فرضت الجغرافيا السياسية واقعا مريرا على العراق، ومنذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي، كان التحدي الأهم الذي يواجه الحكومات هو كيف تتعامل مع الجيران؟ وكان نوري السعيد (قتل 1958) يدرك أن عراقا قويا يحتاج إلى الدخول في تحالفات، ولذلك كان له دور محوري في تأسيس “حلف بغداد” بالمشاركة مع بريطانيا وإيران وتركيا وباكستان. لكن الرهان على هذا الحلف في تقوية العراق خارجيا، لم ينجح في تقوية العراق داخليا. ولم يحم النظام الملكي في العراق من انقلاب عبدالكريم قاسم 1958.
رويترز
صدام حسين يتحدث إلى رئيس المحكمة، في بداية محاكمته في قاعة شديدة التحصين في المنطقة الخضراء ببغداد، 19 أكتوبر 2005
لم يتقبل صدام حسين بعد وصوله إلى سدة الحكم أواخر سبعينات القرن الماضي، أساليب السياسة في التعامل مع الجغرافيا، وأراد أن يتمرد على المنطقة وأن يفرض قوة العراق على جيرانه بالسلاح والنار، وبدأ بحرب مع إيران صنفت بأنها أطول حرب في القرن العشرين. ولم يكتفِ بها، وما إن انتهت سنوات الحرب الثمانية، بدأ يعيش وهمَ فائض القوة، ليبدأ بغزو الكويت، ويبدو أن فكرته من الغزو أنه بداية للضغط على دول الخليج، وربما كان يتوهم على غرار نابليون وهتلر بأنه يمكن أن يكون “إمبراطور المنطقة”.
رغم تراجع العراق عن صدارة الدول الأكثر هشاشة وابتعاده عن دائرة الخطر، فإنه لا يزال يعاني من تداعيات مؤشرات الهشاشة على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي
ما بعد 2003، أسقط الأميركيون نظام حكم “البعث”، ولكن دول الجوار كان لديها استراتيجية لما بعد تغيير نظام الحكم أكثر وضوحا من الولايات المتحدة الأميركية، لذلك اهتموا كثيرا بترتيب أوراق من يحكم العراق بعد التغيير، لضمان فرض هيمنتهم ونفوذهم. ومن ثم، أصبحت جميع الحكومات تتشكل بإرادات أجنبية والمناصب العليا يتم تقاسمها تحت خيمة ورعاية أجنبية. حتى تعايش قادة الأحزاب مع هذا الواقع، ولم يعد أحد يفكر في التمرد عليه، لا بل أصبح انتقاده من قبل الصحافة والنخب والأوساط الأكاديمية يثير الاستغراب لدى الشخصيات السياسية، ويعدون فكرة رفض هيمنة الأجنبي على القرار العراقي نوعا من الرومانسية السياسية.
وطوال عشرين عاما لم تكن سياسة العراق الخارجية تعبر عن أنها دولة طبيعية تنطلق في علاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي على أساس تحقيق المصلحة الوطنية أولا. ومن مفارقات الخطاب السياسي العراقي الخارجي لجميع الحكومات محاولته تقديم رسائل اطمئنان إلى جواره الإقليمي بأن سياسته الخارجية تعتمد مبدأ الحياد والتوازن بين الأقطاب المتصارعة والمتنافسة. لكنها لم تنجح في أن يكون العراق خارج دائرة استقطابات صراع المحاور في منطقة الشرق الأوسط.
هشاشة الدولة
يشبه التجاور الجغرافي القدر المحتوم على الدول، ويفرض التعامل معه كواقع وليس خيارا، وغالبا ما تنحصر العلاقات بين الدول المتجاورة في شكلَين لا ثالث لهما، فهي إما أن تكون علاقات تفاعل إيجابي، قائمة على أساس التعاون واحترام الآخر وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وإما أنها تتخذ شكل علاقات تصارعية، تقوم على أساس التنافس والتناحر أو التنازع والصراع.
إلا أن وجود أكثر من دولة عربية في صدارة تصنيف الدول الهشة، بات يفرض نمطا جديدا للتصارع في العلاقات بين الدول المتجاورة في الشرق الأوسط، إذ تحولت هذه البلدان إلى ساحة لتصفية الصراعات ولتبادل رسائل القوة بين الدول المتصارعة على النفوذ الإقليمي، ولا يتخذ الصراع شكل مواجهة مباشرة بين الجيوش العسكرية، بل ينفذ عن طريق الوكلاء المحليين من الميليشيات أو المافيات السياسية أو أمراء الطوائف والحروب.
أ ف ب
رجل يجلس أمام مبنى تقليدي قديم في حي الميدان وسط بغداد في 27 مارس
ورغم تراجع العراق عن صدارة الدول الأكثر هشاشة وابتعاده عن دائرة الخطر في تصنيف الدول الهشة، فإنه لا يزال يعاني من تداعيات مؤشرات الهشاشة على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وأكثرها انعكاسا على علاقة العراق مع دول الجوار. فإذا كان من مميزات الدولة الطبيعية أو قوة الدولة هو احتكارها القرار السياسي الخارجي والداخلي، فإن من أخطر مؤشرات هشاشة الدولة هو فقدان هذا الاحتكار. وفي الكيان السياسي العراقي، لا يمكن الحديث عن وحدة قرار الدولة الخارجي، إلا في التصريحات الإعلامية والخطابات الرسمية، لأن الفاعلين السياسيين يتنازعون هذه الخصوصية للدولة. فالعراق محكوم من أقطاب وعناوين سياسية متعددة تتنوع ولاءاتها الخارجية حسب الانتماء الطائفي أو القومي، وربما حتى المصلحي الشخصي على حساب المصلحة العامة للدولة.
تدرك الحكومات العراقية أن البيئة السياسية والأمنية المستقرة هي المدخل الحقيقي نحو دور فاعل وقوي للدولة في محيطها الإقليمي والدولي
وبسبب تعددية مراكز النفوذ والقوى في العراق، تجد أكثر من موقف في السياسة الخارجية. وحتى عندما تكون هناك زيارة رسمية من رؤساء الدول أو الوزراء وحتى السفراء، تجدهم يلتقون بزعماء الأحزاب والقيادات السياسية، ولا يكتفون بلقاء رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء حسب الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية.
وكأنما قدر الجغرافيا المحتوم أراد أن يختبر العراق بجيرانه، فهو مُحاط بين أقطاب إقليمية متصارعة طوال التاريخ، فالعراق ليس مكانا يمكن تجاهله أو عزله، بل يمكن فقط التنافس عليه أو التنافس به وهو في الحالتين كان ولا يزال الخاسر الوحيد. مشكلة العراق في الوقت الراهن ليست في أن جيرانه يتدخلون في شؤونه، بل في أنه عاجز عن أن يؤسس لنفسه هوية تجعله خارج إطار صراع الجيران. بل والأهم من ذلك، أن لا تجعله ساحة لتصفية الحسابات بين هؤلاء الجيران. دول الجوار أرادت استثمار هشاشة الوضع العراقي لتحقيق مكاسب أو لدرء مخاوف، أو لربح نفوذ تفاوضي، أو البحث عن دور. وما زالت تتمسك بخيوط اللعبة العراقية، ولذلك بات التفكير في حلول للمأزق العراقي يستلزم استحضار دور الدول المجاورة.
المشكلة الأخرى، التي بدأت تشير إلى هشاشة الدولة، ومن ثم تؤثر على مصداقية احتكارها القرار الخارجي، هي الكيانات الموازية للدولة. والتي تمثلها جماعات السلاح المنفلت، وباتت تؤثر على خطوات الحكومات في تحقيق الاستقرار الأمني، والذي هو الركيزة الأساسية في توفير بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي، وتحقيق التنمية الاقتصادية.
وليس مستغربا أن نشهد تناقضا في مواقف الكثير من الزعامات السياسية بشأن علاقات وتوجهات السياسة الخارجية العراقية وتؤثر سلبيا عليها، إذ إن الكثير منها يعتقد أن مشكلة بعض الدول الإقليمية ترفض الاعتراف بعناوينها التي فرضت على المجتمع العراقي بقوة السلاح أو النفوذ السياسي. ومن ثم تنعكس المشكلة على توجهات الحكومة في رسم سياستها الخارجية وتتحول إلى قيود تعرقل تطور العلاقات الخارجية واتفاقات التعاون في المجالات الاقتصادية وحتى الأمنية.
علاقة معقدة
على مستوى الرؤية والتنظير، تدرك الحكومات العراقية أن البيئة السياسية والأمنية المستقرة هي المدخل الحقيقي نحو دور فاعل وقوي للدولة في محيطها الإقليمي والدولي. وهذا ما يدركه تماما رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في مقال كتبه بصحيفة “الشرق الأوسط”، عنوانه: “عراق 2050 ازدهار واستقرار وعودة لبغداد الحضارة والريادة”. يؤكد فيه أن “التنمية لا تتحقق إلا من خلال الاستقرارين الداخلي والخارجي. والاستقرار الداخلي يعني سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة. فلن نقبل أن يكون هناك سلاح خارج المؤسسة الأمنية والعسكرية التابعة للدولة. أما الاستقرار الخارجي فيعني بناء الشراكات الإقليمية والدولية. إذ إن موقع العراق الاستراتيجي وعمقه وإرثه التاريخي وثقله الإقليمي ووفرة موارده وتأثيره في اقتصاد العالم، كل ذلك يمنحه القدرة على لعب دور كبير يتناسب مع حجمه الحقيقي، كما أن علاقاته الطيبة مع الدول الشقيقة والصديقة، مهدت الطريق أمامه لبناء شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف مع كثير من دول العالم، ولا يزال أمامنا كثير من هذه العلاقات”.
في المرحلة التي تلت تحرير مناطق عراقية من تنظيم “داعش”، أصبح توجه الحكومات نحو استثمار انفتاح المحيط العربي على العراق، وبدأت تطرح مشاريع التعاون والتقارب
لكن مشكلة هذا الإدراك أنه لا يتحول إلى فعل حقيقي. لذلك نجد الحكومات غير قادرة على استعادة الدولة في المواقف التي تواجهها، وتجعلها متناقضة في خطاباتها وإدراكها لعلاقاتها الخارجية. ففي أي مواجهة مع جماعات السلاح المنفلت، تفقد الحكومة مصداقيتها في قدرتها على تحقيق الاستقرار أو الوفاء بتعهداتها أمام الدولة التي لديها مصالح في العراق. ولعل ما حدث في مهاجمة مطاعم “KFC”، خير دليل على ذلك.
وإلى حد الآن، لم تنجح الحكومات في تفكيك العلاقة المعقدة بين العراق وأميركا وإيران، وأن تبتعد العراق عن شعارات الاستقطابات الأيديولوجية في الصراعات الإقليمية. وأيضا هو تحد جديد أمام السوداني، الذي كان واضحا في حديثه مع السفيرة الأميركية، في بداية تشكيل حكومته، عندما أكد لها أن التعامل مع العراق يجب أن يكون بعيدا عن التفكير التقليدي الذي يريد من العراق أن يكون في خط المواجهة الأميركية مع إيران، ويجب الابتعاد عن الادعاء الكاذب بأن حكومة مقربة أو مدعومة من أميركا يمكن لها أن تقوم بتلك الوظيفة، وإنما المساعدة على تحقيق الاستقرار في العراق ودعم اقتصاده هما اللذان يحققان مصالح البلدين بعيدا عن مهاترات التصعيد والمواجهة مع طهران وأذرعها في العراق.
رويترز
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في البيت الأبيض في واشنطن، 15 أبريل
مع إيران، يبدو أن تعقيدات العلاقة تكمن في رؤية إيران للعراق بأنه ليس منطقة نفوذها فحسب، وإنما هو مرتكز أساسي في رؤيتها للأمن القومي الإيراني. وعلى هذا الأساس هي تريد الإبقاء على هشاشة الدولة العراقية، وتريد المحافظة على نفوذها السياسي. وأمام هذه الرؤية الإيرانية، لا توجد رؤية عراقية قادرة على إقناع الإيرانيين بأن عراقا قويا هو قوة لإيران أيضا، أما البقاء على العراق ضعيفا تمزقه الولاءات والصراعات السياسية، فإنه ينعكس على مصداقية الدولة في العراق.
كذلك، تبدو الحكومات عاجزة عن معالجة مشكلتين أساسيتين مع تركيا. الأولى هي مشكلة المياه التي تشير تقارير دولية إلى أن العراق سيكون في مواجهة أزمة مياه مستقبلا، وهو لا يستطيع أن يواجه هذا التحدي إلا بتنظيم علاقته مع تركيا. أما الثانية، فهي المشكلة الأمنية التي لم تحسمها الحكومات السابقة والحالية، والتي تتعلق بوجود “حزب العمال الكردستاني”، الذي تصنفه تركيا جماعة “إرهابية”، وهو يوجد وينشط في شمال العراق.
التكامل الاقتصادي
في المرحلة التي تلت تحرير مناطق عراقية من تنظيم “داعش”، أصبح توجه الحكومات نحو استثمار انفتاح المحيط العربي على العراق، وبدأت تطرح مشاريع التعاون والتقارب. ومن ثم بدأت حكومة عادل عبد المهدي بالتوجه نحو الشراكة الاقتصادية مع السعودية، والسير بخطوات عملية نحو ترسيخ التعاون من خلال تأسيس مجلسين للتعاون الاقتصادي، الأول على المستوى الحكومي، والثاني على مستوى مجلس تنسيقي لرجال الأعمال السعوديين والعراقيين. ورغم أن البيروقراطية في العراق والمزاجية الشخصية تؤثر على تفعيل اتفاقات ومشاريع التعاون التي أقرتها اجتماعات ولقاءات المجلسين، فإن التوجه نحو الشراكة الاقتصادية مع السعودية، يعد خطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق التكامل الاقتصادي الذي هو بوابة لترسيخ العلاقات بين البلدين.
مجرد التفكير في مشاريع استراتيجية تحقق الشراكة والتكامل الاقتصادي مع المحيط الإقليمي للعراق، يعد خطوة مهمة نحو تحول العراق إلى دولة فاعلة
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في مقال كتبه بصحيفة “الشرق الأوسط” تحت عنوان “قمة جدة… فرصة ذهبية للجامعة العربية لريادة المشهد”، عبر عن رؤيته وطموحه في توفير بيئة آمنة يمكنها أن تحقق التكامل والشراكة بين العراق ومحيطه… “وأعلناها صراحة بأننا لن نقبلَ أن يكون العراقُ منطلقا لتهديد جوارِه العربي والإقليمي، بل نجعلُه مرتكَزا للتلاقي والشراكةِ المبنية على التكامل الاقتصادي لخدمة بلداننا”.
ولذلك، فإن أهم مشروع استراتيجي تعمل عليه حكومة السوداني لتحقيق التكامل الاقتصادي بين العراق وتركيا ودول الخليج، هو مشروع طريق التنمية الاستراتيجي لربط ميناء الفاو مع الحدود التركية، ومنها إلى أوروبا، حيث احتضنت بغداد اجتماعا يضم وزراء نقل دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا وسوريا والأردن، لبحث هذا المشروع الاستراتيجي وتنفيذ ما فيه من ترسيخ لآفاق التعاون الاقتصادي الإقليمي، وتم توقيع مذكرات تفاهم بين تلك الدول.
ومجرد التفكير في مشاريع استراتيجية تحقق الشراكة والتكامل الاقتصادي مع المحيط الإقليمي للعراق، يعد خطوة مهمة نحو تحول العراق إلى دولة فاعلة. لأن الشراكة في الأمن والاقتصاد هي البداية الحقيقية نحو التكامل في العلاقات العربية، والعراق الآن بحاجة إلى خبرات الأردن ومصر في مواجهة الجماعات المتطرفة وتجفيف منابع الإرهاب، ويحتاج إلى مصر في تجربة تأهيل البنى التحتية، ومواجهة أزمة الطاقة الكهربائية، ومتابعة نشاطات جماعات الإسلام الجهادي. ويحتاج العراق إلى الأردن باعتباره بوابته نحو البحر الأحمر من خلال خليج العقبة، ولذلك فإن تنفيذ مشروع مد أنبوب نفط البصرة- العقبة، سيكون نافذة تصديرية لنفط العراق، وفي حال تم ربطه بحقول نفط كركوك يمكن لمثل هذا المشروع الاستراتيجي أن يحقق كثيرا من البدائل لصانع القرار السياسي الخارجي في استخدام ورقة تصدير النفط في الملفات الخلافية بين العراق وتركيا.
لدى العراق الكثير من المقومات التي يمكن أن تشكل أساسا للتكامل والشراكة الاقتصادية، وفي الوقت ذاته لديه الكثير من المشاكل في علاقاته الخارجية
توجه العراق نحو التفاعل في العلاقات الاقتصادية الإقليمية، هو البداية الصحيحة نحو ترميم علاقاته مع دول عربية تواجه تحديات اقتصادية وأمنية مشتركة. والشراكة مع اقتصاديات مستقرة، إذا ما جرت مقارنتها باقتصاد العراق، تعد بوابة نحو إعادة الثقة، وتحويل الشرق الجديد إلى مشروع تاريخي يدافع عن العراقي والأردني والمصري وليس فقط عن حكومات تلك البلدان. ومن جانب آخر، فإن نجاح الخطوات الأولية نحو تجسيد الشراكة الحقيقية بين تلك البلدان، قد يفرض نفسه باعتباره مشروعا اقتصاديا- استراتيجيا جديدا في المنطقة ينافس المشاريع التي تستقطب دول المنطقة وتجعلها في حالة من التصارع بدلا من التكامل.
العراق أولا
تبدو الفرصة اليوم سانحة أكثر من أي وقت مضى أمام العراق لتجسيد الكثير من الشعارات السياسية التي ترفع في اللقاءات والمحافل الإقليمية والدولية، وتنادي بضرورة تطبيق مبدأ مصلحة العراق، وتدعو إلى أن يكون التعامل مع البيئة السياسية والخارجية وفق شعار “العراق أولا”. لكن ذلك يبقى مرتهنا برؤية وسياسات الحكومة في استثمار فكر التعايش الإيجابي مع واقع العراق مهما كان شكل الحكومات أو القوى السياسية التي تقف خلفها. وإدراك القوى الإقليمية أن إقصاء العراق أو بقاءه كدولة فاشلة يؤدي إلى احتمالات معاكسة لما يريده محيطه الإقليمي، ويتم تحويله إلى ساحة لتهديد مصالح الإقليم.
أ ف ب
جنود أميركيون بجوار مركباتهم المدرعة بالقرب من قاعدة للجيش العراقي على مشارف الموصل، في 23 نوفمبر 2016
وعلى العراق أن لا يستمر في تعامله مع محيطه الإقليمي بمنطق ردود الفعل التي تعبر عن عدم وضوح في خطواته للتفاعل الخالي من أي أبعاد استراتيجية أو أفق لشراكة ممتدة. إذ لدى العراق الكثير من المقومات التي يمكن أن تشكل أساسا للتكامل والشراكة الاقتصادية، وفي الوقت ذاته لديه الكثير من المشاكل في علاقاته الخارجية لا يمكن أن تحل من دون تحديد بوصلة التعاون التي يمكن أن تكون ورقة ضغط لحلحلة مشاكل المياه والأمن مع دول الجوار العراقي.
القوى الإقليمية العربية تريد أن ترى عراقا مختلفا عن الماضي القريب، ولكن حتى الآن لا نعرف ماذا تريد القوى الحاكمة في العراق، هل تريده عراقا فاعلا ومتفاعلا مع محيطه، أم أن يبقى ساحة لاستعراض هيمنة نفوذ القوى الإقليمية؟ وإجابة هذا السؤال يجب أن تكون هي البوصلة التي تحدد آفاق سياسة العراق الخارجية نحو البيئة الإقليمية والدولية.
المصدر : https://www.majalla.com/node/322077/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D9%83