التعاون بين القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية تحول لضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والريادة، فضلا عن ان تأسيس شراكات فعّالة ودعم المشاريع المشتركة بين القطاعين الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية يعد السبيل الأمثل لسد فجوة المهارات وتعزيز القدرة التنافسية الوطنية، مما يضمن مستقبلا مستداما للأجيال القادمة…
لفتت انتباهي احدى الجامعات العراقية بتنظيمها مؤتمرا خاصا للوظائف، أهدافه اختصار الطريق امام الطلبة الدارسين والخريجين، وجعلهم على محك واطلاع على تجارب أصحاب رؤوس الأموال الناجحة في المجالات الاستثمارية، فهل يشجع هذا الاطلاع على الاستثمار في القطاع الخاص وترك المجال الحكومي، وهل يمكن للقطاع الخاص ان ينهض دون الاعتماد على المخرجات الاكاديمية؟
استضافة أصحاب المشروعات الاستثمارية في مثل هذه المؤتمرات والنشاطات العلمية، يشجع الطلبة على السير على ذات الخطى، التي أوصلت اهل الأموال الى النجاح وحجز مقاعد في مقدمة المستثمرين، وبهذا نكون قد ابعدنا الخريجين قدر الإمكان عن فكرة التوظيف في القطاع الحكومي الذي أصابته التخمة في السنوات الأخيرة.
لا شك أن التعاون بين القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية يمثل أساسا مهما للريادة ودعم الابتكارات الشبابية وتعزيز التنمية المستدامة، ويتعدى ذلك وصولا الى مواجهة التحديات الحديثة الشائكة التي تتطلب نهجا تعاونيا متداخل الاختصاصات.
ولنا في العديد من الدول المتقدمة خير دليل، اذ يشكل هذا التعاون دورا حيويا في بناء رأس المال البشري، وتلبية الاحتياجات المتزايدة في سوق العمل، فالواقع الحالي الذي يعيشه العراق يحتم على النخب الشبابية والأكاديمية الالتجاء سوق العمل والانخراط فيه بأكثر من موضع.
حديث اليوم عن أهمية العلاقة والترابط بين القطاعين الخاص والمؤسسات الاكاديمية، ربما يأتي تأصيلا وتأكيدا لما عليه هذه العلاقة منذ عقود من الزمن، فلا يمكن للقطاع الخاص ان ينهض ويأخذ حيزه الطبيعي، ما لم يرتكز على المرتكزات الاكاديمية ومخرجات المؤسسة التعليمية.
فتارة يكون التعاون من خلال زج اعداد كبيرة من الخريجين في المصانع والمعامل كقوة بشرية عاملة، وبالتأكيد هذا النوع من اليد العاملة، يسهم في رفع القدرة الإنتاجية لهذه المصانع عبر ما يمتلكه من معلومات نظرية وخبرة عملية، فضلا عن المهارات الابتكارية التي تحسن وتضاعف عملية الإنتاج.
وتارة أخرى او الوجه الآخر من وجوه التكامل بين القطاع الخاص والأكاديمي، هو تفعيل الجانب الاستشاري عن طريق الاستفادة من الملاكات الاكاديمية المتواجدة في الجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية التي تقوم وتوجه العملية الإنتاجية وتشخص الأخطاء التي يقع فيها المستثمر في بداية شروعه العمل التجاري.
ومن هذا المنطلق تأتي أهمية التعاون بين القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية في إعداد الجيل القادم من الموظفين والمهنيين بشكل أفضل، ذلك من خلال التركيز على تطوير المهارات التي تتطلبها الأسواق المعاصرة، يكفل هذا التعاون تقليص فجوة المهارات، ويزيد من القدرة على الابتكار، ويمهد الطريق أمام الأفراد لتحقيق الاستدامة المهنية.
وتشير التقارير الحديثة إلى أن تدريب ومحاكاة الطلبة لبيئة عمل واقعية يُعزز جهوزيتهم لسوق العمل، فمن خلال توفير القطاع الخاص للبرامج التدريبية التي تتماشى مع احتياجاته، تستفيد المؤسسات الأكاديمية من تطوير مناهجها بشكل مستمر بما يتوافق مع متطلبات السوق، مما يسد فجوة المهارات ويوفر خريجين مستعدين للعمل.
كما تتمثل أهمية التعاون بين القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية في توجيه الأبحاث العلمية نحو التحديات الفعلية، فغالبا ما تركز المؤسسات الأكاديمية والبحثية على دراسات نظرية قد لا تكون ذات صلة مباشرة بتحديات القطاع الخاص، في حين يمكن من خلال التعاون تحويل تلك الأبحاث إلى تطبيقات عملية فعّالة.
التعاون بين القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية تحول لضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والريادة، فضلا عن ان تأسيس شراكات فعّالة ودعم المشاريع المشتركة بين القطاعين الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية يعد السبيل الأمثل لسد فجوة المهارات وتعزيز القدرة التنافسية الوطنية، مما يضمن مستقبلا مستداما للأجيال القادمة ويعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع بشكل متكامل.