ترجمة: ابراهيم قنبر
في مواجهة وضع الأقليات المسلمة في الصين والهند وبورما، لا يمكن تبرير السخط الانتقائي للغرب ولا عدم اكتراث الدول العربية. فبعض العداءات يمكن أن يجد لها المرء تبريرًا مُنصفًا وكثيرٌ منها لا يمكن إيجاد أي مبرّرٍ لها.
هذا هو الحال فيما يحصل مع إيغور الصين ومع مسلمي الهند أو روهينغا بورما، فمن يهتمّ لمآسيهم؟ تشترك هذه الأقليات بحقيقة أنهم مسلمون مضطهدون ومنسيون تمامًا.
في منطقة شينجيانغ في شمال غربي الصين، يحتفظ نظام شين جين بينغ بشبكةٍ واسعةٍ من مراكز الاعتقال السرية، حيث يُحتَجَز ما لا يقل عن مليون شخصٍ ينتمون إلى أقلية الإيغور المسلمة وتُطبَّق سياسة الاعتقال الجماعي بحقّهم تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”.
في الهند، الدولة ذات الغالبية الهندوسية، صوّتت حكومة ناريندا مودي القومية في ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠١٩ لإصلاح قانون الحصول على الجنسية الذي يمنع اللاجئين المسلمين فقط دون غيرهم من الحصول على الوثائق الرسمية التي يمكن أن تخوّلهم الاستفادة من قانون منح المواطنة.
أمّا بالنسبة للروهينغا الذين استقرّوا على مدى أجيالٍ في بورما، وهي دولة ذات أغلبيةٍ بوذيّة، فقد حُرموا من الجنسية على مدى عقود، وطُرِد ما لا يقل عن 750 ألفًا منهم من مناطقهم إلى بنغلاديش بعنفٍ لم يسبق له مثيل في عامي ٢٠١٦ و٢٠١٧، وذلك على يد “قوّات الأمن” المتّهمة بالقتل والاغتصاب وتدمير المنازل.
بالتأكيد فقد أدانت واشنطن “الحملة المنهجية الوحشية” لقمع الإيغور، وكذلك اعتمد البرلمان الأوربي في ١٩ كانون الأول/ديسمبر قرارًا يدعو إلى فرض عقوباتٍ.
يُضاف إلى ذلك _وباعتراف الجميع_ إدانة الجمعية العامة للأمم المتحدة لانتهاكات حقوق الإنسان في بورما في نهاية كانون الأول/ديسمبر، وقد تلقّت المحكمة الجنائية الدولية وثائق تُدين “الجيش البورمي” بارتكاب إبادةٍ جماعية.
على الرغم من كلّ الإدانات والقرارات سابقة الذكر، فإنّ الأمين العام للأمم المتحدة، وهي المنظمة التي تتصاعد حصّة تمويلها من الصين، يفضلّ أن يبقى متحفّظًا بشأن الاضطهاد المستمر للإيغور.
حساباتٌ اقتصادية:
يصمت العالم كلّه لما يحدث، كما تدير القوى الغربية ظهرها بشكلٍ كامل خاصّةً فيما يتعلق بالقمع ضد المسلمين الذي يُمارس في البلدين الأكثر اكتظاظًا بالسكان على سطح الكوكب، بلدان يحتلّان رأس القائمة في قمع الأقليّة المسلمة: الهند والصين.
مما لا شكّ فيه بالنسبة للأوربيين على وجه الخصوص أنّهم لا يمكنهم أن يخاطروا بالانعزال عن بكين أو عن السوق الصينية، وكذلك لا يمكنهم المجازفة بإغضاب الهند كقوّةٍ عظمى صاعدة.
الأمر الأكثر صعوبة فيما يحصل هو عدم اكتراث الدول الإسلامية بهذه المآسي، لا يبدو أن مصير الإيغور أو مسلمي الهند أو الروهينغاسيحرّك السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ولا حتى البلدان المغاربية، ذلك رغم كونهم أصحاب مصلحة في دعم الإسلام السنّي.
انعدام التضامن مع مسلمي الإيغور والهند الروهينغا ناجمٌ إذًا عن حساباتٍ اقتصادية لا تنفصل عن الحسابات السياسية، فالمملكة العربية السعودية تعدّ المورد الأساسي للصين من النفط، كما تجذب الرياض مشاريع البنية التحتيّة الصينية على “طريق الحرير الجديد” إذ يُنظر إلى هذه المشاريع أنها الأقوى في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.
دولٌ كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الذين يقولون أنهم “يحاربون التطرف والإرهاب” وضعها سيءٌ جدًّا حتى بمجرد كلمة انتقادٍ للصين أو الهند اللتان تستخدمان نفس الخطاب “محاربة التطرف والإرهاب”.
هذه الدول إذا ما وقفت موقفًا يحتجّ على ما يحصل من اضطهادٍ للأقليات المسلمة في تلك البلدان، ستَرفع بيدها بكلّ تأكيدٍ الغطاء عن انتهاكها لمواطنيها كذلك.
لا يمكن على أي حالٍ تبريرُ السخط الانتقائي للغرب ولا عدم اكتراث الدول العربية، فحقوق الإنسان غير قابلةٍ للتجزئة، كما يجب أن تكون الأقليات المسلمة قادرةً على الاعتماد على الحماية ليس فقط من أشقائهم في الدين، بل من جميع الدول التي تدّعي الدفاع عن القيم الإنسانية ومن المؤسسات الدولية التي تزعم ضمان احترام هذه القيم.
رابط المصدر: