الباحث في علم الاجتماع عموما، والمبتدئ خصوصا، غالبا ما يخلط بين ما يطلق عليه اسم الواقع الاجتماعي، والواقع السوسيولوجي في العلوم الاجتماعية.
الواقع الاجتماعي:
الواقع الاجتماعي هو الذي ينشأ عن فكرة أو تصور مسبق، كأن نظن مثلا أن الظاهرة قائمة على الشكل (أ) وليس على الشكل (ج) دونما التأكد من واقع هذه الفكرة ميدانيا، فالواقع الاجتماعي هو في الحقيقة ما نتصوره غريزيا، أي هو الواقع حين يكون ذلك صورة الواقع ذهنيا، لكثرة قرب هذه الفكرة منا، حيث أنها تصدر من وعينا الذي نثق به تلقائيا، لنلحقها بالواقع مباشرة كما هي دون تمحيص.
كما أن منشأ الواقع الاجتماعي قد يكون إما محيطنا وهنا يحمل الصفة الذاتية التي تلحق بتصوراتنا، وإما محيط الظاهرة و ما يحمله من إيحاءات حولها ويجعلها تتمظهر بكثير من المظاهر .
أما الواقع السوسيولوجي:
فنظريا هو عكس الواقع الاجتماعي، على اعتبار أنه هو الواقع الذي تم قياسه واختباره ميدانيا، بواسطة تقنيات سوسيولوجية متفق عليها، ولكن هذا لا يعني نفيه للواقع الاجتماعي دائما، حيث يمكن ان يثبت تطابقه مع الواقع الاجتماعي بشكل تام، إلا أن الإختلاف الجوهري بينهما هو كون الأول صادر من تصور مسبق وأحكام مسبقة غذت عناصر أخرى زادت من مشكلة التصور المسبق، أما الثاني فيصدر عن تصور لاحق أي بعد القياس والاختبار ميدانيا، و هو إلى حد ما تصور مركب من الناحية العلمية.
ويمكننا هنا أن نسوق مثال لذلك من خلال أعمال بيير بورديو؛ ففي دراسة بنيوية وجدلية له عنوانها الورثة 1964 حول نظام التدريس في فرنسا، والذي كان التصور العام للناس حولها أنها تضمن التعليم دون تمييز طبقي أو عرقي أو إيديولوجي … وهذا التصور هو ما يوجد في أذهان عامة الناس، والسياسة المعلنة سواءا في فرنسا أو في أوروبا عامة، ولكن ما توصل إليه “بورديو” أن هذا النظام رغم إدعائه المساواة والديمقراطية بين جميع الفرنسيين، إلا أنه يعمل في الواقع على فرز الطلاب إلى فئتين؛ فئة اليدويين- وفئة غير اليدويين- بشكل يتطابق مع أصولهم الطبقية، فأبناء الأطباء والأساتذة والأثرياء يتم توجيههم بشكل مباشر نحو التعليم العالي أو الجامعي وذلك انطلاقا من انتماءاتهم الطبقية والمؤهلات التي يكونون قد اكتسبوها في بيئتهم، أما أبناء الطبقات العاملة فيتم توجيههم نحو التعليم المهني والمدارس المهنية وفق مؤهلاتهم الطبيعية أي الناشئة عن بيئتهم العائلية والاجتماعية.
فهذه الحقيقة التي أثبتها بوردیو جاءت سوسيولوجيا.
فمسألة الفرق بين الواقع الاجتماعي والسوسيولوجي، فيها من الأمثلة الكثيرة؛ فأنظمة المستشفيات في بلادنا وواقعها الاجتماعي لا تتطابق مع واقعها السوسيولوجي، وكذلك بالنسبة للسجون والعديد من المؤسسات الاجتماعية، وهذا ما يدفع أحيانا القائمين عليها إلى لعب أدوار تعرقل البحث أو تحرف مساره وربما ما نسجله في باب صعوبات البحث الميداني.
.
رابط المصدر: