مصطفى ملا هذال
تزامن القصف التركي لمصيف زاخو مع موعد الأيام الأخيرة من الشهر، وكل العراقيين يعرفون نهاية الشهر معناه الإفلاس الحقيقي لنسبة تفوق التسعين بالمئة من شريحة الموظفين، ونتيجة لارتفاع أسعار منتوجات الالبان التركية، يضطر الفرد الى جلب أنواع أخرى اقل جودة وطعما؛ لرخصها مقارنة بالمنتوج التركي.
دخلت الى الأسواق القريبة من المنزل، فوجدت عبارة (عرض خاص)، معلقة على بعض المنتوجات التركية، اذ يصل التخفيض قرابة النصف من قيمتها الكلية قبل حادثة الاعتداء على المدنيين التي استشهد جراءها العديد من الأشخاص ولا يزال البعض الآخر يرقد في المستشفيات ينتظرون التماثل للشفاء او اللحاق بمن سبقهم في الصعود الى الرفيق الاعلى.
عقب ذلك حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمقاطعة البضائع التركية، ومنهم من ارتفع سقف غضبه وطالب بطرد السفير التركي من العراق، وآخر من كتب على حساباته الشخصية، انه مع ضرورة منع السفر الى الجارة التي تسببت ضرباتها بإزهاق أرواح السائحين في إقليم الشمال العراقي.
كل ما يتم طرحه من قبل السياسيين الى جانب ردود الفعل الشعبية هو عبارة عن مسك في الهواء، لا يجلب شيء، مادام هنالك تخادم سياسي بين جهات متنفذة في البلد، لا تريد له ان يستقر ويتحكم بسيادته، وبالتالي شاهدنا مستوى التعاطي مع الحدث البشع، انه لا يتعدى الاستنكارات والتغريدات التي لا تعيد الأموات ولا تمنع من وقوع ذلك في الأيام القريبة.
الشعب العراقي له تجربة في الانفعالات والتعاطي مع الاحداث التي تمس امنه وسيادة وطنه، لكنه لا يستمر بذلك لفقدانه الدعم المعنوي من الجهات المسؤولة وصاحبة القرار في المستويات العليا، ففي كل مرة تنشب ردة فعل احتجاجية شعبية تقابل بالقمع من قبل القوات الأمنية، بدافع حماية الهيئات الدبلوماسية في البلاد والحفاظ على التوازنات القائمة.
وبالنتيجة يكون المدافع الحقيقي والصادق الوحيد هو الشعب العراقي، الذي لم يبق امامه سوى خيار رفض إدخال البضائع التركية والتعامل معها مهما كلف الامر، وبالتأكيد سيكلف الامر كثيرا، لان منع دخول هذه السلع سيصيب الأسعار العامة بالارتفاع بفعل تزايد الطلب على السلع البديلة.
ولا يعتبر ذلك حلا مثاليا، وحدث الامر ذاته عند مقاطعة المنتجات الإيرانية إبان الثورة الاحتجاجية، وإطلاق حملة دعم المنتج الوطني، لكن هذه الحملة لم تصمد كثيرا، ويعود السبب في ذلك الى عدم مناسبة بيئة البنى التحتية الى المتغيرات الجديدة وحاجة السوق المحلية، أضف الى ذلك الفارق الكبير بالجودة مقارنة بين المستورد والمحلي.
وقد يكون المستورد أرخص بكثير من البضائع المحلية، نتيجة ارتفاع سعر التكلفة، وبعد ذلك قل الاعتماد على السلع المحلية ولم تتمكن من تلبية الحاجات الضرورية للمواطنين، وعادت الأمور الى مجاريها القديمة التي برّزت السلع القادمة من الخارج واركنت السلع الوطنية التي تعاني في الأساس من ضعف في الإنتاج والتصدير وغيرها ما يتعلق بالجوانب الإنتاجية.
السؤال هنا يتوجه الى الحكومة العراقية، لماذا لم تتخذ الإجراءات الصحيحة لدعم المنتج المحلي؟، وترك الامر وكأنه موجة حر تأخذ بالذهاب شيئا فشيء، فكان من الاجدر بها ان تذهب بتجاه تفعيل قانون الضرائب الصارم على البضائع الوافدة، ومنعها من منافسة المنتوج الوطني.
هذه الخطوة بالتحديد لو تم تطبيقها، لرأينا الكثير من المصانع التجارية فتحت أبوابها ووسعت منتجاتها بما يتماشى واحتياج السوق المحلي، لكن وبفقدان الدعم الحكومي المطلوب، وضعف القاعدة الوطنية المتعلقة بالصناعات المحلية، اتسعت الفجوة وصار الاعتماد على الإنتاج المحلي نوع من العبث والتأثير على حياة المواطنين اليومية.
لقد اعتادت الحكومات العراقية على التعامل الوقتي مع الازمات الناتجة في البلد، ففي كل ازمة تنبثق نجد الكثير من التصريحات، الحاثة على ضرورة النهوض بقطاع الصناعة المحلية، والشروع بخطة عمل جديدة تنصف التاجر المحلي، عبر تقديم يد العون له لتطوير مشاريعه الخاصة ومنحه القروض اللازمة لذلك.
وبعد اخماد نار الشرارة الشعبية فورا تبدأ عملية التنصل عن الوعود التي قطعتها على نفسها، بينما المواطن المسكين يكون قد نسى كل ما قاله وحلم به خلال فترة الثورة الوطنية، ويعود لجلب الزيت واللبن التركي والرز الهندي، والشاي السريلانكي، والمعجون الإيراني لسد متطلبات المائدة اليومية.
تطوير ودعم الصناعة الوطنية لا يمكن عن طريق الثورات وردود الفعل الآنية التي تنطلق من الجماهير ويتلقفها المسؤول ليقول ان صوته مع صوت الشعب، وامنيته تندمج مع امنيات الملايين من الافراد الحالمين برؤية علامة مسجلة تحمل الشعار الوطني على السلع والمنتوجات محلية الصنع.
النهوض بالقطاع الصناعي يحتاج الى جملة من الإجراءات وعمل جاد قائم على التخطيط السليم، مرتكز على قواعد عمل شاملة تضع في الحسبان اهمية الالتفات الى الجوانب الأساسية التي تقوي وتدعم الصناعة بمختلف مجالاتها، اما إذا بقيت الحال معتمدة على التعاطف الوقتي والتعاطي الخجول، سيكون الامر اشبه بما سبقه ولا يحقق أي نتائج إيجابية يكون المستفيد منها بالدرجة الأساس هو المواطن.
.
رابط المصدر: