بدت “قمة طهران” قمة دورية تتناول تطورات الأزمة السورية بوصفها تضم الدول الثلاث المعنية بالدرجة الأولى بالملف السوري، فكانت الواجهة لتلك القمة “أستانا” أي الأزمة السورية، وخلف الأبواب التي شهدت اجتماعات مغلقة -أحدها جمع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان لمدة ساعة ونصف– رسائل مفادها أنه ما زال هناك قوى إقليمية تجتمع على الضفة الأخرى من الخليج.
لكن هذا القمة، وبالرغم من اتفاق أطرافها على العديد من البنود المتعلقة بالأزمة السورية، قد تكون كسابقاتها من اجتماعات أستانا- المنطلقة في 2017- لم يطبق منها الكثير مما تم الاتفاق عليه، بجانب أن اختلاف الأهداف والمصالح التركية والروسية والإيرانية في سوريا –وهو ما أكده بوتين- وفي ملفات الطاقة والغاز وغيرها من الملفات لا تدفع المتابع للمشهد إلى عدّ هذا الاجتماع بمثابة تحالف جديد في المنطقة على غرار ما يتردد حول ناتو عربي أو تحالف إقليمي برعاية أمريكية.
البيان الختامي للقمة
يمكن تقسيم بيان قمة طهران إلى أربعة نقاط:
– إدانة الهجمات والغارات العسكرية لإسرائيل على سوريا.
– التأكيد على سيادة سوريا على الأرض ورفض الوجود الأجنبي وخاصة الأمريكي في شمال البلاد.
– مواصلة الشراكة لمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وإدانة تزايد الحضور والأنشطة للجماعات الإرهابية والتشديد على ضرورة تنفيذ كامل التمهيدات بخصوص شمال سوريا.
– إدانة جميع الجهود الرامية إلى إيجاد الوقائع الميدانية الجديدة بذريعة مكافحة الارهاب بما فيها الابتكارات الانفصالية غير الشرعية.
وبالنظر إلى النقطة الأولى، وجه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي الشكر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول موقفه من توجيه انتقاد حاد لإسرائيل على خلفية قصفها مطار دمشق 10 يونيو الماضي، لكن ما تتخوف منه إسرائيل من إيران تحديدا في سوريا هو حالة الانتشار الإيراني المصحوبة بنقل أسلحة إلى داخل الأراضي السورية، ما يشكل خطرًا على أمنها القومي، لكن إدانة الهجمات لن يوقفها بالأساس.
فيما يتعلق برفض الوجود الأجنبي الأمريكي في سوريا، تختلف نظرة تركيا عن روسيا وإيران في هذه النقطة تحديدًا، تركيا لا تمانع الوجود الأمريكي، لكنها ترفض دعم الولايات المتحدة لقوات قسد، وهو ما دفع أردوغان في الأول من يونيو إلى الإعلان عن عملية عسكرية في شمال سوريا حذرت منها نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشرق الأوسط دانا سترول، وأعلنت عن معارضة بلدها لها؛ لكونها ستلهي قوات قسد عن مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
وهنا تتفق إيران مع نفس المبدأ الأمريكي، وظهر ذلك جليًا في تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي خلال لقاء الرئيس التركي بأن “أي هجوم عسكري على شمالي سوريا سيأتي بالضرر على سوريا وتركيا، وسيكون لمصلحة الإرهابيين”.
لكن إيران وروسيا ترفضان بشكل قطعي الوجود الأمريكي على الأراضي السورية والعراقية؛ إيران ترى أن القضية المهمة في الشأن السوري هي احتلال المناطق الخصبة والغنية بالنفط بشرق الفرات من قبل الأمريكيين، والتي يجب حل هذه المسألة بطردهم من تلك المنطقة، بحسب ما قال خامنئي، وكذلك اتهم الرئيس الإيراني الولايات المتحدة بسرقة النفط السوري خلال كلمته في القمة.
أما روسيا فتؤكد على ضرورة مكافحة الإرهاب، لكن انشغالها بالحرب الأوكرانية سيجعلها مراقبًا لتطورات الأحداث في سوريا، وسيجعل لإيران الجزء الأكبر من احتواء الأمور على الأرض. اللافت للنظر أن ترتيب ملف النفط والطاقة بالنسبة لكل من إيران وتركيا جاءت في أولويات قمة طهران، أما روسيا فاهتمت في اجتماعاتها الجانبية بالتبادل التجاري وتسهيل طرق النقل بين الدول، خاصة تأكيد بوتين على ضرورة بدء تشغيل خط سكك حديد رشت – آستارا، والذي عدّه استكمالًا لخط النقل “شمال- جنوب”.
التنافس التركي الإيراني
تتنوع الأهداف التركية في سوريا والعراق لكنها تحاول انتهاز الظرف العالمي بانشغال الدول بالأزمة الروسية الأوكرانية، لانتزاع موقع الريادة الإقليمية لا سيما مع قرب انتهاء معاهدة لوزان بحلول 2023، والتي حدت نسبيًا من الأطماع التركية. ورغم اعتمادها النسبي على الغاز الإيراني والرئيسي على الغاز الروسي لكنها تريد استخدام القوة المسلحة للهيمنة على الغاز في المناطق التي تخضع للسيطرة الكردية.
أما إيران فترغب في تعظيم صادراتها من الغاز لتخفيف الضغوط الاقتصادية عليها، لكنها أيضًا تنزعج من مساعي أنقرة وأربيل إلى نقل الغاز من كردستان إلى تركيا وأوروبا، خاصة أن عقود الإمداد بالطاقة طويلة الأجل، وخاصة أيضًا أن تركيا لم تجرِ مفاوضات مع طهران لمد عقد استيراد الغاز الذي ينتهي في 2026م، ما يعني وجود نية تركية باستبدال الغاز الإيراني.
لكن إيران تعتمد في تطوير صناعاتها النفطية بشكل رئيس على روسيا، حيث وقعت شركة النفط الإيرانية وشركة “غازبروم” الروسية مذكرة تفاهم في مجال الطاقة، تشمل استثمار موسكو 40 مليار دولار في تطوير حقلي كيش وفارس الشمالي، وزيادة إنتاج حقل بارس الجنوبي، وتطوير 6 حقول نفطية إيرانية.
مما سبق نستنتج:
– توافق الرؤى الدولية لمنع تركيا من قيام عملية عسكرية في شمال سوريا، والبيان الختامي أكد على ضرورة حل الأزمة السورية بالحوار، أي خفض التوتر في مناطق النزاع في سوريا، وإدارة الأزمة الأمنية الجديدة بين أنقرة ودمشق.
– تركيا أرادت بالإعلان عن هذه العملية القول بأنني دولة مؤثرة في المنطقة، بعد تجاهلها في قمة جدة.
– التنافسية التركية الإيرانية على مصادر الطاقة في سوريا والعراق ستزداد.
– روسيا ستدخر كل جهودها لتنفيذ خط النقل “شمال- جنوب”.
.
رابط المصدر: