عزيز ملا هذال
هل وجدت نفسك في خضم نشاط اجتماعي او ممارسة معينة دون ان تعي لماذا انت هناك، هل سألت نفسك مرة لماذا تساير جماعتك رغم عدم ايمانك الكامل بأهدافهم؟، وهل اختلف تمسكك بسلوكيات الجماعة التي تنتمي اليها بين مرحلة واخرى، وهل للوعي دور في انسياق الانسان ضمن الجماعة بإرادته او بغيرها؟ ثم كيف يمكن ان نشذب انتماءنا سيما في ما يخص الممارسات غير السليمة؟
في الكثير من مفاصل حياته يجد اي فرد منا نفسه يسير خلف رايات غير واقعية ومستجيب لنداءات وهمية وتخيلات غير موجودة يفسرها العقل ثم يصدر قرارها الى الجسد بضرورة المشاركة مع الكل المتشابه مبرراً عدم المشاركة على انه تخلف غير منطقي او غير مبرر او ربما هو تعدي على الجماعة ومحدداتها، ولعل جميعنا وقع في هذا الفخ من غير ان يعي او انه يعتبره جزء من الصواب لكون الأغلبية لا يخطئون.
هذه المسايرة العمياء تعرف نفسياً بـ (العقل الجمعي)، ويعرفها علم النفس بأنها” ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً، ويتجلى تأثير العقل الجمعي في الحالات التي تسبب غموضاً اجتماعياً، وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك المناسب، وبدافع افتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة”.
امثلة على العقل الجمعي:
الامثلة التي نعيشها والتي تشير الى سيطرة العقل الجمعي كثير نذكر منها: مثلا يقوم أحد الحاضرين في المسرح لمشاهدة مسرحية او حضور حفل شعري بالتصفيق عند رؤيته مقطع جميلاً او يسمع مقطع شعرياً يعجبه، بعده تصفيقه يبدأ الجمهور بشكل غير واعي.
والمثال الآخر هو وضع صوت ضحك مسجل في برامج التلفزيون ذات الطابع الكوميدي لرفع مستوى مشاهدات هذه البرامج عن طريق استخدام ذلك الضحك عند اللقطات الفكاهية، فلو كان المشاهدون يجدون أن الضحك المسجل مزعج جداً فإنهم يعتقدون لما كانوا قد فضلوا مشاهدتها.
تحت منطق العقل الجمعي تكون سطوة الجماعة هي الحاكمة على الفرد مما يحدو بالأفراد الى الانصياع التام الى ما ترسمه الجماعة وتنفذه بغض النظر عما اذا كان السلوك صواب ام خطأ، وهذه الظاهرة اشبه بسلوك القطيع الذي يدفع الجماعة إلى الانحياز سريعاً إلى أحد الآراء لهذا تنحصر آراء الجماعات الكبيرة في دائرة ضيقة من المعلومات مما يجعلها ليست منطقية او ليست متعقلة.
وتحت تأثير العقل الجمعي يقف العقل الفردي مسلماً نفسه الى جماعة متعددة الافكار لكن يجمعها هدف وهذا الهدف روج له وأصبح له اتباع في الغالب غير منطقيين ولا مقنعين ويدفعهم قلة وعيهم الى اعتبار ما يسير عليه الكثير يصبح له نسبة عالية من الصواب، ونحن كمسلمين لو تمعنا في آيات القرآن الكريم لوجدنا (اكثرهم للحق كارهون)، (اكثرهم لا يعقلون)، (اكثرهم لا يعلمون)، (اكثرهم كافرون)، (اغلبهم لا يفقهون)، ما يفند الرأي القائل بكون الاغلبية او الاكثرية هي الصواب دوماً.
ولأكون منصفاً ان العقل الجمعي ليس سيئ التأثير والسمعة في جميع حالته فقد حدث في مناسبات عديدة تأثر الناس ببعضها ايجابياً وصار هذا التأثر باباً للمساعدة والتراحم بين الناس كما حصل في جائحة كورنا على سبيل المثال، اذ اصبحت تقديم المساعدات العينية سمة من سمات المجتمع وسارع الكثير من الناس من تقديم اشكال الخدمات، في الحال كان العقل الجمعي طيب الاثر والتأثير والنتيجة، لذا لابد من الاعتدال وتحكيم العقل في جميع السلوكيات والحرص على الوسطية ورفع صوت العقل بدل العاطفة ان أردنا النجاة.
ويختلف تأثير العقل الجمعي السلبي بين منطقة وأخرى او شعب وآخر، فقد تتسع رقعتها بين الشعوب الاقل ثقافة واطلاع بينما تنخفض في البلدان التي يتمتع شعوبها بثقافة اعلى لكونهم يحكمون عقولهم ويظفون على تصرفاتهم منطقية وكل ما يخالف المنطقية بالنسبة لهم مرفوض وان فعلت الدنيا بأجمعها، وهنا يتحكم الوعي بسلوكيات الانسان ويحميه ويحكم سطوته عليه ويمنحه اتزان نفسي كبير.
.
رابط المصدر: