د. ناصر عبد المهيمن
بالنظر الى تاريخ العلاقات المصرية الأثيوبية يتضح أنها لم تكن أبداً ذات بُعد واحد (سياسي أو تجاري أو ديني …) فهي تعود إلى عهود مصر القديمة (القرن الرابع الميلادي)، حيث كانت حينها ذات طابع ديني وثقافي، نظراً لإرتباط الكنيسة الإثيوبية بالمصرية، وكانت تبعية الكنيسة الإثيوبية لعقيدة واحدة ورئيس واحد هو المطران المصري، وهو ما يعني تبعية كافة رجال الدين الإثيوبيين له وظيفياً وعقائدياً، بما يضمن الاحترام المتبادل بين الإمبراطور والمطران المصري.
وفي ظل ما شهدته العلاقات السياسية بين مصر وأثيوبيا من تطورات نتيجة لقضية “سد النهضة”، كان لابد من دراسة طبيعة العلاقات التجارية بين البلدين ومدى قوتها وتأثرها بما شهدته العلاقات السياسية من تغيرات متلاحقة، لذا فقد إستهدف هذا التقرير رصد وتحليل العلاقات التجارية بين البلدين خلال العشر سنوات الأخيرة في محاولة لتوضيح العديد من الحقائق ووضع كثير من النقاط نصاب أعيننا بشكل أكثر وضوحاً.
فقد برز دور العلاقات التجارية في دعم العلاقات الاخرى (سياسية، ثقافية، …. إلخ) بين كافة بلدان العالم، فالعلاقات التجارية تعتبر مدخلاً مهماً لتوسيع مناطق النفوذ، وتعزيز المكانة الاستراتيجية. ولبيان حقيقة العلاقات التجارية المصرية الأثيوبية، نتناول فيما يلي تحليل مجموعة من المؤشرات القادة على بيان تطور حجم التبادل التجاري بين مصر واثيوبيا خلال العشر سنوات الماضية.
تطور حجم التبادل التجاري بين مصر وأثيوبيا، العلاقات التجارية تعنى مصالح مشتركة وبيئة قادرة على تعزيز السلم والأمن. وعلى الرغم من انخفاض حجم التبادل التجاري بين مصر واثيوبيا إلا أن الميزان التجاري جاء في صالح الجانب المصري، حيث يستورد الجانب الأثيوبي من مصر ما يعادل نحو 83% من اجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين، في حين يستورد الجانب المصري بما يعاد 17% فقط.
وبتحليل تطور حجم التبادل التجاري بين مصر وأثيوبيا يمكننا التأكيد على عدم قوة العلاقات التجارية بين مصر وأثيوبيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 168.4 مليون دولار خلال عام 2019، وتحقيق التبادل التجاري بين مصر وأثيوبيا خلال العشر سنوات الأخيرة متوسط معدل نمو بلغ 12.8%، شهد عام 2013 تحقيق أعلى معدل زيادة في حجم التبادل التجاري خلال الفترة محل التحليل حيث بلغ معدل التغير نحو 62%، كما شهد عام 2018 أعلى حجم تبادل تجاري بين البلدين بقيمة بلغت نحو 180 مليون دولار، إلا أن عام 2016 شهد تراجعا كبيرا في حجم التبادل التجاري، حيث بلغ نحو 114 مليون دولار مقارنة بنحو 146 مليون دولار خلال عام 2015.
وأخيراً إستحوذت صادرات مصر لأثيوبيا على نحو 83% من إجمالي حجم التبادل التجاري خلال عام 2019 لتستحوذ وارداتنا من أثيوبيا على نحو 17%.
وعليه، فقد تبين لنا جلياً أنه بالرغم من أن مصر وإثيوبيا ترتبطان بعلاقات يمكن وصفها بالتاريخية، إلا أن التواجد التجاري بين البلدين يكاد يكون معدوماً، فكيفينا الإشارة الى أن الوجود الأثيوبي في السوق المصري بلغ نحو 1.1% خلال عام 2019، كما أن الوجود المصري في السوق الأثيوبي بلغ نحو 1.6% خلال نفس العام.
الصادرات المصرية للسوق الأثيوبي، شهدت صادرات مصر السلعية للسوق الأثيوبي تطوراً ملحوظاً، حيث بلغت نحو 139.7 مليون دولار خلال عام 2019، مقارنة بنحو 46.2 مليون دولار خلال عام 2010 لتسجل متوسط معدل نمو بلغ نحو 13.1% خلال الفترة 2010: 2019. وبالرغم من إرتفاع الصادرات المصرية للسوق الأثيوبي خلال الفترة محل التحليل فلم تستحوذ الصادرات المصرية سوى على نحو 1.6% من السوق الأثيوبي خلال عام 2019.
هذا ولقد كان لبند الزيوت العطرية النصيب الأكبر في صادراتنا للسوق الأثيوبي خلال عام 2019 باستحواذه على نحو 21.7%، ثم بند الوقود المعدني بحصة بلغت نحو 14%، ثم اللدائن ومصنوعاتها بحصة بلغت نحو 7.9%، أما بند الأسمدة فقد بلغت حصته نحو 6.9% من إجمالي الصادرات المصرية عام 2019.
الواردات المصرية من السوق الأثيوبي، يتضح تذبذب حجم واردات مصر السلعية من أثيوبيا خلال الفترة محل التحليل، حيث سجلت أعلى مستوياتها خلال عام 2014 بقيمة بلغت نحو 53 مليون دولار، ثم أخذت في التراجع بشكل كبير لتصل لنحو 6.5 مليون دولار خلال عام 2017، ثم ارتفعت لتصل لنحو 29 مليون دولار عام 2019. ونظراً لضعف الواردات المصرية من أثيوبيا، فلم يستحوذ السوق المصري سوى على نحو 1.1% من إجمالي صادرات أثيوبيا للعالم خلال عام 2019.
ووفقاً للتحليل السلعي للواردات المصرية من أثيوبيا، فقد كان لبند الخضر والنباتات النصيب الأكبر في وارداتنا من السوق الأثيوبي خلال عام 2019 باستحواذه على نحو 66%، ثم بند البن والشاي بحصة بلغت نحو 12%، ثم بند البذور والثمار بحصة بلغت نحو 11%، هذا في حين كانت حصة بند السكر ومصنوعاته نحو 6% من إجمالي واردات مصر من أثيوبيا عام 2019.
ختاماً، بينا فيما سبق تطور العلاقات التجارية بين مصر وأثيوبيا في محاولة لإظهار طبيعتها وجعلها أكثر وضوحاً، ويمكننا التأكيد على تأثر العلاقات التجارية في الآونة الأخيرة بما شهدته العلاقات الأخرى (كالسياسية) من تغيرات وبصورة كبيرة، فضلاً عن ضعف العلاقات التجارية بين مصر وأثيوبيا ولا تعكس الإمكانات المتاحة لكلا الجانبين، وهو ما يتطلب (إن كانت هناك رغبة) العمل الجاد من الجانبين على تعزيز وإنعاش التبادل التجاري بين البلدين.
قد تكون محدودية التبادل التجاري بين البلدين سبباً اساسياً في غياب دور العلاقات التجارية والاقتصادية فيما تمر به محاور مفاوضات سد النهضة من تطورات، فلا يمكن لأحد إنكار دور التبادل التجاري القوي بين بلدين أو أكثر، في المساعدة في تجاوز الكثير من الخلافات والأزمات، نظراً لكون العلاقات التجارية تمثل مصالح مشتركة.