اعداد : أ. صابر رمضان – فلسطين- رام الله
المقدمـــة :
يأتي هذا المقال على خلفية حالة الجمود في المسارات السياسية التي واجهتها المسألة الفلسطينية، على كافة المستويات الدولية والاقليمية والمحلية. والتي ازدادت تعقيداً في حجم وكم التفاعلات التي تقودها الدولة كوحدة اساسية في النظام الدولي ومن حيث التفاعلات المجتمعية والفردية والشعبية العالمية. وعلى خلفية توالي الازمات التتي تتصدر المشهد السياسي الدولي والشرق اوسطي،يعاد طرح السؤال المحوري التالي هل ما زال هناك فرصة سياسية حقيقية ومنطقية امام الفلسطينيين لانجاز تسوية تؤدي لولادة دولة مستقلة على النمط الكلاسيكي المعهود للدول؟وهل ذلك يعني أن على الفلسطينيون التعاطي مع العالم في ظل موازينه الحالية ،بانتظار وقوع حدث تاريخي دولي ،يبرز فيه لاعبين جدد في السياق الدولي قادرين على بناء موقف ضاغط دولياً، وداعم لتحريك المسألة الفلسطينية.وكيف يمكن للبيئات الاقليمية والمنظومات العربية والغربية الأوروبية أن يكون لها دور مؤثر وليس رمزي في انجاز التسوية؟.الاجابة على هذه الاسئلة ليس سهلاً،فالجهود التاريخية والسياسية للدبلوماسية الدولية والاقليمية والشعبية،لم تثمر شيئ على صعيد استنتاج الحلول من خلال قراءة الحثيات والوقائع السياسية بمستوياتها المتعددة.
تفترض المقال أن الحل الواقعي وليس التاريخي للمسألة الفلسطينية عبر الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني ،لن يتأتى مهما كانت الطروحات منطقية الا بحدوث تحولات أو تغيير منفرد أو متوازي في (إحدى)هذه المتغيرات المترابطة منطقياً ،وهي بنية وتركيبة النظام الدولي وهيمنة الولايات المتحدةودورها، بنية العقلية والايديولوجيا الاسرائيلية الاستيطانية .وهي في سياق الورقة تشكل ما يمكن تسميته بالمتغير المركب (combining variables) ( David Collier, 1993).
يستند الكاتب، على منهج الاختبار التحليلي السياسي للمتغيرات المختلفة.فهو يركز كمنهج على طبيعة الدور الذي تلعبه المتغيرات سواء كانت متغير واحد منفرد ، أو متغير مركب من عناصر سببيًة وتحليلة متعددة (combining variables) للحالات التي تتضمن عدد محدود وقليل من الحالات الدراسية. وقد طرح منهج المتغيرات المركبة من قبل (Arend Lijphart) عام 1970 للخروج من مأزق تلك الظواهر التي تتعدد فيها المتغيرات السببيًة والتحليلة للظواهر السياسية .فالعناصر التحليلة والسببيًة المتعددة تعامل كمتغير واحد مركب ،بعد تحديد المتغيرات السببية الملاحظة في سياق الحالة الخاضعة للبحث .وبمنطق المقارنة (the logic comparative ) الذي طرحه (Prezeworski) فإنه في حال تم رصد وتتبع مجموعة من المتغيرات المؤثرة على الظاهرة قيد البحث. فإن تفاوت وتباين تحقق المخرجات يتلاشى ويختفي عند تغير في المتغيرات السببيًة و(المركًبة) التي تحلل وتفسر تحقق المخرجات من عدمه في الظواهر السياسية .كما أن تحديد هذا المنهج ، يأتي من القدرة على تحقيق وإنطباق السياق العام (Universe of Discourse) في الحالة قيد الاختبار.وفق المنظر (john Stuart mill2009) فإن المخرجات المرتبطة بالحالة أو الظاهرة قد تحدث في نموذج ، ولا تحدث في نموذج أخر ، لكن هذه المتغيرات والظروف والعناصر المختلفة تشكل مدخلاً لاختبار وتحليل القوة المؤثرة والسببيًة لعدم حدوث تسوية، وفي حالتنا سنختبر تأثير هذه المتغيرات المركبة والمترابطة معاً،على مستقبل الصراع الاسرائيلي –الفلسطيني.
وسيتم اختبار المتغيرات، بالتركيز على تأثيرها في امكانية حدوث تطور وتحولات في الرؤية و التكوين السياسي والايديولوجي لاطراف الصراع ،والمعنين به (Stake holders).وعليه فالباحث سيعتمد في بحثه واختباره للعناصر السابقة والمتغيرات، على مبدأ (Domino of Changes) بمعنى الديمينو كأساس للتغيير، فما يحدث من تحول في متغير يؤثر على تحول المتغيرات الاخرى بنفس النحو سلباً أو ايجاباً. وخاصة التغير في العقلية و الايديولوجية الاسرائيلية الاستيطانية بشكل أساسي. الفلسطينيون وعبر مسارات النزاع، تحولت رؤيتهم لاطراف الصراع من منظور ايديولوجي ثوري إلى منظور واقعي وتحول جذري،حيث انتقل الفلسطينيين من التصرف على المسرح الدولي كمنظمة تحرر ثوري،إلى التعامل بمنطق الدولة الرسمية، مما يتيح لها فرص أكثر في الملاحقة القانونية والجنائية لاسرائيل في المحافل الدولية . بينما لم يحدث ذلك لدى الجانب الاسرائيلي، الذي حافظ على منظوره الايديولوجي تجاه اطراف الصراع وبالذات الفلسطينيين، فعمل على التكيف مع مطالبهم وليس التحول الفعلي. ذلك بفعل الدعم دولي أمريكي ،والتشرذم الفلسطيني والعربي ،و ضعف الموقف العالمي الشعبي الذي مكن اسرائيل من انهاء الفرص الفعلية لولادة دولة فلسطينية في اطار حل الدولتين .كما أنه ساهم في تعزيز الايديولوجيا الاستيطانية واسنتمرار توسعها، وجعل اسرائيل اللاعب الثابت في كل ما يشهده العالم والشرق الاوسط من تغيرات . فلا شيئ في العالم وفي السياسات الدولية ، يمكن لاسرائيل أن تكون بمنأى عن تحولاته فأمنها القومي ، والصراع الفلسطيني – الاسرائيلي الممتد منذ عقود ، والمحيط العربي المتهاوي ، وعلاقات اسرائيل المتزايدة بالقوى الصاعدة والعائدة للنظام الدولي مثل ، روسيا ، والصين ، وتقوية علاقاتها بالهند ، تكشف عن ماهية المستقبل في الرؤية الاسرائيلية للمنطقة وخاصة للشأن الفلسطيني . وبالتعريج على تجربة جنوب افريقيا ، فنلاحظ وجود قوى دولية ذات أجندة قادرة على الاستجابة لطموحات تلك الحركة المناهضة للابارتهايد،ترافق مع جهد دولي(أمريكي أوروبي) رسمي ضاغط سياسياُ واقتصادياً على الطرف الأقوى في الصراع،حيث لعب الضغط الدولي الامريكي الفعلي ،دوراً محورياً في الدفع بنظام الابارتهايد ،وفي تغيير رؤية النظام العنصري للسود في جنوب افريقيا،مما دفع قيادة الابارتهايد (حكومة دي كليرك) الى التراجع عن سياساتها العنصرية ، والسعي نحو تسوية الدولة الواحدة ،التي توجت بالانتخابات وفوز السود عام (1994).وذلك في سياق دولي غلب عليه طابع المناداة بحقوق الانسان والحريات،والليبرالية والديمقراطية .في الوقت الذي بذل وجند فيه الفلسطينيون والمنظمات الدولية ،والاقليمية لكم هائل من الضغوطات السياسية ،والدبلوماسية،والاكاديمية والثقافية، والاقتصادية، وعلى مختلف الساحات الشعبية والرسمية والبرلمانية،دون حدوث أي تحول في الايديولوجيا الاسرائيلية.أو لدى قيادة بنية النظام الدولي، التي ساعدت اسرائيل على التكيف مع الضغوطات ومواجهتها على مختلف الساحات الداخلية والخارجية.وذلك في سياق إنشغال النظام الدولي بالحرب على الارهاب ،والازمات في ببنية النظام الدولي والشرق اوسطي.وفي ذات الاطار نطرح السؤال التالي: ماهي مكونات الايديولوجيا الاسرائيلية ،وهل هي قابلة للتحول؟.
أولًا: مراجعات نقدية:
عالجت الادبيات وعالجت موضوع الدراسة ضمن السياق الداخلي باعتماد المناهج السياسية ،والدبلوماسية والاقتصادية الاكثر تلبية للطموحات الفلسطينية،وقد تحدث عنها في اطار مقارن ،من حيث الادوات والاساليب وليس من حيث المتغيرات المهيمنة على الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني تاريخياً، ففي دراسة للباحث(مارتن بيك 2004)قدم عدة مناهج وطروحات تعالج الواقع الفلسطيني، وتختبر امكانية ولادة تسوية للصراع من منطلق حل الدولتين، في ظل الخلل القائم في موازين القوى وتدحرج أزمة اللاثقة والشك بين اطراف الصراع المباشرة.وتعتمد نماذج وتجارب تحررية مختلفة اعتمدت في سياق تحررها ونضالها ،على وسائل ليست عنيفة بقدر ما هي خاضعة لاعتبارات القوة وتفاوتها بين طرفي الصراع،كتجارب الجزائر ،اليابان وتايون كحالات معتدلة في نهج التحرر.لكنه يؤكد انه في ظل تركيبة الصراع الاسرائلي-الفلسطيني سيكون من الصعب تحقيق دولة فلسطينية في افضل الظروف. هذه التركيبة ليست في فضاء مفرغ ،بل مبنية على اساس اخر هو بنية النظام الدولي وهيمنة الولايات المتحدة على إدارة وليس حل حقيقي للصراع.كما يعيد البعض ويعزي فشل التسوية للمسألة الفلسطينية ،إلى عناصر داخلية ،جاءت في سياق الحديث عن ضرورة اعتماد نهج الدبلوماسية العامة وادواتها السائدة في التفاعلات الدولية الشعبية والمجتمعية والفردية. يشير الباحث(سمير عوض،2015) في دراسة بعنوان (الدبلوماسية العامة والمسألة الفلسطينية)إلى أن الخارجية الفلسطينية بتجاهلها لهذا النمط من العمل الدبلوماسي ،شكل عقبة أمام حل المسألة الفلسطينية. لكن الدبلوماسية العامة اذا كانت قادرة على تحسين الصورة ،فهي ستكون قاصرة عن حل المسألة الفلسطينية استراتيجياً.في حين ركزت دراسات أخرى على الانخراط الامريكي وجديته في عملية السلام ،وانهاء الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي،كعمود فقري للحل ،دون البحث في ارتباط هذا الدور الامريكي مع عناصر قوية سواء محفزة أو مثبطة لذلك الدور.
يشير (James A.Baker2013) إلى تحليل المكاسب والخسائر الامريكية من وراء ذلك الانخراط،ومكانته في الاستراتيجية الامريكية،ويؤكد بطريقة غير مباشرة إلى الحاجة لاعادة تجديد الدور والرؤية الامريكية. لكنه لا يضع االتركيز على الديناميات التي تؤثر عليها ،بواسطة اللوبي على ترتيب خيارات وأولويات السياسة الخارجية الامريكية في التسوية. يقول هذا الباحث، أن إحدى النتائج الرئيسية للدراسة كانت أن حل الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي بمفاوضات جدية،تتطلب انخراط أمريكي.ويؤكد ان ذلك الدور يحتاج إلى دعم دولي لكلا الطرفين،وللولايات المتحدة.لكن هذه الدراسة كانت بمعزل عت تكثيف التركيز على مسار المفاوضات وعملية السلام،ودور الايديولوجيا الاسرائيلية في اضعاف الدور الامريكي وبالتالي الدولي تجاه إنهاء الصراع .وتصب دراسات أخرى في هذا المسار ،حيث يؤكد الباحث Herbert C.Kelman في دراسة بعنوان “عملية السلام الاسرائيلية – الفلسطينية وتقلباتها ” عام 2007،بأن العملية شهدت تراجع في المواقف من التسوية، وفقدان الالتزام بالمخرجات .وأن احياء هذه العملية يتطلب اطمئنان متبادل، حول صلاحية وجدية الشراكة بين الطرفان،واهليتهم للمفاوضات من اجل تسوية تاريخية شاملة تضمن الكيانية للشعبين. لكنه لم يتم اعتماد تركيز وبحث اكاديمي عن معيقات وتحديات تمنع هذا الاطمئنان وبناء الثقة.لذلك فإن دراستي هذه تؤكد أنه لم يكن التكيف الاسرائيلي مع مطالب الفلسطينين،وانخراط (م.ت.ف) في عملية السلام ،تحول حقيقي في الموقف الاسرائيلي من الصراع.وما شهده مسار العملية السلمية من ديناميات واتفاقيات بين الطرفان، ليس إلا نشاطات اجرائية مشروطة بالاداء الأمني لصالح الاسرائيلين .
ثانيًا: الايديولوجيا الاسرائيلية :المكونات واحتمالات التحول .
الجهد ينصب في جزء منه على تفكيك الايديولوجيا الاسرائيلية والعقيدة الاستيطانية، كأبرز معيقات عملية السلام.وارتباطها بدعم اللوبي الاسرائيلي،والولايات المتحدة التي فشلت في تجميد او وقف الاستيطان في الاراضي المحتلة ،مما ينهي أي حلول وااقعية للمسألة الفلسطينية.فالايديولوجيا الاسرائيلية لم تحدد لنفسها منذ بدأ الصراع العربي –الاسرائيلي ،فضاء جيوسياسي خاص بها.او حدود جغرافية مع دول الجوار بالمفهوم السيادي الكلاسيكي ،وانما ارتكزت على الاحتياجات الأمنية المحتملة من جانب ،ومن جانب اخر على معاهدات السلام ذات المغزى الاستراتيجي والذي يصب في المفهوم الايديولوجي الامني لاسرائيل .فما تحقق مع مصر والاردن لم يكن سوى محاولة تحييد أو تمكين هاتين الدولتان من القيام بما تعهدت بهما سياسياً وامنياً تجاه اسرائيل. فأكثر من ستة عقود على تكاثف الصراع وحدته وما تم اوقيعه من اتفاقيات أمنية وسياسية ،وما شهدته من تغيير لقواعد التعامل ،وتغير القيادات،إلا أن مضمون الرؤية والايديولوجيا الاسرائيلية (بغض النظر عن تنوعهم السياسي اليميني واليساري)تجاه قضايا الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي ليست أكثر من عملية تكيف،وليس تحول في السياسات والممارسات الجدية . فهي على مستوى “الحدود تطلب تعديلات لكتل استيطانية ومواقع عسكرية ،وفي السيادة يطالبون بالسيطرة على بعض المواقع والمناطق، ويفرضون وجوداً اسرائيلياً في غور الاردن ،ومحطات انذار مبكر ،كما أن الانسحاب لم يلتزموا به خطياً ،ويريدون انهاء الصراع بشكل كامل والغاء اية مطالب بمجرد توقيع اتفاق اطار وليس معاهدة سلام ،وربط اي تقدم بالاداء الامني ،والسيطرة على المجال الجوي المستقبلي الفلسطيني. وبالتالي فعناصر السيادة التي من خلالها تحترم الوحدات السياسية لبعضها البعض معدومة في الحالة الفلسطينية ،وفي حل الدولتين ،الا اذا اعتبر الحل على النمط الفاتيكاني .إن التحول في الرؤية والايديولوجيا القيادية الاسرائيلية تجاه الفلسطينين ،والصراع ككل أمر ومتطلب ضروري ومحفز لإحداث تحول حقيقى في الموقف الاسرائيلي ،يتلاقى مع مرونة المواقف الفلسطينية والعربية ،مما يؤدي إلى ولادة دولة في اطار تسوية شاملة واقليمية كذلك .ولكن الايديولوجية الاسرائيلية تنبؤ بغير ذلك ،فهي تحافظ على بقاء الخيار الاردني كحل للمسألة الفلسطينة مجمداً ،لحين وقوع تغيرات استراتيجية جديدة في البيئات الملكية ،مثل ماحدث في الانظمة الجمهورية العربية. يشير كلاً من (Israel Shahak& Oded yinon) إلى ذلك الحل المستقبلي والاستراتيجي على أساس تحييد المسألة الفلسطينية التي تواجهها اسرائيل لحين توافر حلول اقليمية واليوم هناك فرص لذلك، فالاردن لا يجب ان يستمر بتركيبته الديمغرافية والاقليمية التي هي عليها اليوم وإنما ستكون في صلب التغيير القادم.
فتعتمد الرؤية الاسرائيلية لانهاء الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي وفق النص الوارد،على حساب التسويات الاقليمية والعربية، وليس منحهم الدولة المستقلة بمفاهيم السيادة التقليدية المعهودة ،فعلى المدى البعيد يرى الاسرئيليون أن الاردن لن يبقى قيد تركيبته السكانية الحالية ،وهي تعبر عن قناة اسرائيلية لنقل المسألة الفلسطينية إلى الجانب العربي، وإحياء الخيار الادرني عبر عملية اقتصادية وديمغرافية طويلة الأمد لجعل ذلك الخيار واقعاً سياسياً وديمغرافياً ممكناً.وهذا يأتي في صميم الوقائع الجيوسياسية كإحدى معيقات التسوية.يؤكد الباحث (Kobi Michael) أن اسرائيل تواجه واقع جيوسياسي معقد،وهو يشكل عقبة امام القيادة الاسرائيلية في تفعيل تسوية للصراع.كما أنها ترتبط بحواجز سيكولوجية ،تمنع ولادة تسويات أو تطوير بدائل للحل بين طرفي الصراع . والمسألة في التسوية لم تعد ترتكز على طبيعة التقسيمات الجيوسياسية ،وإنما اخراج الفاعلين المعادين من دائرة الصراع وبالقوة العسكرية وهذا في عقلية الاسرائيليين سواء قيادة أو مجتمع . فمثلاً نسبة الاسرائليين الداعيين إلى استمرار العمل العسكري للقضاء على وتصفية وجود حماس وصلت ما نسبتة (66%) عام 2009. فالنقطة المركزية هي ليس التخلي عن اي بقعة جغرافية وإنما التخلص من الكيان المعادي لهم .وهذا جوهر السياسة الداخلية للاسرائيليين ،ودورها كعقبة أو محفز للقيادة الاسرائيلية .وفي اشكالية العلاقة بين السياسة الداخلية والخارجية الاسرائيلية تجاه الصراع مع الفلسطينيين ، فإن العناصر الداخلية (وبالتالي التركيبة السياسية والايديولوجية الاسرائيلية)تمنع القادة من ترجمة أي مبادرة سلام حقيقية مع الفلسطينين .لذلك فالقيادة الاسرائيلية دائمة التهرب من أي مطالب وضغوطات أمريكية بترحيلها –بما يضعه من شروط- على الجانب الفلسطيني.يــورد الباحث (كوبي ميشي) ذلك بقوله :
،،Israeli experience demonstrates that every peacemaking effort that include territorial concessions immediately and automatically turned into a game on two levels-internal and external-because it generated a conflict of values,,.
بمعنى أن “التجربة الاسرئيلية تحتج بأن أي جهود لصنع السلام تتضمن تنازلات اقليمية وجغرافية تتحول بشكل مباشر وتلقائي إلى لعبة في نطاق مستويين- داخلي وخارجي – لانها تنتج وتولد صراع قيمي”.
وهذا النهج السياسي والايديولوجي ،واضح لمن يتتبع عملية السلام ،فكلما اقتربت القيادة الاسرائيلية من تنازلات جيوسياسية حقيقة في الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، بدأ الاسرائيليون في نقاش داخلي حاد يؤدي بمجمله نحو تنحية القيادة الاسرائيلية ،وهذا ما حدث لأولمرت ،ومن قبله رابين .فمكونات الايديولوجيا السياسية الاسرائيلية تنطوي على ابعاد دينية وجيوسياسية.وهذا ما يجعل الحديث عن الحل السياسي ،مسألة شائكة في مفهوم الاطراف المنخرطة في الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي،خاصة عندما تجرد من معناها الجيوسياسي.وهذه المكونات تشكل محددات للقيادة الاسرئيلية ومناخ سياسي لتمكين القيادة الاسرائيلية من تجنب مخاطر ادارة الصراع مع الفلسطيينين.لذلك نلاحظ أن مضمون ومعنى الحل المستقبلي ،للمسألة الفلسطينية متروك لما تنتجه المفاوضات الثنائية، ولطبيعة البدائل السياسية .ويشير المحلل في شؤون الشرق الاوسط (Jim Zanotti) بأن النطاق السياسي آخذ باتجاه تطوير خيارات للحل ،تقوم على أساس الحفاظ على الوضع القائم (Status quo) في الضفة الغربيةوغزة.والذي اخذ بالتنامي في الاوساط السياسية الرسمية والشعبية ،ومختلف الأطر المجتمعية وخاصة الفلسطينية،التي اندفعت بحكم الانقسام السياسي والجيوسياسي لتكون حل بين الفلسطينين بدلاً من الاتفاق على حل مع الاسرائيلين .وهذا يساعد الاسرائيلين على تجاوز أزمة حل الدولة الواحدة المرفوضة ايديولوجياً ،فالاوساط الاسرائيلية ليست مهيأة على المدى الاستراتيجي للقبول بحل اوبعملية السلام ،كليتاً ببقاء وضع الفلسطينيون على ما هو عليه ،وبالتالي تمارس اسرائيل السيادة السياسية والأمنية ،والعسكرية على سلطة الوضع القائم في مناطق السلطة الفلسطينية .وهي بذلك تعد ترجمة حقيقية لسياسة اسرائيل احادية الجانب في صنع واقع سياسي وضرورة تلائم مكونات أيديولوجيتها.
ثالثًا: تركيبة النظام الدولي وقيادة الولايات المتحدة :الانتظار الاستراتيجي.
لقد ولدت المسألة الفلسطينية تاريخياً من رحم التحولات التي اصابت النظام الدولي في الحربين العالميين الأولى والثانية، وما تبعه من تفاعلات سياسية ودبلوماسية دولية ساهمت بطرق مختلفة في التخفيف أو الرفع من وتيرة معالجة هذه المسألة. مما جعل(الأمم المتحدة)من ابرز المجالات الدبلوماسية التي عملت فيها اقطاب الصراع في الدفاع عن مواقعها ومواقفها تجاه التسوية.وهذا بدوره انعكس سلباً على المسألة الفلسطينية وحدَ من قدرة النزعة المؤسسات الدولية من لعب دور فعال في التسوية . يشير الباحث والاكاديمي(جوني عاصي) إلى هذه الازمة بقوله “فالأمم المتحدة هي لاعب في السياسة الدولية،من خلال السكرتير العام وطاقمه ،للسكرتير العام تأثير ضعيف على تصرفات الاطراف في صراع معين،اذا لم يتواجد هذا الصراع في أولويات الدول العظمى”. لقد كانت القضية الفلسطينية محوراً للتسويات وميزاناً لتوزيع القوى والمصالح،بين القوى الدولية التي رسمت معالم النظام الدولي السائد ،والذي يعد الجذر التربيعي لكل أزمات المنطقة والمعزز للهيمنة الامريكية على المؤسسات الدولية،بدلائل أن معظم ديناميات الأمم المتحدة،تستند في قوتها على بنية وتركيبة النظام الدولي وقيادته الامريكية، ذات النزعة الراديكالية في السياسة الخارجية تجاه المسألة الفلسطينة، وأزمات الشرق الاوسط بشكل عام . إن بنية النظام الدولي لا تنزع نحو تسوية النزاعات،الا بمقدار استقرار مصالحها ومجالاتها الاستعمارية القديمة الجديدة. ومراقبة السلوك التوظيفي للقوى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ،وخاصة الولايات المتحدة في استخدام حق النقض (الفيتو)،يلاحظ بروزه بقوة في الدفاع عن تلك المصالح . أدرك الاسرائيليين مدى أهمية الهيمنة الامريكية (كقطب أوحد) على بنية النظام الدولي،فعمدت إلى اعتماد تأثير اللوبي اليهودي على القرار الحاسم في السياسة الخارجية، لضمان نتائج المسار الدبلوماسي والسياسي،بما يضمن تفرد اسرائيل كطرف قوي في الصراع ومنحها اريحية غير مسبوقة في سلوكياتها في اوقات المفاوضات ،أو المواجهات واستخدام القوة العسكرية. ورغم أن الولايات المتحدة لن تستطيع تحريك شيئ إيجابي على الصعيد الفلسطيني والسبب أنها ستحتاج في بعض الاوقات لتدرج اسرائيلي ازاء تسوية تلك الازمات مثل البرنامج النووي الايراني ،مقابل استمرار الوضع القائم في المناطق الفلسطينية المحلتة. أما الاستمرار العربي في الرهان على أمريكيا فذلك نابع من مبرر اورده الباحث(حسن الخطيب) بقوله”استثمار ذلك الجزء الضئيل من السياسة الامريكية والنخبة الامريكية المتفهمة للقضية العربية”. مما جعل حل الدولتين كمطلب عالمي ،يفقد روحه ودافعيته في حل المسألة الفلسطينية،يؤكد الاكاديمي Daniel C. Kurtzer على ذلك بالقول:
“Atow-state solution- is loosely the framework within which Israelis, Palestinian, the Arabs, the international community, and the united state are operating”. And he said that, the time is not allays to- tow state solution”
بناء على ماسبق فإن” حل الدولتين فقد الاطار الراعي له والذي انخرطت فيه اسرائيل والفلسطينيون والمجتمع الدولي والعرب والولايات المتحدة الامريكية، وبالتالي الوقت ليس في صالح حل الدولتين.مما يبرر السؤال الدائم، هل يحتاج الفلسطينيون الى الانتظار الاستراتيجي لحدوث تحولات مؤثرة في تركيبة النظام الدولي،ودور الولايات المتحدة مما ينعكس ايجابياً على تسوية المسألة الفلسطينية؟ بشرط القدرة على القبول بانجاز تسوية مرحلية ومؤقتة دون انهاء كامل للصراع الفلسطيني-الاسرائيلي،على أمل أن الازمات التي تعاني منها الولايات المتحدة اقتصادياً وسياسياً ، وتراجع قدرتها في تسوية المنازعات الدولية والاقليمية ، يمكن أن تساعد الفلسطينين في تحقيق دولتهم. يعتقد الباحث أن انتظار هكذا سيناريوهات لن يكون في مصلحة الفلسطينين.فالزمن يسير ليس في مصلحتهم والتدخل الأمريكي لا يمكن تحفيزه للعب دور فعَال في الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي ،وفي ظل حالة الانهيار السياسي والجيوسياسي لكيانات المنطقة ، بفعل تكلس الايديولوجيا الاسرائيلية ،التي تحشر الولايات المتحدة في خانة إدارة الصراع وليس تسويته وحله.وبالتالي فالدعوة السياسية للولايات المتحدة للقيام بتحفيز استراتيجي لاحداث تغير تاريخي فيما يتعلق بصراع لن يكون بمنأى عن محددات اسرائيلية يوردها James A. Baker وأبرزها ، التأكيد الاسرائيلي على أن كل شيئ متاح وبشكل شامل للاتفاق ،وعلى اساس أنه لا شيئ متفق عليه ،حتى نتفق على كل شيئ.تمكين الولايات المتحدة على تقريب المفاهيم بين الطرفان لقضايا الصراع ،وخاصة الجيوسياسية ستلاقي معارضة ورفض قوي، لا يوجد حكومة اسرائيلية يمكن ان توافق على تنازلات اقليمية دون ترتيبات أمنية،يكون فحواها أن اسرائيل هي من يدافع عن نفسها. لذلك إن اعتراف الولايات المتحدة و اسرائيل بضرورة وجود السلطة الفلسطينية ،ليس بسبب تحولات ايديولوجية لها ، وإنما خطوة بديلة عن الثمن الذي ستدفعه اسرائيل مقابل الاحتلال المباشر،إضافة إلى سعيها في عدم خلق فراغ أمني يمكن ان تحتله كيانات مسلحة ومعادية لها ، وهذا ما سيدعم مسألة الحل القائم على مبدأ (status-qou) والسلام الاقتصادي في الاراضي الفلسطينية .
خامسًا: الولايات المتحدة والفلسطينيون :الموقف رهن التغيير في السياسة.
لقد كان الرهان الاستراتيجي للفلسطينين مبني على وقوع تحولات جدية مفادها تاكيد الخبراء في السياسة الخارجية للولايات المتحدة أبرزهم ( Bruge W. Henneson) على مجموعة من المقومات والعناصر التي تدعم التفرد الأمريكي في القرار الدولي وخاصة المتعلق بالصراعات، وأبرزها استقرارها الداخلي الاقتصادي والسياسي ، و المسؤولية القيادية الدولية (وقوتها العسكرية وانتشارها) وهيمنتها على المؤسسات الدولية، وقبولها كوسيط لمختلف اطراف المنازعات الدولية والاقليمية عبر (المساعدات المالية والعسكرية والأمنية) ، ومصالحها المترامية الاطراف .فالرأي العام الأمريكي ، وفقاً للمؤشرات الاحصائية ترى أن الولايات المتحدة يجب أن تبتعد عن التفرد في سياساتها الخارجية لتكون اكثر شراكة وهدوء مع بقية القوى .حيث اشارت “استطلاعات الرأي الأمريكية” التي تعود لعام 2015 كعينة انتقائية سواء الشعبية أو الحزبية الى ما نسته (59%) من المستطلعه ارؤهم يدعمون الاتفاق مع ايران ، مقابل (31%) يرفضونه .وحزبياً فإن هناك ما نسبته (72%) يدعمون الاتفاق من الديمقراطيين ، في حين أن (62%) من الجمهوريين يرفضونه. كما أن حجم الخلافات الداخلية ازداد عقب سيطرة الحزب الجمهوري المعارض على الكونغرس الامريكي ، بشأن الملف النووي الايراني ، والاصلاحات التي وعد بها الرئيس (اوباما) .وبفعل ذلك بات الرأي العام الامريكي ضاغط وبشكل كبير على قدرة الولايات المتحدة على احداث حلول مقبولة في الكونغرس تجاه مختلف الازمات وبالتالي وجدت الولايات المتحدة نفسها بين خيارين . الأول ،” أن تدير سياسة خارجية بتوافق مع القوى الدولية ، أو رفع مستوى الاهتمام الشعبي بالشؤون الخارجية الى درجة متكافئة مع رغبة الولايات المتحدة في التدخل في الصراعات. وفي الحالتين فإن التحول سيربك الانخراط المتحيز لطرف دون آخر في تسوية الصراعات في الشرق الاوسط، وخاصة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.
لكن التحولات الحالية دفعت وبفعل الازمات السياسية والاقتصادية والانتكاسات العسكرية المتتالية التي أصابت السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، خاصة في منطقة الشرق الاوسط . إلى إعادة الولايات المتحدة لتقييم توجهاتها الخارجية ، وصياغة أسس جديدة لعلاقاتها مع اصحاب النفوذ والتأثير في تلك الأزمات . وهذا تطلب تنسيق غير مباشر للادوار مع مختلف القوى على اساس أدراك كل قوة لحدود تدخلها في الشأن الدولي والاقليمي . وابقاء التحالفات وصناعتها في اطار وسياق لا يخل ببقاء الولايات المتحدة مهندساً لرسم السياسات في كل الازمات . وجاء هذا التغيير في اشراك القوى الصاعدة في ادارة الازمات الاقليمية كمدخل لشراكة في ادارة الشأن الدولي ، تحت وطأة الاخفاقات الامريكية في سياستها الخارجية واعتماد القوة العسكرية المفرطة .وغياب الرؤية الامريكية الواضحة تجاه أزمات الشرق الاوسط ،والصراع الفلسطيني-الاسرائيلي.
كما أن مبدأ “قبول الاخرين أو الاطراف والقوى للولايات المتحدة كقوة ووسيط متفرد في السياسة الدولية بات قيد التحول السلبي . فانعدام الثقة في دور الولايات المتحدة في تسوية الصراع الفلسطيني –الاسرائيلي ،وما تبعه من معضلات على مختلف الساحات الشرق أوسطية،قد زاد من حجم مع زيادة تبني الولايات المتحدة للموقف الاسرائيلي الذي حوّل بجموده الدور الأمريكي من قيادي وضاغط بالاساس ، إلى مجرد مهيئ ومسهل للسياسات الاسرائيلية .فالسياسة الامريكة منذ مؤتمر مدريد وعملية السلام لم تمارس دور المجبر لاسرائيل في قضايا تتعلق بالسيادة الحقيقة ،وإنما لعب دوراً مسهلاً في قضايا اجرائية وشكلية كقبول عقد الانتخابات الفلسطينية في شتى المناطق ،وتمكين السلطة أمنياً. وتزامن مع هذا الفشل على مستوى حل الصراع ،وفقدان الولايات المتحدة لمصداقيتها كوسيط دولي،ازدياد توجه القوى الصاعدة للبحث عن دور قوي في ذلك الصراع . لقد بدت تلك الاحداث وكانها صيرورة سياسية نحو قواعد جديدة للتفاعلات الدولية في منطقة الشرق الاوسط. ستنعكس على مسار الصراع العربي والفلسطيني-الاسرائيلي سلباً في ظل سيادة حالات الانهيار الجيوسياسي للنظم والدول المحيطة والمتفاعلة مع الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي.
سادسًا: السياسات الأوروبية والمسألة الفلسطينية:البحث عن مداخل إنسانية مشتركة .
تواجه قوى اوروبا الثلاث البارزة على المسرح الدولي ، والمنخرطة في الصراع العربي والفلسطيني- الاسرائيلي، وهي بريطانيا وفرنسا والمانيا . كونها المحرك الحقيقي للدور الاوروبي في السياسات الدولية ،اسئلة هامة مثل : هل ستخرج اوروبا عن صمتها ودورها السياسي المتدني في الصراع الشرق اوسطي،والمسألة الفلسطينية؟. وطبيعة القدرة الاوروبية على العمل الجماعي والتعاطي مع حجم التهديدات التي تطرحها عملية الانخراط الضاغط على اطراف الصراع ، وشراكتها الاورومتوسطية . لذلك فإن الاتحاد الأوروبي ،لن يستطيع لعب دور حاسم إلا اذا طلب منه او منح تلك الفرصة من قبل اسرائيل او الولايات المتحدة الامريكية ،يقول الباحث (عبد الفتاح الرشدان)”يصعب الحديث عن دور أوروبي موحد ومشترك اتخذته دول الاتحاد الاوروبي … فهي كثيرة ومتعددة التوجهات تجاه القضية الفلسطينية”. ونظراً لوجود أوروبا تحت الغطاء الأمني والعسكري الأمريكي ، فهي ستكون الى جانب الولايات المتحدة منفردة أو عبر منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.أما سياسياً فلا يوجد مؤشرات حقيقية لمقدرة أوروبا على ممارسة ضغط حقيقي على الطرف الاسرائيلي،فقد طالبت الولايات المتحدة الامريكية من اوروبا ممارسة دور ضاغط على الفلسطينين وحثهم على القيام بما هو مطلوب منهم تجاه مكافحة الارهاب ،على خلفية تقدم اوروبا بمبادرة بتاريخ(30/1/2002)في الدعوة لعقد مؤتمر دولي ،إضافة الى دعم المبادرة الفرنسية،وكلتا الخطوتان الاوروربية والفرنسية لاقت معارضة أمريكية بطريقة أو بأخرى. أن أوروبا فقدت القدرة على التخطيط والتفكير الاستراتيجي بفعل قوة تأثير وتسارع المتغيرات الدولية والاقليمية المحيطة في اوروبا .ناهيك أن المؤشرات لا تدل على أن اوروبا ستكون قوة دولية فعًالة.فالدور الذي تمارسه أوروبا عبر منصب منسق السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي،محدود للغاية حيث أن اسرائيل “استطاعت من خلال التأليب المستمر، النجاح في إقامة سد أمريكي منيع أمام السياسة الاوروبية المتوسطية… فاسرائيل تفضل أوروبا مفتتة وليس أوروبا موحدة. لذلك أبدت اسرائيل انزعاجها من محاولات اوروبا التغلغل ولعب دور غير مقبول بالنسبة لها ،وخاصة إثر الاعرتاف البرلماني الرمزي بالدولة الفلسطينية .وما يمكن للاتحاد الأوروبي القيام به هو دور ثانوي في اجراءات بسيطة وثانوية .خاصة في ظل تنامي الازمات الدولية والاقليمية التي تنعكس على أوروبا.وهذا ما يؤكده الباحث عبد الفتاح الرشدان بقوله “ولم يعد هذا الصراع بمفرده في نظر اوروبا محور تهديد المصالح والأمن الاوروربي.
سابعًا: الفلسطنيون والتحولات الصعبة : الخيار الممكن .
شهد الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي ،اختلاف في مساراته منذ انطلاق مسيرة السلام في المنطقة .وقد حاول الفلسطينيون الحفاظ على فكرة استقلالية الخيار السياسي الفلسطيني ،والدولة كمخرجات حيوية في الرؤية الفلسطينية. ناهيك عن المساعي الحثيثة للقيادة في رفض كافة الخيارات السياسية والاقتصادية المتعارضة مع تلك الافكار، وخاصة خيارات الدولة الواحدة ، والخيار الاقليمي(الاردني) ، واستمرار حالة السلطة والاحتلال والتقسيمات الجيوسياسية الناتجة عنه ،وعلى ما يبدوا أن فقدان الأمل بحالة وخيار الدولتين،الذي تراجع بفعل الايديولوجية الاسرائيلية الاستيطانية،وتأثيرها على السياسة الخارجية الامريكية وانشغال الاخيرة بازمات دولية واقليمية ، فقد لجأت السلطة الفلسطينية بما حققته من موقع معترف به دولياً في المؤسسات الدولية إلى محاولة البحث عن حماية دولية وشرعية وقانونية، لما تبقى من خيار الدولتين ،ولتجنب خيار المسارات المنفردة (الضفة –غزة) كوضع قائم .وبعد الفشل في تجميد الاستيطان تسعى القيادة الفلسطينية جاهدة إلى مسابقة الزمن لعقد مؤتمر دولي للسلام تكون وجهته تنفيذية أكثر منها تفاوضية فيما يتعلق بعنصر الزمن ،لتسوية القضية الفلسطينية.لقد باتت العودة التاريخية للصراع ،والتهديد بسحب المكتسبات الاسرائيلية السياسية والامنية من اتفاقيات السلام والمفاوضات الثنائية الفلسطينية-الاسرائيلية،ضرورية للدفع بالولايات المتحدة واسرائيل إلى ادراك خطورة بقاء الوضع والجمود الحالي .حيث أن المقاربة الصهيونية للحل ،والتي تدعمها الولايات المتحدة الامريكية ،تشير الى النقيض من الطرح الفلسطيني الواقعي تقول الباحثة غالية ملحيس،أن المقاربة الاسرائيلية تقوم بشكل عام على الاعتراف الفلسطيني بالدولة اليهودية، وانهاء اية مطالب مستقبلية ،وحل مشكلة اللاجئين خارج الفضاء الجيوسياسي الاسرائيلي ،ودولة منزوعة السلاح ،استمار الوجود العسكري على طول الحدود الاردنية –الفلسطينية ،وأن تبقى القدس عاصمة موحدة تحت السيادة الاسرائيلية. وهذه المطالب تمثل الحل الاسرائيلي الايديولوجي للمسألة الفلسطينية ،وانهاء اية طموحات فلسكطينية ببناء دولة بمفهومها السيادي.
خاتمـــة:
المسألة الفلسطينية ستواجه ليس فقط خيارات سياسية ،وإنما بيئات صعبة للغاية .مما يجعل الحفاظ على الوضع القائم مع بعض الرموز المتعلقة بالدولة في اطار مفهومها السيادي ،الخيار الاكثر واقعية ،وذلك في سبيل انتظار كل القوى والاطراف،خاصة الفلسطينية-الاسرائيلية لوقوع تغيرات وتحولات استراتيجية في المنطقة.يمكن لها أن تزيد أو تحد من تأثير الايديولوجيا الاسرائيلية ،على التوجه السياسي الخارجي للولايات المتحدة.مما يمنحها أو يزيد من تقلص الهامش المتاح لها للضغط على اسرائيل نحو ابداء مرونة جيوسياسية كمتطلب لبناء دولة فلسطينية ليس بمفهوم- قابلة للحياة- وإنما بمفهومها السيادي. ولعل الفلسطينيون قد أدركوا أنه على المدى القريب لن تحدث هكذا تحولات ،وبالتالي كان خيارها الواقعي هو اللجوء للمؤسسات الدولية،ولمحكمة الجنايات الدولية ،سواء كاداة للضغط على اسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة وبالتالي كسر الجمود والاحتكار الامريكي لمسار الصراع ،أو كخيار استراتيجي لا رجعة عنه .حيث أن المفاوضات الثنائية في ظل اختلال موازين القوى،واستمرار الاستيطان لعبت دوراً اساسياً في فقدان البيئة الجيوسياسية لبناء الدولة المستقلة ،وتزايد الضغط الامريكي على الجانب الفلسطيني بوضعه على قائمة الارهاب ،والعودة بالفلسطينين ومنظمة التحرير الفلسطينية الى نقطة الصفر.
قائمة المراجع والمصادر:
المراجع العربية :
1 – الخطيب،حسن عارف. 2014. السياسة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية 1993-2001. ط1. مركز الابحاث (م.ت.ف). رام الله.
2- الرشدان ،عبد الفتاح.2012. المواقف الفلسطينية والعربية من الدور الاوروبي في تسوية القضية الفلسطينية. في مؤتمر(السياسة الخراجية الاوروبيةتجاه القضية الفلسطينية).بيروت ،لبنان.
3-عاصي، جوني.2004. الأمم المتحدة وأزمة الدبلوماسية متعددة الاطراف .سلسلة دراسات استراتيجية (11)، ط1،معهد ابراهيم ابو لغد للدراسات الدولية ، رام الله.
4- العزي ،غسان .2005. معوقات الدور الاوروبي في تسوية الصراع العربي-الاسرائيلي . ط1.معهد ابراهيم ابو لغد للدراسات الدولية. رام الله.
5- قاسم ،عبد الستار . 2004. الاستراتيجية الامريكية الجديدة وانعكاساتها على العرب.: سلسلة اوراق عمل ودراسات. مركز البراق للبحوث والثقافة – رام الله .
6- ملحيس ،غادة. 2012. عناصر الرؤية الاستراتيجية لتغيير المسار. في مؤتمر (القضية الفلسطينية :مراجعة التجربة وافاق تغيير المسار الاستراتيجي،اريحا 20-21/كانون الثاني /2012. رام الله .
7- المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية. 2015. اتجاهات الرأي العام الامريكي ازاء اتفاق الاطار مع ايران . صفحات عدد(2). http://rcssmideast.org
English References:
1– Samira wad.2015.Public Diplomacy and the Question of Palestine. International Humanities Studies , 2(3).
2 – James A. Baker. 2013. Re-engaging the Israelis and the Palestinian: why an American role in initiating Israel-Palestine negotiations is necessary and how it can be accomplished. Institute for public policy.
3 – David Collier, 1993, the Comparative Method. American political science association .Washington.
4– Adam Prezeworski, the Logic of Comparative Social Inquiry. Chapter 2. Washington university. Newyork.
5 – John Stuart Mill, a system of logic, ratiocinative and inductive.2009, chapter (viii), .
6– Oded yinon. 1982. The Zionist Plane for Middle East.(edit & translate)Israel Shahak. Journal for Judaism and Zionism .No14. Winter.5742.
7 – Kobi Michael.2010. Barriers to Peace in the Israeli- Palestinian conflict. (Edit) yaacov bar-siman-tov.the Jerusalem institute for Israel studies.
8– Jim Zanotti. 2010. Israel and the Palestinians: prospects for a two-state solution. Congressional research service.
9 – Herbert C. Kelman. 2007. The Israeli -Palestinian peace process and its vicissitudes: in sight from attitude theory .Harvard University.
10-Daniel C. Kurtzer. 2012. Pathways to peace: America and the Arab -Israeli Conflict .pal Grave MACMILLAN .united state .Newyork.
رابط المصدر: