دلال العكيلي
تزخر منطقة شرق البحر المتوسط بثروة هائلة من الغاز الطبيعي جعلت كبرى دول المنطقة تتصارع سعيا للحصول على حصة منها، منها الخلاف التركي ألاوروبي بسبب أعمال التنقيب قبالة قبرص اذ دعت تركيا الاتحاد الأوروبي لإنهاء ما وصفته بالتحامل على القبارصة الأتراك ودافعت عن إطلاق جولة جديدة من عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة الجزيرة الواقعة في البحر المتوسط، بدأت تركيا التنقيب عن النفط والغاز قرب قبرص العام الماضي رغم تحذيرات الاتحاد الأوروبي لتؤجج التوترات مع جارتيها اليونان وقبر، وفي أحدث تحرك قال وزير الطاقة التركي فاتح دونماز إن سفينة الحفر التركية ياوز تتجه قبالة ساحل قبرص ما دفع الاتحاد الأوروبي لإصدار تحذيرات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية حامي أقصوي في بيان مكتوب “التزم الاتحاد الأوروبي الصمت منذ 2003 إزاء اغتصاب حقوق بلدنا وحقوق القبارصة الاتراك في شرق البحر المتوسط” وتابع “يجب أن ينهي الاتحاد الأوروبي أولا هذه السياسات التي يتبناها تحت ستار تضامن دول الاتحاد وهي بعيدة عن الواقع ومنحازة وتنم عن ازدواجية في المعايير”.
وردا على إعلان عمليات الحفر الجديدة، قال المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي إنه ينبغي تبني خطوات لتهيئة أجواء مفيدة للحوار، وقال أقصوي إن السفينة ياوز تتجه صوب جنوبي قبرص إلى منطقة منحت سلطات القبارصة الأتراك شركة تركية ترخيصا للتنقيب فيها في 2011.
قبرص لاعب اساسي في قضية موارد الطاقة
أشار مسؤول أميركي رفيع خلال زيارته قبرص الى أن واشنطن تعتبر الجزيرة المتوسطية لاعبا رئيسيا في قضية موارد الطاقة في شرق المتوسط، محذرا من تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة مع تصاعد التوتر حول نشاطات تركيا التنقيبية في مياه الجزيرة المنقسمة، وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة فرانسيس فانون إن “قبرص تلعب دورا هاما للغاية في ممر الطاقة الجديد الذي يتطور في أنحاء المنطقة”.
وأضاف “نحض كل الأطراف على عدم القيام بأعمال استفزازية يمكن ان تؤدي الى مزيد من عدم الاستقرار ونحن جازمون بهذا الصدد”، وأدلى فانون بهذه التعليقات أمام تجمع لخبراء تقنيين من اسرائيل واليونان وقبرص التقوا في نيقوسيا لمناقشة سبل تعزيز الأمان والأمن المتعلقين بالتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، وتتزامن زيارة فانون مع رفع تركيا رهانها عبر تعزيز نشاطاتها التنقيبية في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة، رغم تهديدات الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات على أنقرة.
ولفت المسؤول الأميركي الى أن موارد الطاقة “عامل تسريع للتعاون”، وان الولايات المتحدة تبقى ملتزمة على أعلى المستويات، وقال “ندعم جمهورية قبرص لتطوير مواردها في مناطقها الاقتصادية الخالصة”، ورحب فانون بمشاركة الشركات الأميركية في التعاون الإقليمي، بما في ذلك دورها في تطوير مسارات جديدة للطاقة، والعام الماضي، اكتشفت شركة الطاقة الأميركية العملاقة إكسون موبيل وقطر للبترول أكبر احتياطي للغاز الطبيعي قبالة قبرص يحوي ما بين خمسة الى ثمانية تريليون قدم مكعب (ما يصل إلى 224 مليار متر مكعب).
كما تشارك شركتا إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية في التنقيب عن النفط والغاز قبالة الجزيرة، والشهر الماضي وقعت اليونان وقبرص وإسرائيل اتفاقا للمضي قدما في بناء خط انابيب “ايست ميد” بقيمة 6,6 مليارات دولار لايصال الغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية.
