تُعد القارة الأفريقية قارة ضخمة بكل المعايير، سواء جغرافيًا، أو من خلال تنوع سكانها، وتعدد ثرواتها الطبيعية الهائلة، فأفريقيا بموقعها الجيو-استراتيجي وما تزخر به القارة الأفريقية من مقدرات يدفعنا إلى فهم خلفيات التسابق الدولي.
أفريقيا قارة ثرية، ولكن مواطنيها فقراء على الإجمال؛ والسبب أن ما يدخلها من أموال أكثر بكثير مما يخرج منها؛ ففي عام ١۹٤٣، زار الرئيس الأمريكي روزفلت جامبيا، ودفعه الفقر المدقع إلى وصفها بأنها أفظع شيء رآه في حياته، وعندما عاد إلى الولايات المتحدة أجرى بعض الحسابات البسيطة (لقد كان البريطانيون هناك مدة مئتي عام، ومقابل كل دولار أدخله البريطانيون إلى جامبيا، أخرجوا ١٠ دولارات، إنه استغلال سافر لأولئك الناس) وكان روزفلت على حق. هنا نسلط الضوء على أهمية أفريقيا من حيث الموارد الاستراتيجية والطاقوية، ودوافع الصراع العالمي في القارة السمراء.
مدخل
أفريقيا كانت ولا تزال تُمثل محط صراع حقيقي بين أقطاب القوى العالمية، لكونها في حسابات الدول الكبرى مخزونًا استراتيجي للطاقة والموارد الطبيعية؛ فمعظم الباحثين والخبراء يُجمعون أن القارة الأفريقية تُشكل إحدى أغنى بقاع العالم بالموارد الطبيعية والمعدنية والمواد الخام المهمة في الصناعات الاستراتيجية خاصة النووية بالنسبة للدول الكبرى، وأنها قارة الألفية الثالثة، فكل هذه الأمور جعلتها محطة جذب لصراع النفوذ وطموحات استراتيجية بين القوى العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل هذا من جهة، ولاعتبار المكانة التي تكتسبها أفريقيا جيو-سياسيًا في ظل خريطة التحولات العالمية الجديدة من جهة أخرى.
في السنوات الأخيرة، لوحظ اهتمام غربي كبير بالقارة الأفريقية، ولقد اتخذ هذا الاهتمام أشكالًا عديدة، أبرزها التدخل الدولي لحل الأزمات التي تدور في بؤر التوتر على غرار أفريقيا الوسطى ومالي ونيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية. وتتنافس القوى الكبرى في إطار صراع خفي على أكبر قدر من النفوذ الممكن في أفريقيا.
وعلى غرار التدخلات الفرنسية المعروفة في أفريقيا، والإشارات الأمريكية بالاهتمام بالأوضاع الأمنية في القارة السمراء؛ برزت الصين القوة الاقتصادية كفاعل مؤثر في أفريقيا، واتخذ ذلك العديد من الوجوه، أبرزها التأثير اقتصاديًا، وبينما تتخذ الدول الآسيوية العملاقة موطئ قدم لها في القارة السمراء منذ عقدين من الزمن معتمدة في ذلك على حضورها الاقتصادي تواصل القوى التقليدية الرهان على دبلوماسية ذات قدم راسخة.
القارة السمراء وأهميتها الجيو-استراتيجية
تكتسي أفريقيا أهمية قوية استراتيجيًا من حيث المخزون الحيوي والاستراتيجي من الطاقة بأنواعها المختلفة، ويضاف إلى ذلك أهمية القارة الأفريقية من حيث أنها تعد سوقًا استهلاكية واعدة ومحفزة للقوى العالمية، بالإضافة إلى العنصر البشري، وهي عناصر مهمة تجعل من القارة السمراء محطة استراتيجية تحظى باهتمام القوى الكبرى، وتتحول في كثير من المحطات إلى ساحة تنافس وصراع.
فالأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية تكمن في:
- توافر احتياطات من البترول والغاز الطبيعي؛ إذ تحتكم أفريقيا على أكثر من ١٢٤ مليار برميل من احتياطي النفط، وهو ما يقدر بحوالي أكثر من ١٢٪ من إجمالي احتياطي النفط العالمي، هذا بالإضافة إلى حوالي أكثر من ١٠٠ مليار برميل على شواطئ القارة في انتظار أن يتم اكتشافها. وتتركز الثروة النفطية بالقارة السمراء في دول نيجيريا والجزائر ومصر وأنجولا وليبيا والسودان وغينيا الاستوائية والكونغو والجابون وجنوب أفريقيا. وما نسبته حوالي ٢٣٪ من إجمالي إنتاج القارة من البترول يتم تصديره للولايات المتحدة الأمريكية، وحوالي ١٤٪ للصين، و۸٪ لكل من إيطاليا والهند، بينما تحظى دول الاتحاد الأوروبي بأكثر من ٢٥٪ من إجمالي الإنتاج. ويقدر إنتاج القارة الأفريقية من الغاز الطبيعي ما يعادل ٦٬٥٪ من إجمالي الغاز الطبيعي حول العالم، بينما لا تزال تمتلك حوالي أكثر من ٥٠٠ تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي، وهو ما يُمثل ١٠٪ من إجمالي احتياطي الغاز العالمي.
- تتميز القارة الأفريقية بكميات كبيرة وهائلة من عنصر اليورانيوم المهم في الصناعات النووية، فالقارة الأفريقية تشارك بأكثر من ٢٠٪ من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم، ومن أبرز الدول الأفريقية المنتجة لليورانيوم هي النيجر، وناميبيا، وجنوب أفريقيا؛ حيث تمتلك القارة احتياطات تصل إلى ثلث إجمالي احتياطات العالم من هذا العنصر المهم.
- أنتجت القارة السمراء من معدن الذهب في السنوات الماضية حوالي أكثر من ٤۸٣ طن بما يعادل حوالي ٢٥٪ من إجمالي الإنتاج العالمي من الذهب، حيث يأتي حوالي نصف إنتاج القارة من الذهب عبر دولة جنوب أفريقيا، بالإضافة لدول أخرى، مثل: غانا، وغينيا، ومالي، وتنزانيا. وتمتلك القارة مخزونًا استراتيجيًا من الذهب يقدر بحوالي ٥٠٪ من إجمالي احتياطات العالم.
- الألماس؛ إذ تتصدر القارة سوق الألماس العالمي؛ فتقوم بإنتاج حوالي أكثر من ٤٠٪ من إجمالي الألماس في العالم؛ ويتركز الألماس الأفريقي في دول بتسوانا وأنجولا وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية وناميبيا، واقترن الألماس الأفريقي بالعديد من الحروب الأهلية في القارة التي تم تمويلها باستخدام الألماس الذي تنتجه.
- البلاتين؛ إذ تنتج القارة أكثر من ۸٠٪ من إجمالي البلاتين في العالم.
- تكمن الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية كذلك في الكوبالت؛ إذ تنتج أفريقيا أكثر من ٢٧٪ من إجمالي كمية الكوبالت المنتجة عالميًا.
- الحديد؛ إذ تنتج ما نسبته حوالي ۹٪ من إجمالي إنتاج الحديد في العالم.
- الزراعة؛ إذ إن تنوع المناخ وكثرة الأنهار ساعدا على قيام الزراعة بصورة كبيرة، ويعمل ثلثا سكان القارة تقريبًا بالزراعة، والتي تسهم بحوالي من ٢٠-٦٠٪ من إجمالي الناتج القومي لكل دولة من دول القارة السمراء. ففي المناطق الاستوائية، يتم زراعة الأناناس والقهوة والكاكاو والنخيل لاستخراج الزيت منه، أما في مناطق السافانا، فيُزرع الفول السوداني والفلفل والبطيخ، وفي مناطق الصحراء تكثر زراعة القطن ونخيل البلح، وفي حوض البحر المتوسط يتم زراعة الزيتون والحمضيات والطماطم وعدد كبير من الخضروات.
