عبدالله بن بجاد العتيبي
أخبارٌ مبشرةٌ بالخير في الإمارات والسعودية حيث أعلنت الدولتان الحليفتان الأقوى في المنطقة عن اكتشافات مليارية غير مسبوقة من الغاز في جبل علي بين أبوظبي ودبي وفي الجافورة في السعودية، وهي كميات قادرة على إحداث تغييرات مهمة في سوق الغاز العالمي.
الدولتان تمتلكان كميات غير قليلة من الغاز من قبل، ولكن هذه الاكتشافات الجديدة بكمياتها الهائلة تمثل نقلة نوعية في سوق الغاز على المستوى الدولي وعلى المستوى الإقليمي وتحديداً في منطقة الخليج العربي، وقد ظلت تحكم هذه السوق بعض العوامل السياسية ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي بحيث يكون لإحدى دوله دور مهم في سوق الغاز العالمي دون منافسة من جيرانها وأشقائها، ولكن الأمور تغيرات حين اختارت تلك الدولة أن تناصب دول الخليج العداء وأن تحيك المؤامرات تلو المؤامرات ضدها جميعاً.
الأموال الطائلة التي تحصلت عليها تلك الدولة من تصدير الغاز باتت أهم مصروفاتها منها هي المصروفات التي تستخدمها لضرب أمان واستقرار دول مجلس التعاون والدول العربية، فالدعم بالمليارات لحركات الإرهاب كان بأموال الغاز والدعم بالمليارات لكل جماعات الإرهاب الأصولية من جماعة «الإخوان» إلى عشرات المسميات المشابهة كان يأتي من أموال الغاز وكل العبث الذي تم فيما كان يعرف بـ«الربيع العربي» تم بأموال الغاز من هذه الدولة الصغيرة التي نفختها الأوهام الشاطحة.
لم يعد هناك مبررات حقيقية لمجاملة صديقٍ تحوّل إلى عدوٍ، وقد أصبحت الحاجة الوطنية ملحةً لاستغلال كل الثروات المتاحة في البلدين لتعزيز خطط التنمية والتطوير والبناء والتشييد وتحقيق الرؤى المعلنة في المستقبل القريب والبعيد، ومن هنا جاءت هذه الإعلانات التريليونية عن اكتشافات الغاز ووضعها موضع الاستفادة القصوى.
سوق الغاز العالمي لا يقارن بسوق النفط، ولكنه ليس سوقاً هامشياً بل هو سوق مؤثر يتعلق بسلعة مطلوبة وإحدى أسواق الطاقة حول العالم، وبالتالي فهي سوق مفتوحة للمنافسة بعيداً عن احتكار أي دولة مهما كانت لديها من غايات وأهدافٍ، أو كمياتٍ وأسواقٍ مستقرةٍ.
ما يعرفه الجميع هو أن صراعات الشرق الأوسط ليست مهيأة للتخفيض أو للهدوء، بل هي تتجه لمزيد من التصعيد والتعقيد والتشابك، وبالتالي فالمؤثرات فيها تتكاثف وتتسع وتتفرع ويمكن لكافة الأطراف البحث عن مصالحهم وتحقيق أهدافهم الاستراتيجية، ومثل هذه الصراعات المستمرة تشتد وتقوى مع الوقت وتصبح المؤثرات فيها ذات قيمة حتى وإن لم تكن بحجم عوامل الصراع الأكبر قبلها، فالأزمات تنقل عوامل التدافع الصغيرة لتصبح كبيرةً ومؤثرةً تبعاً لاستقرار تلك العوامل ومعرفة كل طرفٍ بمواطن قوته وضعفه.
الصراعات حول مصادر الطاقة في المنطقة ليست جديدةً بل هي انطلقت مع بدايات اكتشاف النفط منذ عقودٍ طويلةٍ، واستمرت في صعودٍ وهبوطٍ وتجاذباتٍ وصراعاتٍ، وهي حاضرة بقوة اليوم، وما كل الحروب التي تخوضها تركيا -على سبيل المثال- في شمال سوريا وفي ليبيا وفي عرض البحر المتوسط إلا إحدى مظاهر هذه الصراعات القديمة المتجددة.
دولة الغاز العربية الصغيرة التي تخصص أغلب مداخيلها لدعم جماعات الإرهاب والأصولية في المنطقة والعالم لا تختلف كثيراً عما كانت تفعله تركيا مع تنظيم «داعش» في العراق وسوريا حيث كان تصدير النفط «الداعشي» يتم عن طريق تركيا لسنواتٍ ما أمن مداخيل بمليارات الدولارات لأحد أبشع التنظيمات المتطرفة والإرهابية في تاريخ البشرية بأسرها.
أخيراً، فمنذ أن شرع البشر في اكتشاف مصادر الطاقة الحديثة، وهي أساس لكل الصراعات والحروب الكبرى بحثاً عن امتلاك القوة والثروة والعلاقات القوية والتأثير حول العالم، وما جرى بالأمس سيجري في الحاضر والمستقبل.
رابط المصدر: