يؤكّد مراقبون ارتفاع الطلب على النحاس، خلال العقود المقبلة، بالتوازي مع نمو تقنيات الطاقة المتجددة تحقيقًا لأهداف مكافحة تغير المناخ.
وثمة توقعات مختلفة بأن يرتفع الطلب على النحاس إلى 30 مليون طن متري سنويًا بحلول 2035، وإلى 50 مليون طن متري بحلول العام نفسه.
كما من المرجح أن يؤدي تسارع الطلب على النحاس إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 20% بحلول عام 2027، وفق أرقام رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي ضوء الطلب المرتفع وقيود العرض ونقص الاستثمارات، من المتوقع ألا تلبي إمدادات النحاس الحالية الطلب المتزايد بدءًا من العام المقبل (2025).
ولذلك، قدّم تقرير حديث حلولًا “قد تُحدِث فارقًا” في مساعي تحقيق التوازن بين المعروض والاستهلاك الذي سيرتفع بمقدار 4 أضعاف استنادًا إلى المعدلات الحالية.
ارتفاع الطلب على النحاس
يملك النحاس القدرة على جعل الحلول الخضراء حقيقة واقعة؛ إذ تتعدد استعمالاته بدءًا من خطوط الكهرباء والطاقة النظيفة إلى تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
وهناك حاجة ماسّة إلى معدن النحاس بكميات كبيرة لتحقيق أهداف الكهربة العالمية سريعًا في موعدها المحدد، لكن الزيادة في الطلب قد لا تقابلها زيادة في المعروض بسبب نمو الاستهلاك.
وتتوقّع شركة “سي آر يو” لاستشارات المعادن (CRU) ارتفاع الطلب بنسبة 40% بحلول عام 2050، حتى ولو لم تنتشر تقنيات الطاقة النظيفة بقوة.
ودفعت توقعات ارتفاع الطلب إلى جعل المعدن الأحمر أكثر تكلفة، فقد ارتفعت الأسعار بنسبة 50% عما كانت عليه قبل وباء كوفيد-19.
وتجنبًا لحدوث أزمة في صناعة الطاقة النظيفة نتيجة نقص الموارد، ظهر اهتمام كبير بإيجاد بدائل لزيادة المعروض من النحاس أو تقليل الحاجة إليه.
إعادة تدوير المزيد
يمكن أن تؤدي زيادة معدلات إعادة تدوير النحاس إلى تخفيف حدة أزمة شح المعروض.
وتشير بيانات جمعية النحاس الدولية إلى تدوير أكثر من 30% من كل النحاس المستعمل بين عامي 2009 و2019.
ومن المحتمل أن تتزايد الفرص المتاحة أمام شركات إعادة التدوير في ظل وصول المنتجات التي يدخل في صناعتها النحاس إلى نهاية عمرها التشغيلي.
وبالفعل، ظهرت شركات إعادة تدوير الأجهزة الكهربائية، ومنها شركة “ريدوود ماتيريالز” (Redwood Materials) وهي أكبر شركات تدوير بطاريات الليثيوم أيون في أميركا الشمالية.
وعلى الرغم من أن البطاريات تحتوي على كمية صغيرة من النحاس، تقول ريدوود إنها قادرة على استخراجه بالإضافة إلى المزيد من المعادن الثمينة الأخرى.
وتمتلك ريدوود آلة بمصنعها الكائن في رينو الأميركية؛ حيث يوجد ما يكفي من المواد لصناعة 13 ألف سيارة كهربائية ذات نطاق قيادة طويل.
وبحلول عام 2028، تخطط الشركة لتشغيل 100 آلة من هذا النوع، وفق ما جاء في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
الألومنيوم بديلًا
ما زال العالم في مرحلة مبكرة من تحول الطاقة؛ ما يعني أن معدلات نمو الطلب على النحاس قد تعطي انطباعًا خاطئًا عن حجم الطلب بعد 30 عامًا من الآن.
وعادة يرى تجار السلع أن حل ارتفاع الأسعار هو الاستعاضة ببدائل أرخص للنحاس قدر الإمكان ومنها الألومنيوم.
وعن ذلك، يقول مدير قسم المعادن والتعدين في منصة “بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس” (BNEF) كواسي أمبوفو: “إذا استمر ارتفاع الأسعار على المدى الطويل، سنرى استبدالًا للنحاس والاعتماد على معادن أخرى مثل الألومنيوم”، لكن قابلية تطبيق ذلك مثار انقسام.
وأدى الاستبدال إلى تراجع بنسبة 1.8% فقط من الطلب على النحاس في العام الماضي (2023)، بحسب بيانات شركة “دي إم إم” الاستشارية (DMM).
وعلى الجانب الآخر، يقول المعهد الدولي للألومنيوم إن الاعتماد على الألومنيوم بدلًا من النحاس في أسلاك الكهرباء والمحولات قد يؤدي لارتفاع مبيعات الألومنيوم لتلك الاستعمالات بنسبة 2% و3% على الترتيب.
وخلافًا لذلك التباين في الآراء، يؤكد أمبوفو توقعات ارتفاع الطلب على النحاس، وستكون إحدى أكبر الزيادات في هذا الصدد نتيجة للتحول إلى السيارات الكهربائية العاملة بالبطارية؛ لأنها تستعمل أكثر من 3 أضعاف النحاس المستعمل في السيارة العادية ذات محرك الاحتراق الداخلي.
وفي هذا الصدد، يمكن خفض استعمال النحاس في السيارات الكهربائية بصورة كبيرة عبر تغيير بنية البطارية.
وتستعمل شاحنة سايبرتراك من إنتاج شركة تيسلا الأميركية (Tesla) نحاسًا أقل بنسبة 40% مقارنة بشاحنة شركة فورد (Ford) إف-150 لايتنينغ.
وتصل قدرة البطارية الأقل اعتمادًا على النحاس إلى 48 فولت؛ ما يسمح بتدفق كهرباء أكبر دون الحاجة لموصلات المعدن الثمين، مقارنة بالبطارية 12 فولت، لكن تلك التقنية ما زالت بعيدة عن الانتشار واسع النطاق.
زيادة المعروض
يمكن زيادة إنتاج النحاس عبر اتباع طريقة الاستخراج المائية باستعمال نحاس منخفض الجودة كان يُعد في السابق غير مُجدٍ اقتصاديًا.
وثمة طريقتان لتكرير النحاس؛ الأولى (وهي الأكثر استعمالًا على نطاق واسع) وهي الحرارية عبر تسخين خام النحاس بوساطة مصادر الوقود الأحفوري إلى درجات عالية لاستخلاص معدن النحاس منه، لكنها تستهلك طاقة أكبر وكثيفة انبعاثات الكربون.
والطريقة الثانية وهي أقل انتشارًا وهي التعدين المائي عبر إضافة الكيماويات إلى الماء لاستخلاص النحاس.
وتقول شركة جيتي ريسورسيز الناشئة (Jetti Resources) إنها اكتشفت طريقة لاستخلاص النحاس بالطريقة المائية على نحو أكثر كفاءة باستعمال محفز لكسر المواد الأقل تفاعلًا في بعض أنواع النحاس الخام المتوافرة بكثرة وقليلة الجودة.
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة معدلات استخراج المعدن من ملايين الأطنان من نفايات النحاس الموجودة داخل المناجم المحفورة بالفعل.
ونجحت الشركة في جمع 100 مليون دولار وطبّقت التكنولوجيا في منجمين، ولها أكثر من 20 مشروعًا في مراحل مختلفة من التطوير.
المصدر : https://attaqa.net/2024/04/27/%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ad%d8%a7%d8%b3-%d9%8a%d8%aa%d8%b1%d9%82%d8%a8-%d9%82%d9%81%d8%b2%d8%a9-%d8%b9%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d9%883-%d8%ad/