حسام عمر طرشة
في الخامس من شهر ديسمبر/كانون الأول 2021 صرّح وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني، صالح الخرابشة، أن لبنان تقدم بطلب للأردن للسماح بمرور خط الغاز المسال القطري إلى لبنان عبر الأردن ثم سوريا من خلال البنية التحتية في العقبة، وأبدت الحكومة الأردنية الموافقة المبدئية على ذلك. خط جديد مصدره الغاز القطريّ عبر ميناء العقبة إلى لبنان عبر سوريا[1]. وهذا يطرح تساؤلاً حول فشل مساعي مشروع مد الغاز من الكيان الصهيوني ذي الواجهة المصرية[2].
وأيّاً تكن كواليس ما حصل بشأن إمداد لبنان بالغاز عبر الدول الثلاث (الأردن – سوريا – لبنان) فإنها تخدم جميعاً جهوداً تُبذل لإنهاء الصراع الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط منذ 2011 مع انتفاضة الشعوب العربية، خاصّة في سوريا، وتأتي في مقدمة ذلك ما يتعلق بالمال والاقتصاد والبنى التحتية، والتوجّه إلى إيقاف الحرب وإعادة الإعمار، والمدخل الوحيد لتمكين ذلك هو تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي طليعتها القرار 2254[3]، وبيان جنيف (1)[4]. هذه إحدى الخطوات التي يتم إغراء جميع الأطراف بها لتنزل على حل سياسي وفق التوجهات العربية بعيداً عن إيران. ويبرز هنا السؤال عن الدور القطري في مجمل التحرّكات الخاصّة بالشأن السوريّ، وطبيعة هذا الدور.
الاستراتيجية القطرية في إدارة الملفات السياسية الداخلية والخارجية
تجمع قطر في تحرّكاتها كل ملفّات المنطقة من حولها اعتماداً على عدة عناصر: الأول منها هو القوة الصلبة المتمثلة بالقواعد العسكرية الأمريكية والتركية، والثاني هو القوة الاقتصادية المتمثلة بالصندوق السيادي الذي يترجم على هيئة استثمارات قطرية تترجم لتأثير سياسي، بالإضافة إلى التأثير الإعلامي من خلال مجموعة من المؤسسات الإعلامية المؤثرة، وفي طليعتها شبكة الجزيرة الإعلامية، والاعتماد على سياسة قطرية خارجية مميّزة لا تكلّ ولا تمل في الحركة للتغلّب على معضلتها الأمنية المتمثلة في وقوعها بين جغرافيتين سياسيتين كبيرتين متنافستين (إيران – والمملكة العربية السعودية). هذه الأدوار التي تقوم بها قطر كبيرة جداً مقارنة بصغر حجمها في منطقة تتسم بالصراع والتنافس الشديدين، سوريا وأفغانستان وليبيا، وملف الصراع العربي ضد الاحتلال الصهيوني، ودورها في قطاع غزّة، فضلاً عن العلاقات الاستراتيجية التي تبنيها مع الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، والإقليمية كتركيا. والاستراتيجية القطرية في كل تحركاتها تستند إلى الحفاظ على شرعيّة واستقلال واستقرار الدولة من خلال الحفاظ داخلياً على استدامة الرفاهية لشعبها، وعنايتها بالجانب الأخلاقي الاجتماعي والسياسي، وهو أمرٌ بالغُ الأهمّية بالنسبة لقطر[5].
أهمية الملف السوريّ والمرحلة الأولى من إدارة قطر للملف
يأتي الملف السوري في أولوية هذه الملفات لعدة اعتبارات؛ أولها أن سوريا تمثل عقدة الصراع العربي الإيراني اليوم، ولأهمّية الجغرافيا السورية بوصفها منفذاً مهماً للغاز القطريّ باتجاه أوروبا مروراً بمنطقة الشام وصولاً إلى تركيا. بالإضافة إلى الخبرة والدور القطريّ الكبير في تأسيس المنظومة الأمنية في المنطقة لعلاقاتها وطريقتها في إدارة الملف الاستخباراتي والملف الخارجي في المنطقة بأداء أدوارٍ كبرى في شراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وتتخذ قطر في الملف السوريّ مسارين أساسيين منذ بداية الثورة؛ الأول: إدارة العلاقات الخارجية في الملف السوريّ إقليمياً ودولياً، وتبدّى ذلك من خلال دورها في تأسيس الائتلاف[6]، ودعم فصائل الثورة السورية ومؤسسات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في المناطق خارج سيطرة النظام، وفي ذات الوقت لم توقف القنوات التي من خلالها تحتفظ بتأثير في الملف السوري في مناطق سيطرة النظام من خلال علاقاتها مع إيران. والثاني: قيادة التحركات العربيّة في سوريا منذ 2011، وحصلت عليه قطر بالاتفاق مع دول الخليج، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، بهدف منع التغلغل الإيرانيّ في سوريا، وتسريع الحل الدوليّ لإجبار النظام على النزول على حلّ سياسيّ بأسرع وقت ممكن.
التحوّلات الكُبرى في القضية السورية وتراجع الدور القطريّ
ثم اصطدم هذا الدور المحوريّ بعدة أمور؛
الأول : هو التدخل الروسيّ المباشر في سوريا في الثلاثين من سبتمبر/أيلول عام 2015 إثر تبدلات كبيرة في الملف السوريّ نشأت لأسباب تتعلق بالتغيرات الخطيرة التي كانت تحصل في المواقف الدوليّة نتيجةً لخروج الصراع العسكريّ عن السيطرة، وتسارع سقوط النظام، مع أداء هزيل للمعارضة السورية وقوى وفصائل الثورة في بلورة بنية وهيكلية إدارية تدير المفاوضات والعملية السياسية وتنتقل إلى نوع من الحوكمة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام[7].
الثاني : حصول تمزّق في الصفّ العربي تجاه القضيّة السورية، وسحب الملف من يد قطر، ثم تشكيل ما يُعرف بهيئة التفاوض في مؤتمر الرياض الذي عقد في الثامن من شهر ديسمبر/كانون الأول 2015[8].
الثالث : التردد التركيّ الذي استمرّ حتى عام 2016، والدخول في مسار أستانة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا[9].
الرابع : الأزمة الخليجية بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر؛ فانكفأت قطر بسبب الحصار الذي فُرض عليها من جهة، وتغيّر المواقف والتوجهات الدولية بعد التدخل الروسيّ الذي جاء عقب مخاوف دوليّة من سقوط النظام قبل ضمان عملية انتقال سياسي برعاية أممية، من جهة أخرى.
المرحلة الثانية: تجاوز قطر للتحدّيات وعودة النشاط القطريّ في الملفّ بقوّة
وبعد وصول الديمقراطيين إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفوز بايدن بالانتخابات الرئاسية، تراجعت سياسات التطبيع التي كانت تُنتهج باتجاه نظام بشّار الأسد من قبل الدول العربية، بعد أن وصلت إلى مستويات متقدّمة جداً، منها بدء زيارات إلى دمشق من قبل عدّة دول عربية، وصولاً إلى مشروع الغاز الإسرائيلي عبر مصر، والأزمات الكبيرة التي تعرّضت لها كل من قطر وتركيا وبقيّة القوى الإقليمية والدوليّة التي كانت تقف موقفاً إيجابياً من الثورة السورية والمعارضة.
وتوّج هذا التحوّل أخيراً باتفاقية أبرمت في واشنطن؛ ففي الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وقعت دولة قطر والولايات المتحدة اتفاقية تتولى بموجبها الدوحة تمثيل وحماية المصالح الدبلوماسية الأمريكية في أفغانستان، كما أكد وزيرا خارجية البلدين من واشنطن تعزيز الشراكة في قضايا المنطقة[10].
وخلال مؤتمر صحفي مشترك في واشنطن بين الوزيرين، قال بلينكن: إن “شراكتنا مع قطر حتمية فيما يتعلق بقضايا المنطقة”، موضحاً أن هذه الشراكة واسعة وتنعكس على الحوار البنّاء في كثير من القضايا بالمنطقة”.
وسبق هذه الاتفاقية تحركات قطرية حثيثة، منها إعلان وزراء خارجية تركيا وروسيا وقطر في العاصمة القطرية الدوحة، في 11 آذار/مارس 2021، إطلاق “آلية تشاورية ثلاثية” حول سوريا، أكد من خلالها وزير الخارجية الروسي لافروف أنّ هذا المسار الجديد يُعد “رديفاً” لمسار أستانة وليس بديلاً عنه. وصرح السفير القطريّ لدى موسكو، الشيخ أحمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني، قائلاً: “آلية التشاور الجديدة بشأن تسوية الأزمة السورية، والتي تضم كلاً من روسيا وقطر وتركيا، تهدف لتعزيز التنسيق المشترك بين الدول من أجل مساعدة الشعب السوري”. وبعيداً عن مقاصد موسكو من هذه الآلية التشاورية، قامت قطر بإعادة تفعيل لجانب مساعدة الشعب السوري في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها، خاصة في ظل أزمة كورونا، وأكد الوزير القطري ضرورة “تسهيل وزيادة المساعدات الإنسانية لجميع السوريين في جميع أنحاء سوريا دون تمييز أو تسييس”.
وقدمت قطر، في الثلاثين من شهر مارس/آذار، 100 مليون دولار منحة لسوريا، ودعت إلى التعجيل بإيقاف الحرب، خلال مشاركة قطر في الدورة الخامسة لمؤتمر بروكسل من أجل دعم سوريا ومستقبل المنطقة. هذا إضافة إلى الجهود التي بذلتها قطر وتركيا لاستمرار آلية المساعدات عبر الحدود[11].
وعقب المصالحة الخليجية في يناير/كانون الثاني الماضي، تحركت قطر في عدد من الملفات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الملف السوري؛ ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي صرح وزير خارجية قطر حول زيارة نظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى دمشق بأنه يأمل بوقف تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في حين جدد بلينكن الإعراب عن قلق الولايات المتحدة من التطبيع مع نظام الأسد. وفي المؤتمر الصحفيّ بين بلينكن ووزير الخارجية القطري، قال الأخير: “نأمل بألا تتشجع الدول على اتّخاذ خطوات إضافية تجاه النظام السوري”[12]، وقال أيضاً: “موقف قطر سيبقى على حاله؛ لا نرى أي خطوات جادة لنظام الأسد تظهر التزامه بإصلاح الضرر الذي ألحقه ببلده وشعبه”، وأردف أنه “ما دام أنه لم يتخذ أي خطوة جادة فإننا نعتقد أن تغيير الموقف ليس خياراً قابلاً للتطبيق”، فنشأ بالجهود القطرية التركية فيتو ضد التطبيع العربي مع النظام السوريّ والمخطط الروسيّ لتعويم الأسد عبر بوابة الجامعة العربية[13].
يبدو أن قطر ماضية في ذات السياسة الخارجية في الملف السوريّ، ويرى بعض المراقبين أن السيناريو الأفغاني قد يتكرر في عدة ملفات أخرى في المنطقة من خلال الجهود القطرية المدعومة أمريكيّاً، خاصة بعد المصالحة الخليجية والتحرك الإيجابي السعوديّ تجاه الملف السوريّ مؤخراً.
.
رابط المصدر: