فالحياة لا يمكن ان تستقيم في بيئة لا تحفظ فيها كرامة الانسان او تسلب فيها حقوقه، لأنها بيئة غير مستقرة وغير آمنة، بيئة غير مناسبة لاستمرار الحياة واستقرارها وتطويرها، كما ستنعكس اثار الظلم السلبية على الوضع الاقتصادي الذي سيتداعى بزوال النعم كنتيجة طبيعية للأثر الوضعي…
ليس هناك أقسى على الانسان من الظلم الذي يتعرض له من قبل جهة متسلطة اقوى منه (حاكم/ سلطة/ مجتمع/ جماعة) ولا يجد ما يدفع به عن نفسه ليتقي هذا الظلم، خصوصاً عندما يعاني المظلوم الاثار المعنوية والمادية الناتجة عنه واستمرارها من دون انصافه او ارجاع لحقوقه المسلوبة، فالظلم بحد ذاته قهر شديد يضغط على الإنسان ويعرضه الى ما لا يطيق.
اما آثاره فهي اشد على المظلوم من الظلم، وعنها يقول المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (رحمه الله): “للظالم الأثر الواضح على المظلوم في جوانب عديدة، أقلها إنه استهان بقيمته وكرامته، سواء بغصب حقه، أو بأكل ماله، أو الاعتداء عليه”.
انطلاقاً من مقولة “إن القوانين الإلهية ثابتة، لا يطرأ عليها أي تغيير أو تبديل، وهي القوانين العادلة المنسجمة مع فطرة الإنسان”، فان سنة الله (عزوجل) في الأرض تقوم على تطبيق العدالة والاستقامة ومنع الاعتداء او ممارسة الظلم ضد الاخر مهما كان وكيفما كان، وهي فلسفة سهلة التطبيق لكنها عميقة المعنى والاثر، لأنها تعني:
– استقامة الحياة واستمرارها.
– توفير بيئة آمنة ومستقرة ينعم جميع افرادها بالسعادة والرفاه.
– ازدهار الحياة وتنوع النعم والخيرات والبركات وكثرتها وعدم زوالها.
– غياب الاثار السلبية للظلم على الانسان.
فالحياة لا يمكن ان تستقيم في بيئة لا تحفظ فيها كرامة الانسان او تسلب فيها حقوقه، لأنها بيئة غير مستقرة وغير آمنة، بيئة غير مناسبة لاستمرار الحياة واستقرارها وتطويرها، كما ستنعكس اثار الظلم السلبية على الوضع الاقتصادي الذي سيتداعى بزوال النعم كنتيجة طبيعية للأثر الوضعي لممارسة الظلم، وبالتالي سرعان ما ينهار بنائها، وتندثر اثارها، مهما كانت قوة هذه البيئة وعظمتها ومدة بقائها.
حالة عدم الاستقرار في المجتمع ستكون هي النتاج الطبيعي نتيجة لممارسة الظلم من قبل الحاكم او السلطة وما يولده هذا الظلم من اثار سلبية على الافراد والمجتمع، كما يشخصه الامام الشيرازي بقوله: “ان المجتمع الذي تكثر فيه حالة الظلم، لابد وأن تكثر فيه الاضطرابات المختلفة، وحالة عدم الاستقرار، وتترتب عليه آثار وخيمة جداً في نفوس أبناء المجتمع، خصوصاً إذا كان الحاكم نفسه ظالماً لشعبه، مستبداً برأيه، لا يهمه سوى مصالحه الشخصية، وبقائه في الحكم مدة أطول، وهذا شيء لا ينكر وقد صرح به علماء الاجتماع أيضاً، والتاريخ ينقل لنا شواهد كثيرة بهذا الخصوص، ومن هنا ترى أن الإسلام أكد على صيانة المجتمع بدءاً من قيادته إلى عموم الرعية، فجعل هناك شروطاً وصفات لابد من توفرها في الحاكم والرئيس، بحيث لا تنحرف القيادة عن طريق الحق، ولا تنتهي بالأمة إلى أسوأ مصير”.
ان الشواهد على الاثار النفسية والمادية السيئة التي ولدها الظلم والظالمين في العالم كثيرة جداً ومنتشرة في كل مكان، ويمكن ملاحظتها بسهولة، وهي تقدم دليلاً واقعياً على سوء الاختيار عندما يتعلق الامر بين تطبيق العدالة او ممارسة الظلم، وقد تنوعت هذه الشواهد بين الحروب واثارها المدمرة وبين انتشار الامراض والاوبئة والفقر وتطرف المناخ والكوارث البيئية وغيرها الكثير، وكلما زادت ممارسة الظلم تطرفاً وقسوة زاد الأثر الذي يترتب عليه خطورة وشده.
لقد اعمى الجشع والطمع والبحث عن الكسب السريع والملذات الزائلة، قلوب الظالمين وبصيرتهم، فلم يعد يعنيهم من شيء سوى مصالحهم الخاصة ومنافعهم الشخصية، وان قامت على ظلم الاخرين واذلالهم، بل وابادتهم او تعذيبهم او سجنهم او تجويعهم، وغيرها الكثير من الممارسات الظالمة لإجبارهم عن التنازل عن حقوقهم او السكوت عنها.
ان العودة الى الفطرة السليمة التي خلق الله (عزوجل) الانسان عليها تعني تطبيق العدالة والابتعاد عن الظلم بكل اشكاله وانواعه، وأشدها خطراً في الدنيا هو ظلم الانسان للأخرين، وحتى يتحقق هذا الامر هناك حاجه أساسية الى:
– تطبيق القوانين والسنن الإلهية التي منعت الظلم ودعت الى تطبيق العدالة الاجتماعية وحفظ كرامة الانسان ومكانته وقيمته.
– عدم السكوت عن الظلم او القبول به والتعايش معه على انه واقع حال، فهو في الواقع امر اشد خطراً من الظلم نفسه، فالاستسلام للظلم والظالمين سيؤدي الى خسارة جميع الحقوق، بل ينبغي محاربة الظلم والوقوف بوجه الظالمين.
– التأسيس لبيئة اجتماعية سليمة لها عادات وتقاليد واعراف قائمة على تطبيق مفاهيم العدالة والانصاف والحق والقسط ورفض ما عداها من أدوات الظلم وجعلها ثقافة أساسية للأفراد ضمن المجتمعات الإنسانية.
– الاقتداء بالقادة والمصلحين السائرين على طريق الحق، ممن رفضوا الظلم وحاربوه وجابهوا الظالمين وكشفوا زيف ادعائهم، والسير على خطاهم في سبيل تحقيق العدالة وبناء حضارة إنسانية قائمة على العدل والانصاف.
وبالتالي يمكن الاستنتاج ان ما يتعرض اليه الانسان حول العالم من فظائع وكوارث، هي في الواقع نتاج للظلم الذي يمارس ضده وضد الاخرين، لان الحياة لا تستقيم الا مع وجود العدل وزوال الظلم، وان تغيير هذا الواقع المرير مرهون بقدرة الفرد او المجتمع في الوقوف ضد الظلم ومحاربته والتحول الى تطبيق العدل والعدالة الاجتماعية وسيادة الحق والانصاف.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/38174