين لا تنوي أيّ منهما التخلي عن ماء وجهها.
لا يزال حتى الآن السبب الذي أثار هذه المواجهة بين الصّينيين والهنود في سلسلة جبال هيمالايا والتي وقعت ليلة الإثنين ١٥ حزيران/يونيو مجهولًا، ولكن في نفس الوقت فإنّ سياقها _استراتيجية دونالد ترمب في احتواء الصّين والاتّهام الموجّه لبكّين في انتشار وباء كوفيد-١٩_ يعطي هذه الحادثة مظهرًا مقلقًا، خاصّة أنها تعترض قوّتين عسكريّتين يقودهما قوميّون ليس لديهم النية في الخسارة.
ممّا لا شكّ فيه أن هذه المواجهة المباشرة في لاداخ هي الأكثر زخمًا من بين سلسلةٍ طويلةٍ من الصّدامات، وهو أول صِدَام يوقع ضحايا منذ عام ١٩٧٥، فقد وقع عشرون قتيلًا على الجانب الهندي، بينما بقيت خسائر الجانب الصّيني سريّة، وأيًّا كان، تثير حقيقة سقوط ضحايا في المنطقة منزوعة السلاح بموجب بروتوكول تمّ وضعه بدقّةٍ لتجنّب التصعيد غير المنضبط درجةً عاليةً من العنف بين القوّتين.
سابقًا وقعت المواجهة في وادي نهر جالوان، حيث استولت القوّات الصّينية على مركز دفاعٍ هندي في عام ١٩٦٢، ممّا أعطى إشارةً لحربٍ مفاجِئة تفتح مواجهةً خطيرةً بين البلدين، الآن بدأ يتحرّك الوضع الراهن الذي كان يحكم هذا القسم المتنازع عليه من خطّ السيطرة الفعّالة بين الهند والصّين.
في هذا المجال، إن حصل واحتلّ الجنود الصّينيون الآن هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها بضعة كيلو مترات مربّعة، والتي قال عنها متحدّثٌ باسم جيش التحرير الشعبي “السيادة فيها دائمًا كانت للصّين”، سيحصلون بذلك على مواقع تكتيكيّة رئيسية في مشروعٍ استراتيجي هندي، لطالما أثار غضب بكّين لعدّة سنوات، وهو بناء الهند لطريقٍ يتبع الحدود، وذلك على طول منطقة أكساي تشين التي تطالب بها الهند.
من المقرّر الانتهاء من أعمال هذا الطريق نهاية ٢٠٢٠، وإعادة التنظيم الإداري لولاية جامو وكشمير في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩. يُنظر إلى هذا المشروع القديم لليمين القومي الهندي الحاكم الذي يتفاخر برغبته في “إراقة الدماء من أجل منطقة أكساي تشين” أنه مع غيره دوافع موضوعية لهذا الانقلاب الصّيني.
أرادت بكين أن “تلقّن الهند درسًا” باستخدام استراتيجية الأمر الواقع التي تذكّرنا باحتلالها للجزر الصّغيرة والجزر المرجانية في بحر الصّين الجنوبي، ترى الصّين في كلّ هذا تأمينًا لجانبها الغربي _تمّ ضمّ أكساي تشين إلى مناطق الحكم الذاتي الاستراتيجية والهشّة من التيبت وشينغيانغ_ وبذلك تحمي ممرّها الاقتصادي الذي له كذلك استراتيجية بارزة مع “صديقٍ على مرّ العصور”، باكستان.
يأتي عرض القوّة هذا في الوقت الذي اتّخذت فيه الصّين موقفًا دفاعيًّا، ذلك بعد أن حدّدت مسؤولياتها خلال أزمة كوفيد-١٩، وبعد أن وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية على المحكّ في الحرب التجارية، وكذلك بعد أن تأكّدت أن العولمة التي حصلت عن طريقها على الكثير من المكاسب أصبحت موضع تساؤُل.
في هذه التقلّبات تبدو بكّين مستعصيةً على الحل فيما يخصّ “مصالحها الأساسية” خاصّة فيما اتّضح من الانقلاب التشريعي الذي تمّ بالتوازي في هونغ كونغ لفرض قوانين الأمن القومي هناك.
لذلك يتضّح من هذه المواجهة العسكرية الصّينية الهندية إلى جانب النزاع الحدودي حجم عواقب هذه التوتّرات المتزايدة بين الغرب والصّين، من ناحيةٍ أخرى فإن الغرب ينجذب نحو الهند على الرغم من القلق الناجم عن الانتهاكات الهندية ضدّ المسلمين.
كلّ هذه النزاعات مع الصّين تدفع دلهي نحو أستراليا واليابان والولايات المتحدة، وهو ما يؤكّد على الجانب الصّيني جنون العَظَمة طويل الأمد الذي يغذّيه التخوّف من محاصرتها، هذا الترتيب يُفاقم التوترات الجيوسياسية في عالمٍ لا يزال يواجه أزمة كوفيد-١٩.
افتتاحية لوموند ١٨ حزيران/يونيو ٢٠٢٠
رابط المصدر: