القمة العربية وأولويات ملحة

د. أحمد سيد أحمد

 

بعد عامين من الغياب بسبب جائحة كورونا تنعقد القمة العربية غدا فى الجزائر بعد الجهود الكبيرة التى بذلتها مصر والجزائر لإنجاح القمة من خلال تهيئة الأجواء العربية وسياسة لم الشمل وإنهاء الانقسامات العربية والعمل على تحقيق حد أدنى من التوافق العربى الذى يساهم فى مواجهة التحديات الكبيرة التى تواجه الأمة العربية.

لاشك أن انعقاد القمة العربية إنجاز فى حد ذاته لأن النظام الإقليمى العربى فى أضعف مراحله خاصة فى العقد الأخير بسبب ما عرف بالربيع العربى, والذى أدى لتهديد الدولة الوطنية العربية ومؤسساتها الشرعية فى مقابل تصاعد خطر المليشياوية الطائفية والتنظيمات الإرهابية والتى شكلت كيانات موازية للدولة الوطنية وامتلكت الأسلحة وهددت بتفتيت الدولة, وهو ما رأيناه فى بعض الدول العربية التى شهدت صراعات مسلحة ولا تزال رهينة لهذه المليشياوية, مثل سوريا واليمن وليبيا. وكانت النتيجة أن شهدت بعض الدول العربية صراعات مسلحة طاحنة وبعضها شهد أزمات سياسية واقتصادية, وهو ما أدى إلى تصاعد خطر الإرهاب والتطرف وتزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين داخل وخارج المنطقة العربية, إضافة إلى ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة المتمثلة فى غياب التنمية لأكثر من عقد من الزمان نتيجة للانخراط فى تلك الصراعات, وغياب الاستقرار الأمنى والسياسى, كذلك التداعيات الاجتماعية وحرمان أجيال كاملة من التعليم, وتصاعد خطر الأزمة الإنسانية فى بعض الدول خاصة فى اليمن. التحدى الآخر كان تحول المنطقة العربية إلى ساحة للتنافس الإقليمى والدولى والتدخل فى شئون المنطقة وتغذية الاستقطابات الداخلية مما أدى لإطالة أمد الأزمات العربية وغياب الحلول السياسية.

وفى هذه الأجواء والبيئة المضطربة نجحت الدول الصلبة مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن والكويت والبحرين, فى منع النظام العربى من الانهيار بل وتجاوز هذه التحديات واستعادة مفهوم العمل العربى المشترك انطلاقا من فلسفة واضحة أن وجود تماسك وتنسيق عربى من شأنه أن يعزز الدور العربى ويحمى مصالح الدول العربية, ويحجم فى ذات الوقت من الأدوار الخارجية السلبية, ولهذا شهدنا خلال السنوات الأخيرة نموذج القمم العربية الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية التى كانت مصر محورها لتعزيز ولم الشمل العربى, وهو ما يساعد فى إنجاح القمة العربية فى الجزائر.

الأزمات العالمية خاصة الأزمة الروسية الأوكرانية وما ترتب عليها من تداعيات سلبية خطيرة على العالم والمنطقة العربية خاصة فى مجال أمن الغذاء وأمن الطاقة إضافة إلى زيادة حدة الاستقطاب فى النظام الدولى بين القوى الكبرى, تفرض ضرورة تحقيق التقارب والتوافق العربى من خلال إستراتيجية عربية واضحة الآليات والأهداف ترتكز على تعزيز المصالح العربية, وهذا بدوره يتطلب المزيد من تنقية الأجزاء العربية وأن ترتقى القمة العربية إلى مستوى المسئولية, فى التعامل مع تلك التحديات المختلفة, وأن تركز مخرجات القمة على عدد محدود من القرارات والتوصيات الواقعية القابلة للتنفيذ بشأن التحديات والقضايا الملحة التى تتطلب التعامل معها.

وعلى سبيل المثال يمكن تحديد بعض القضايا والتعامل معها كبرنامج عمل للعام المقبل وأن تتم متابعة ما تم إنجازه فى هذه الملفات فى القمة المقبلة، بحيث يتم التغلب على العقبات التى تواجهها أولا بأول. وهنا تبرز أولويات عاجلة تمثل خريطة طريق عربية للفترة المقبلة، الأولى: إنهاء الأزمات والصراعات العربية, خاصة فى اليمن وسوريا وليبيا, ودعم السودان والصومال ولبنان والعراق فى مواجهة التحديات المختلفة, وفى هذا الإطار يمكن تشكيل لجنة عربية عليا منبثقة من الجامعة العربية, للتحرك والتواصل مع كافة أطراف الأزمة فى هذه الدول والتوصل إلى صيغة توافقية جامعة تحافظ على وحدتها واستقلالها وسيادتها وتدعم الدولة الوطنية وتحقق التعايش والتوافق بين الجميع, وتطوى صفحة الماضى حتى تستطيع هذه الدول تجاوز المرحلة السابقة والبدء فى إعادة الإعمار وتحقيق التنمية الشاملة التى تمكنها من استعادة دورها ومكانتها الطبيعية على الخريطة العربية.

ثانيا: تنسيق وتطوير العمل العربى الاقتصادى المشترك للتغلب على أهم الأزمات الحالية وهى أزمة الغذاء مع ارتفاع أسعاره عالميا بسبب الأزمات العالمية وبسبب التغيرات المناخية التى أثرت سلبا على المنطقة مع انتشار الجفاف وشح الأمطار وتزايد التصحر وتراجع الإنتاج الغذائى, وهذا يدفع إلى ضرورة ان يكون الأمن الغذائى ركنا أساسيا فى الأمن القومى العربى. ولاشك أنه من خلال الميزة النسبية وتغليب عامل المصلحة الاقتصادية يمكن تحقيق التكامل بين الدول العربية لتحقيق الأمن الغذائى والتوسع فى زراعة المحاصيل الإستراتيجية وزيادة الاستثمارات العربية فى البحث العلمى وفى مجال الزراعة.

ثالثا: تنسيق المواقف العربية بشكل أشمل فى تبنى النهج الذى تبنته مصر والسعودية والإمارات بشأن الاستقطابات الدولية وهو سياسة الحياد الإيجابى وبناء الشراكات المتوازنة مع كافة القوى الدولية لتعظيم المصالح العربية, وهو ما انعكس سابقا فى القمة العربية الأمريكية فى جدة فى يوليو الماضى, والقمة العربية الصينية فى السعودية الشهر المقبل, ولاشك أن سياسة الحياد الإيجابى من شأنها أن تعظم الدور العربى وموقعه فى النظام الدولى الجديد متعدد القطبية الذى يتشكل حاليا.

إن انعقاد القمة العربية فى هذا التوقيت وقبل مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ ومع تزايد التحديات الإقليمية والدولية, يمثل أهمية كبيرة فى الخروج بقرارات تعكس طموحات وتطلعات الشعوب العربية.

نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 31 أكتوبر 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/21446/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M