بهاء النجار
من المآخذ التي تؤخذ على مسودة قانون العنف الأسري المطروح بين يدي البرلمان العراقي لإقراره هو أنه لا يحاكي الواقع وإنما جاء ليغير الواقع بدرجة تقترب من 180 ، وهذا ما لا يمكن فعله حقيقة ، فتغيير سلوك فرد واحد من المجتمع يحتاج الى جهد مكثف والى عدة سنوات فكيف بتغيير مجتمع يعيش فيه الملايين وعندهم عادات وتقاليد تمتد جذورها لمئات السنين ؟!
يُصنّف المجتمع العراقي من المجتمعات المحافظة والمتدينة والمتمسكة بدينها ولو إجمالاً ، وما أيام محرم وصفر إلا
تعبير عن هذا التمسك ، إضافة الى تصنيفه كمجتمع عشائري قبلي تحكم فيه الأعراف والتقاليد بصورة كبيرة وربما أكبر من القانون ، وعليه حتى ينجح تطبيق أي قانون لا بد أن يكون مناسباً للواقع مقبولاً بدرجة كبيرة من أبناء الشعب غير مرفوض من قبل القيادات الفاعلة في المجتمع كالمؤسسة الدينية وشيوخ العشائر فضلاً عن القيادات السياسية .
فعندما يجد الفرد العراقي في دينه أن عليه طاعة والديه بأي شكل من الأشكال حتى لو كانا ظالمين له الى درجة أنه من الخطأ النظر إليهما نظرة مقت ، وفي الوقت نفسه يجد قانون العنف الأسري يأمر بالعكس ، إذ لا يسمح للآباء النظر بمقت الى أبنائهم حتى وإن كانوا ظالمين لأنفسهم – أي للأبناء – لأن ذلك يعد عنفاً نفسياً يحاسب عليه القانون ! إضافة الى ذلك فإن القانون يسمح للابن بتقديم الشكوى ضد والديه من أجل ذلك ، وهذا سيجعل الإبن تحت عنف فكري قد يميل بدرجة ما الى ترك ما يوصي به دينه الى ما يوصي به القانون ، وقد يبقى بعض الأبناء محافظين على دينهم وكأنهم قابضين على جمرة ، لأنهم يرون الباب مفتوحاً أمام عقّ والديهم والتخلص من ثقل طاعتهما ولكنهم لا يستطيعون ذلك بسبب تدينهم ، وهو عنف فكري فضلاً عن كونه نفسي .
أما الزوجة فترى أن دينها يملي عليها واجبات تجاه زوجها مقابل أن يقوم الزوج بالواجبات الملقاة على عاتقه من احترام وتوفير المسكن والملبس والمأكل بالشكل الذي يليق بها وبقدر استطاعته ومن دون تقصير ، فحينما تسمع بقانون يسمح لها بالتقصير في واجبها بل ويسمح لها بتكوين علاقة غير شرعية من دون أن يسمح هذا القانون للزوج بتعنيفها تعنيفاً مناسباً وفق الشرع ، إلا أن يطلقها ، ستكون تحت ضغط فكري ، إما بترك تدينها او البقاء على تحقيق واجبها الذي تلحُّ المنظمات النسوية المنحرفة على إسقاطه لتصبح المرأة مدنية !!
وعندما يرى الزوج قانوناً يسمح له بالشكوى على زوجته إذا ضغطت عليه نفسياً بتوفير حاجيات لا يقدر عليها او خلق مشاكل مع أهله ( وخاصة أمه ) وهو لا يستطيع الشكوى لأنه يرى غِيرته لا تسمح له بذلك ، فضلاً عن تحمل ذلك كي لا تتطور المشاكل الأسرية وتصبح عشائرية وقانونية بوصولها الى المحاكم وقد يضطر الى تطليق زوجته وتفكيك أسرته ، وهذا يعدُّ عنفاً فكرياً بدرجة من الدرجات .
على المشرعين لأي قانون أن يضعوا نصب أعينهم روح هذا القانون ونجاح تطبيقه وأن لا يتعاملوا مع الشعب وكأنه بلا مشاعر ولا مبادئ ولا تقاليد ولا أعراف ولا دين ، فليس كل مشروع يستنسخ من الغرب يمكن أن ينجح في الشرق .
رابط المصدر: