القطيعة والتصادم بين الإسلاميين.. التفكير بالمستقبل

الواقع الذي يفصلنا عن ركب الحضارة والتقدم الحضاري في العالم فالاسلاميون ينتظرهم مستقبل صعب بحاجة إلى تطوير في البناء، ونوعية من الكفاءات، ونظام من المؤسسات، مع الايمان الكامل على أن المستقبل إنما يصنعه الجميع، وبمشاركة الجميع، وأن يكون لصالح الجميع. فلا خيار إلا أن يتعارفوا ويتعاونوا…

التلاقي بين الاسلاميين هو ضرورة، ويعبر عن حاجة حقيقية هي حاجة الجميع، فالتقارب والتوافق ينبغي أن يكون جزءاً من المستقبل الذي يتطلع إليه. وكل هذا يتطلب عملية انتقال وتحول في التفكير وفي النظرة إلى الذات والآخر، والتقدم بخطوات في هذا الاتجاه يتطلب الأمور التالية: أولاً: المراجعة.. وضرورة الانتقال والتغيير، ثانياً: تأسيس قاعدة الاجماع العام، ثالثاً: تأصيل ثلاث منظومات من المفاهيم:

أولاً: منظومة مفاهيم تؤسس لوجود الآخر والاعتراف بوجوده، كمفاهيم الحرية والتعددية وحق الاختلاف والاجتهاد.

ثانياً: منظومة مفاهيم تؤسس للعلاقة مع الآخر والتواصل معه، كمفاهيم التعارف والتعايش والتسامح.

ثالثاً: منظومة مفاهيم تؤسس للتلاقي مع الآخر والشراكة معه، كمفاهيم العدالة والشورى والحريات العامة وحقوق الانسان والإنماء والتقدم.

المنظومة الثانية:

التي تؤسس للعلاقة مع الآخر والتواصل معه من خلال مفاهيم:

التعارف: لا يكفي أن يعترف الاسلاميون بوجود بعضهم لبعض، بل هم بحاجة إلى أن يتطور هذا الاعتراف إلى تعارف، فالله. سبحانه وتعالى، خلق الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، ولم يقل ليتوحدوا، أو ليتفرقوا، كما لم يقل ليتعاونوا، لأن من غير أن يتعارفوا لن يتحقق التعاون أو التوحد. قال الله عز وجل: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (21) وهذا يعني أن التنوع والتعدد في حياة البشر والجماعات ينبغي أن يكون محكوماً بالتعارف، وما يستتبعه هذا التعارف من انفتاح وتواصل وتحاور وتفاعل وتراحم، المكونات التي لا تتحقق ما لم يكن هناك تعارف. لأن المقصود من التعارف هو المعنى الأشمل والأعم والذي يتضمن أن تعرف كل جماعة ظروف الجماعة الأخرى وإمكاناتها ومنجزاتها وعطاءاتها وبرامجها وحاجاتها ومشاكلها إلى غير ذلك.

والتعارف بهذا المعنى يعد منقوصاً في علاقات الاسلاميين المعاصرين فيما بينهم، لأنه لا يرتقِ إلى هذا المستوى من المضامين، في الوقت الذي بحاجة إلى أن يتحول التعارف إلى أن ينجز معه هذه المكتسبات، والاسلاميون لازالوا بحاجة إلى أن يتعارفوا.

التعايش: التعايش بين الجماعات ينبغي أن لا يكون عن اضطرار كما هو حال البعض، بل ينبغي أن يكون عن اختيار، الاختيار الذي من المفترض أن يشترك الجميع في تأسيس مقوماته ومكوناته الضرورية. ومن العيب والنقصان أن لا تستطيع بعض الجماعات التعايش مع غيرها من الجماعات الأخرى، اتفقت معها أو اختلفت. وإذا كان التنوع والتعدد هو حقيقة واقعية في الاجتماع الانساني، فإن التعايش يصبح شرطاً لسلامة وأمن هذا الاجتماع. ومن المفترض أن يكون التعايش هو مطلب يتوافق عليه الجميع، لا أن يتحول إلى إشكالية نختلف عليها، ونتجاذب الحديث حولها، وأمامنا المجتمعات التي كان فيها التنوع الديني والمذهبي، القومي والعرقي، اللغوي واللساني، التي تحطم فيها التعايش السلمي المشترك، كيف تحولت إلى مجتمعات مفتتة ومتناحرة، وممزقة، وتوقفت فيها كل خطط الإنماء والتنمية والعمران، كالذي حصل في البوسنة والهرسك في يوغسلافيا السابقة، أو في لبنان، والصومال، وأفغانستان وغيرها.

على الإسلاميين أن يتعالوا في أن يظهروا أنفسهم بعدم القدرة على التعايش فيما بينهم، أو مع الآخرين المختلفين معهم، مهما كان نوع هذا الاختلاف..

التسامح: التسامح فضيلة أخلاقية سامية، هي أولى بالانسان الذي يتصدى لقضايا الاصلاح والتغيير الاجتماعي، لأخذ الناس بالعفو والصفح واللين والعطف. والحياة الاجتماعية لا يمكن أن تطاق من غير تسامح، ولا يأتلف الناس من غير تسامح. فالأخطاء والعثرات تقع من الجميع، المشاكل والصعوبات يتعرض لها الجميع، والتسامح هو المبدأ الذي ينبغي أن يتعامل به الجميع، لا أن يأخذ الناس بعضهم بالقسوة والإكراه والكراهية عند كل خطأ، وعند كل مشكلة.

وكان يفترض أن يكون الاسلاميون بوجه خاص هم الأكثر تبليغاً وتبشيراً وتعاملاً بمبدأ التسامح، بعد أن كان هذا الوصف الأكثر تلازماً مع الشريعة التي تنعت بالشريعة السمحة، وكما قال رسال الله «ص» «لقد جئتكم بالشريعة السمحة». وقد قال الله سبحانه وتعالى يصف رسوله «ص» في القرآن الكريم {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} (22).

لكن هل أن الاسلاميين فعلاً هم الأكثر تسامحاً مع بعضهم أو مع غيرهم؟ لا أجزم بذلك، فهناك من ينشرون الكراهية، وهناك من يتعاملون بالقسوة وهناك من يمارسون الاستبداد لمجرد الاختلاف في الرأي، في الوقت الذي يكون فيه الدين هو المشرع لهذا الاختلاف، ولو على قاعدة ما حكم به العقل حكم به الشرع، وقد حكم العقل بالاختلاف.

والتسامح ضرورة لأن الاختلاف ضرورة.

المنظومة الثالثة:

من المفاهيم التي يفترض أن تجتمع ويُجمع عليها الاسلاميون، ويلتقون عليها في أنشطتهم كافة، الثقافية والاجتماعية والسياسية..

العدالة: لقد حرمت الشرائع السماوية كل أشكال الظلم على الإنسان، ومنعت الانسان أن يتعرض للظلم ويسكت عنه، بل فرضت عليه أن يقاوم الظلم ولا يركن إليه {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} (23) والظلم بكل مبرراته وأشكاله مرفوض، من أي جهة كانت، وعلى أي جهة يقع. والعدالة حق لكل انسان بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق واللغة والقوم. والانسان مطالب بأن يقف مع العدل وأن يكافح الظلم، مع أي انسان، ومع أي أمّة، في أي مكان، وفي كل زمان، أو يتضامن كل البشر على رفع الظلم وسيادة العدل على كل العالم..

والاسلاميون مطالبون في أن يقدموا أنفسهم للناس والعالم على أنهم دعاة عدل لكل الناس، لا أن يقع الظلم منهم، أو يرضوا عن ظلم الآخرين، أو يسكتوا لأن الظلم وقع على الذين يختلفون معهم في الرأي، أنى كان هذا الاختلاف.

الشورى: الحكمة من الشورى هو أن يرجع الناس بعضهم لبعض في الاستفادة من عقول وعلوم وخبرة وتجارب بعضهم لبعض، وأن يكونوا شركاء في حياتهم بمسؤولية وتناصح وتعاون وتضامن وتكافل وتكامل، لا أن يستبد بعضهم ببعض، ولا أن يتحكم البعض بقدرات الآخرين المعنوية والمادية.

والشورى سلوك حضاري ترتقي إليه المجتمعات التي قطعت شوطاً متقدماً في البناء الحضاري.

والقرآن الكريم جاء بقانون {وأمرهم شورى بينهم} (24) {وشاورهم في الأمر} (25) وبدل أن ينشغل المسلمون منذ وقت مبكر بتطبيق الشورى في نظامهم الاجتماعي العام، انشغل أهل السنّة من المسلمين في إشكالية أن الشورى ملزمة أم معلمة؟ وانشغل أهل الشيعة من المسلمين في إشكالية الشورى والنص، وظلت الشورى معلقة، وإلى هذا اليوم ونحن ننشغل بهذه الإشكاليات، والاستبداد من حولنا يحاصرنا ويمنعنا من أن ننهض بأنفسنا، ونتقدم خطوات نحو الأمام.

والاسلام أراد من الانسان أن يكون مسؤولاً في هذه الحياة وفاعلاً ومتعاوناً مع غيره، وهذا يعني أن كل انسان هو شريك في هذه الحياة، وفي المجتمع الذي ينتمي إليه، وبالتالي فإن له الحق في أن يُشاور وأن يتشاور معه.

والشورى بهذا المفهوم من أكثر العوامل حيوية في صنع التقدم والتطور الحضاري، لأن بالشورى يشعر الانسان بأنه شريك في المجتمع الذي ينتمي إليه، وفي التطور والتقدم الذي يسهم في إنجازه..

والاسلاميون معنيون في أن يؤسسوا عملهم على أساس الشورى، وأن يتعاملوا مع الآخرين على هذا الأساس.

الحريات العامة وحقوق الانسان: «يعتبر مبحث الحريات العامة من أهم مباحث القانون الدستوري، الذي يعد بدوره أبا القوانين. ويهتم مبحث الحريات العامة بالحريات الأساسية التي يخولها الدستور للمواطن، ويصونها لها ضد التجاوزات ومختلف ضروب التعسف التي يتعرض لها، سواء من قبل الأفراد أو السلطة، كما تشير الحريات العامة إلى مجموع الحقوق الأساسية والفردية والجماعية للانسان والمواطن في الدولة» (26).

إن الحريات العامة وحقوق الانسان هي من أبرز القضايا التي ينبغي أن يدافع عنها الاسلاميون كحق ومطلب للجميع، للأفراد والجماعات كافة، ولكل الأمم والشعوب، لأنها حق للانسان وضرورة له، ولكل البشر على الكواكب. والانسان ينبغي أن يتعلم ويتربى ويناضل للدفاع عن حرياته وحقوقه، ويحفظها من السلب والتعسف والانتهاك، وأن لا يخضع تحت أي ظرف كان تتأثر فيه حرياته وحقوقه بالسلب والانتهاك.

والاسلاميون الذين تأخر اهتمامهم بهذه القضية وإبرازها كعنوان لقضية أساسية في مشروعهم الثقافي والسياسي، هم من جهة أخرى معنيون بتحسين صورتهم بالاعتراف والمحافظة على حقوق الانسان، بعد أن ظهر في بعض الحالات ما تثبت فيها الانتهاك لهذه الحقوق، والذي لا ينبغي أن يبرر بأي وجه كان.

وهذا الانتهاك من الاسلاميين أو من بعضهم، بغض النظر عن مستوى هذا الانتهاك ونوعيته وتحت أي ظرف كان، هو أسوأ ما يكون حينما يصدر من الاسلاميين، بعد كل ما تعرض إليه هؤلاء من تعسف وقمع واستبداد من جهات مغايرة لهم، ومع ما أكد عليه الاسلام من إعلاء لقيمة الانسان واحترام كرامته، وصون حرياته وحقوقه.

مع ملاحظة أن هذه الانتهاكات قد تحصل من دول وحكومات، وقد تحصل من أفراد وجماعات.

الانماء والتقدم: المساحة التي كان يتفرض أن تحتلها مكانة الإنماء والتقدم في مشروع الاسلاميين هي أن تكون أساسية، وعلى مستوى المجتمع الأهلي بصورة رئيسية من غير إغفال مستوى الدولة. وهذا يستدعي أن ينتقل المشروع الاسلامي من غلبة الشعارات والأفكار العامة والمطلقة، إلى غلبة البرامج والخطط المجدولة والمبرمجة والمدروسة بطريقة علمية وموضوعية، بالاستفادة من الكفاءات العلمية المتقدمة، مع الاهتمام الجاد برفع مستوى التعليم والتعليم العالي للقواعد البشرية في داخل الجماعات الاسلامية، وضرورة أن ترجع هذه الجماعات في أنشطتها وفعالياتها إلى مراكز للدراسات والأبحاث لفرض تطوير الأفكار وبلورة البرامج ودراستها موضوعياً، وإعداد التصورات المستقبلية ورفع مستوى العطاء الإنمائي.

خصوصاً وأن المشكلات التي تتعرض لها المجتمعات الاسلامية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية، على درجة كبيرة من التعقيد والصعوبة، لبقائها على هذا الحال لزمن طويل، مع تعثر المعالجات وأدوات الحل المطروحة. الواقع الذي يفرض على الاسلاميين التعامل مع هذه المشكلات بمنهجية الخبير والعارف.. وبدل أن ينشغل الاسلاميون بأنفسهم وفي ميادين الهدم، أو في المعارك الجانبية، وهي المعارك التي يخسر فيها الجميع، من الأفضل لهم أن ينشغلوا بإنماء المجتمع الأهلي في ميادين البناء، وفي معارك العمران والتقدم، وهي المعارك التي يربح فيها الجميع.

إن البنية التحتية للجماعات الاسلامية بحاجة إلى أن تتحول إلى بنية حيوية ونشطة في صنع الإنماء والتقدم، كي يحققوا نجاحات في هذا المجال، وأن يكتشفهم الناس والعالم بهذه النجاحات، لا أن تصدق عليهم المقولة التي يطرحها البعض ومفادها أن الاسلاميين قد ينجحون في الثورة، لكنهم يفشلون في بناء الدولة، يربحون في معارك المواجهة والصدام ويخسرون في معارك الإنماء والبناء. هذه المقولة بحاجة إلى أن تتغير، وحتى تتغير لابد أن يرتقي الاسلاميون بأنفسهم حضارياً.

رابعاً: الارتقاء بمستويات النمو الحضاري:

الحضارة تعبر عن نفسها بصورة واضحة في أنماط العلاقات السلوكية التي تنشأ بين الأمم، وبهذه الأنماط من العلاقات تنهض الأمم باتجاه الحضارة. كعلاقات التعاون، والفاعلية، والعمل الجمعي، والشراكة في قضايا البناء والإنماء، والتعامل مع الاختلاف، وتعارض الآراء، وتعدد الجماعات، وتنوع الأفكار والمناهج، بطريقة تتصف بالحضارية التي تستوعب كل طاقة فاعلة ومنتجة، وتنهض بكل القدرات، ويجري التعامل مع الجميع على أساس التكامل، فالاختلاف حقيقة واقعة لابد من التعامل معه بمنطق العقل، والتنوع يلبي حاجة موضوعية وهو مصدر إثراء، والتعدد هو ثروة بحاجة إلى من يحسن الاستفادة منه.

كما أن القيم التي تدفع بالحضارة تخلق معها هذه الأنماط من العلاقات وتضفي عليها الايجابية والانفتاح والاحترام المتبادل والسعي نحو التقدم والاعتراف بالحقوق المشتركة والعيش في ظل سيادة القانون والقضاء العادل..

هذه القيم وهذه الأنماط السلوكية بهذا الشكل تنقلب وتختلف كلياً مع وضعية التخلف، الوضعية التي تتفكك فيها العلاقات، ويغلب عليها الفردية، ويسود معها الاحباط والجمود وضعف القدرة على الشراكة والعمل الجمعي، والاختلاف قد يتحول إلى تصادمات، والتعدد قد يتحول إلى بيئة من التناقضات يتولد معها كل عوامل الانقسام والنزاع والتفتت.

والحديث النبوي الشريف «الدين معاملة» فإنه يعبر أصدق تعبير على أن المعاملة هي الوعاء التي ينعكس عليها الدين كله بقيمه وشرائعه وعقائده وأحكامه، وأن الدين في الانسان إنما يظهر نفسه في المعاملة ونوعية العلاقات مع الناس.

وما أظهره الاسلاميون من علاقات فيما بينهم كشف عن ضعف الحالة الحضارية بالشكل الذي كانت عليه التصادمات فيما بينهم وحجمها ونوعيتها، والمسببات التي تقف وراءها، والزمن الذي تأخذه وتبقى عليه، والطريقة التي يجري التعامل بها مع الاختلاف، والتعثرات التي تحصل في إدارة الحوار، وفشل العديد من محاولات التعاون والتنسيق والتوافق على قضايا مشتركة، وتفعيل ما يتفق عليه.

هذه الظواهر والأعراض لا يمكن الحد منها، وتطوير ما يقابلها إلا بعد الارتقاء إلى مستويات من النمو الحضاري يؤهل هذه الجماعات إلى تجاوز هذا المستوى وهذا الشكل من العلاقات التي هم عليها.

وبصورة عامة فإن الاسلاميين بحاجة إلى أن يكونوا أكثر قناعة بضرورة النمو الحضاري لتحسين مستوى الأداء العام، وتطوير القدرة الإدارية، ورفع مستوى العطاء الاجتماعي.

ماذا عن المستقبل؟

المستقبل قبل حقبة الثمانينات لم يكن بذلك الوضوح عند الاسلاميين، أو عند كثيرين منهم، ويكاد أن يكون غائباً ومجهولاً، إلا في بعض الأدبيات الثقافية التي تحدثت عن المستقبل بعمومية وإطلاق (27). وبعد حقبة الثمانينات تشكل المستقبل في منظور الاسلاميين بتفاؤل كبير وبصورة سريعة، كما لو أنه على الأبواب. وأما اليوم فإن الصورة مختلفة تماماً لمنظور الاسلاميين للمستقبل، فقد وجد هؤلاء أو من التفت منهم، ثغرات كبيرة في تكوين رؤيتهم للمستقبل، التي غلب عليها التسرع والانفعال والتفاؤل المفرط، الأعراض والأوصاف التي تكاد أن تتحول اليوم إلى ما يعاكسها إلى درجة تصل عند البعض إلى نوع من الإحباط، وعند بعض آخر انعدم التفكير بالمستقبل بعد ما اصابهم التفتت والتحطم، وبصورة عامة فإن هناك اختلال في رؤية الاسلاميين للمستقبل، الاختلال الذي يفترض أن يكون في وعي الجميع، والذي يتطلب اعادة النظر وتجديد الرؤية، وكل المبررات الذاتية والموضوعية تؤكد على ضرورة التفكير من جديد، واعادة صياغة النظر إلى المستقبل بمزيد من الدراسة والبحث، الذي ما بات سهلاً أو قريب المنال، كما كان متصوراً سابقاً، بل تحوم حوله صعوبات جمة ويكاد يكون بعيداً، ويحتاج إلى زمن طويل، وإمكانات غير قليلة، وتحضيرات واسعة، فقد تضاعفت المشكلات، وتعقدت الظروف، وتشابكت التحديات.

إلى جانب ما أصاب الاسلاميين أو بعضهم من إنهاك وتعب وتفتتات داخلية، وإحساس بالتراجعات، وانسداد في أبواب العمل. كل هذا يحدث والعالم شارف على دخول القرن الحادي والعشرين، الذي أخذت أجراسه تدق بقوة معلنة عن عصر تتسارع فيه التحولات والتغيرات مع النمو المتعاظم للمعرفة، وفي ظل ثورة المعلومات، والاتصالات الدولية، وتحديات العولمة، الواقع الذي يشعرنا عن البعد الواسع الذي يفصلنا عن ركب الحضارة والتقدم الحضاري في العالم فالاسلاميون ينتظرهم مستقبل صعب بحاجة إلى تطوير في البناء، ونوعية من الكفاءات، ونظام من المؤسسات، مع الايمان الكامل على أن المستقبل إنما يصنعه الجميع، وبمشاركة الجميع، وأن يكون لصالح الجميع.

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/39018

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M