وأكد وزير الطاقة القبرصي جورج لاكوتريبيس أن الدعم الأميركي لانشاء ممر في شرق التوسط “عميق وصلب”، وقال “التعاون بين دولنا الثلاث (قبرص واليونان وإسرائيل) بالإضافة إلى الولايات المتحدة مهم للغاية”، وأضاف أمام تجمع الخبراء في نيقوسيا “على نقيض هذه النظرة الإيجابية، تعمل تركيا كمخرب من خلال أنشطتها الاستكشافية غير القانونية المستمرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص، والتي تتصاعد منذ شهر ايار/مايو الماضي وتنتهك القانون الدولي بوضوح”.
وتشدد تركيا على أن “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها سوى أنقرة لديها الحق بالتنقيب حول كامل الجزيرة، وانهارت المفاوضات التي رعتها الامم المتحدة لاعادة توحيد الجزيرة في تموز/يوليو 2017 ولم تستأنف مجددا بسبب الخلاف العميق حول ملف التنقيب عن الغاز.
فرنسا واليونان وقبرص ومصر
اعتبر وزراء خارجية فرنسا واليونان وقبرص ومصر في بيان مشترك أصدروه في ختام اجتماعهم في القاهرة الاربعاء أن اتفاقيتي تركيا مع حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج “باطلتان”، واضافت الدول الاربع أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط تشكل “تعديا على الحقوق السيادية لدول أخرى ولا تتوافق مع قانون البحار ولا يمكن أن تترتب عليها أي نتائج قانونية”، وشارك في هذا الاجتماع الرباعي وزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو من دون أن يوقع البيان المشترك أو يحضر المؤتمر الصحافي.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بدء نشر جنود أتراك في ليبيا استنادا الى اتفاقين وقعتهما انقرة مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، أحدهما عسكري ينص على ان تقدّم تركيا مساعدات عسكرية إلى حكومة السرّاج، والثاني يتناول ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، ويمسّ اتفاق ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة السراج باتفاق بحري آخر موقع بين اليونان ومصر وإسرائيل وقبرص، ما أثار قلق هذه الدول، وأثار اتفاق ترسيم الحدود البحرية غضب اليونان بشكل خاص التي دعت الأمم المتحدة إلى إدانة الاتفاقية التي من شأنها أن تمنح أنقرة سيادة على مناطق غنية بموارد الطاقة، وخصوصاً قبالة جزيرة كريت، وأكد الوزراء دعمهم لـ “عملية برلين” الرامية الى عقد مؤتمر دولي حول ليبيا في العاصمة الالمانية للاتفاق على تسوية سلمية للنزاع كما جددوا دعمهم ل”جهود موفد الامم المتحدة الى ليبيا غسان سلامة”.
إسرائيل تصدر الغاز إلى أوروبا
خط أنابيب الغاز “إيست ميد” البالغ طوله 1872 كلم سيتيح نقل ما بين 9 و11 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من الاحتياطيات البحرية لحوض شرق المتوسط قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان وكذلك إلى إيطاليا ودول أخرى في جنوب شرق أوروبا عبر خط أنابيب الغاز “بوسيديون” و”إي جي بي”، وبحسب الخبير الإسرائيلي إفينوام إيدان فإن “الأمر لا يتعلق بمنافسة مع الطاقة الروسية” بل بخط أنابيب غاز “إضافي (..) وبالتالي لا يوجد سبب لأن ينظر إليه باعتباره تغييرا جيوسياسيا كبيرا في سوق الطاقة الأوروبي”.
روسيا وتركيا “توركستريم”
تحالفت روسيا المنتج والمصدر الكبير للغاز في العالم مع تركيا ومن المقرر أن يبدأ قريبا تشغيل خط أنابيب الغاز الجديد “توركستريم” الذي يربط البلدين عبر البحر الأسود مع الالتفاف على أوكرانيا، ويعود مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط “إيست ميد” إلى عام 2013 عندما سجلت شركة ديبا (الشركة اليونانية العامة للغاز الطبيعي) هذا المشروع على قائمة “المشاريع ذات الاهتمام المشترك” للاتحاد الأوروبي ما مكنها من الاستفادة من الأموال الأوروبية لتغطية جزء من الأعمال التحضيرية. وتقدر تكلفة المشروع الذي يصل إلى إيطاليا بـ 6 مليارات يورو.
وأكد وزير الطاقة والبيئة اليوناني كوستيس هاتزيداكيس، من جهته، لقناة أنتينا التليفزيونية اليونانية أن خط الأنابيب يعد “مشروع سلام وتعاون في شرق البحر المتوسط (…) رغم التهديدات التركية”، وبالنسبة إلى أثينا ونيقوسيا فإن “تسريع الإجراءات المتعلقة بمشروع -ايست ميد- يعد وسيلة لأثينا من أجل مواجهة محاولات تركيا المجاورة لتقويض المشروع”، بحسب ما نشرت صحيفة “كاثيمريني” اليونانية للأعمال.
نزاع قبرص وتركيا
وقد أثار اكتشاف حقول غاز عملاقة في شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة شهية العديد من الدول، وأثار احتياطي الغاز والنفط قبالة قبرص نزاعا مع تركيا التي يحتل جيشها الثلث الشمالي من هذه الجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي ووقعت جمهورية قبرص، في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر أول اتفاق لاستثمار الغاز مع اتحاد شركات مؤلف من شركة شل الأنكلو-هولندية وشركة نوبل الأمريكية وديليك الإسرائيلية، لكن أنقرة، التي تعارض حق جمهورية قبرص في استكشاف موارد الطاقة واستغلالها، عمدت إلى استعراض قوة في الأشهر الأخيرة عبر إرسال سفن التنقيب إلى المنطقة الاقتصادية الحصرية لقبرص على الرغم من تحذيرات وجهتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي تحد لهذه التحذيرات ولتعزيز مكانتها في المنطقة وقعت أنقرة اتفاقية بحرية مثيرة للجدل مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في طرابلس أواخر تشرين الثاني/نوفمبر تتيح لأنقرة توسيع حدودها البحرية في منطقة من شرق المتوسط تختزن كميات كبيرة من النفط تم اكتشافها في الأعوام الأخيرة، ونددت بالاتفاق مصر وكذلك قبرص واليونان جارتا تركيا، معتبرتين أن هذه الخطوة “غير قانونية”، ووصفت أثينا اتفاق أردوغان والسراج بأنه “مربك” للسلم والاستقرار في المنطقة ودعت في العاشر من كانون الأول/ديسمبر الأمم المتحدة إلى إدانته مؤكدة أنه “ينتهك القانون البحري الدولي والحقوق السيادية لليونان ودول أخرى”، وجاء توقيع الاتفاق بعد ساعات من إجازة البرلمان التركي مذكرة تتيح إرسال عسكريين أتراك إلى ليبيا لدعم حكومة السراج.
إسرائيل تعارض اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا
قال وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس إن بلاده تعارض الاتفاق الذي وقعته ليبيا وتركيا الشهر الماضي بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما في شرق البحر المتوسط، لكنه أضاف أن الاتفاق لن يؤدي على الأرجح إلى صراع مع تركيا، ويحدد الاتفاق ممرا للحدود البحرية بين ليبيا وتركيا مما يمهد على الأرجح لعمليات تنقيب عن النفط والغاز، ووصفت اليونان، وهي حليف مقرب لإسرائيل وعلى خلاف مع تركيا حول عدد من القضايا، الاتفاق بأنه سخيف كونه يتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية بين ساحلي تركيا وليبيا.
ولم يسبق أن علقت الحكومة الإسرائيلية علنا على هذا الاتفاق رغم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيتوجه إلى اليونان الأسبوع المقبل لتوطيد خطط مع اليونان وقبرص لبناء خط أنابيب تحت سطح البحر لتصدير الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، وقالت نيقوسيا إن نتنياهو أبلغ الرئيس القبرصي بأن الاتفاق البحري “غير قانوني”، وعندما طُلب منه تأكيد الرواية القبرصية، قال وزير الخارجية الإسرائيلي “هذا هو موقف إسرائيل الرسمي لكنه لا يعني أننا سنرسل سفنا حربية لمواجهة تركيا”، وأضاف كاتس في مقابلة مع القناة 13 الإسرائيلية أنه رغم الخصومة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإنه لا يعتقد أن إسرائيل أو تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي تفكران في الدخول في صراع، وأضاف “لا رغبة لدينا، كما أن تركيا لا رغبة لديها في مواجهة إسرائيل”.
رابط المصدر: