تعتبر التعبئة الجزئية العسكرية لروسا أحدى البوادر لإعلان الحرب مع احتمالات إستخدام روسيا الأسلحة النووية التكتيكية في حرب أوكرانيا. فرغم تأكيدات روسيا حول العقيدة النووية، والتي تنص على على أنه لا يمكن أن تأخذ موسكو زمام المبادرة لاستخدام “الأسلحة النووية التكتيكية”، إلا أنه هناك مخاوف دولية من أن تلجأ موسكو إلى استخدام أسلحة تكتيكية نووية صغيرة “لتغيير قواعد اللعبة” وكسر الجمود في ساحة المعركة.
الأسلحة النووية التكتيكية
تتميز “الأسلحة النووية التكتيكية” في أغلب الأحيان بحجمها أو مداها أو استخدامها لأهداف عسكرية محدودة، وعادة ما يُشار إليها بأنها “أسلحة غير استراتيجية”، على عكس الأسلحة الاستراتيجية التي يعرفها الجيش الأميركي بأنها مصممة لاستهداف “قدرة العدو على الحرب ورغبته في شن الحرب”، بما في ذلك التصنيع والبنية التحتية وأنظمة النقل والاتصالات وغيرها. أما الأسلحة التكتيكية فهي على النقيض مصممة لإنجاز أهداف عسكرية محدودة وفورية بصورة أكبر للانتصار في معركة ما ، ويتم في كثير من الأوقات استخدام المصطلح لوصف الأسلحة الأقل في “القوة”، أو كمية الطاقة المنطلقة خلال الإنفجار.
مدى القدرات النووية الروسية
تشير التقديرات في 21 سبتمبر 2022 إلى أن روسيا تمتلك (5,977) رأساً نووياً، مع أن هذا الرقم يشمل حوالي (1,500) رأس نووي أحيلت على التقاعد ومن المقرر أن يتم تفكيكها. ومن بين الـ (4,500) رأس نووي أو ما يقارب هذا العدد المتبقية، معظمها يعتبر أسلحة نووية استراتيجية – أي صواريخ باليستية أو صواريخ يمكن توجيهها إلى أهداف بعيدة المدى، وهذه هي الأسلحة التي ترتبط عادة بالحرب النووية.
تقول الدكتورة “باتريشيا لويس” مديرة برنامج الأمن الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني “تشاتام هاوس” في 3 مارس 2022 أن أي تحرك لتجهيز ونشر الأسلحة النووية الروسية سوف يكون مرصوداً ومراقباً من جانب الأقمار الاصطناعية للولايات المتحدة وغيرها التي يمكنها الرصد في كل الأجواء رغم وجود سحب أو ظلام دامس. واعتماداً على المعلومات الاستخباراتية والتحليلات الأخرى – وفي ظل فشل كل المحاولات الدبلوماسية لإقناع روسيا بالعدول عن تصرفها – قد تقرر دول الناتو التدخل لمنع إطلاق تلك الأسلحة بمختلف الوسائل. الإرهاب النووي ـ زابوريجيا، تحذيرات من كارثة نووية
العقيدة النووية الروسية
حذر “فلاديمير بوتين” الرئيس الروسي الغرب مراراً من أن أي ارتكاب عمل عدواني ضد روسيا وحلفائها قد يؤدي إلى رد نووي. ليست هذه التهديدات الأولى التي تصدر عن الجانب الروسي فقد لوحت موسكو باللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل منذ بدء أزمة أوكرانيا، ورد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إنه يشك في أن روسيا ستستخدم سلاحاً نووياً. تعتبر العقيدة النووية لروسيا حسب موسكو ليست سرية بهذا الشأن، فهناك وثيقة خاصة تسمى “أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي ” حيث تتطلب “العقيدة النووية الروسية” من دولة معادية من وجهة النظر الروسية إطلاق سلاح نووي على موسكو لاستخدام السلاح النوي.
تنص العقيدة العسكرية الروسية على إمكان اللجوء إلى ضربات نووية إذا تعرضت أراضي تعتبرها موسكو تابعة لها لأي هجمات، وهو ما قد تكون عليه الحال في المناطق الأوكرانية التي جرت عليها استفتاءات لضمها إلى روسيا. وكان قد أجاب “دميتري بيسكوف” متحدث الكرملين في 9 أكتوبر 2022 على سؤال حول ما إذا كان الهجوم على جسر القرم يندرج ضمن مبررات تفعيل العقيدة النووية الروسية قائلاً: “لا، إنها صيغة خاطئة تماما للسؤال”. وتتضمن الوثيقة المتعلقة بالـ”العقيدة النووية الروسية” أربع أسس لاستخدام السلاح النووي وهي: تعرض روسيا لهجوم بصاروخ نووي، استخدام أي أسلحة نووية أخرى ضد روسيا أو حلفائها، تعرض “البنية التحتية الحيوية” لهجوم يشل الردع النووي، ارتكاب عمل عدواني ضد روسيا وحلفائها يهدد وجود الدولة.
استعدادت روسيا لإجراء تجارب نووية
تستعد روسيا لإجراء تجارب نووية في البحر الأسود وسط مزاعم أن معدات عسكرية تتجه صوب الحدود الأوكرانية تابعة للمديرية الرئيسية الثانية عشرة بوزارة الدفاع الروسية. تلك المديرية هي “مسؤولة عن الذخائر النووية وتخزينها وإصلاحها ونقلها وتوزيعها على الوحدات العسكرية الروسية”.
يقول “غرهارد مانغوت” أستاذ العلاقات الدولية بجامعة “إنسبروك” النمساوية في 13 أكتوبر 2022 ” إن نشر روسيا أسلحة نووية يعد بالأمر الخطير مشيراً إلى أن القطار وتعبئة الغواصة “كا-329 بيلغورود” ربما يحملان في طياتهما رسائل نووية. وقد تنتقل روسيا إلى السيناريو الأخطر وهو استخدام سلاح نووي تكتيكي، وأضاف “مانغوت” أنه “لن يُستخدم هذا السلاح في الخطوط الأمامية أو خط المواجهة، وإنما في أماكن بعيدة عن المناطق الأوكرانية الحضرية المأهولة بالسكان، وقد تقدم موسكو على محاولة مهاجمة أهداف سياسية واقتصادية في أوكرانيا.” الإرهاب النووي ـ أوكرانيا، سيناريوهات خطيرة ومحتملة ـ ملف
سيناريوهات استخدام الأسلحة النووية التكتيكية
ركزت تدريبات القوات الروسية في يناير 2022 على جاهزية القيادة والتحكم العسكريين وأطقم القتال والسفن الحربية وناقلات الصواريخ الاستراتيجية، فضلاً عن موثوقية الأسلحة الاستراتيجية النووية شارك في التدريبات القوات الجوية الروسية والمنطقة العسكرية الجنوبية وقوات الصواريخ الاستراتيجية والأسطول الشمالي وأسطول البحر الأسود، ما زاد من احتمالات استخدام روسيا الأسلحة النووية التكتيكية فهناك (3) سيناريوهات محتملة لاستخدامها.
أولاً: يمكن أن يأذن بوتين باستخدام ضربة استعراضية نووية واحدة ، للإشارة إلى حزم روسيا بهذه المسألة، إذ من المحتمل أن تفجر روسيا رأساً نووياً منخفض القوة فوق منطقة غير مأهولة بالسكان ، كالبحر الأسود على سبيل المثال ، لإظهار قوتها وحزمها.
ثانياً: يمكن لبوتين أن يأذن باستخدام أسلحة نووية أصغر حجماً في ساحة المعركة، وربما لتدمير تجمع للجنود الأوكرانيين، لا سيما إذا كانت أوكرانيا قادرة على إجبار القوات الروسية على التراجع عن مواقعها بالقرب من كييف تجاه بيلاروسيا أو روسيا.
ثالثاً: يمكن أن يستخدم بوتين سلاحاً نووياً لتدمير هدف أوكراني ذي قيمة عالية ورمزية، مثل أوديسا أو لفيف، وبالتالي تدمير إرادة أوكرانيا في القتال.
القنبلة الفراغية Thermobaric weapon
هي قنبلة تستخدم الأوكسجين المحيط بها لتوليد انفجار قوي ذي حرارة عالية، وتُنتج موجة الأنفجار ذات أمد طويل مقارنة بالمتفجرات التقليدية. القنبلة الحرارية الفراغية لكونها تحتوي على ذخيرة من وقود صلب يحترق متسامياً بسرعة فائقة متحولاً إلى غاز أو رذاذ ملتهب يتفجر صاعدا إلى الأعلى مسبباً تخلخلاً هائلاً في الضغط في موقع الانفجار. وسميت أيضاً بالقنبلة الفراغية لما تولده من ضغط سلبي (تفريغ) في موقع الانفجار يدوم لبعض أجزاء من الثانية، والحق أن هذه القضية تسبب تفريغاً في البداية يعقبه هجوم للضغط الجوي من جميع الجهات لتعويض الضغط السلبي الناجم عن الانفجار مما يؤدي إلى تدمير مضاعف بالمنطقة المحيطة بالهدف.
تعتبر اواحدة من أشد وأكثر الأسلحة المستعملة في الحرب فتكاً وتتعداها الأسلحة النووية فقط من حيث الخطورة فبات من المتوقع أن تستخدم روسيا الصواريخ “الحرارية ” لتدمير المواقع الدفاعية والكهوف ومجمعات الأنفاق المتواجد فيها الجيش الأوكراني، لاسيما أن هناك مؤشرات سابقة تثبت أن الانفصاليين الذين كانت تدعمهم روسيا في منطقة “دونباس” شرق أوكرانيا كانوا يستخدمونها منذ سنوات. وبات من المحتمل إذا استخدمت موسكو الأسلحة النووية التكتيكية في أوكرانيا فذلك سيلحق مستقبلاً ضرراً كبيراً بعملية تزويد أوكرانيا بالأسلحة الغربية عبر بولندا أو رومانيا.
تقييم
تعتمد روسيا على الدعم الصيني في حربها على أوكرانيا، وتتبنى الصين عقيدة نووية تنص على “عدم البدء باستخدام السلاح النووي”، لذا إذا استخدمت موسكو سلاحاً نووياً فسيكون من الصعب للغاية على الصين الوقوف بجانب روسيا، ومن المحتمل أن تخسر موسكو دعم بكين. وفي حال استخدام موسكو الأسلحة التكتيكية النووية قد يقابله رد عسكري من جانب حلف الناتو، وعلى أسوأ الاحتمالات قد يؤدي لإشعال حرب عالمية شاملة قد تستخدم فيها الأسلحة النووية، ناهيك عن تأليب المجتمع الدولي بأكمله ضد روسيا.
لا تزال احتمالات الروسية استخدام روسيا الأسلحة النووية التكتيكية مباشرة على مدن رئيسية في غرب أوكرانيا، بالرغم من ضعف ترجيحات الدول الغربية حول هذا السيناريو، وتوجد مجموعة من الأسباب قد تجعل موسكو تُعرض عن استخدام “الأسلحة النووية التكتيكية” في أوكرانيا، منها: عدم امتلاك كييف أسلحة نووية يمكن أن تهدد روسيا. رغم ذلك تسعى روسيا الى تصعيد انخراطها أكثر في حرب أوكرانيا وتعزيز مواردها البشرية من خلال التعبئة الجزئية وتعزيز الأسلحة الذكية والتقليدية، لكن يبقى الرهان على ايجاد مخرج سياسي في حرب أوكرانيا من خلال المفاوضات المباشرة قائمة.أزمة أوكرانيا ـ مخاطر تصعيد التسلح النووي والتقليدي.
الهوامش
Putin Could Cripple Ukraine Without Using Nukes
https://bit.ly/3D2gS33
روسيا وأوكرانيا: كم عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها موسكو؟
https://bbc.in/3epsfbC
بعد تهديدات بوتين.. ما مدى قدرة أوروبا على مواجهة هجوم نووي؟
https://bit.ly/3TkPbb1
هل يمكن أن تلجأ روسيا لاستخدام “النووي”؟ وما سيناريوهات الرد؟
https://bit.ly/3CUY6KX
العقيدة النووية الروسية.. 4 شروط “لم تحدث” لإطلاق الترسانة المخيفة
https://arbne.ws/3yBrof4
الولايات المتحدة تحذر روسيا من عواقب “كارثية” إذا استخدمت سلاحها النووي
https://bit.ly/3VoqcoN
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: