اعداد : د. أنس كوييز بن علال – دكتور في القانون و العلوم السياسية من الجامعة المستقلة بمدريد
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
عرف العالم العربي بعد مرحلة الثورات الشهيرة بالربيع العربي إضرابات سياسية و أمنية واقتصادية أربكت حسابات الجميع و أثرت بشكل سلبي على معظم الدول العربية. دفعت هته الثورات إلى ظهور فاعلين سياسيين جدد طالبو بالمشاركة السياسية و دعوا إلى بناء أنظمة جديدة. لكن، أسباب كعدم النضج السياسي، النخبوية و الاقصائية، تدخل القوى الخارجية في الفكر السياسي لهؤلاء الفاعلين الجدد خلق نزاعات داخلية و أجج الصراع حول السلطة مما دفع الفاعلين الكلاسيكيين على غرار الجيش في مصر التدخل من أجل الحفاظ على الدولة ومكتسباتها.
دفعت هذه الصراعات الباحثين في مجال علم السياسة إلى إعادة النضر في مفهوم الأنظمة السياسية. فبين مدافع عن الأنظمة الكلاسيكية، و مدافع عن فكرت الإسلام السياسي و مدافع عن التغيير بصفة عامة اختلطت الأوراق وانعكست سلبيا على واقع هته الدول التي لا زال بعضها يعيش حروبا أهلية و نزاعات سياسية مجهولة المآل. هذا الواقع يدفعنا إلى التساؤل عن جدوى هذه الثورات و عن الحلول المطروحة للخروج من هته الأزمات.
إذا قارنا الوضع في الدول العربية التي شهدت ثورات سنجد أن ابرز الدول التي استطاعت أن تخرج من هذه المرحلة المتوترة هي مصر. فعلى الرغم من أن جميع الظروف كانت متوفرة لنشوب حرب أهلية إلا أن الجيش المصري لعب دورا محوريا من اجل انقاد الدولة و إخراجها من هذا النفق المظلم، بل أكثر من ذلك وضعها في مسار جديد لبناء الدولة المصرية العصرية.
شهدت مصر في وقت قصير ثورتان، أربعة رؤساء وثلاثة دساتير. تعتبر هذه المرحلة هي الأكثر أهمية في تاريخ مصر الحديث. طوال هته الفترة، اندلع صراع على السلطة بين الجهات الثلاث الرئيسية في الدولة، وهم: مبارك ونظامه، جماعة الإخوان المسلمين و مشروعهم الإسلام السياسي، والجيش بهدف الحفاظ على الدولة و استعادة دوره المفقودة. بحث كل طرف على مختلف الطرق على لضمان وجوده على الساحة السياسية. اتسمت العلاقة بين هته الأطراف بالشك، عدم الثقة، التحالف، تقاسم السلطة، والمواجهة. انتهى الصراع باستعادة الجيش للسلطة باعتباره الطرف الأقوى و الأكثر شعبية.
يأتي هذا العمل إلى ملئ الثغرات وإثراء مجال البحث العلمي في العلاقات المدنية العسكرية في مصر خصوصا وفي العالم عمومًا. و يهدف هذا العمل بالأساس تقديم عمل نقدي و صيغة بديلة لعلاقة الجيش بالسياسة في الدول التي تعيش مرحلة ثورات و حروب أهلية و مطامح ديكتاتورية. موازاة مع ذلك، يتناول العمل أيضًا مسألة الإسلام السياسي في مصر و العالم الإسلامي.
الإطار النظري العام حول العلاقات المدنية –العسكرية من الفكر الكلاسيكي إلى الفكر المعاصر
يعد موضوع العلاقات المدنية –العسكرية موضوع نقاش كلاسيكي في العلوم السياسية. فتحديد هذه العلاقة هو أمر صعب لأنه يتعلق بنظام تتفاعل فيه مجموعة من العناصر. إنها علاقة مرنة غير ثابتة و ذي أوجه متعددة، الشيء الذي دفع الباحثين في هذا المجال على مر السنين إلى إعطاء تفاسير مختلفة. بشكل عام، تنطلق التحليلات الفكرية حول العلاقات المدنية العسكرية على أساس القانعة بان العسكر، حتى في حالات الديمقراطية، يشكل خطراً دائماً على السياسة. و من بين المؤسيسنن لهذا الاتجاه نجد أفلاطون الذي اعتبر في كتابه الشهير”الجمهورية” على أن الجنود يعيشون بمعزل عن المجتمع بهدف عدم التردد في فرض إرادة النخبة على الأغلبية.
بصفة عامة، لم يفصل الباحثون الكلاسيكسيون بين السلطة المدنية و السلطة العسكرية، لكن في الوقت نفسه، لم يتجاهلوا هذا المبدأ أيضًا. و يعتبر منتيسكيو من أهم المفكرين الكلاسيكيين في هذا المجال حيث اعتبر أن الفصل بين السلطات المدنية والعسكرية ضروري للحفاظ على الحرية. و استحضر في تحليله العديد من الشروط لمنع إساءة استخدام العسكر للقوة. حيث دعي أولاً إلى الحد من صلاحيات الجهاز التنفيذي و ذلك لضمان “عدم اضطهاد المنفذ”. الصيغة الأخرى هي إخضاع العسكر للسلطة المدنية. أخيرًا، إذا لم يكن الأمر كذلك، يجب أن يكون للمؤسسة العسكرية تواجد متواضع وضعيف. وحسب مونتسكيو في ظل هذه الشروط يمكن للسلطة التشريعية أن “تكسر الجهاز العسكري في أي وقت”. ولكن، يجب أن يكون تدخل المشرع هو الإجراء الأخير، أما الممارسة الرقابية اليومية ف يجب أن تمارس من قبل السلطة التنفيذية. في الوقت نفسه، إن الحفاظ على الدولة يتطلب وجود جهاز عسكري ذي سيادة و خاضع مباشرة للسلطة التنفيذية ومستقل عن تجاوزات السلطة التشريعية. و ذهب دوغيت و هو باحث آخر من المدرسة الكلاسيكية إلى اعتبار أن “أهمية وجود القوات المسلحة تكمن في تواجد القوة المادية؛ وهو شرط ضروري لكي تكون هناك حكومة”. على اعتبار أن هذه الأخيرة هي عنصر من المجتمع وليست شخصًا ذو سيادة. و يجب أن تمتلك الحكومة قوة الإكراه و التي تخضع بدورها بالكامل إلى الحكومة.[1]
في وقت لاحق، بدأ يظهر الفكر الذي يدافع عن الفصل الواضح بين ما هو عسكري وما هو مدني. في هذا الصدد نجد من ابرز الأسماء الباحث اوريوو. هذا الأخير اعتبر أنه من اجل ضمان وجود نظام مدني ، من الضروري وجود مرحلة تتكون من أربعة أنواع من الفصل ؛ و هما ، فصل الفرد عن الدولة ؛ فصل القوة الاقتصادية عن السلطة المدنية ؛ فصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية ؛ وأخيرا فصل السلطة المدنية عن السلطة العسكرية.
و جاء الفكر الليبرالي ليعزز مبدأ الفصل بين السلطات. حيث دافعت الديمقراطية الليبرالية بقيادة المفكرين الأمريكيين عن عدم تدخل الجيش في النظام الأعلى. يعتمد هذا التفسير بشكل أساسي على عدم ثقة الليبرالية في الانقلابات العسكرية وفي الحكومات العسكرية. و بنيت هذه القناعات على أساس التجارب السياسية لدول أمريكا اللاتينية. حول هذا الموضوع يشرح صموئيل آدمز” أن وجود قوة مسلحة دائمة، رغم أنه قد يكون ضروريًا في بعض الفترات، إلا أنها دائمًا تشكل خطرًا على حريات الشعوب. حيث يميل الجنود إلى الإحساس بأنهم فئة مختلفة عن بقية المواطنين. أسلحتهم دائما في أيديهم. يخضعون لنظام و قواعد قاسية. يطيعون بسرعة ضباطهم (…).و لهذا سلطة من هذا النوع يجب أن تخضع لرقابة صارمة”.
من جهة أخرى، لا يمكن بناء الإطار النظري للعلاقات العسكرية ـ المدنية دون الأخذ بعين الاعتبار النظرية السياسية الحديثة أو الغربية، المبنية على أساس مفهومي الديموقراطية و الليبرالية. بدأت الأبحاث حول العلاقات العسكرية ـ المدنية في الظهور خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. ومن النظريات الرئيسية في هذا الصدد نجد نظرية صمويل هنتنغتون التي صاغها في كتابه “الجندي والدولة”. و التي قدم فيها تصورا لحل عقدة هذه العلاقة. و يعتقد هنتنيتون أن الاحترافية العسكرية، بناءً على قواعدها وقيمها الخاصة، تمنح هذه المؤسسة عزلة نسبية عن المجتمع المدني، وبالتالي تسمح بتطوير ما سماه ” بالرقابة المدنية الموضوعية” ، المبنية على تحديد دور كل طرف؛ “حيث يهتم العسكر بمجالهم تحت مراقبة السلطة المدنية”.[2]
بصفة عامة، حاول المفكرون الكلاسيكيون وضع إطار نضري لتحديد دور الجهاز العسكري في الدولة. و جاءت أطروحاتهم لتعكس منضو رهم حول الأوضاع و التجارب التي كان يشهدها العالم و تخدم مصالح دولهم. حيث نجد على سبيل المثال أن النظرية اللبرالية جاءت لتكرس التوجه العام للسياسية الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. تلقت الأطروحات الكلاسيكية العديد من الانتقادات متعلقة بالأساس بنقطة الانطلاق. إن النظريات التي تدافع عن خضوع العسكر للمراقبة المدنية مستوحاة من تجارب الأنظمة الديمقراطية التي مرت بمجموعة من المراحل لتصل في أخر المطاف لترسيخ ثقافة سياسية ناضجة لا مجال فيها لتدخل العسكر في السياسة. فمن عيوب النظرية الكلاسيكية أنها لم تأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين المدنيين والعسكريين في الديمقراطيات الناشئة، وعمليات الانتقال السياسي و مراحل الثورات والصراعات على السلطة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه حتى في ظل الديمقراطية، تتباين العلاقات المدنية العسكرية وفقًا للنظام السياسي القائم.[3]
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى في الانضمة الموصوفة بالديمقراطية تختلف العلاقات العسكرية ـ المدنية وفقًا للنظام السياسي القائم. و يمكننا التمييز في هذه الحالة بين الأنظمة السياسية الموحدة والأنظمة السياسية المنقسمة. حيث تفضل الأنظمة الموحدة مشاركة أكثر للجهاز العسكري، بينما تفضل الأنظمة المنقسمة تركيز الجهاز العسكري على التكوين والجودة على التفاعل أو التدخل في ما هو سياسي.
من خلال ما سبق يمكن القول بان النظريات الكلاسيكية بشكل مفرط على مسألة الرقابة المدنية وخطر التدخل العسكري في السياسة. لكن في نضرنا إن الادعاء بان الجهاز العسكري يجب إن يبقى في جميع الحالات بعيدا عن المشهد السياسي هو أمر غير موضوعي يهمش ويهول من الدور الذي يجب أن يلعبه الجيش كمؤسسة. لأنه ليس من المعقول أن نتجاهل أن الجهاز العسكري هو المسئول في كل الأنظمة عن ضمان أمن و استقرار الدولة وحماية النظام السياسي القائم وجميع المكتسبات الأخرى. فعلى سبيل المثال يعتبر تدخل العسكر في البلدان التي تعرف الصراعات الداخلية على السلطة أو مراحل الانتقال السياسي أمرا ضروريا و حاسما. إذن المشكلة لا تكمن في تدخل الجهاز العسكري في الشؤون المدنية، ولكن في طريقة التدخل، نوعية المشاركة و في خصائص و حساسية المرحلة.[4]
ومن هذا المنطلق، تحاول النظريات البديلة إكمال نواقص النظريات الكلاسيكية. حول هذا الموضوع سنسلط الضو ء على نظريتين رئيسيتين هما: نظرية التوافق التي طورتها ريبيكا شيف ونظرية المسؤولية المشتركة التي أسسها دوغلاس بلاند. أولاً ، أنشأت ريبيكا شيف نظريتها كمحاولة لتدمير الحجة المهيمنة حول ضرورة الفصل بين المدنيين والعسكريين. حيث حثت نظرية التوافق على أهمية الحوار وتبادل القيم بين العسكر والنخبة الحاكمة والمجتمع. فوفقا لنظرية ريبيكا شيف، فإن الحوار يؤدي إلى اتفاق عام يقلل من مخاطر احتكار العسكر للسلطة. واعتبرت ريبيكا شيف أن العلاقات المدنية و العسكرية المتوازنة نسبيا هي تلك التي يوجد فيها اتفاق بين الفاعلين على قدم المساواة. في هذه الحالة، تختفي هيمنة المدنيين على العسكريين، والعكس صحيح. و ذهبت شيف إلى اعتبار أنه يجب تقاسم المسؤولية بين الكيانات الثلاثة: الجيش، السلطة السياسية (الرئيس ، الوزراء ، الخ) والمواطن كحكم عن طريق حقه في التصويت.[5]
من جانبه، و على عكس تصور صموئيل هنتنغتون ذهب دوغلاس بلاند في كتابه “المسؤولية المشتركة” إلى اعتبار أن سلطة السيطرة و المراقبة على الجهاز العسكري يجب إن تمارس من طرف الجهاز العسكري نفسه دون الحاجة إلى إشراف مدني. لذلك، و وفقًا لهذه النظرية، فان العسكر يجب أن يكون مسئولا عن الدفاع وعن الأمن الداخلي والحفاظ عليه. ولكن، سلطات العسكر كما سلطات المدنيين يجب أن تكون مرتبطة دائما بالمحاسبة.[6]
حاولت دراسات متخلفة أخرى تقديم أفكار تعزز من الدور السياسي للجيش. ونستشهد في هذا الصدد بالباحث يهودا بن مائير و الذي بناءً على تجربة إسرائيل، يخلص إلى أن المشاركة العسكرية في الحياة السياسية لا ينبغي اعتبارها “تدخلاً” ، بل هي على الأحرى ” قلق حول الوضع”. و حسب هذا الأخير فان الجهاز العسكري -بحكم دورهم المصيري- يحس دائمًا بالقلق بشأن شؤون الدولة، تمامًا مثلما تهتم و تقلق السلطة المدنية على الشؤون العسكرية.[7]
بشكل عام، يختلف تدخل الجيش في السياسة من تجربة إلى أخرى. تتداخل عدة عوامل في هذه اللعبة. و يعد عدم الاستقرار السياسي الداخلي وعدم قدرة السلطة المدنية على الحفاظ على النظام السياسي من أهم العوامل التي تدفع الجهاز العسكري بالتدخل في الشؤون السياسية. في هذه الحالة، يهدف تدخل الجيش إلى وضع حد للصراعات الداخلية وتثبيت الاستقرار السياسي. فحسب الباحث فينر وودز، فان الفراغ في السلطة يؤدي إلى تدخل الجيش. ويأتي تدخل العسكر لتحقيق عدة أهداف. فمن جهة يمكنه التدخل لحماية النخبة الحاكمة على حساب المعارضة، و يمكن أن يتدخل من اجل أن يتقاسم السلطة مع المجموعة الأكثر نفوذاً و تأثيرا، و في حالات أخرى يمكنه أن يتدخل من اجل الاستحواذ بفرده على السلطة.
و هناك عوامل أخرى قد تفضي إلى تدخل الجيش في السياسة ك تصاعد العنف أو نشوب حرب أهلية. كما أن الصراع على السلطة بين المدنيين يجبر الجيش على التدخل ُ من اجل المحافظة على دوره في استخدام القوة لاعتباره المؤسسة الوحيدة التي لها الحق في هذه الممارسة. و في هذه الحالة، يلعب الجيش دورًا حاسمًا في تحديد شكل النظام السياسي المزمع إنشاؤه.
كما أن هناك أسباب غير مباشرة قد تشجع العسكر أو فئة منهم في التدخل ألا و هي تأثير التكوين المهن و العلمي للجيش على فكرهم. تسييس الجيش هو أولاً وقبل كل شيء ظاهرة اجتماعية. يذهب الباحث المصري مجدي حماد إلى اعتبار أن التكوين الذي يتلقاه العسكريون في الخارج لا يمنحهم المعرفة المهنية فحسب، بل يوعيهم أيضًا بالفجوة الاقتصادية والثقافية الكبيرة بين بلدهم والبلدان المتقدمة المحتضنة لهم. الشئ الذي يرسخ لذي الجيل الجديد من العسكريين أو من مجموعة منهم فكرة ضرورة التغيير و التي يمكن أن تدفعهم حتى للانقلاب على رؤسائهم. هذه الظاهرة لا تفسر فقط بتأثير التكوين العلمي والمهني في الخارج فحسب، ولكن يمكن تفسيرها أيضًا بالأيديولوجية السياسية لهذه المجموعة العسكرية، الخلاف السياسي مع النظام السابق، وكذلك عدم رضا هؤلاء العسكريين عن وضعيتهم الهرمية داخل الجهاز العسكري.[8]
دراسة مقارنة لتدخل العسكر في السياسة
يثير موضوع تدخل الجيش في السياسة خلافا كبيرا في الأوساط العلمية و السياسية. و في رأينا و بعيدًا عن الاعتبارات النظرية نعتبر أن منا قشة إيجابيات و سلبيات العلاقة بين العسكر و السياسة خصوصا في مراحل الانتقال السياسي و الحروب الأهلية هي أكثر أهمية من مجرد توجيه انتقادات عامة.
من جهة أخرى، كون أن السلطة في أيدي مدني لا تعني دائمًا أننا أمام نضام ديمقراطي، بل على العكس من ذلك، إن أكثر الأنظمة السلطوية والديكتاتورية التي مرت في التاريخ كان يقودها مدنيون، وليس عسكريون. إذا نظرنا إلى الحكومات التي كان يقودها عسكريون مثل ديغول، واشنطن، دوك ولنجتون، أتاتورك، يمكننا أن تستنتج أن هؤلاء لم يكونوا أكثر حكام العالم دكتاتوريتا في التاريخ[9]. فعلى العكس من ذلك وضعت السياسة التي نهجها هؤلاء أسس الأنظمة الدموقراطية لاحقا و استطاعوا أن يمهدوا لبلدانهم الطريق نحو التقدم و الازدهار. من جهة أخرى، في إسرائيل مثلا ، على الرغم من أنه جرت العادة أن يتولى القادة العسكريون السابقون مقالد المسؤولية السياسية، إلا أن النظام الإسرائيلي لا يصفه احد على أنه عسكري أو ديكتاتوري. ففي نظر الجميع فأن إسرائيل دولة ديمقراطية.[10]
و من غير المعقول أيضًا اعتبار أن الهدف الأوحد للعسكر هو خدمة المصالح الشخصية أو العسكرية على حساب المصلحة العليا للدولة والشعب. ففي العديد من التجارب، كان وصول الجيش إلى السلطة حاسماً في الانتقال من مرحلة إلى أخرى. لذا الجيش القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة. فكما هو معلوم تسعى الديمقراطية إلى إرضاء جميع الأطراف الفاعلة، ولكن في حالات الصراعات حول السلطة، و في حالات الحروب الأهلية والانتقالات السياسية فإن محاولة إرضاء الجميع يمكن أن تعرض مستقبل الدولة للخطر. و إذا كانت للأطراف المدنية المتنازعة مصالح نخبوية أو شخصية فان لذي الجيش هدف واحد فقط ألا و هو حماية الدولة ومؤسساتها. و هنا يكمن الدور المهم الذي يجب أن يلعبه الجهاز العسكري في الأزمات والصراعات.