- الخشب؛ إذ تتميز أفريقيا بوجود العديد من الغابات والتي ينتج منها الأخشاب بكميات كبيرة، وتسهم صناعة الأخشاب بأكثر من ٦٠٪ من إجمالي الناتج القومي للقارة بأكملها، وهي أعلى نسبة في جميع القارات.
فمن خلال هذه النقاط، تكمن أهمية القارة الأفريقية استراتيجيًا للقوى العالمية، وخاصة للقوى النووية التي ترى في أفريقيا خزانًا استراتيجيًا ومصدرًا للطاقة، وتعد أفريقيا سوقًا مهمًا يسيل لعاب القوى الاقتصادية العالمية، وهذا ما يترجم سياسة العصا والجزرة في تعامل القوى الكبرى مع أفريقيا.
وفيما يتعلق باحتياطيات البترول والثروات المعدنية، تشارك القارة السمراء العالم بنسبة ١٠٪ فقط من احتياطي النفط العالمي وحوالي ۸٪ من احتياطي الغاز الطبيعي. ونظرًا لاتساع مساحات الصحراء الكبرى، فإنه من المحتمل ان تزداد معدلات اكتشافات الغاز والنفط خلال الأعوام المقبلة، ولكن لا يعني ذلك أن أفريقيا في طريقها لتصبح شرقًا أوسط، بل من الممكن أن تتفوق على الدول المصدرة للنفط في الوقت الراهن إذا ما تم استغلال جميع الموارد المتاحة بالقارة بكفاءة عالية، خاصة لما تمتلكه من ثروات معدنية ومحجرية كبيرة.
إضافة إلى ذلك، من الممكن أن تسهم التطورات في مجال الطاقة المتجددة (طاقة الرياح والطاقة الشمسية) في ريادة القارة السمراء لمحيطها الإقليمي، ويمكن تعزيز دور مصر في هذه القارة بعد استعادة دورها الريادي، خاصة مع حرص الدولة المصرية على تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية مع جميع دول القارة.
هذا فضلًا عن أن إنتاج أفريقيا من النفط يقدر بنحو ٥٬٢۸ مليون برميل يوميًا، ويتركز إنتاج النفط في أفريقيا في عدة أماكن في جنوب الصحراء حيث توجد أكبر دولتين منتجتين للنفط (نيجيريا وأنجولا) بما يعادل حوالي ٤٪ من الإنتاج العالمي للنفط، مع تواضع الدول الأفريقية الأخرى؛ فقد بلغ إنتاج غانا نحو ٣٠٠ ألف برميل، فيما يصل متوسط الإنتاج اليومي للدول الأخرى ما بين ٢٠٠ إلى ٣٠٠ ألف برميل يوميًا.
الصراع على القارة السمراء والدوافع المختلفة
أخذت القارة السمراء تكتسب بعدًا استراتيجيًا متناميًا على المستوى العالمي، ويرجع هذا الاهتمام بالقارة الأفريقية إلى ما تحتويه أراضيها من مواد خام وموارد طبيعية لم تستغل بعد، ويستهدف هذا الاهتمام هذه الموارد في المقام الأول؛ إثر ازدياد الطلب العالمي عليها، ونقصان الاحتياطيات العالمية من هذه الموارد في أماكن ومناطق أخرى من العالم.
الصراع الأمريكي الصيني على القارة الأفريقية:
من ملفات الصراع العالمي على الموارد الطبيعية في القارة السمراء خاصة النووية ملف الطاقة؛ إذ يمثل هذا الملف أهم محاور التنافس الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في أفريقيا. وتظهر معالم هذا الصراع بوضوح في السودان، مع احتمال تطوره إلى صراع ينتقل من السودان إلى دول أخرى في القارة. وبما أن الصين تعد ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، فإن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن ترتفع واردات الصين النفطية لتصل إلى ما يقدر بحوالي أكثر من ١٣مليون برميل يوميًا في عام ٢٠٣٠.
وبما أن ما يقدر بحوالي ٣٥٪ من واردات الصين من النفط تستورد من قارة أفريقيا بالمقارنة بحوالي ٥٠٪ من إجمالي ما يصلها من منطقة الشرق الأوسط، نجد أن الصين أصبح لها حضور مكثف في أفريقيا؛ إذ يشكل النفط ضرورة قصوى لها لتأمين احتياجاتها المتزايدة من النفط، ولمساعدتها على تحقيق سياسة أمن الطاقة الصينية القائمة على رفع نسبة التوزيع الجغرافي والتنويع لمصادر الطاقة وللاستفادة من خصائص النفط الأفريقي.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تعد من أكبر مستهلكي ومستوردي النفط في العالم، وهي لا تستطيع أن تتخلى عن النفط الذي يشكل أحد ركائز الاقتصاد الأمريكي. ويعد النفط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أحد أهم مرتكزات الأمن القومي الأمريكي ولسياستها الخارجية، وعنصرًا غير قابل للمساومة، وهو ما يفسر وجودها في أي مكان يوجد به النفط. فالولايات المتحدة الأمريكية ترصد أي تحرك لأي منافس حقيقي أو محتمل لها في الملعب الأفريقي من شأنه أن يضر بأمن الطاقة الأمريكي.
الصراع الروسي الأمريكي في أفريقيا:
يعد ملف السلاح والأمن من حيث الأهمية بعد ملف الطاقة مباشرة في إطار التنافس الدولي على القارة الأفريقية؛ إذ يشكّل هذا الملف أحد عناصر النزاع بين روسيا والولايات المتحدة في أفريقيا التي تعد من أكثر المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة على مستوى العالم. وتنتشر هذه النزاعات المسلحة في أكثر من ٢٠ دولة من دول القارة.
وتشير أحدث التقديرات إلى أن كلفة الصراعات المسلحة على التنمية الأفريقية بلغت خلال العقد الأخير حوالي ٢٥٠ مليار دولار، والصراعات المسلحة أدت إلى تدني الاقتصاد الأفريقي بنسبة حوالي ٢٠٪ وكبدته خسائر سنوية تقدر بحوالي ١۸ مليار دولار، وتضاعفت الصادرات العسكرية الروسية إلى دول القارة الأفريقية بنسبة حوالي ٢٠٠٪ خلال العقد الأخير، حيث تهدف صفقات السلاح الروسي إلى تحقيق الأهداف التالية:
- استعادة روسيا لنفوذها في القارة الأفريقية.
- توطيد العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية مما يسمح بالحصول على استثمارات وعقود في مجال البنى التحتية والقطاعات الحيوية.
- نقل تكنولوجيا الطاقة النووية.
وهذه السياسة الروسية تراها الولايات المتحدة تهديدًا لمصالحها. فالولايات المتحدة الأمريكية ترى أن السياسة الروسية تؤدي إلى تغذية الصراعات بشكل يهدد أمن الطاقة وأمن الممرات المائية وأمن طرق النقل، وتدعم الأنظمة الفاسدة حسب وجهة نظرها وتصنيفها لدول العالم، وأن سياسة التسليح الروسية لها تداعيات مما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز وجودها العسكري في أفريقيا.
أوروبا والصراع للاحتفاظ بالسوق الأفريقية:
في عمليات التمييز الأمني الأوروبي، يحاول الاتحاد الأوروبي الانفراد بالعمليات العسكرية في المناطق التي تعرف نزاعات مستمرة في القارة الأفريقية، وسمى الاتحاد الأوروبي المشروع بالعسكري، وجعله منسجمًا وفعالا بخصوص منطقة الساحل الأفريقي من خلال ربط التنمية بتوفير الأمن في السلوك الخارجي الأوروبي، وأطلق جهاز المصالح الأوروبية من أجل العمل الخارجي مشروع توحيد وتركز على أربعة أهداف رئيسة تتمثل في موريتانيا، مالي والنيجر دول قلب الساحل الأفريقي:
- ترقية التنمية.
- بناء الحكم الراشد.
- دمج حكومات دول الساحل في التعاون الإقليمي.
- محاربة التطرف، وتقوية المجال الأمني والعسكري لدول الساحل الأفريقي عبر برامج التكوين والتدريب التي تقدمها الدول الأوروبية.
لكن يظل التنافس الدولي أقوى مما تتصوره الدول الأوروبية؛ لأنها فقدت حوالي أكثر من ٢٠٪ من السوق الأفريقية، وصفقات الطاقة النووية معظمها منحت لروسيا وأمريكا والصين، وهو ما يهدد استغلال أوروبا لحقول اليورانيوم، مما دفع الدول الأوروبية إلى غض النظر على النشاط المتنامي لظاهرة التهريب.
تركيا وإسرائيل قوى صاعدة تسعى للتوغل في القارة الأفريقية:
في عام ٢٠١٦، زاد حجم الاستثمار التركي في القارة السمراء من ١٬٥ مليار دولار إلى ٥٬٧ مليار دولار حسب المعهد التركي للإحصاء، ووصل حجم التبادل الاقتصادي التركي الأفريقي إلى أكثر من ٣٤ مليار دولار في عام ٢٠١٥، وتغطي خطوط الطيران التركية أكثر من ٥٠ وجهة من مختلف دول القارة السمراء، وتسعى إسرائيل إلى التوغل في القارة الأفريقية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء وحتى القرن الأفريقي. والاستثمارات الإسرائيلية تعرف وتيرة تصاعدية، مما يدفع بالقول إن أفريقيا أضحت منطقة استقطاب ونشاط دولي ليس فقط اقتصاديًا بل وحتى استخباراتيًا.
التوغل الإيراني عبر بوابة التشيع في منطقة الساحل والصحراء:
اكتسح التمدد الشيعي في سياق استراتيجية إيرانية القارة الأفريقية، فنجد ٧ ملايين أفريقي تبنوا المذهب الشيعي، ويتركز حوالي أكثر ٧٠٪ منهم شمال نيجيريا، واعتمدت إيران استراتيجية مرت بثلاث مراحل رئيسة:
- المساعدات في قطاعي التعليم والصحة.
- دعم آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
- التعاون مع الحكومات والإشراف على بناء مشاريع ضخمة في خمس دول أهمها نيجيريا، وغانا، وبنين، والنيجر، والسنغال، هذه الأخيرة تعد القناة الدبلوماسية المباشرة لإيران في المنطقة.
إن المشهد المستقبلي للصراع الدولي على الموارد الأفريقية يشير إلى أن التنافس الصيني الأمريكي في أفريقيا سوف يكون هو التنافس الأصعب والأكثر شراسة وقوة ومرارة؛ لأنه ينطوي على عنصر النفط الذي يشكل أهم الأولويات الاستراتيجية، وهذا يعني أن التنافس سيكون على أشده، وستلعب العلاقات الدبلوماسية والقدرة المالية في هذه الأوضاع دورًا كبيرًا في حجز وتأمين الحاجات النفطية من القارة الأفريقية.
فقر الطاقة في أفريقيا العامل القاتل للتنمية
منذ عام ٢٠٠٠، تشهد أفريقيا نموًا اقتصاديًا سريعًا، وتحسنًا في الظروف الاجتماعية، فبلغ متوسط الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي حوالي ٣٬٦٪ خلال عام ٢٠١٧. ومن المتوقع أن يرتفع إلى حوالي ٤٪ خلال عام ٢٠١۹ بحسب تقرير بنك التنمية الأفريقي في عام ٢٠١۸. واحتلت ٦ اقتصادات أفريقية ضمن أسرع ١٠ اقتصادات نموًا في عام ٢٠١۸ وفقًا لبيانات البنك الدولي.
وبالنظر إلى العدد الكبير والمتزايد للسكان في القارة، فمن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة وذلك بحلول عام ٢٠٤٠. وتتمتع أفريقيا بموارد ضخمة من الطاقة المتجددة، وهي في وضع يمكنها من اعتماد تكنولوجيات مبتكرة ومستدامة ولعب دور رائد في المشهد العالمي لتشكيل مستقبل أفضل للطاقة المستدامة. وتمثل عدم موثوقية الإمداد مشكلة تعرقل التنمية الاقتصادية، حيث تواجه معظم البلدان انقطاعًا متكررًا، وتعتمد غالبًا على حلول باهظة الثمن وملوثة للبيئة.
وتقلل حلول الطاقة المتجددة النظيفة والمحلية التكلفة للقارة، وتزيد فرص تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمناخية، في حين أن التنمية والاستخدام المستدامين لثروات القارة الضخمة والطاقة الحرارية الأرضية والكهرومائية والشمسية وطاقة الرياح يمكن أن تغير الحقائق على الأرض بسرعة، وتوفر مصادر الطاقة المتجددة الفرصة للقفز إلى مستقبل مستدام وقوي ومزدهر للجميع.
وتعد زيادة فرص الحصول على موارد طاقة موثوقة وميسورة التكلفة ونظيفة أولوية رئيسة، لا سيما في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إذ لا يزال نحو٦٠٠ مليون شخص في أفريقيا لا يحصلون على الطاقة، ويمثلون حوالي ٤٨٪ من سكان القارة السمراء البالغ عددهم حوالي ١٬٢ مليار نسمة وفقًا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وأشار تحليل للوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى دمج هدف التنمية المستدامة في مجال الطاقة ضمن الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والاستدامة لجدول أعمال أفريقيا لعام ٢٠٦٣، وتُعد الطاقة المستدامة في طليعة خطط التنمية للدول الأفريقية، مع الاعتراف بدورها الرئيس والحيوي في تحقيق جميع الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة للتخفيف من وطأة التكيف مع تغير المناخ.
ومن بين ٥٣ مساهمة وطنية محددة على المستوى القومي، تحتوي ٤٥ منها على أهداف محددة للطاقة المتجددة، مما يعنى أن حكومات الدول الأفريقية تقر بالفرص الوفيرة التي تقدمها الطاقة المتجددة الهائلة للقارة لوضعها على طريق التنمية النظيفة. ويمكن لأفريقيا أن تلبي ما يقرب من ربع احتياجاتها من الطاقة المتجددة الأصلية والنظيفة بحلول عام ٢٠٣٠، ويمكن أن توفر المصادر المتجددة حوالي ٣١٠ جيجاوات وهي نصف القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء في القارة، في حين حققت حوالي ٤٢ جيجاوات، ما يعني أن مقدار الزيادة قد يصل إلى حوالي ٧ أضعاف، مما يحتاج تمويلًا لهذا الحجم بقطاع الطاقة في أفريقيا سنويًا إلى حوالي ٧٠ مليار دولار حتى عام ٢٠٣٠، ما يؤدي إلى تخفيضات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قد تصل إلى حوالي ٣١٠ ميجا طن سنويًا.
وبفضل السياسات الصناعية بعيدة المدى وتنمية المهارات المستهدفة، يمكن أيضًا توفير ملايين الوظائف الجديدة في القارة، مع مضاعفة حصة مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام ٢٠٣٠، وهو الأمر الذي سيخلق قيمة اقتصادية إضافية عن طريق زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى حوالي ١٬١٪، وهذا من شأنه أن يدل على تحسن بنسبة تصل إلى حوالي ٣٬٧٪ في الرفاهية والوظائف العالمية لأكثر من ٢٤ مليون شخص بقطاع الطاقة المتجددة.
ويتيح هذا التطور الكبير العديد والمزيد من الفوائد الاقتصادية مثل تحسين خدمات الرعاية الصحية خاصة في المناطق النائية، وستدعم أيضًا كذلك تمكين المرأة والتي تمثل حوالي ٣٥٪ من القوى العاملة بمجال الطاقة المتجددة والتي سيصبح دورها أكثر بروزًا لاسيما من خلال استخدام منتج للطاقة المتجددة.
مصر وفرص الاستثمار في القارة السمراء
لا يستطيع أحد أن ينكر إن الدولة المصرية لديها علاقة وطيدة مع دول القارة السمراء، فقد دشنت خلال الفترة الأخيرة العديد من المشروعات الاستثمارية بأفريقيا، وزاد حجم التعاون الاقتصادي، فأصبحت مصر علامة بارزة في العديد من الدول الأفريقية. وتلك العلاقة ليست وليدة اللحظة والسنوات القليلة الماضية، لكنها ممتدة عبر التاريخ، فتعد مصر إحدى الدول التي تستثمر أفريقيًا.
واتساقًا مع ذلك، أطلقت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات تقريرًا كشف استحواذ مصر على أكبر الاستثمارات الأجنبية في أفريقيا، فهي تعد أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر بالقارة في عام ٢٠٢٠، مستحوذة على تدفقات تشكل نسبتها أكثر من ١٥٪ من إجمالي حوالي ٣۹٬۸ مليار دولار قادمة إلى أفريقيا.
وأشار التقرير إلى أن الدولة المصرية تلقت استثمارات بقيمة حوالي ٥٬۹ مليار دولار من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام ٢٠٢٠، بما يمثل حوالي ١٤٬٥٪ من ٤٠٬٥ مليار دولار تم استثمارها في المنطقة خلال العام الماضي. وجاءت مصر في المرتبة الثانية بعدما تلقت نحو حوالي ١۹٬۹ مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مدى العام، وكانت مصر الوجهة الرائدة للاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة لمدة خمس سنوات متتالية، حيث بلغت استثماراتها ما يقرب من ١٢٤٬٥ مليار دولار.
وكانت أولى القطاعات التي توسعت فيها مصر داخل القارة السمراء هي الطاقة الشمسية، حيث نفذت عددًا من محطات الطاقة داخل القارة، بينها محطة توليد الطاقة الشمسية بالمزرعة المصرية التنزانية المشتركة والتي تعد أكبر محطة توليد طاقة شمسية في تنزانيا، وأسهمت مصر في زيادة إنتاجها. بجانب أن لمصر مشاريع زراعية؛ فأقامت ۸ مزارع نموذجية ضمن خطة لإنشاء ٢٢ مزرعة أخرى من المقرر الانتهاء منها خلال العام القادم. وتهتم مصر بالمجال الزراعي الاستثماري في القارة السمراء، فخصصت أكثر من ٣٥ مليون جنيه من موازنتها العامة وبصورة سنوية؛ لتنمية مشروعاتها في أفريقيا، لزيادة الفرص الاستثمارية بالقارة السمراء
وركزت مصر كذلك على مشروعات الربط بينها وبين القارة السمراء، من بينها مشروع الربط الكهربائي، والذي يعد أحد أهم المشاريع لإمداد دولها بالكهرباء والأبراج المعدنية بحلول عام ٢٠٣٥، إلى جانب مشروع الربط المائي إسكندرية فيكتوريا، وهو مشروع للربط المائي بين بحيرة فيكتوريا ومياه البحر الأبيض المتوسط في مصر، إذ إن البحيرة تقع في وسط القارة وتطل على ثلاث دول بمساحة تبلغ حوالي ٦۹٬٤۹٠ كيلومتر مربع وعرض حوالي ١٬٥ كيلومتر.
وفي العام الماضي، أعلنت مصر عن أحد أهم مشاريعها في أفريقيا، وهو مشروع حفر وتجهيز الآبار الجوفية في المناطق المتفرقة من دولة أوغندا؛ وذلك في إطار حرص القاهرة على تنمية أشقائها من دول حوض النيل، إلى جانب مشروع طريق القاهرة-كيب تاون والذي تستعد مصر لإنشائه، بجانب محطات الطاقة الشمسية الجاري إنشاؤها في دول حوض النيل، وأيضًا فتح أكثر من ٢٢ سوقًا خارجية جديدة.
ما هو الوضع المصري في القارة السمراء في مجال النفط والغاز الطبيعي
استطاعت الدولة المصرية تحقيق إنجازات عدة لتكون إحدى الدول الأكثر إنتاجًا للنفط في القارة الأفريقية خلال عام ٢٠٢١؛ عن طريق عدة عوامل، منها: بلوغ إجمالي الإنتاج من الزيت الخام خلال عام ٢٠٢١ نحو ٢۸٬٣ مليون طن زيت خام ومتكثفات من خلال توقيع اتفاقات مع عدد من الشركات العالمية للعمل في مصر وخفض مستحقات الشركاء الأجانب، وهو ما يزيد من ثقة المستثمرين في مصر، ونفذت وزارة البترول العديد من مشروعات تنمية حقول الزيت والغاز، وتنفيذ العديد من أعمال تنمية وإصلاح الحقول لزيادة إنتاجها، وإنشاء مستودعات لزيادة القدرة التخزينية للمواد البترولية، وبناء أرصفة بحرية، وكذلك اكتشاف حقول جديدة.
وأصبحت مصر من أكثر الدول المنتجة للبترول في القارة الأفريقية؛ بفضل هذه الأعمال والإنجازات، فاحتلت المركز الخامس أفريقيًا في إنتاج النفط خلال عام ٢٠٢١، بعد أن تمكنت من إنتاج حوالي ٥٥۹ ألف برميل نفط يوميًا، وذلك وفق البيانات والإحصائيات المنشورة على موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي. وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، فإن مصر تُعد الرائدة أفريقيًا، خاصة في البنية التحتية لشبكات وخطوط أنابيب الغاز، وهو الأمر الذي يستوجب المزيد من توجه الدولة المصرية إلى العمق الأفريقي بما يعزز دورها الإقليمي في سوق الغاز الطبيعي.
خلاصة القول؛ إن استعمار أفريقيا لم يمت ولم ينته بعد، بل عاد وبقوة في شكل استثمارات وشركات كثيرة متعددة الجنسيات، والتي عملت منذ منتصف القرن الماضي على استنزاف ثروات أفريقيا بكل الوسائل الممكنة، ومنها دعم الحركات والحروب الأهلية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين. وهناك العديد من الدراسات التي تظهر أن شركات النفط الوطنية في أفريقيا أقل كفاءة بكثير فيما يتعلق بكيفية إنفاق أو استثمار أموالها، لأنها شركات لا تحركها قوى السوق. وتمتلك القارة الأفريقية العديد من المقومات، إلا أنها في الوقت نفسه تشهد العديد من المعوقات التي تسببت في تفشي الفقر، منها اعتماد أغلب الاقتصاديات الأفريقية على تصدير السلع الأساسية، وهو ما يجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية، ومعوقات اجتماعية مثل ارتفاع معدلات الأمية، وانتشار الفساد الذي يلتهم جزءًا كبيرًا من عوائد التنمية.
.
رابط المصدر: