واثق الجابري
لا يزال أكثر من مليوني مواطن لا يمتلكون مأوى لأسرهم، وهناك إحصاءات تتحدث عن حاجة تقدر بمليوني وحدة سكنية، لمن شردتهم الحروب، أو الفقر والحاجة، في مشكلة مزمنة يعانيها العراق منذ عقود، وعلى امتداد مساحته البالغة نحو 435 ألف كيلومتر مربع.. أشعلت القروض التي أطلقتها المصارف الحكومية، أسعار العقارات بعد جمود الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، والهاجس الأهم أن معظم المتضررين من أزمة السكن سيحرمون من الشمول بالقروض، ولا يستبعدون أن تلعب المحسوبية والفساد دوراً في التفاضل بين المتقدمين للحصول على تلك القروض من المشمولين.
وضع مصرفا الرافدين والرشيد شروطاً لتسليم قروض لبناء المساكن، تتراوح أقيامها بين 30 و 75 مليون دينار، لبناء مساكن تراوح مساحتها بين 50 – 100 متر مربع، عبر البطاقة الإلكترونية او الماستر كارد.. وضمان القرض رهن العقار المراد ترميمه وتأهيله أو اضافة البناء إليه؛ شريطة توفر كفيلين.. وخفض مصرف الرافدين الفوائد الى 4 %، في حين قرر مصرف الرشيد تخفيضه الى 5 % بمهلة ابتدائية 3 أشهر للتسديد.. من جانب آخر أطلق المصرف العقاري، قرض مبادرة البنك المركزي العراقي، لشراء وحدات سكنية على نوعين، بمبلغ 100 مليون دينار، وشراء وحدات ضمن المجمعات السكنية الاستثمارية بمبلغ 125 مليون دينار، بمدة سداد لا تزيد عن 20 عاماً.
يواجه العراق مشكلتين في ما يخص تمويل وقروض الإسكان، الاولى تتعلق بعدم منح اجازات للمصارف العقارية من قبل البنك المركزي، وانعدام وجود سوق للعقارات يتعامل بشكل طبيعي.. ومعلوم أن منح القروض، سيؤدي الى ارتفاع اسعار العقارات بشكل كبير، لعدم وجود بدائل ولمحدودية المعروض من الوحدات السكنية، وتلعب مسألة العرض والطلب دورا كبيرا في ارتفاع وانخفاض الاسعار، فالعرض دائما ثابت والطلب متزايد، وهناك زيادة سكانية تصل الى مليون نسمة سنوياً.. القروض لا تعطي حلا جذرياً بل تفاقم المشكلات في ارتفاع الاسعار، وتؤثر في مدخول المواطنين، الذي يشهد تراجعا مستمرا نتيجة تغيير سعر صرف الدولار امام الدينار، والضرائب التي ستفرض ضمن الموازنة الاتحادية لعام 2021.
تختلف أزمة السكن من منطقة لأخرى، وتزداد وطأتها بالعاصمة بغداد التي ترتفع فيها أسعار العقارات والإيجارات بشكل كبير، إذ قدر احتياج العراق قبل عام 2003 إلى نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية، أما اليوم فيرجح أن يصل الرقم لنحو سبعة ملايين وحدة سكنية جديدة لسد الحاجة، إذا اعتبر أن معدل أفراد الأسرة أربعة أشخاص.. المقلق أكثر هو عدم وجود خطط حكومية واضحة لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة، رغم وجود قانون استثمار غير مفعل يمكن الإفادة منه للحل، ووجود معوقات كثيرة على رأسها عدم وجود ضمانات لاستقرار أمني يطمئن المستثمرين على حقوقهم، وتسديد قيمة استثماراتهم وأرباحها، والمشاريع السكنية الموجودة لم تحل الأزمة، ولا تغطي احتياجات بلد نسبة زيادته السكانية تبلغ 3 % سنوياً، ويقدر نفوسه بأنهم قد تجاوزوا الـ 40 مليونا، وهناك جدل وإشكالات كبيرة ومشاريع استثمارية لم تكتمل.
تسبب أزمة السكن المزمنة تفاقما بظاهرة السكن العشوائي في البلاد، وعلى أراضٍ مملوكة للدولة، بنسبة 76 % وبعضها في مراكز المدن وفي ساحات، ومنشآت غير مخصصة للسكن، وأخرى في أراضٍ خاصة.. يقدر عدد العشوائيات بما يقرب من الأربعة آلاف عشوائية، فيها 520 ألف وحدة سكنية عشوائية ويسكنها 3 ملايين و500 ألف نسمة وتشكل 12 % من نسبة سكان العراق.. وبغداد تحتل المركز الأول بعدد العشوائيات وبعدها محافظتا البصرة ونينوى، وأقلها في محافظتي كربلاء والنجف (98 و99) وحدة عشوائية.
إن عدم توزيع الحكومة لقطع أراضٍ سكنية منذ سنوات، أدى لانتشار أزمة السكن العشوائي، وباتت تتغول على الأراضي الحكومية والزراعية، ودفعت لارتفاع أسعار العقارات، وصارت تتفاوت بين منطقة وأخرى بحسب تقييم خدماتها وموقعها، وتزايدت الطلبات منذ إطلاق السلف الحكومية والمصرفية للموظفين والمواطنين.. هناك طلب متزايد على البيوت ذات المساحات الصغيرة؛ لذا ارتفع سعرها بزيادة الطلب وقلة العرض، فصار العراق يعاني أزمة سكنية خانقة متراكمة رغم بناء مجمعات سكنية كبيرة، لكنها لم تساعد في علاج الأزمة لذوي الدخل المحدود الذين يعجزون عن دفع الأقساط والدفعات العالية.
وضعت للقروض شروط صعبة ومجحفة يراها المواطنون، ولن يستفيد منها ذوو الدخل المحدود، فهي تشترط وجود كفيل وحجز المنزل أو قطعة الأرض لحين تسديد المبلغ كاملاً، بضمانات عالية لا تتناسب مع راتب موظف يشترط أن لا يقل عن 900 ألف، وهذا سيحرم شريحة واسعة من الموظفين هم الأكثر احتياجاً، ويقيدها أكثر شرط الكفيل أو الكفيلين الموظفين، لصعوبة تحقيقه، في ظل وجود كفالات سابقة للموظفين.. يعاني قطاع السكن في العراق من مشكلة عدم وجود تخطيط صحيح من قبل الدولة، فالحكومة تعتقد أن حل مشكلة الإسكان يكمن بالمزيد من القروض، لكن ضخ السيولة سيرفع الاسعار وسيزيد التضخم بصورة كبيرة.. والحلول الممكنة أنيا تكمن في توسعة البلديات، مع قيام الحكومة ببناء وحدات سكنية وبيعها، أو من خلال التعاقد مع شركات عملاقة متخصصة، أو قروض بشروط وبآليات منتجة، ولا تكلف المقترض ضعف المبلغ بفوائد تراكمية تقصم ظهره عند التسديد.
رابط المصدر: