محمد عادل عثمان
باحث متخصص في الشؤون الإفريقية
عُقدت القمة الروسية الإفريقية الثانية في روسيا في مدينة سان بطرسبرج في الفترة من 27 إلى 28 يوليو 2023م، بعد أربع سنوات من القمة الأولى “سوتشي” التي عُقدت في الفترة من 23 إلى 24 أكتوبر عام 2019م تحت شعار “من أجل السلام والأمن والتنمية”.
وجاءت القمة الجديدة لتؤكد على شعار قمة سوتشي “عودة روسيا إلى القارة”؛ إذ ترى روسيا أن دبلوماسية القمم التي تعقدها من وقتٍ لآخر، والزيارات الخارجية التي يقوم بها مسؤولوها في إفريقيا؛ تُمثِّل علامة فارقة في تطوير العلاقات الثُّنائية ومتعددة الأطراف مع إفريقيا؛ كونها تُتيح المجال لإجراء تقييم شامل لطبيعة العلاقات ونقاط القوة والضعف فيها، بما يُسهم في وضع التصورات المطلوبة في تحقيق المنافع السياسية والاقتصادية للطرفين، ولذلك عملت روسيا على مبدأ التنوع في محاور العمل الخاصة بالقمة الأخيرة عبر جوانب خاصة بالثقافة والإعلام والصحة والاقتصاد والسياسة الدولية، وغيرها من المجالات.
جاءت قمة سان بطرسبرج في ظروف مغايرة عن تلك التي عُقدت في مدينة سوتشي عام 2019م؛ نتيجة لعدة عوامل؛ من أهمها: الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها؛ من أزمة الحبوب، وارتفاع أسعار الطاقة؛ بسبب العقوبات المفروضة على صادرات النفط والغاز الروسية.
وقد أدى هذا الوضع، إلى أضرار جسيمة وعدم الاستقرار في موازنات الدول الإفريقية، وأعقب ذلك انخفاض في التصنيف الائتماني لها، وبالتالي زيادة في تكلفة الاقتراض وخدمة الديون، بالإضافة إلى الأزمات الأخرى كالتغيرات المناخية، وارتفاع الديون على غالبية الدول الإفريقية.
وبشكلٍ عامّ تُناقش هذه الورقة: القمة الروسية الإفريقية التي عُقدت في سان بطرسبرج؛ من خلال أهداف روسيا من وراء عقد هذه القمة، وأبرز الموضوعات التي طرحتها، بالإضافة إلى أبرز المعوقات التي قد تُواجه روسيا في تطبيق ما تم الاتفاق عليه.
أولًا: الأهداف الروسية من هذه القمة: روسيا تهتم بإفريقيا أكثر ما تهتم إفريقيا بروسيا
أعطت روسيا للقمة الإفريقية التي عُقدت خلال يومي 27 و28 يوليو 2023م بسان بطرسبرج أهمية كبيرة؛ في إطار سياسة روسيا نحو مواجهة محاولات فرض العزلة عليها من قبل الولايات المتحدة والغرب؛ حيث يمثل التمدد الروسي نحو إفريقيا هدفًا قوميًّا في إطار مواجهة هذه المحاولات عبر السعي نحو تنسيق أولوياتها الاستراتيجية، كما مثَّل اجتماع سان بطرسبرج فرصة لإظهار أن موسكو لم يتم عزلها، ولديها شركاء على استعداد لتعميق تعاونهم مع الكرملين؛ إذ تنظر روسيا إلى القارة الإفريقية على اِعتبار أنها أقل انتقادًا للغزو الروسي الأوكراني، وهو ما تُرجِم في الزيارات المتكررة التي قام بها وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” إلى إفريقيا؛ حيث قُدِّر عدد الزيارات التي قام بها بـ(8) زيارات خارجية منذ مارس 2022م، وهو ما يعكس أهمية إفريقيا بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية([1]).
كما تسعى روسيا عبر هذه القمة إلى إثبات حضورها في إفريقيا؛ خاصةً في ظل الاهتمام الدولي بالقارة الإفريقية؛ حيث وضعت روسيا أجندة تشتمل على تنويع مجالات التعاون الروسي الإفريقي؛ عبر تحديد مسار التنمية على المدى الطويل؛ وذلك تأكيدًا على ما تم التوصل إليه في المنتدى الاقتصادي لقمة سوتشي في عام 2019م التي جمعت أكثر من (6000) مشارك، ونتج عنها توقيع (92) اتفاقية تجارية ومُذكرات تفاهم تزيد قيمتها عن (12,5) مليار دولار أمريكي([2]). كما ترغب روسيا في زيادة التبادل التجاري مع إفريقيا ليصل إلى أكثر من (20) مليار دولار سنويًّا؛ بحسب ما أفاد بنك التصدير والاستيراد الإفريقي في فبراير 2022م([3])؛ إذ ترى روسيا أن قمة سان بطرسبرج تهدف إلى محاولة الخروج بنتائج أكثر إيجابية.
وكذلك فإن هذه القمة تأتي لتؤكد على مكانة روسيا بالنسبة للدول الإفريقية، وبخاصة في الوقت الذي شهدت فيه روسيا تمرُّد قائد قوات فاجنر “يفغيني بريغوجين“، الأمر الذي أعطى انطباعًا خارجيًّا مفاده أن روسيا بدأت تدخل في مستنقع المشكلات الداخلية التي ستنعكس على سياستها الخارجية، وبخاصة مصالحها في إفريقيا؛ إذ كانت فاجنر أحد أهم الأدوات التي اعتمدت عليها روسيا في إفريقيا، بل كانت أحد مؤشرات تطبيق السياسة البوتينية في القارة([4]). كما تُوفر القمة الروسية الإفريقية منصة لروسيا لرفع مستوى وضعها الجيوستراتيجي في إفريقيا.
ولكن على الرغم من ذلك؛ ترى الولايات المتحدة والغرب، أن القمة الروسية الإفريقية لم تنجح، وأن هناك تراجعًا للتأييد الروسي في إفريقيا، مستندة في ذلك على دلالة الحضور الذي كان أقل من عدد الحاضرين في القمة الروسية الإفريقية الأولى في سوتشي؛ حيث كان عدد حضور قمة سوتشي (54) دولة، منهم (45) رئيسًا، بينما شهدت قمة سان بطرسبرج حضور (49) دولة، منهم (17) رئيسًا، إضافة إلى (5) نواب رئيس، و(4) رؤساء حكومات ورئيس للبرلمان.
ثانيًا: ما الجديد في هذه القمة؟
ترغب روسيا من خلال قمة سان بطرسبرج في التوصل لنَهْج أكثر تفاعلًا مع قارة إفريقيا، وتبنت حوارًا مع الغالبية العظمى من الدول حول مجموعة متنوعة من الموضوعات تصبُّ في مجملها عبر تحقيق الأهداف التالية:
- الأول: زيادة التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا، والسعي نحو مضاعفة حجم التبادل التجاري إلى (40) مليار دولار على مدى أربعة سنوات قادمة.
- الثاني: ينطلق من ركائز السياسة الخارجية الروسية تجاه إفريقيا، والتي تنص على أن القارة يجب أن تَحلّ مشكلاتها على أساس هياكلها المالية والسياسية وأساليبها التي تتكيف مع الخصائص الاجتماعية والثقافية للقارة، وليس أن تظل رهينة للنظم الاستعمارية.
- الثالث: حثّ الدول الإفريقية نحو عدم التصويت في الأمم المتحدة لإدانة روسيا؛ لدفع القادة الأفارقة للضغط على الحكومات الغربية لتخفيف القيود الاقتصادية المفروضة على روسيا.
- الرابع: حَشْد الأصوات الإفريقية ضد قرار الإدانة الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بشأن الحرب في أوكرانيا.
وبشكل عام حاولت روسيا عبر هذه القمة أن تحقق هذه المنطلقات على النحو التالي:
1- إنشاء ممرات آمنة للغذاء نحو إفريقيا:
اتجهت القمة الروسية الإفريقية في سان بطرسبرج نحو التأكيد الروسي على إنشاء ممرات ومراكز لوجستية نحو إفريقيا، ليس فقط للأغذية والأسمدة؛ إذ تعهدت روسيا بتقديم إمداد مجاني من 250 ألف طن إلى 50 ألف طن من الحبوب لكل من بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا، كما وافقت روسيا على إمداد الدول الإفريقية بالأسمدة الروسية المحجوزة في الموانئ الأوروبية بالمجان؛ حيث تم إرسال دفعتين من الأسمدة إلى كلّ من ملاوي بـ20 ألف طن، وكينيا بـ34 ألف طن([5])، وذلك في دلالة على المسعى الروسي نحو التأكيد على حُسن النوايا تجاه الدول الإفريقية، لتظهر في صورة المنقذ للقارة، وأنها على استعداد لنقل الحبوب للقارة بشكل “مجاني”.
2- تعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي:
أعلنت روسيا في القمة الروسية الإفريقية أنها ستّتجه نحو زيادة التعاون الثقافي مع إفريقيا، وبخاصة في الجوانب التعليمية والمِنَح الدراسية التي تُقدَّم للقارة([6])؛ حيث من المتوقع أن تعلن الجهات المعنية عن المنح التعليمية في روسيا عن توفير (4700) منحة إضافية للقارة الإفريقية، حيث يبلغ عدد الطلاب الأفارقة في الجامعات الروسية حوالي (35000) طالب، وتخطط روسيا لفتح أفرع للجامعات الروسية الرائدة في إفريقيا، وإقامة تعاون مع المؤسسات التعليمية الإفريقية في إطار شراكة مع الجهات التعليمية في القارة([7]). كما تقترح موسكو إمكانية إنشاء مدارس للغة الروسية في القارة، بالإضافة إلى التوجه نحو دعم تعلم اللغة الروسية في المدراس؛ وذلك كنوع من التأثير الثقافي الروسي في إفريقيا.([8])
كما تم إطلاق مشروع تعليمي في (28) دولة في إفريقيا؛ يتمثل في إنشاء مدراس تعليمية في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، بالإضافة إلى ذلك أعلنت روسيا في خُطّتها تجاه إفريقيا حتى عام 2026م عن إطلاق برنامج مساعدة للدول الإفريقية في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية بقيمة (1,2) مليار روبل.
3- التأكيد على محورية الإعلام:
أكدت روسيا في هذه القمة على محورية الإعلام في سياستها نحو إفريقيا؛ لذلك تم تقديم مقترح حول إمكانية إنشاء (منصة) إعلامية مشتركة بين روسيا وإفريقيا، يتم من خلالها بثّ معلومات موضوعية وغير مُتحيّزة حول التطورات الدولية للقارة الإفريقية وروسيا.
4- زيادة النفوذ العسكري الروسي في القارة:
أدَّى تمرُّد فاجنر إلى إثارة المخاوف بشأن مستقبل روسيا في إفريقيا؛ حيث شاركت مجموعة فاغنر الروسية بشكل كبير في العديد من البلدان الإفريقية، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وأصبح لهذه القوات قواعد عسكرية، وتعاون مشترك مع الدول الإفريقية في مجالات عدة؛ إلا أن التوجه الروسي الجديد نحو القارة الإفريقية من الناحية الأمنية ينطلق من خلال:
- السعي نحو زيادة مشاركة مستشارين عسكريين تابعين لوزارة الدفاع الروسية في تقديم الدعم للدول الإفريقية، وبخاصة في منطقة الساحل.
- زيادة الصادرات العسكرية؛ حيث تريد روسيا المحافظة على كونها من أهم الدول المُصدِّرة للأسلحة للقارة الإفريقية؛ كونها تمتلك حصة سوقية تبلغ 40% من سوق السلاح في إفريقيا، مقارنةً بحصة الولايات المتحدة البالغة 16%، والصين 10%، بينما فرنسا 8%.
5- تخفيض الديون:
لعل من أهم نتائج القمة الروسية الإفريقية القرار الذي اتخذته روسيا بشأن تخفيض حجم الديون المقررة لها على الدول الإفريقية؛ إذ قررت الرئاسة الروسية شطب )23) مليار دولار ديون مُستحقَّة لروسيا على إفريقيا، كما أعلنت أنها بصدد تسوية 90% من قضايا الديون الروسية، بل وتقديم (90) مليون دولار للتنمية في القارة
6- الحث على التبادل التجاري بالعملات المحلية دون الدولار (إضعاف الدولار الأمريكي):
سعت روسيا إلى طرح نقاش عام في القمة حول تدعيم العملات المحلية للدول الإفريقية، والسعي نحو فتح الطريق أمام التبادل التجاري بالعملات المحلية بين الطرفين؛ إذ ترغب روسيا في محاولة إضعاف الدولار الأمريكي؛ حيث أكد الرئيس الروسي على الحاجة إلى تحويل التجارة الثنائية بين روسيا والدول الإفريقية إلى مدفوعات بالعملات الوطنية، لتجنُّب قيود النظام المالي الغربي؛ حيث ترغب روسيا من وراء ذلك إلى تحقيق الأهداف التالية([9]):
- إضعاف الدولار الأمريكي.
- دعم الروبل الروسي بين العملات.
- تقويض الفرنك الإفريقي في دول غرب إفريقيا.
7- تعزيز خدمات النقل واللوجستيات:
أكدت روسيا ضمن برامج وورش عمل القمة على ضرورة أن يكون هناك تعزيز لخدمات النقل واللوجستيات في القارة، وتستند روسيا في هذا الإطار إلى ممر النقل الدولي واللوجستيات المعروفة بـ “شمال -جنوب” التي تشترك فيها (12) دولة، والتي ترغب روسيا في أن تساهم في نقل (41) مليون طن من البضائع حول العالم في عام 2030م. وترى روسيا أن تعزيز الخدمات اللوجستية البحرية أمر بالغ الأهمية لدعم التجارة مع إفريقيا. ووفقًا لدائرة الجمارك الروسية؛ فإن ما يقرب من 95% من البضائع وحركة التجارة الروسية الإفريقية تمر عبر البحر؛ مما يؤكد ضرورة تعزيز وتبسيط الخدمات اللوجستية البحرية.([10])
واتصالًا بذلك؛ فإن روسيا قد تتجه أيضًا كجزء من الخدمات اللوجستية نحو دعم إنشاء خطوط للسكك الحديدية في دول وسط إفريقيا غير الساحلية؛ لتسهيل حركة التجارة بها ومعها، هذا في الوقت الذي أشار فيه “بنديكت أوراما” رئيس بنك التصدير والاستيراد الإفريقي إلى أن حجم التجارة بين روسيا وإفريقيا سيتجه خلال السنوات الأربع القادمة نحو الارتفاع إلى أكثر (40) مليار دولار سنويًّا، وهو ما يتطلب تعزيز خدمات النقل والخدمات اللوجستية بين الطرفين.
8- معالجة مشكلات التغير المناخي في إفريقيا:
طرحت القمة الروسية الإفريقية ضرورة مواجهة مشكلات المناخ، وتلافي آثارها الضارة على إفريقيا؛ حيث انطلق الطرح الروسي بالتوازي مع السياسات الدولية الداعية نحو مواجهة التغير المناخي، وتخفيف الديون، ومساعدة الدول الإفريقية والنامية في التغلب على هذه الأزمات؛ إذ تعتبر قارة إفريقيا منطقة مُعرَّضة بشكل خاص لتغير المناخ، وتفتقر إلى الموارد اللازمة للتكيف مع الظروف المناخية القاسية بشكل متزايد؛ لذلك فإن إفريقيا بحاجة إلى الدعم المالي والتكنولوجي من روسيا للتوجه نحو زيادة إنتاج واستخدام الطاقة النظيفة مع الاستمرار في تطوير الاقتصاد الذي يُعدّ أولوية قصوى للدول الإفريقية لمواجهة تغير المناخ.
9- بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب:
كانت روسيا ولا تزال أحد أبرز الداعمين لفكرة وجود نظام عالمي متعدد الأقطاب، لا يخضع لهيمنة طرفٍ أو قوًى بعينها على حساب الدول الأخرى، ولذلك كان من بين الدعوات التي صدرت من القمة: الدعوة نحو بناء نظام عالمي متعدد القطبية، واستخدمت روسيا في ذلك: الحرب في أوكرانيا، والعقوبات التي فُرضت عليها، واعتبرت أنها من سلبيات وعواقب النظام الدولي أحادي القطب المدعوم من الغرب.
يستخدم الجانب الروسي الشعارات المناهضة للاستعمار، والنأي بنفسه عنه في عيون شركائه الأفارقة؛ حيث تحاول موسكو أيضًا الاستفادة من الاستياء تجاه الغرب، وتضع نفسها كشريك جذّاب وداعٍ لنظام عالمي أكثر انسجامًا مع مصالح الجنوب والدول النامية؛ لذلك ارتكز الخطاب الروسي بشكل عام على عدم جدوى الوجود الغربي في إفريقيا، وأن الغرب لا يُقدّم أيّ أساس للتعاون مع شعوب القارَّة.
ثالثًا: إشكاليات عالقة:
ثمة مجموعة من الإشكاليات التي تؤثر على نجاح ما تم الاتفاق عليه في قمة سان بطرسبرج بين روسيا وإفريقيا، وهذه الإشكاليات تتطلب من روسيا العمل الجاد والناجز من أجل القدرة على بناء منظومة قوية من المصالح التي تتطلب التنوع في المشروعات وصور التعاون، والالتزام بتطبيق ما تم الاتفاق عليه في القمة.
منذ الحرب الباردة تتخذ القارة الإفريقية سياسة عدم الانحياز لأي طرف في صراع دولي ما، وهو ما استمر الاستناد عليه في المواقف الإفريقية من عدم الانحياز لأيّ طرف من طرفي الصراع الروسي الأوكراني، بل تسعى الدول الإفريقية نحو تعظيم منافعها من جراء هذا الصراع، وكانت غالبية السلوك التصويتي للدول الإفريقية تجاه مناقشة الصراع الروسي الأوكراني في الأمم المتحدة يتجه نحو الامتناع عن التصويت، وذلك بنسبة تصل إلى 52% من الأصوات الإفريقية، الأمر الذي لا يُلبِّي طموحات روسيا الساعية نحو جذب الأصوات الإفريقية لصالحها في هذا الصراع.
وعلى الجانب الآخر، تتمتع إفريقيا بكونها سوقًا استهلاكيًّا كبيرًا يجعلها تستوعب كافة صور وأشكال الاستثمارات الاقتصادية؛ حيث لا تزال الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ذات استثمارات عالية في إفريقيا بالمقارنة مع روسيا([11]). وتكشف الإحصائيات الاقتصادية أن الوعود التي قدّمتها روسيا لإفريقيا في قمة سوتشي لعام 2019م كانت تُقدَّر بـ(40) مليار دولار؛ إلا أن ما تحقق هو (16,8) مليار دولار، وبالمقارنة مع حجم الاستثمارات الأوروبية مع القارة التي تُقدَّر بـ(295) مليار دولار، و(254) مليار دولار للصين؛ فإن هذا يشير إلى وجود فجوة اقتصادية كبيرة بين روسيا والقوى التي تنافسها في إفريقيا، ما يتطلب جهودًا روسية ضخمة في تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية، لذلك تحتاج روسيا إلى تطوير وتعزيز وجودها الاقتصادي هناك، بما في ذلك فتح بعثات وتمثيلات تجارية واقتصادية، وتعزيز مجالات التعاون في الصناعة واللوجستيات والزراعة والتعدين.
كما أن الانخراط الروسي في مجال المساعدات التنموية في إفريقيا ضئيل، بالمقارنة مع دول أخرى كالصين التي تعتمد من بين سياستها الخارجية في إفريقيا على إقامة مشروعات ذات طابع إنساني تحت شعار “هدية من الصين”؛ حيث تساعد مثل هذه المشروعات على فتح آفاق التعاون مع الدول الإفريقية إلى جانب التقارب مع الشعوب)[12](.
لذلك فإن روسيا بحاجة إلى الجمع ما بين المشاريع التجارية البحتة وبرامج المساعدة الإنمائية لدول القارة، خاصةً جنوب الصحراء الكبرى؛ إذ تُشكّل المساعدات الإنمائية الجزء الأكبر من اقتصادات العديد من البلدان الإفريقية هناك، ومشاريع المساعدة التي من هذا النوع تساهم في تشكيل الرأي العام المحلي حول ما إذا كانت روسيا قد ساهمت أو لم تساهم بأيّ شيء جيد لإفريقيا.
وتحتاج روسيا لمثل هذه المشروعات حاليًّا بسبب أن الحرب الروسية الأوكرانية قد أضرت بسمعة روسيا دوليًّا، الأمر الذي قد يؤثر في مسار ما تم الاتفاق عليه في قمة سان بطرسبرج؛ بسبب التعاطف الدولي مع أوكرانيا، والذي لا يمكن فصل الشعوب الإفريقية عنه، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال استطلاعات الرأي العام)[13](. وربما يُعتبر ذلك أحد أسباب تراجع التمثيل الرئاسي لبعض رؤساء الدول الإفريقية في القمة، بجانب الضغوط التي مارستها القوى الغربية.
وإجمالًا، يمكن القول: إن روسيا اعتبرت أن قمة سان بطرسبرج بمثابة منصة بارزة لتجديد العلاقات مع إفريقيا؛ يأتي هذا في الوقت الذي تشهد الساحة الدولية الكثير من المشكلات التي تنعكس على القارة الإفريقية؛ لذلك تسعى روسيا لخلق حاضنة إفريقية لسياستها ومواقفها الخارجية، خاصةً في ظل الصراع مع الولايات المتحدة والغرب منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، كما تسعى لتوجيه رسالة إلى إفريقيا؛ مفادها أن المؤتمر جاء بهدف التركيز على اهتمامات إنسانية في المقام الأول، وأنها قادرة على تعويض القارة من الحبوب عبر أكثر من وسيلة، واتفقت روسيا أيضًا على عقد اجتماعات قمة روسية إفريقية مرة كل 3 سنوات. نأن أأن
_____________________________
المصادر:
([1]) The Russia-Africa summit is coming, but Putin barely invests in the continent while the mercenary Wagner Group rages across the countryside, Fortune, July 24, 2023, Accessed 28 July 2023,at: https://shorturl.at/jCLUY
([2]) Priyal Singh and Denys Reva, will the Russia-Africa summit balance pageantry and Politics?, the institute for security studies (iss), 19 jul 2023, Accessed 28 July 2023,at: https://shorturl.at/JPRU9
([3]) Stephen Williams, Review – Russia in Africa: Resurgent power or bellicose pretender?, African Business, February 2nd, 2023, Accessed 29 July 2023,at: https://shorturl.at/alHU3
([4]) بسمة سعد، انعكاسات تمرُّد فاغنر على النفوذ الروسي في إفريقيا، موقع قراءات إفريقية، 12 يوليو 2023م، تاريخ التصفح، 29 يوليو 2023م، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/bfkoL
([5]) What Putin said about free grain, national currencies at Russia-Africa forum, TASS, 27 JUL 2023, Accessed 28 July 2023,at: https://shorturl.at/dyPU4
([6]) بوتين يكشف طبيعة المساعدات الروسية القادمة للقارة الإفريقية (فيديو)، روسيا اليوم، 27/7/2023م، تاريخ التصفح، 29/7/2023م، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/aelw2
([7])What Putin said about free grain, national currencies at Russia-Africa forum, Op.Cit.
([8]) بوتين يكشف طبيعة المساعدات الروسية القادمة للقارة الإفريقية (فيديو)، مرجع سبق ذكره.
([9]) Vladimir Putin condemns the weaponization of the US dollar, cryptopolitan, July 29, 2023, Accessed 30 July 2023,at: https://shorturl.at/fvA17
([10]) Bnn Newsroom, Boosting Maritime Logistics: The Key to Expanding Russia-Africa Trade, BNN Breaking, July 29, 2023, Accessed 30 July 2023,at: https://shorturl.at/bpZ16
([11]) بسنت جمال، الاقتصاد أولًا… سياق ودلالات انعقاد القمة الروسية- الإفريقية، المرصد المصري، 26 يوليو 2023م، تاريخ التصفح، 29 يوليو 2023م، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/elnsI
([12]8 (key challenges to the future of Russian–African relations, World Economic Forum, Oct 28, 2019, Accessed 31 July 2023,at: https://shorturl.at/jnCKT
([13] ) African sentiment is favouring Ukraine, Ipsos, 21 June 2023, Accessed 31 July 2023,at: https://shorturl.at/auw38
.
رابط المصدر: