يتحدث الرئيس السابق للوفد الإسرائيلي للاجتماع “الثلاثي” عن الإخفاقات البطيئة التي أعقبت وقف إطلاق النار في عام 2006 – وهي الدروس التي يمكن أن تساعد السلطات في التغلب على عقبات مماثلة أمام الاتفاق الجديد.
كما هو الحال في عام 2006، فإن التحدي الرئيسي لوقف إطلاق النار الجديد في لبنان لا يكمن كثيراً في صياغة الاتفاق ، بل في تنفيذه الفعلي. فعندما انتهت حرب إسرائيل السابقة مع “حزب الله” في آب/أغسطس من ذلك العام، تم الإعلان عن وقف إطلاق النار وفقاً لـ “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701″. وبعد يومين، عقد الجيش الإسرائيلي، و”قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”) والجيش اللبناني أول اجتماع ثلاثي لمناقشة التنفيذ. وكوني عضواً في وفد الجيش الإسرائيلي ولاحقاً كرئيس له، شاركت في إدارة التحديات التي أعقبت الحرب حتى عام 2015. وتشير خبرة تلك السنوات إلى بعض العقبات التي تنتظر السلطات المكلفة بتنفيذ وقف إطلاق النار الجديد – بدءً من ضمان المساءلة لدى الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني وإلى تحديد نطاق الجهود الإسرائيلية لمنع انتهاكات “حزب الله”.
صباح اليوم التالي
في الأيام التي أعقبت وقف إطلاق النار في عام 2006، واجهت وحدات الجيش الإسرائيلي التي كانت لا تزال في الأراضي اللبنانية، إرهابيين من “حزب الله” خرجوا من مخابئهم، مما أدى إلى وقوع حوادث إطلاق نار. كما تسلل عناصر من “حزب الله” بين مجموعات المدنيين اللبنانيين العائدين إلى منازلهم، مما زاد من تعقيد الوضع.
وفي الأسابيع اللاحقة، انسحب الجيش الإسرائيلي تدريجياً إلى إسرائيل بالتنسيق مع “اليونيفيل”. ثم تولت قوات حفظ السلام السيطرة على تلك الأجزاء الجنوبية من لبنان التي يغطيها “القرار 1701” قبل دخول الجيش اللبناني. ولم تُستخدم الاجتماعات الثلاثية في تنسيق الانسحاب فحسب، بل في إقامة اتصالات بين الأطراف على الأرض أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك، قام الجيش الإسرائيلي بأعمال هندسية ضرورية لتدمير البنية الأساسية للعدو وإصلاح حاجز الأمن الحدودي وغيرها من الدفاعات، وهي الأنشطة التي وصفها المسؤولون اللبنانيون بأنها انتهاكات.
النتائج طويلة الأمد
شهد العام الذي أعقب حرب عام 2006 ظهور قواعد جديدة للعبة. ففي البداية، قامت قوات حفظ السلام التابعة “لليونيفيل” بدوريات في الجنوب واكتشفت العديد من المواقع العسكرية لـ “حزب الله” هناك. وقدّم الجيش الإسرائيلي “لليونيفيل” معلومات عن مواقع إضافية، متوقعاً أن يتم تفتيشها وتفكيكها. وبدلاً من ذلك، نقلت “اليونيفيل” المعلومات إلى الجيش اللبناني، الذي كان غالباً يرد بأن المواقع المعنية قد تم تفتيشها “دون نتائج” أو أن الأصول أصبحت الآن تحت مسؤولية الجيش (اللبناني). وفي الحالات التي دخل فيها أفراد الجيش اللبناني أو “اليونيفيل” تلك المواقع فعلياً، مُنح “حزب الله” الوقت الكافي لإخلائها أولاً. وأظهرت استخبارات الجيش الإسرائيلي أن الجيش اللبناني كان يستولي على أي أسلحة ضالة يتم العثور عليها هناك – ثم يعيدها إلى “حزب الله”.
وبالإضافة إلى ذلك، لم يُسمح لنقاط التفتيش التابعة “لليونيفيل” بتفتيش المركبات حتى لو كان يُشتبه في استخدامها لنشاطات عسكرية لـ “حزب الله”. أما نقاط التفتيش التابعة للجيش اللبناني، فقد أفادت التقارير بأنه سُمح لعناصر “حزب الله” بتقديم بطاقات هوية خاصة تتيح لهم المرور دون تفتيش. وخلال المحادثات الثلاثية، كان ممثلو الجيش اللبناني يجادلون بأن الأفراد الذين يقومون بأنشطة مشبوهة في هذه المناطق كانوا في الواقع ضباط استخبارات لبنانيون تابعون للجيش اللبناني يرتدون ملابس مدنية، وهو ادعاء أثبتت الاستخبارات الإسرائيلية عدم صحته مراراً وتكراراً. وعلى نحو مماثل، كان أفراد قوة “الرضوان” النخبوية التابعة لـ “حزب الله”، الذين كانوا يراقبون الحدود بكاميرات احترافية، يوصفون عادة بأنهم “مصورون صحفيون” و”مراقبو طيور”، أما أولئك المسلحون ببنادق هجومية فكانوا “صيادين فقط”.
وفي صيف عام 2007، تعرضت كتيبة إسبانية تابعة “لليونيفيل” كانت تقوم بدورية بالقرب من معقل لـ “حزب الله” في الخيام لهجوم بسيارة مفخخة، مما أسفر عن مقتل ستة من قوات حفظ السلام. وبعد ذلك، قلصت الوحدة الإسبانية أنشطته بشكل كبير.
وفي السنوات اللاحقة، أظهرت الصور الجوية التي التقطها الجيش الإسرائيلي أن العديد من المنازل في المنطقة أُعيد بناؤها فوق مخابئ “حزب الله” والبنية التحتية الأخرى تحت الأرض. وعندما عَرَضتُ هذه المعلومات على جنرال فرنسي كان يزور إسرائيل، قال إن حكومته تتفق مع التقييم للوضع، ولكنها تختلف بشأن السياسة المطلوبة للتعامل معه. وكانت النتيجة النهائية أن انتهاكات “حزب الله” لم تواجه أي رد. والأسوأ من ذلك، أن أفراد استخبارات “اليونيفيل” والجيش اللبناني كانوا ينقلون بانتظام معلومات الجيش الإسرائيلي إلى “حزب الله”، مما دفع إسرائيل إلى تقليص تبادل المعلومات مع “اليونيفيل”.
وعندما أرسلت فرنسا طائرات استطلاع مسيّرة إلى “اليونيفيل” لتحسين وعي القوة بالموقف، حذر “حزب الله” بسرعة من أن هذا يُعد “خطاً أحمر”. فتراجعت باريس، وأعيدت الطائرات المسيّرة إلى فرنسا دون أن تُستخدم في لبنان. ولاحقاً، قام “حزب الله” بترهيب “اليونيفيل” لإجبارها على التخلي عن خططها لتثبيت كاميرات مراقبة في مواقع الأمم المتحدة.
وفي الوقت نفسه، استمر “حزب الله” حملة المضايقة الطويلة الأمد ضد دوريات “اليونيفيل”، وشمل ذلك: تخويف أفرادها، وعرقلة تحركاتهم، بل ومنع التصوير وأي توثيق أساسي للوضع على الأرض. ولم تحاسِب الحكومة اللبنانية أولئك الجناة حتى في العديد من الحالات التي كانت هوياتهم معروفة، بما في ذلك مرتكبو جريمة قتل جندي حفظ السلام الأيرلندي شون روني في عام 2022.
وتدريجياً، توسعت المناطق التي تُعتبر “محظورة” على “اليونيفيل”، كما توسعت أعذار الجيش اللبناني. فقد حاول الجيش وصف مواقع “حزب الله” بأنها “ملكية خاصة”، أو مواقع مراقبة تابعة للجمعية البيئية المزيفة “أخضر بلا حدود”، أو حتى “مناطق ذات أهمية استراتيجية” للجيش اللبناني. وفي حالات أخرى، أخبر الجيش قوات حفظ السلام بأن الطرق ضيقة جداً بحيث لا يمكنهم السير فيها، أو أن الاستياء المحلي كان قوياً للغاية. وقبلت “اليونيفيل” تدريجياً هذه القيود المتزايدة، مما أعطى “حزب الله” العديد من المواقع غير الخاضعة للمراقبة لوضع الآلاف من الأصول العسكرية التي دمرتها إسرائيل في العام الماضي من القتال. وشملت هذه المواقع منازل خاصة ومساجد ومدارس.
وحتى عندما انفجرت مستودعات أسلحة “حزب الله” في مواقع مختلفة مثل طير حرفا، وطير فلساي، وخربة سليم، مُنعت قوات “اليونيفيل” والجيش اللبناني من الوصول إليها، وأحياناً بالقوة. على سبيل المثال، عندما انفجر مستودع للأسلحة في الشهابية في 3 أيلول/سبتمبر 2010، تحدثتُ مع قائد “اليونيفيل” طوال الليل، وأكد لي أنه كان “في الموقع”. وفي الواقع، أظهر مقطع فيديو من طائرة استطلاع مسيّرة تابعة للجيش الإسرائيلي – والذي كنت أشاهده مع مسؤول دفاع أمريكي – أن “حزب الله” قام بتطويق المنطقة وإخلاء محتوياتها (ربما صواريخ). وبحلول صباح اليوم التالي، كانت شاحنات “حزب الله” قد نقلت الحمولة إلى مسجد في النبطية، جنوب الليطاني. ولم يقم أفراد قوات “اليونيفيل” بزيارة موقع الانفجار إلا بعد أسابيع، حيث لم يجدوا أدلة قاطعة، بل فقط آثار تنظيف شامل.
التاريخ لا يعيد نفسه، ولكنه يتشابه
تشبه الحالة الراهنة فترة ما بعد الحرب في عام 2006، مع وجود بعض الاختلافات المهمة. ففي 28 تشرين الثاني/نوفمبر، حذرت قوات الجيش الإسرائيلي سكان القرى الحدودية اللبنانية من العودة إلى منازلهم، ثم استهدفت منصات إطلاق الصواريخ التابعة لـ “حزب الله” والعديد من المواقع الحدودية الأخرى خلال الأيام القليلة التالية، مستهدفة الإرهابيين الذيم حاولوا استعادة الأسلحة في انتهاك للاتفاق، واعتقال العديد من المشتبه بهم. وأفادت بعض التقارير أن الجيش اللبناني تحرك إلى قرية شبعا، حيث لا يزال الجيش الإسرائيلي موجوداً.
كما واصل الجيش الإسرائيلي تدمير أهداف لـ “حزب الله” في أماكن أخرى من لبنان، مما دفع بيروت إلى اتهام إسرائيل بارتكاب عشرات الانتهاكات. وفي 28 تشرين الثاني/نوفمبر، كتب الصحفي البارز المقرب من “حزب الله” إبراهيم الأمين أن أي كيان لبناني أو أجنبي لا يملك الحق في الدخول “للأملاك الخاصة” – كما ذُكر أعلاه، وهو الرمز الذي يشير إلى مواقع “حزب الله” – دون إذن قضائي. وتشبه تصريحاته إلى حد كبير الحجج اللبنانية السابقة التي سُمعت في اجتماعات ثلاثية الأطراف لا حصر لها.
وفي غضون ذلك، صرّحزعيم “حزب الله”، نعيم قاسم، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر بأن “التنسيق بين المقاومة والجيش اللبناني سيكون عند أعلى مستوياته، ولا يراهن أحد على خلاف بيننا”. كما كرّر مسؤولو “حزب الله” والمسؤولون اللبنانيون التزامهم بوقف إطلاق النار. ومع ذلك، ففي 2 كانون الأول/ديسمبر، أطلقت قوات “حزب الله” قذيفتي هاون على موقع للجيش الإسرائيلي، بدعوى أنها “رد على انتهاكات إسرائيل وتحليق طائراتها (فوق لبنان)”. ورداً على ذلك، ضربت إسرائيل ثلاثين هدفاً.
التوصيات
يمكن الافتراض أن “حزب الله” سوف يسعى جاهداً للحفاظ على ما تبقى من أسلحته، وإعادة تشكيل قواته وترسانته الأوسع، ومهاجمة أي جهة تسعى لعرقلة هذه الأهداف، ومن بينها الولايات المتحدة. وعليه، سيكون الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” مترددين في تحمل المخاطر المرتبطة بتفكيك الأصول العسكرية المحظورة، حتى لو اقتصرت هذه المهمة على جنوب لبنان. ومع ذلك، فقد أظهرت إسرائيل عدم استعدادها للتسامح مع انتهاكات “حزب الله” وعزمها على معالجتها بالقوة. وقد تؤدي هذه المواقف المتضاربة إلى تجدد الأعمال العدائية، وربما توتر العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا، وخاصة إذا فضلت هذه الدول الشريكة الأخيرة الهدوء على التنفيذ الفعال. ومن جانبهم، من المرجح أن يروج “حزب الله” وبيروت لرواية تُلقي باللوم على إسرائيل وتُصوّر الغرب كعدو للبنان.
وبناءً على هذه التوقعات، يجب أن تكون الأطراف مستعدة للتحرك على عدة جبهات:
تنسيق الانسحاب. خلال ستين يوماً، يتعين على قوات الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” الانسحاب من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني. وينبغي للأطراف أن تنسق عن كثب هذه الفترة من الانسحاب التدريجي، والتواصل لتجنب الاحتكاكات بين المدنيين وقوات الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة.
التعامل مع الأصول العسكرية لـ “حزب الله”: بعد الانسحاب، من المفترض أن ينتشر الجيش اللبناني جنوب الليطاني بدعم من قوات “اليونيفيل” لمنع عودة الأصول العسكرية المحظورة. وفي غضون ذلك، من المهم الاستمرار في تدمير الأصول غير المشروعة لـ “حزب الله” في المناطق التي لا يزال الجيش الإسرائيلي موجوداً فيها، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار. أما في المناطق الأخرى، فيجب تدمير أسلحة “حزب الله” أو مصادرتها، وليس مجرد نقلها. بالإضافة إلى ذلك:
- يجب عدم إعادة الأسلحة المصادرة إلى “حزب الله“.
- يجب على الجيش اللبناني تدمير البنية التحتية غير القانونية، وليس إضفاء الصفة القومية عليها.
- يجب على الفور أن يتم تفتيش أي موقع عسكري لـ “حزب الله” تعرض لهجوم أو تم تحديده بطريقة أخرى ميدانياً من قبل جهات مخولة وموثوقة، بما في ذلك مستودعات أو مخابئ للأسلحة التي تنفجر تلقائياً.
- يجب إنهاء قبول المناطق “المحظورة”، ويجب أن يتمكن الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” من دخول أي موقع بِحُرية عند الحاجة، ويجب على الحكومة اللبنانية ضمان ذلك.
تبادل المعلومات الاستخباراتية. ينبغي أن يتم ذلك بشكل ثنائي أو مع أعضاء الآلية الجديدة بهدف مراقبة نشاط “حزب الله”، وكشف تواطؤ الجيش اللبناني مع “حزب الله”، واستئصال المتعاونين مع “حزب الله”، ومنعهم من تقويض المهمة.
تعزيز آلية المراقبة. كجزء من الاتفاق الجديد، أنشأت الولايات المتحدة “آلية دولية للمساعدة في التحقيق والملاحقة” (IMIM) بالتعاون مع فرنسا، و”اليونيفيل”، ولبنان، وإسرائيل. يجب على السلطات المشرفة على “الآلية” ضمان وفاء الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني و”اليونيفيل” بالتزامهم بمنع الانتهاكات أو معالجتها بسرعة عند فشل منعها. ويستلزم ذلك موازنة ضغوط “حزب الله” من خلال حوافز أو عقوبات أو إكراه، مع التهديد بالتحرك العسكري الإسرائيلي كخيار أخير. كما ينبغي “للآلية” تنفيذ حملة إعلامية لمواجهة دعاية “حزب الله”.
ربط المساعدات والموارد بالالتزام. يجب أن تكون المساعدات المالية والمادية المقدمة إلى لبنان والجيش اللبناني مشروطة بمدى التزامهما الفعلي بالاتفاق، بناءً على معايير ثابتة مثل تدمير المواقع غير القانونية والرد على الانتهاكات.
تعزيز وحماية قوات “اليونيفيل”. يجب أن تخضع ميزانية “اليونيفيل” وحجمها للمراجعة وتجديد التفويض مرتين في السنة، مع تعديل حجمها بما يتناسب مع مهمتها الفعلية. بالإضافة إلى ذلك:
- ينبغي تحسين وعي قوات “اليونيفيل” بالموقف من خلال توفير قدرات استخباراتية إضافية (على سبيل المثال، رحلات مراقبة بطائرات مسيّرة بالتنسيق مع إسرائيل).
- ينبغي لقوات “اليونيفيل” توثيق عملياتها بشكل احترافي وتقديم تقارير موثوقة عن أي تقدم أو عوائق تواجه تنفيذ المهام.
- يجب هزيمة حملة “حزب الله” الطويلة الأمد ضد أفراد قوات “اليونيفيل”. ويجب اعتقال أي فرد يعوق التنفيذ أو يضايق قوات حفظ السلام ومحاكمته على الفور. وفي حال استمرار النظام القضائي اللبناني في تأخير مثل هذه القضايا، يجب فرض عقوبات على المسؤولين عن هذا التأخير.