الأطروحات الفكرية التي تحث على ضرورة خضوع الجهاز العسكري للسلطة المدنية تنطلق من المعتقد الراسخ الذي يرى على أن كل من السلطتين المدنية و العسكرية منسجمتان ومختلفتان و لكل منهما كيانه الخاص. لكن في واقع الأمر أن المسألة ابعد من ذلك لأنه لا يمكن أن نلغي التعاون الوثيقً بين الجهازين، والذي يتحول في كثير من الأحيان إلى اندماج وأحيانًا إلى سيادة الجيش إذا كانت القضية تتعلق بسيادة الدولة أو بمصلحة مصيرية. بالمقابل، إن تركيز السلطة في يد المدنيين على حساب الجهاز العسكري يمكن أن يكون عامل مساعد للمدنيين لإنشاء نظام ديكتاتوري. و كما سنرى لاحقا في التجربتين المصرية و التركية كان الهدف من إضعاف الجيش و منعه من التدخل في السياسة هو الاستحواذ على السلطة وإقامة نضام ديكتاتوري و سلطوي يقصي الأطراف الأخرى. في مصر استدرك العسكر الأمر بعد الإطاحة بحكم محمد مرسي و لكن في تركيا فإن نظام اردوغان لا زال مستحوذا.
من حيث المبدأ، كانت العلاقة بين السلطة السياسية والجيش تحكمها قواعد بسيطة غير مكتوبة: يمتنع الجيش عن التدخل في السياسة. في المقابل، لا يتدخل المدنيون في تسيير الشؤون العسكرية إلا عن طريق تخصيص اعتمادات عسكرية. منح هذا الاتفاق غير المكتوب تأثيرًا كبيرًا للجيش على السياسة الخارجية والعسكرية. و لكن، في حالة الثورات والحروب الأهلية والصراع حول السلطة والانتقالات السياسية يتدخل الجيش تلقائيًا في الشؤون السياسية الداخلية. و في هذه الحالات، يكون الجيش هو السلطة العليا و الجهة المحايدة الوحيدة القادرة على إدارة الأزمة واقتراح الحلول.
وهكذا، لا ينبغي دائمًا تفسير تدخل الجيش في السياسة على انه بحث عن السلطة. في العديد من البلدان، أدى التدخل العسكري في السياسة إلى ترسيخ مبدأ فصل السلطات المدنية والعسكرية. بالإضافة إلى ذلك ، كان تدخل الجيش في السياسة حاسماً وضروريًا للانتقال من نظام دكتاتوري إلى نضام مدني أكثر دموقراطية، تخضع فيه الأجهزة العسكرية طوعًا وتدريجيًا لإرادة الحكومات المنتخبة ديمقراطيا وتحت سيطرة البرلمانات الوطنية.
تتيح الدراسة المقارنة لتاريخ تدخل العسكر في السياسة استخلاص استنتاجات تدعم الافتراضات المذكورة سابقا. فلقد أظهرت التجارب التاريخية على وجود نوعين من أشكال التدخل العسكري في السياسة. الأول هو عندما يصبح الجيش “سلطة عامة” إلى جانب هيئات الدولة الأخرى. في هذه الحالة، يسعى الجيش غالبًا إلى تكريس سلطته و فرض نفسه على مؤسسات الدولة. النوع الثاني من التدخل هو عندما يقتصر الجيش على لعب دور قوة خارج النظام، ينحصر دوره في هذه الحالة في مرافقة الثورات والمشاركة في إنشاء أنظمة جديدة و يتدخل فقط لتنظيم الوضع القائم، فرض النظام، وحماية مؤسسات الدولة والدستور. بعد الانتهاء من هذه المهمة ، يعود الجنود إلى الثكنات.
هذان الشكلان هما نتاج مجموعة من الأسباب. إن قرار الجيش بالتدخل في السياسة والتدخل في الثورات والتحولات السياسية يعتمد على الظروف والعملية السياسية والاجتماعية التي تختلف من بلد إلى آخر. هذا يعني أن هناك علاقة سببية بين الظروف السياسية و الإستراتيجية والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تفسر هذه الظاهرة. ففكرت التدخل في السياسة ليست فكرة جاهزة و مسبقة لذى الجهاز العسكري. أي انه لا يمكن التكلم عن نية مسبقة في التدخل في السياسة و لكن الظروف السالفة الذكر هي من تدفع و تشجع على هذا التدخل.
إن عجز السياسيين عن إدارة حالات النزاعات الداخلية والصراعات حول السلطة تضع الجيش أمام مسؤوليات ثقيلة تتمثل في إقالة الحكومات واستعادة النظام وتنظيم الانتخابات ومواجهة التهديدات الخارجية. هذه الظروف الخاصة تفرض على الجيش و تسمح له بممارسة بشكل مباشر أو غير مباشر السياسة. إن قرار الجيش بالانسحاب من ممارسة السياسة و تسليمها للمدنيين هو أمر تدريجي ينبع أساسا من إرادة الجيش نفسه. أولاً، يتخذ الجيش هذا القرار عند الانتهاء من حالة الفوضى و الصراع والعودة إلى الحياة الطبيعية، وعند إظهار المدنيين مؤشرات الحكم الرشيد. في هذه الحالة، يرى العسكريون أن دورهم في السياسة أصبح غير ضروري. من ناحية أخرى، فإن مطالب الشعب هي مسألة حاسمة أيضا لا ينبغي تجاهلها. إن رفض هذا الأخير لتدخل الجيش يجبر الجيش على إعادة التفكير في دوره. فكما رأينا في تجربة تنحي حسني مبارك، رغم ولاء قادة الجهاز العسكري له و رغم سيطرته عن الحكم وعن مؤسسات الدولة لمدة ثلاثون عاما إلا أن إرادة الشعب كانت قوية أرغمت الجهاز العسكري و في مدة وجيزة على اتخاذ قرار عزل مبارك تفاديا للدخول في حرب داخلية كما هو الحال في سوريا و ليبيا. في المقابل إذا كانت أغلبية الشعب تطالب ببقاء الجهاز العسكري على اعتبار أن الشعب لا يثق في تسيير المدنيين فانه لا يمكننا الحديث آنذاك عن تسليم للسلطة.
على ضوء ما تقدم، ننتقل الآن إلى تحليل ثلاث أمثلة تاريخية لتدخل العسكر في السياسة. الهدف من هذه المقارنة هو إظهار كيف كان تدخل الجيش عاملاً حاسماً في تعزيز الديمقراطية لاحقًا في هذه البلدان. كل من التجارب التي سنراها هي مختلفة عن الأخرى. لكن حتى لو لم تكن هناك قواسم مشتركة بين هذه الحالات و حالة مصر، إلا أنهم يقدمون جميعا دروسًا يمكن أن تكون مصدر إلهام للعلاقات المدنية -العسكرية في مصر. الحالات التي سندرسها هي على التوالي حالات إنجلترا وفرنسا وتركيا.
إنجلترا
تمثل حالة بريطانيا العظمى أحد أهم الأمثلة على المشاركة الحاسمة للجيش في الانتقال السياسي للبلاد. خلال الحروب الأهلية الإنجليزية في القرن السابع عشر، واكب الجيش التغييرات في النظام وتدخل لحل الأزمات السياسية حتى اندلاع الثورة المجيدة و التي انتهت باسقاط الملك جكوب الثاني من الحكم سنة .1688 اندلعت الثورة عندما أراد الملك جكوب تغيير النظام التقليدي للحكومة في البلاد من خلال فرض سلطة ملكية ودين غير وطني (الكاثوليكي) على الكنيسة الأنجليكانية. مع سقوط جكوب الثاني، بدأت حقبة جديدة وهي حقبة الديمقراطية البرلمانية الانجليزية الحديثة التي ألغت للملك سلطته المطلقة و تم الإعلان عن المبادئ القانونية الشهيرة.
إذا قمنا بتحليل العوامل التي أدت إلى نجاح هذه الثورة، فسنجد أولاً عدم استخدام الإيديولوجيات كوسيلة للوصول إلى السلطة من طرف الأحزاب. احتشدت جميع مكونات الدولة حول قضية واحدة للدفاع عن نفس الهدف. على ارض الواقع كانت فكرة الحفاظ على النظام الاجتماعي والقانوني القائمين حاسمة. حيث عمدت الثورة المجيدة إلى إصلاح النظام القائم بطريقة إيجابية دون إحداث تغيير جذري في أسس الدولة.
إذا قارنا دور الجيش في التجربة البريطانية مع تجربة مصر ، فسنستخلص مجموعة من العناصر المشتركة. أولا يشتبه ما قام به الملك جكوب بالرئيس مرسي حيث ارتكب هذا الأخير أخطا ء حتمت تدخل الجيش، حيث حاول الإخوان المسلمين تقوية نفوذهم سلطتهم على الدستور والبرلمان والشعب. مظهر التشابه الأخر بين التجربتين هو الطابع ألا اديولوجي و لا عقائدي لتدخل الجيش في الثورتين. فمنذ البداية، أعلن الجيش في مصر و على خلاف ما فعل الإخوان أن هدف تدخلهم في السياسة هو استعادة النظام وحماية الدولة و مؤسساتها دون فرض أيديولوجية معينة. كان هذا العامل حاسماً في حشد و مواكبة الشعب للمشروع العسكري. الجانب الأخر المشترك بين الثورتين و الذي ساهم في نجحهما هو أن الثورتين لم تأتيا لإحداث تغيير جذريً ، و لكن جاءتا للحفاظ على النظام الاجتماعي القائم والقيام بإصلاحه تدريجيا.
فرنسا
كانت تجربة فرنسا مختلفة على تجربة بريطانيا. فعلى خلاف الجيش في بريطانيا كان الجيش الفرنسي يتدخل بطريقة متكررة خلال فترة الثورة الفرنسية(1789-1799) ، ولكن هذا التدخل كان أداة مادية هدفها إحداث ثورة من اجل تغيير النظام و لم يكن له توجه سياسي. و جاء انقلاب الجنرال نابليون بونابرت في 9 نوفمبر 1799 حاسماً في تاريخ فرسنا حيث انهي نابليون فترة طويلة من الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية كان سببها الاضطرابات والصراعات حول السلطة.
يجسد نابليون العسكري الذي يؤمن بفكره ومشروعه لحل الأزمات السياسية و بناء دولة قوية. رفض بونابرت الحكومة العسكرية ودافع عن خضوع العسكر لسلطة الدين والعلوم. و من مقولاته الشهيرة حول علاقة العسكر بالسياسة نجد قوله أن “القوة في جميع البلدان تخضع لما هو مدني”. وأضاف أنه “من المستحيل تأسيس نظام عسكري بينما نحن ثلاثون مليون رجل متحدون بالانوارو، الملكية والتجارة ؛ فثلاثة أو أربعة آلاف جندي لا شيء مقارنة بهذه الكتلة “.[11]
و دافع بونابرت عن موقفه بقوله “أنا لست في السلطة لأنني جنرال ، ولكن أنا هنا، لأن الشعب يعتقد أن لديّ إمكانيات تخول لي الحكم “. وتابع “في هذه الحالة، لا يوجد فرق بين المؤسسة العسكرية والشعب، لأن الجيش والشعب واحد”. وفقًا للمؤرخ والباحث في العلوم السياسية السياسي الفرنسي فوغت، فإن تدخل نابليون لم يكن انقلابًا عسكريًا ، لأن الانقلاب العسكري يجب أن يتم من قبل جنرال يتلقى دعم الجيش بأكمله، و تكون نيته هي فرض سلطة مجموعة من الضباط لكي يحكموا لصالح الجيش. لم يكن لدى نابليون برنامج دستوري يؤسس لدور الجيش في السياسة، ولم يطالب بتشكيل حكومة عسكرية ، ولكن أراد بونابرت وضع أسس حكومة مدنية مختلفة عن الحكومة السابقة في فرنسا.[12]
كانت فترة الجنرال ديغول في السلطة حاسمة أيضا في تاريخ فرنسا. فبفضله عرفت فرنسا الخضوع النهائي للجيش إلى السلطة المدنية. فبعد فترة من الصراعات السياسية بين الأحزاب و بين المدنيين والعسكريين وتدخل البعض في دور الآخر، أسس ديغول لسياسة جديدة أصبح فيها للمدنيين السلطة على العسكريين، مع تعزيز دور الرئيس الذي يتولي قيادة الجيش بموجب الدستور، ويتحمل المسؤولية السياسية دون السعي بالضرورة إلى الحصول على رأي القادة العسكريين الذين اصبحو مجرد مساعدين. أثار تقليص ديغول لدور العسكر في السياسة حفيظة مجموعة من الضباط داخل الجيش الذين اتهموه بالخيانة و حاولوا اغتياله مرات متعددة.[13]
تركيا
يمكن اعتبار نموذج تركيا أفضل مرجع لدراسة الثورتين اللتين وقعتا في مصر ودور الجيش في هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر المعاصر. إن التدخل العسكري في مصر والسياسة التي أراد الرئيس السيسي إتباعها تشبه إلى حد كبير السياسة التي وضعها مؤسس دولة تركيا الحديثة والعلمانية مصطفى كمال أتاتورك.
واجهت تركيا أتاتورك ومصر السيسي مشاكل مماثلة ؛ وهي ردة الفعل الإسلاميين وعدم الاستقرار السياسي. وجد الجيش في مصر نفسه أمام ما كان يتخوف منه أتاتورك ؛ محاولة تحويل الدين إلى قاعدة سياسية لتحقيق مصالح حزبية. ولكن ، إذا استطاع الإسلام السياسي في تركيا أن يتعايش مع مبادئ الديمقراطية ودور العسكر، فإن الوضع في مصر جاء مختلفا. يرجع هذا التعايش أساسًا إلى عوامل رئيسية مرتبطة بشكل أساسي بالسياسة المنفتحة و الإحتوائية التي وضعها أتاتورك. أنشأ مؤسس دولة تركيا الحديثة بنفسه أول الأحزاب السياسية الإسلامية، متيحا لهم الفرصة للمشاركة في السياسة و المساهمة في بناء الديمقراطية. من جهة أخرى، لعبت التدخلات العسكرية في السياسة، وكذلك مشاركتها في صياغة دساتير البلاد دوراً حاسماً. حول هذه النقطة، لابد من التذكير على أن الجيش التركي واكب الانتقال السياسي في تركيا، و كان له دور مهم في مراقبة النموذج السياسي الذي صاغه و دعي إليه أتاتورك.
عمل الجيش التركي على التدخل دائمًا عندما كان يرى تهديدًا على النظام السياسي القائم. دعم مختلف الحكومات المنتخبة واسقط كل من أراد تدمير الإيديولوجية الرسمية للدولة. كانت التدخلات العسكرية في عامي 1961 1980لها أهمية خاصة في تاريخ تركيا المعاصر. فلقد أسفرتا عن دستورين كان لهما الفضل في بناء أركان الديمقراطية في البلاد.
لم يكن الهدف الوحيد للجيش التركي هو استعادة النظام الكمالي فحسب، بل وقف أمام الحزب الديمقراطي الذي كان ينوي الاستحواذ على السلطة. وقد استخدم هذا الأخير أدوات الدولة الكمالية لصالحه، من خلال توظيف العامل الديني و تعاطف الشعب مع الإسلام السياسي، و وضع شخصيات استبدادية هدفهم هو إقامة أنظمة دكتاتورية.[14] و يجسد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة دليل نجاح التجربة التركية. تمكن الجيش التركي من حماية الدولة العلمانية التي أنشها أتاتورك وتمكن الجيش أيضا من إجبار الإسلاميين على احترام هذا النموذج. و مع أن حزب العدالة والتنمية الحاكم حاليا هو حزب يزعم أن مرجعيته و اديولوجيته إسلامية محافظة إلا أنه يعتبر حزبًا ليبراليًا معتدلًا ، له ممارسات علمانية.
اظهر النموذج التركي أنه يمكن للجيش الابتعاد عن الحياة السياسية إذا أظهر المدنيون القدرة على الحكم، احترام النظام العام ومؤسسات الدولة، احترام دستور البلاد وامتلاك الشرعية الكافية والدعم الشعبي. من جانب أخر أظهرت التجربة التركية أنه يمكن التغلب على الاختلافات الأيديولوجية بين الجيش والمدنيين.
و إذا كان الإسلام السياسي في تركيا قادرًا على التكيف مع النموذج الذي حدده أتاتورك فهذا يرجع بالأساس إلى الدور المحوري الذي لعبه الجيش الذي كان يتدخل في كل مرة حاولت جهة مدنية السيطرة على الدولة و بعد كل تدخل كان يرجع السلطة للمدنيين لردع المطامح الديكتاتورية. اقتصر دور الجيش التركي على أداء المهام التي فرضها هو على نفسه. بالإضافة إلى ذلك ، كان الجيش دائما يتصرف بدعم من الشعب الذي لم يعارض أبدًا أي تدخل عسكري.
في مصر كذلك، تدخل الجيش في ثورتين من اجل تحقيق نفس الشئ ؛ الإطاحة برئيس فقد شرعيته )حسني مبارك( و كان يريد توريث الحكم لابنه في الثورة الأولى، ورئيسًا بدأ بتأسيس نظام ديكتاتوري جديد في الثانية ) محمد مرسي .(أعطى الجيش المصري -على غرار ما كان يفعله الجيش التركي- الرئيسين الوقت لإيجاد حلول سياسية للخروج من الأزمة. لكن بالنسبة لمبارك ، رفضت فئة كبيرة من الشعب الإصلاحات والوعود التي عرضها و فقد بذلك شرعيته. أما بالنسبة لمرسي، فقد رفض هذا الأخير و جماعته مرارًا وتكرارًا اقتراحات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والجيش للوفاء بوعوده حول المشاركة السياسية و عدم الإقصاء و احترام الدستور.
إذا تمكن الجيش التركي طوال تاريخه من مراقبة الحكومات المتتالية ومبادئ الدولة التي أسسها كمال أتاتورك فالوضع في مصر كان مختلفا لان الجيش المصري بقي طوال فترة حكومة مبارك معزولا عن الممارسة الفعالة للسياسة. سمح سقوط مبارك ودعم الشعب للجيش باستعادة دوره السياسي. لذلك ، كان تدخله للإطاحة بمرسي والإخوان المسلمين حازما وفوريا. جانب آخر مشترك بين التجربة المصرية و التجربة التركية هي انه بفضل سمعة الجيش التاريخية ، فان الشعبين التركي و المصري دعما دائمًا التدخلات العسكرية.
من ناحية أخرى، على الرغم من أن حزب أردوغان والإخوان المسلمون في مصر يزعمون “المرجعية الإسلامية” ، إلا أن هناك اختلافات كبيرة بين الاثنين. أولاً، حزب العدالة والتنمية في تركيا هو حزب ليبرالي معتدل له ممارسات علمانية غربية. في حين أن الحزب الذي أسسه جماعة الإخوان المسلمين في مصر كان حزبا متطرفا و متشددا أيديولوجيًا. فبالنضر إلى السياسة التي كان يتبع يتضح أن هدفه كان تدمير أسس الدولة المصرية ومؤسستها لاستبدالها بنموذج إقصائي جديد لم يتم تجربته على الإطلاق من قبل.
العلاقات العسكرية –المدنية في مصر من مرحلة جمال عبد الناصر إلى مرحلة حسني مبارك
إن أهمية الجيش في مخيلة المواطن المصري و في الواقع أيضا لها جذور تمتد لزمن محمد علي باشا. الجندي في الجيش العثماني و الذي انتخب في عام 1805حاكم لمصر من قبل الشعب، ثم من قبل السلطان العثماني. أطلق عليه المؤرخون المصريون “مؤسس مصر الحديثة ورائد نهضة العالم العربي”. محمد علي باشا هو في نظر المصريين والعرب المثال الأكثر شهرة لزعيم من أصل غير مصري (ألباني) كرس حياته لإعادة بناء مصر. مستفيدًا من التقدم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعسكري الذي تم تحقيقه في مصر، حاول، بحماس شديد تحرير مصر وسوريا من السيطرة العثمانية.
تباينت العلاقات المدنية -العسكرية في مصر بشكل كبير و اختلفت مع اختلاف فكر كل رئيس و اختلاف الظروف السياسية القائمة. وعلى الرغم من أن الرؤساء المصريين كلهم ينتمون إلى الجهاز العسكري إلا أن كل رئيس طور سياسية خاصة تجاه هذا الجهاز. ولهذا فان اعتبار أن الجيش المصري هو من حكم الدولة منذ الإطاحة بالملك فاروق هو حكم مسبق و غير موضوعي. فأولا و قبل كل شيء الجهاز العسكري في مصر ليس منظومة موحدة، فمنذ المراحل الأولى لتوليه الحكم ظهرت داخله صراعات و اختلافات ايديلوجية و سياسة جعلت من قدرة الرئيس على كسب ثقة الجهاز و فرض نفسه عليه المفتاح الأساس لبقائه في الحكم فبالنظر إلى سياسية الرؤساء المصريين سنجد أن كلا من جمال عبد الناصر و أنور السادات و حسني مبارك و حتى عبد الفتاح السيسي لهم رؤية مختلفة لدور المؤسسة العسكرية في الدولة و علاقتها بالسياسية. هته التوجهات المختلفة أدت إلى وجود منافسة و صراع دائم داخل الجهاز العسكري. و من اجل فرض التوجه الخاص بكل رئيس نهج كل هؤلاء سياسية عزل المنافسين و المعارضين، تغيير منصبهم أو تجريدهم من دورهم السياسي.[15]
كان الاختلاف بين ضباط الجيش المصري قائما حتى قبل القيام بالثورة على الملك فاروق سنة1952 . وكانت هته الانقسامات هي سبب عدم إنشاء الحزب الوحيد في مصر. تباين المشروع السياسي بين المنادي بفكر الإخوان المسلمين، و تيار اليسار و الفكر الوطني. كانت فكرت الضباط الأحرار قبل تنفيذ الثورة حسب اتفاقهم هي تسليم الحكم للمدنيين على أساس إنشاء نظام ديمقراطي. هذا الهدف هو ما دفع عدد كبير من الضباط للمشاركة في الثورة و على رأسهم الجنرال الوحيد من بين الضباط محمد نجيب والذي تولى الحكم بعد نجاح الثورة. فيحين كانت فكرة عبد الناصر هي إدارة الجيش للسياسية و تنفيذ مشروعه الاشتراكي. احتدم الصراع بين نجيب و مؤيديه و بين عبد الناصر و مؤديه. و تمكن عبد الناصر من الانتصار في هذه الصراع بعد سيطرته على مؤسسات الدولة و كسب ثقة الشعب المصري فيه و في مشروعه و مساعدة جماعة الإخوان المسلمين له ليفرض توجهه على الجهاز العسكري.[16]
و عرفت العلاقات العسكرية المدنية في مصر إبان فترة حكم أنور السادات منعرجا مصيريا. رفض أنور السادات عند وفات عبد الناصر طلب الضباط بإنشاء وحدة عسكرية لتسيير شؤون الدولة إلى حين تعيين برلمان و دستور جديد للبلاد. اعتبر السادات هذا الطلب بمثابة محاولة مجموعة من الضباط السيطرة على الحكم. عمل السادات منذ توليه الحكم على عزل كل أتباع الرئيس السابق جمال عبد الناصر كما عمل على إقالة و إبعاد الضباط الذين لهم توجهات مخالفة للمشروع السياسي الذي كان يريد تنفيذه. و كان على رأسهم كل من علي صبري و محمد فوزي و حسين الشافعي و الشاذلي. أبعد السادات الجهاز العسكري عن الممارسة أو المشاركة المباشرة في السياسة و قلص دوره في ممارسة المهام العسكرية. و كان لهذه الإستراتيجية الفضل في الانتصار على إسرائيل في حرب أكتوبر لان إبعاد العسكر عن السياسة جعلته على عكس العسكر في عهد عبد الناصر أكثر احترافية و أكثر قوة.[17]
كان حسني مبارك هو اكبر مستفيد من سياسة السادات في إبعاد العسكر عن الممارسة السياسية. فعند تسلمه الحكم وجد مبارك الأرضية ممهدتا لبناء نظامه دون تدخل أي طرف. أكثر من ذلك استنفاذ مبارك من إستراتيجية السادات بتعيين في المناصب العليا الضباط الذين ليس لهم توجهات سياسية أو رغبة في ممارسة السياسة. رسخ مبارك لهذه السياسة و أعطى لكبار المسئولين العسكريين امتيازات مالية و اقتصادية و عينهم في مناصب إدارية مهمة ليكسب بذلك ولاءهم له. و على غرار سياسة عزل المنافسين التي نهجها الرؤساء السابقين أقال مبارك وزير دفاعه ابو غزالة. كان ابو غزالة مقربا له و لم يكن له رغبة في الحكم، إلا أن تقربه من الولايات المتحدة الأمريكية و من الإسلاميين و شعبيته داخل الجهاز العسكري و سمعته الجيدة في وسائل الإعلام أثارت مخاوف مبارك مما دفعه إلى عزله و تعيين مكانه الجنرال طنطاوي الذي بقي معه حتى ثورة يناير 2011 . و ولمواجهة الجهاز العسكري قام مبارك بتقوية القوات الأمنية التابعة له مباشرة عن طريق وزارة الداخلية معطيا لها صلاحيات أمنية و سياسية كذلك. وعمل مبارك على بناء أجهزة استخبراتية ضمنت له مراقبة المؤسسات. [18]
و لكن، رغم كل هذا فان النزاعات السياسية و الإرادة الفطرية للجهاز العسكري في التدخل في السياسة لم تمت رغم كل استراتيجيات السادات و مبارك. هته السياسية الاقصائية للجهاز العسكري هي التي دفعت بهذا الأخير إلى عدم التردد في عزل مبارك عند نشوب ثورة يناير2011 . و كانت القطرة التي أفاضة الكأس هي محاولة مبارك تفويت الحكم لابنه جمال، الشئ الذي كان سيضرب بتاريخ الجهاز العسكري و دوره التاريخي في مصر. و كما سنرى لاحقا في مرحلة حكم عبد الفتاح السيسي فبعد عزل مبارك و محمد مرسي استرجع الجيش المصري دوره القيادي في ممارسة السياسة ممارسة فعلية أكثر ممثلتا في رئيس يمثل الجهاز العسكري بأكمله و يمارس إرادة الجيش أكثر من أي مرحلة مضت.
المفتاح الأخر لضامن استمرار الحكم لرؤساء مصر هو دعم الشعب للمرشح الرئاسي العسكري ولمشروعه السياسي. فلا احد يمكنه أن ينكر ثقة الشعب المصري ودعمه للجيش. كان هذا العامل أساسي في تولي العسكر مقاليد الحكم. و لا نبالغ إذا قلنا بأنه بغض النضر عن جميع الاعتبارات فان الشعب المصري لم يشك أبدا في الدور المهم للعسكر. و تعتبر ثورة يونيو 2013و انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي سنة 2014 و اعادت انتخابه سنة 2018 بنسب عالية اكبر دليل على هذا. ففي عز الثورات العربية و التي أفضت إلى الإطاحة بالعديد من الرؤساء العرب، و على الرغم من التدخل الخارجي و التعاطف المتصاعد في الأوساط العربية و الدولية مع الإسلام السياسي إلا أن الشعب المصري و جيشه استطاعوا استعادة الحكم من جماعة الإخوان المسلمين.[19]
من ناحية أخرى، إن بقاء النظام القائم في مصر يعتمد على معايير أخرى كوفاء رئيس الدولة بوعوده السياسية، الدفاع عن قيم الأمة (الأيديولوجية والدين)، أمن و استقرار البلد ( إسرائيل سابقا والإرهاب حاليا)، و بطبيعة الحال تحقيق التنمية الاقتصادية. لكن، اختلف رؤساء مصر في تصنيف الأولويات و السبل من اجل تحقيقها، و كانت هته الاختلافات هي مصدر النزاع بينهم. تشبث جمال عابد الناصر بفكره الاشتراكي، فعلى الرغم من أن هذا النظام لم يقدم النتائج المطلوبة على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي إلا أن عبد الناصر كان متشبثا به، معطيا بذلك لبقاء هذا النظام أولوية أكثر من الوضع في البلاد. كما أن سياسة عبد الناصر الخارجية كانت عدائية فعلى الرغم من خسارته المتكررة في الحرب مع إسرائيل إلا انه لم يفكر في سياسة بديلة. و في جميع الحالات كان الشعب المصري و كذلك العربي وراء سياسته و كان عبد الناصر بمثابة زعيم العربي.[20]
استنفاذ أنور السادات من تجارب عبد الناصر ليؤسس لنظام جديد مغاير تماما للنظام السابق. تميزت سياسية السادات بالواقعية. فبعد تمكنه من التغلب داخليا على معارضيه، شن السادات حربا محدودتا على إسرائيل لاسترجاع سيناء. مكنه الانتصار في هذه الحرب من استرجاع مصر لمكانتها الإقليمية، كما مكنته معاهدة كامب ديفد للسلام مع إسرائيل من الاستفادة من المساعدات و الاستثمارات الأجنبية، واضعا بذلك حدا للنظام الاشتراكي السابق و لعداء الدول الغربية. إذن يمكن القول أن أنور السادات أعطى أولوية للنهوض بالدولة و لاستقرارها على حساب التشبث بنظام و مبادئ الدولة. لكن، رغم النتائج الايجابية إلا أن المعادلة التي صاغها السادات كلفته حياته.
و تعتبر مرحل مبارك هي الأقل توهجا من حيث دور رئيس الدولة. حيث انه لم يكن لمبارك فكر سياسي واضح و لا أهداف بعيدة المدى. اكتفى مبارك بالنتائج التي حققها الرؤساء السابقون حيث استنفاذ من عدم تدخل العسكر في السياسة، حافظ على العلاقات السلمية مع إسرائيل و مع الغرب، نهج نفس أسلوب الانفتاح لأنور السادات و أعطى أولوية كبرى للمبادئ و القيم، متيحا لجماعة الإخوان المسلمين المشاركة الشكلية في السياسة. لكن كانت لهذه المعادلة السلمية التوافقية نتائج سلبية نتج عنها تدهور اقتصادي و اجتماعي و سياسي و ترسيخ للفساد داما طيلة مدة حكم مبارك إلى حين تنحيه، تاركا ورائه وضعا كارثيا يتطلب مجهودا جبارا لتصحيح أخطاء و سوء تخطيط ثلاثون سنة.[21]
مرحلة الرئيس السيسي: مشروع إعادة بناء الدولة
في السلطة بعد ثورتين، يواجه عبد الفتاح السيسي وضعا غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث. تعتمد شرعية السيسي على التزامه بتحقيق تطلعات ثورة 25 يناير2011 . للنجاح في مواجهة هذا العبء الثقيل اعتمد السيسي على مشروع طموح يرتكز على إعادة بناء الدولة، تحقيق النمو الاقتصادي، تثبيت الاستقرار و الأمن وتعزيز ريادة مصر إقليميا.
ترك سقوط مبارك فراغًا سياسيًا كبيرا أدى إلى احتدام الصراع على السلطة والخلاف بين النخب والفصائل السياسية. كان لانتخاب مرسي عن جماعة الإخوان المسلمين دليلا على مصداقية الانتخابات الرئاسية كما كان دليلا أيضا عن عدم وجود قوة سياسية مدنية في مصر قادرة على منافسة حزب جديد النشأة ليس لذيه تجربة سياسية كافية ورؤية واضحة ولاحتا برنامج سياسي يخولون له قيادة دولة بحجم مصر. أدت الممارسات السلطوية لمرسي و السياسات المتضاربة و المنتهكة للدستور إلى بزوغ بوادر الفوضى و عدم الاستقرار. في هذه الظروف اضطر الجهاز العسكري من جديد التدخل كما تدخل عند تنحي الرئيس حسني مبارك. أولا لمواجهة أزمة سياسية يمكن أن تضعف وتقسم الدولة؛ و ثانيا لتجنب احتكار النخبة الحاكمة للسلطة المطلقة، وثالثا لتجنب حرب أهلية.
في ظل هذه الظروف، ظهر عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع خلال حكومة مرسي. كان دوره خلال هذه الفترة المضطربة هو إنقاذ البلاد من الجمود السياسي والتنافس والكراهية والعداء بين مختلف الجهات الفاعلة التي تقاتل من أجل السلطة. جعلت منه مواقفه و قراراته خلال سقوط مرسي بطلا في عيون جزء كبير من الشعب. بعد مطالبة شعبية ترشح السيسي للانتخابات الرئاسة التي جرت في 24 مايو 2014، تم انتخاب على اثرها رئيسًا جديدًا بنسبة 97٪ من الأصوات. أظهرت الأرقام الرسمية انخفاض المشاركة التي لم تتجاوز 47.5 ٪ (23.780.000 صوت). ومع ذلك ، تجدر الإشارة إلى أن السيسي فاز بعشرة ملايين صوت أكثر من الأصوات التي حصل عليها الرئيس السابق مرسي خلال انتخابات 2012 (13 مليون صوت). و أعيد انتخاب السيسي لولاية رئاسية جديدة سنة 2018 بنسبة فاقت 97 في المئة من الاصوات و ما يناهز 22 مليون صوت في غياب مرة أخرى لمنافس حقيقي.
لكن على الرغم من ثقة جزئ مهم من الشعب فيه فان الرئيس السيسي يواجه تحديات كبيرة. فمن جهة، تعتبر مسؤوليته الأولى هي الاستجابة إلى المطالب الأساسية للثورتين و المتمثلة في تنمية الاقتصاد و توفير فرص الشغل. و من جهة أخرى يجب أن يبرهن السيسي على أن نظامه سيكون مخالف لنضام مبارك. و أخيرا يجب أن يبرهن الرئيس السيسي على انه يمكن لرئيس ذي مرجعية عسكرية أن ينجح في السياسة وعلى أن هذه المرحلة تتطلب تدخل الجهاز العسكري.[22]
من الناحية النظرية، فإن عمليات التغيير السياسي لا تؤدي بالضرورة إلى إقامة ديمقراطية فورية، خاصة إذا جاء التغيير بعد ثورات وصراعات حول السلطة. في كثير من الحالات، تؤدي الانتقالات السياسية إلى تأسيس سلطوية ناعمة، أو في أفضل الحالات إلى نشأة نظام قريب من الديمقراطية. في حالة مصر، عوامل مثل الدور الحاسم والتاريخي للجيش في البلاد، مخاطر الإسلام السياسي وسعيه إلى السلطة، الوضع الجيوسياسي المضطرب وتدخل جهات خارجية في الشؤون الداخلية أثرت على مسار التغيير.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل نحن فعلا أمام نضام عسكري. سيساعدنا تحليل الدستور المصري على توضيح طبيعة النظام السياسي الحالي في مصر. أولاً من خلال تحليل الإطار القانوني للعلاقات المدنية – ألعسكرية ثم تحليل النظام السياسي القائم. تستند علاقة الجيش بالسياسة إلى المادة الدستورية التي تنص على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. و يمكن القول أن هذا الربط هو الإطار القانوني الوحيد الذي يشير إلى العلاقة بين العسكر و السياسة في مصر. هذا يعني أنه من خلال الدستور فإن النظام في مصر ليس عسكريا.
وضعت الدساتير التي اعتمدت تحت رئاسة جمال عبد الناصر أسس النظام السياسي الجديد في مصر. و لم تؤسس الإصلاحات التي أدخلها الرؤساء اللاحقون لدور الجيش كجهاز، ولكن كانت تقتصر على تعزيز سلطات رئيس الدولة الذي يتولى السلطة التنفيذية و التشريعية. و من اجل تفادي إي تدخل محتمل للجيش، نحى الرؤساء المصريون الجيش عن الممارسة الفعلية للسياسة لصالح الرئيس، و أقرو استقلالية السلطة المدنية.
و على عكس المتوقع غيرت ثورة 25 يناير 2011 الوضع قليلا. نتج عن الصراع على السلطة بين الجيش والإخوان المسلمين اتفاق يحافظ رسميًا على استقلال المؤسسة العسكرية عن مراقبة المدنيين و ضمان حماية امتيازاتهم. فوفقًا لدستور 2012 – الذي تم تبنيه في ظل نظام الإخوان المسلمين – احتفظ الجيش بسلطة تعيين وزير الدفاع لفترتين. بالإضافة إلى ذلك، تم إقرار أن غالبية أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيكونون من أصل عسكري، وأخيراً ، أجازة المادة 198 تقديم المدنيين إلى المحاكم العسكرية. و منح هذا الدستور الجديد وزارة الدفاع مزيدًا من الاستقلالية، حيث يراقب الجيش جهاز المخابرات ووزارة الداخلية. و بالإضافة إلى استقلال المؤسسة العسكرية يتمتع الجيش أيضًا بالحصانة القانونية. حول هذه النقطة، لا يشير الدستور إلى أي سيطرة للمدنيين على الجيش. هذه المؤشرات تظهر أهمية العسكر في الدولة كما تظهر نية جماعة الإخوان المسلمين في أن هدفهم الوحيد و الأوحد كان هو الوصول إلى السلطة وليس تجسيدا للدموقراطية كما كانوا يدعون. فإعطاء المؤسسة العسكرية كل هذه الامتيازات و التي لم تكن موجودة هي علامة على أننا لسنا أمام نضام مدني و لكن أمام نضام وافق على أن يتقاسم الحكم مع المؤسسة العسكرية.
من جهة أخرى إن تولي السلطة من قبل رئيس موالي للجيش لا يفسر طبيعة النظام السياسي القائم. هذا يعني أنه لا يمكن تصنيف النظام السياسي الحالي في مصر على أنه عسكري أو سلطوي أو ديكتاتوري لسبب وحيد هو أن رئيس الدولة كان ينتمي للجهاز العسكري أو هو موالي لهذا الجهاز، أو لأسباب استقلال الجيش والحصانة التي يتمتع بها. على الرغم من أن أفرادا من الجيش تشارك في تسيير شؤون الدولة، إلا انه لا يوجد مرجع دستوري يؤسس لهذه الهيمنة.
من الناحية النظرية، إن مساهمات الباحثين في العلوم السياسية لا تتوافق حول إطار نضري موحد لتصنيف الأنظمة السياسية. من الصعب رسم الحدود بين نظام الديمقراطي ونظام سلطوي. معظم الأحكام التي وضعها الباحثون في هذا المجال هي أحكام تعسفية تفتقر إلى الموضوعية. إن معظم الانضمة السياسية الحالية في العالم هي أنظمة معقدة بمعنى انه لم يعد هناك نوعان واضحان من الأنظمة، أي الأنظمة الديمقراطية الكاملة مقابل السلطوية المطلقة. لكن الأنظمة السياسية الحالية هي أنظمة وسيطة ومختلطة ومتطورة باستمرار. و يمكننا تصنيف النظام في مصر حاليا بين هذه الأنظمة الوسيطة. فوفقًا للدستور، يقر النظام المصري بالتعددية الحزبية، التناوب السلمي للسلطة، و الفصل بين السلط وتوازن القوى. المعيار الأخر لتصنيفات الانضمة السياسية هو معيار الانتخابات الرئاسية. فسوائا في الانتخابات الأولى أو الثانية جاء نجاح السيسي و باعتراف المراقبين الدوليين و عن طريق انتخابات حرة و نزيهة.
لكن في الوقت نفسه، تتركز السلطة في يد الرئيس حيث يستمتع هذا الأخير بصلاحيات مهمة كسلطة تعيين رئيس الوزراء لتشكيل الحكومة، وسلطة حل الحكومة، تعيين مجلس الوزراء، تحديد التوجه العام لسياسة الدولة والإشراف على تنفيذها. و رئيس الدولة هو في نفس الوقت القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولديه أيضًا سلطة إعلان حالة الطوارئ. بمقارنة هذا النظام بالأنظمة السياسية الأخرى في العالم، يمكننا أن ننتقد المبالغة في تركيز السلطة في أيدي الرئيس، و لكن، تجدر الإشارة إلى أنه من خلال الثقافة والتقاليد السياسية في البلاد، فإن السلطة في مصر كانت دائما مركزة في يد رئيس الدولة حتى قبل الثورة التي أطاحت بالملك فاروق. هذه الممارسة تعكس تفضيل وثقة الشعب المصري تجاه الحاكم. إضافة إلى هذا فان هناك أنظمة سياسية أخرى في العالم كفرنسا تعتمد على نظام تركيز السلطة في يد الرئيس لكنها تعتبر في نضر الجميع أنظمة ديمقراطية. إذن المسألة لا تتعلق بمحاولة التصنيف و لكن لكل نضام سياسي خصائصه التي تتمشى مع الشعوب.
قبل أن نتطرق للنتائج الإيجابية التي حققها النظام الحالي تتطلب منا الموضوعية في التحليل ان نقف كذلك على الجوانب السلبية. فكما هو معلوم معظم الانتقادات التي توجه للنظام القائم تتمحور بالأساس حول حرية التعبير و احترام حقوق الإنسان و التي في رأى المتتبعين عرفتا تراجعا خلال السنوات الأخيرة .فحسب مؤشر صحفيون بلا حدود لسنة 2019 المتعلق بحرية الصحافة في العالم فلقد احتلت مصر المرتب 163 من بين 180 دولة بمعدل 56,47، على اعتبار أن معدل 7,82 -و الذي حققته النرويج- هو الأفضل في العالم و معدل ,4083 -لكوريا الشمالية- هو الأسوء في العالم.[23]
بدون شك هذا المركز المتدني لا يرقى لتطلعات الشعب المصري الذي خرج في ثورتين من اجل المطالبة بالتغيير. لكن، كما يعلم الجميع تواجه مصر منذ ثورة يناير2011 تحديات أمنية كبيرة و نزاع داخليي و تدخل خارجي كان قريبا من أن يؤدي إلى حرب أهلية ليدخل البلد في نفق مظلم على غرار البلدان العربية الأخرى. كان لاستخدام الإعلام دور أساسي في شحن الشعوب العربية من اجل القيام بالثورات للإطاحة بالانضمة القائمة من اجل تعويضها بأخرى تخدم مصالح دول أجنبية على غرار تركيا و قطر. هذه الحرب الإعلامية أجبرت السلطة في مصر على تشديد المراقبة على الحريات.
و جدير بالتذكير في هذا الصدد فان تركيا و التي تعتبر اكبر منتقدة و منافسة للنظام في مصر و المحتضنة لمعارضي النظام الحالي تحتل بدورها المركز 157 بمعدل 52, 8 و هو معدل قريب جدا من مصر. فإذا كانت مصر تمر بمرحلة حرجة تطلبت التضييق على الحريات نتساءل لماذا تركيا تعرف هي الأخرى تدني في الحريات رغم أن النظام القائم يدعي الديمقراطية.[24]
من جهة أخرى دفعت الوضعية الأمنية المتوترة في سيناء إلى اتخاذ إجراءات أمنية للحد من خطر توغل الإرهاب في المنطقة و الذي يهدد امن و استقرار الدولة و مؤسستها. إلى جانب التحديات التي تمر بها مصر من حيث إعادة بناء الدولة وأمنها فان النظام القائم يجب أن يتعامل أيضا مع المشاكل التي خلفها النظام السابق. كل هذا أدى إلى عدم استقرار اجتماعي وسياسي و اقتصادي وأمني صعب الأمر على النظام و دفعه إلى نهج سياسة أمنية صادرت الحريات و كانا لها انعكاسات سلبية على احترام حقوق الإنسان.
و من أبرز المشاكل التي يواجهها المشهد السياسي في مصر هو عدم قدرت الأحزاب السياسية على المنافسة و ضعف تأثيرها في الواقع. يرجع هذا الخلل إلى وجود مجموعة من المشاكل أهمها أن هذه الأحزاب هي في الغالب أحزاب نخبوية ، تفتقر إلى الخبرة وتعاني من مشاكل داخلية كبيرة كالصراع على القيادة، الصراع بين الأجيال، و الخلاف حول الأهداف بالإضافة إلى ضعف البرامج السياسية و الفساد. و شهدت مرحلة ما بعد ثورة يناير تأسيس أحزاب سياسية جديدة ليتجاوز عددها 90 حزبا سياسيا. و بطبيعة الحال هذه المشاكل هي نتاج لسياسات الرؤساء السابقين الذين تدخلوا في هذه الأحزاب واضعفوا من استقلاليتها و دورها و جعلوا منها حليفا يشارك النظام في توجهه العام.
أثرت هذه الأسباب و غيرها على شعبية الأحزاب السياسية و جعلتهم غير قادريين على منافسة مرشحي الجهاز العسكري. فحتى في مرحلة ما بعد مبارك لم تستطع الأحزاب السياسية منافسة مرشحي جماعة الإخوان المسلمين، واقتصر الصراع في الأخير بين مرشح الإخوان )محمد مرسي( و مرشح من الجهاز العسكري) أحمد شفيق(. نفس الشيء في الانتخابات التي فاز فيها السيسي فلم يكن هناك منافسين بارزين.
معضلة أخرى تواجهها مصر هي مشكلة الفساد. فحسب المؤشر الدولي للفساد فان مصر احتلت سنة 2019 المرتبة 106 من بين 180 دول 180 وهي مرتبة متدنية. ففي السنوات الأخيرة سجلت مصر بين سنوات 2014-2019 نسبة 100/34 إلى نسبة 100/35 على اعتبار أن نسبة 100 هي أعلى من عدم الفساد. و الملاحظ أنه منذ سنوات و نسبة الفساد في مصر مستقرة و هذا في حد ذاته أمر إيجابي لأنه بالنظر للظروف السياسية التي مرت منها الدولة فمن الطبيعي أن تتدهور هذه النسبة. و ارتبطت مرحلة حكم مبارك بتفشي هذه الظاهرة. و إذا عجز النظام الحالي في مصر عن ارتقاء بهذا التصنيف فانه على الأقل لم يسجل تراجعا. فعلى سبيل المثال تسجل تركيا بدورها نسبة فساد مرتفعة، والأكثر من ذلك فإن تصنيفها في تراجع أي أن نسبة الفساد في ارتفاع مستمر. فبين سنوات 2012 – 2019 تراجعت تركيا عشرة مراكز فمن نسبة 100/ 49 إلى نسبة 100 /39 في سنة 2019 لتحتل المركز .[25].91
ولا يمكننا أن نمر على موضوع الديمقراطية دون التعرف على موقف الرئيس السيسي في هذا الشأن . فلقد أعرب السيسي مرارًا وتكرارًا عن تمسكه بالقيم الديمقراطية، معتبرا إياها هدفًا يجب تحقيقه. وحسب تقييمه فانه في الوقت الراهن الشروط اللازمة لتحقيق ذلك غير متاحة بالشكل الكامل. في مقابلة تلفيزيونيه له مباشرة بعد وصوله إلى السلطة كرئيس للجمهورية، اعتبر السيسي أن بلاده ليست مستعدة للديمقراطية بالمعنى الغربي. واعتبر أنه لا يمكن تطبيق المفاهيم الليبرالية من الديمقراطيات التي كانت موجودة منذ مئات السنين على مصر. كما قدر أن عملية الانتقال السياسي في مصر إلى الديمقراطية الكاملة يجب أن تستغرق من عشرون إلى خمسة و عشرون عامًا. المسألة حسب رأيه متعلقة بالمستوى الاقتصادي و الأمني أولا. ولهذا جاءت سياسة السيسي لتضع أهدافًا قصيرة المدى تعتمد على تهيئة المناخ الخصب للتنمية الاقتصادية، جذب رؤوس الأموال الأجنبية، إعادة بناء السياحة، تشجيع المشاريع الكبرى، ومكافحة تهديد الإرهاب واستقرار البلاد وأمنها.[26]
فحسب خطاباته الرسمية فان النظام القائم ينوي استعادة وإعادة بناء الدولة القومية الحديثة. فمنذ وصوله إلى السلطة، يجدد السيسي وفي كل فرصة تكرار رغبته بقيادة هذا المشروع. و فعلا منذ توليه الحكم شهدت مصر إطلاق مجموعة من المشاريع الكبيرة و نهج سياسات اقتصادية جديدة لإعادة هيكلت الاقتصاد. و بالفعل مكنت هذه السياسات من تحقيق نتائج إيجابية وأرقاما لم تسجل من قبل لتعود مصر للمنافسة على الساحة الإقليمية. فوفقا لتقارير البنك الدولي، تسجل مصر منذ 2015 نمو ملحوظا في الناتج الوطني الإجمالي و سيتواصل هذا المعدل في الارتفاع خلال السنوات القادمة. حيث ارتفع من 4.4 في عام 2015 ليصل إلى 4.9 ٪ في عام 2018 ، و 5.6 ٪ في عام 2019 و 5.8 في عام 2020 . هذه المؤشرات هي الأعلى في العشر السنوات الأخيرة. و تفسر هذه النتائج الجيدة بالخصوص بعودة السياحة وارتفاع إيرادات قناة السويس. و ساهمة هذه المؤشرات في انخفاض البطالة إلى 7.5٪ في الربع الرابع من السنة المالية .2019[27]
من جهة أخرى تحقق مصر تحسنا ملحوظا في الأمن و الاستقرار الداخلي. فحسب المؤشر الدولي للسلم لسنة 2019 فان مصر تحتل مرتبة على الرغم من أنها متدنية و ذلك طبعا بسبب التهديدات و العمليات الإرهابية إلا إنها صنفت اقل بقليل من الولايات المتحدة الأمريكية و أفضل من تركيا. حيث تحتل مصر المرتبة 136من بين 163 دولة، بينما تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة 128 و تحتل تركيا المرتبة 152 المصنفة حسب المؤشر الدولي بالمتدنية جدا. و تقدمت مصر سبعة مراتب مقارنة بسنة 2018 مواصلة بذلك استعادت أمنها. في حين تراجعه تركيا ثلاث مراتب. ومن المتوقع أن تسجل مصر تحسنا ملحوظا مستقبلا مع الحد أو التقليل من العمليات الإرهابية في سيناء. [28]
و ساهم تحسن الوضع الأمني و سياسية تحرير الجنيه المصري و الإصلاحات الهيكلية الكبيرة التي تشهدها البلاد إلى انتعاش السياحة بشكل كبير، اكبر حتى من مرحلة ما قبل ثورة يناير 2011. فحسب إحصائيات البنك المركزي المصري سجلت عائدات السياحة بين فترة 2018 و 2019 ما يقارب 12,6 مليار دولار، بمعدل ارتفاع 2,7 مليار دولار مقارنة مع موسم 2017-2018 مسجلا دخول 11,7 مليون سائح. و في تقريره السنوي للسياحة لسنة 2019 صنف المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس مصر في المركز 65 لتقفز مصر بذلك 9 مراتب. و من المرتقب أن يسجل موسم 2019-2020 نسبا أعلى.
خاتمة:
دخلت مصر مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر. استطاع السيسي أن يسترجع دور المؤسسة العسكرية في تسيير شؤون البلاد لكن هذه المرة بالممارسة الفعلية للسياسة عن طريق رئيس يمثل المؤسسة ككيان منسجم و ليس كما كان الحال في الأنظمة السابقة. اكتسب عبد الفتاح السيسي شرعيته الداخلية و الدولية بقوة شخصيته و بقراراته الحاسمة و المصيرية. يمكن القول أن السيسي ينهج نظاما سياسيا شبيها بنظام عبد الناصر لكن بفكر و إستراتيجية أنور السادات.
كان التحدي الأكبر بالنسبة لمصر بعد الثورات هو تحقيق الاستقرار السياسي، الحفاظ على مؤسسات الدولة، الأمن والاستعادة التدريجية للحياة. ولكن إذا اعتبرنا أن المرحلة الحالية أو مرحلة ما بعد مبارك تهدف بالأساس تحقيق الاستقرار و النمو لاقتصادي و إعادة بناء الدولة بصفة عامة، فإن تحديات النظام مستقبلا تكمن في محاربة الفساد، تحسين وضع الحريات و حقوق الإنسان. و يبقى التحدي الأكبر هو بناء القاعدة الأساسية و تهيئة الظروف لبناء نظام أكثر ديمقراطية يشارك فيه الجميع دون إقصاء. هذا الهدف ليس له اجل محدد لكنه يرتبط بتحقيق النتائج التي جاء النظام الحالي لتحقيقها ألا و هي إعادة بناد الدولة.
[1] M. Laborde-Lacoste, « La vie et la personnalité de Léon Duguit », Revue juridique et économique du Sud-Est. Série juridique, 1959, n° 3 et 4, pp 3-24.
[2] HUNTINGTON, Samuel, The Soldier and the State. The Theory and Politics of Civil-Military Relations, Cambridge, Harvard University Press, 1957.
[3] FINER, Samuel, E., The Man on Horseback. The Role of the Military in Politics, New Brunswick, Transaction Publishers, 2002 (1ère éd. 1962), p. 88.
[4] STRACHAN, Hew, « Making Strategy : Civil-Military Relations After Iraq », Survival, 48 (3), 2006,
- 59-82.
[5] SHIFF, L, Rebecca, The Military and Domestic Politics: A concordance theory of civil-military relations, New York: Routledge, 2009
[6] BLAND, Douglas L., « A Unified Theory Of Civil Military Relation », Armed Force And Society, Vol.26, No.1, Fall 1999, pp 7-25.
[7] BEN MAEER, Yahuda, Civil-Military Relations in Israel, Columbia University Press; First Edition edition (October 15, 1995), pp 30-35.
[8] حماد مجدي ، العسكريون العرب و قضية الوحدة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ،1993 ، صفحة 272
[9] فاسطالين في روسيا و ماو زدونغ في الصين و مسوليني في إطاليا و كيم جونغ إيل في كوريا الشمالية كانو مدنيين لكنهم كانو أكثر الحكام اضطهادا و دمويتا.
[10] DOGAN, Mattei, “Les militaires en politique”, Pouvoirs, 1986, n°38, pp.113-125.
[11] FURET, François., “Dix-Huit Brumaire”, en FURET, François. et OZOUF, Mona., Dictionnaire critique de la Révolution française, Evénements, Flammarion, 2ème éd., Paris, 2007, pp. 65-76.
[12] ibidem,
[13] COHEN, Samy, « Le pouvoir politique et l’armée », Pouvoirs 2008/2 (n° 125), p. 22.
[14] AYDINLI, E., ÖZCAN, N.A., et AKYAZ, D., “The Turkish Military’s March Toward Europe”, Foreign Affairs, 2006, janvier/fevrier, pp. 77-90
[15] KESSLER, Marie-Christine, Les grands corps de l’Etat, (France, Presses Universitaires de France, 1986), p 5.
[16] KIRK, Beattie, Egypt during the Nasser Years, Boulder, CO, Westview Press, 1994, p. 68. Nasser remained de facto head of the RCC, assumed the post of Prime Minister in September 1942 and held the post of Minister of Interior until October 1953.
KANDIL, Hazem, Soldiers, Spies and Statesmen, Egypt’s Road to Revolt, Verso Books, 2013
[17] HINNEBUSCH, Raymond, Egyptian Politics Under Sadat, Cambridge University Press, 1985, pp. 43-44; Kirk Beattie, Egypt during the Sadat Years, London: Palgrave, 2000, pp. 62-76.
EL GHAMSY, Mohamed Abdel Ghani, The October War: Memoirs of Field Marshal El Gamasy of Egypt, Cairo, American University Press in Cairo Press.
[18] ABDUL-MAGD, Zeinab, “The Egyptian Republic of Retired Ofcers,” Foreignpolicy.com May 8, 2012. pp. 16-17.
[19] BOU NASSIF, Hicham, Wedded to Mubarak: The Second Careers and Financial Rewards of Egypt’s Military Elite, 1981-2011, Middle East Journal, 67, no. 4, 2013; SAYIGH, , Yezid, Above the State: the Ofcers Republic in Egypt, Carnegie Endowment for International Peace, August 2012.
[20] KAWAKIBI, Salam, y KODMANI, Bassma, “Les armées, le peuple et les autocrates”, Le Monde diplomatique, n° 117, 2011, pp. 18-22.
[21] GALEY, Patrick, “Why the Egyptian Military Fears a Captain’s Revolt,” ForeignPolicy.com, February 16, 2012
[22] SZMOLKA VIDA, Inmaculada., “Los regímenes híbridos, democracias y autoritarismos: con adjetivos. Su conceptualización, categorización y operacionalización dentro de la tipología de regímenes políticos”, en Revista de Estudios Políticos, n° 147, Madrid, enero-marzo de 2010, p.115.
[23] Reporters sans frontières pour la liberté de l’information. https://rsf.org/fr/classement
التصنيف الدولي لحرية الصحافة لسنة. 2019
[24] Reporters sans frontières pour la liberté de l’information. https://rsf.org/fr/classement
[25] Transparency International, Corruption Perception Index 2019. https://www.transparency.org/cpi2019
[26] WINTER, Ofir, El-Sisi’s First Year as President: Legitimacy, Democracy, and Relations with Israel, Strategic Assessment | Volume 18 | No. 2 | July 2015.
[27] The World Bank, october 2019. https://www.worldbank.org/en/country/egypt/publication/economic-update-october-2019
[28] Global Peace Index 2019, Institute for Economics and Peace, p. 8-9.
رابط المصدر: