محمود جمال
مقدمة:
في دراسة سابقة للباحث بعنوان “عسكر مصر وثورة يناير: السياسات والتحولات” أوضح كيف أن القوى المناوئة للسيسي داخل المؤسسات السيادية للدولة “المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات العامة” أيقنت أن الإجراءات التي اتخذها السيسي في شهر ديسمبر 2019م، هي فقط عملية “خداع استراتيجي” نتج عنها تغيير شكلي فقط، وأيقن ذلك الطرف بأنه تم احتواؤه بعد الضغوط التي مارسها مع ما صاحب 20 سبتمبر 2019م من أحداث، ولم يتحصل على أشياء حقيقية إلى الآن، ولم يتم الوفاء بالكامل بما تم التوافق عليه في أعقاب هذه الأحداث، واتضح له أنه لن يتحصل على شيء مستقبلاً، إلا المشاركة الصورية التي سمح بها السيسي في ديسمبر 2019م.
وانتهت الدراسة المشار إليها أن المواجهة المقبلة ستكون مختلفة تماماً عن المواجهات التي تمت من قبل بين الجانبين، وأي حراك قادم مهما كان شكله ستشتبك معه بالأساس الأطراف الراغبة في التغيير داخل الجيش وداخل المؤسسات السيادية، ولن تتوقف في منتصف الطريق كما فعلت في يناير 2020م، لأنها في الأغلب لن تدخل في حالة تفاوض مرة أخري مع السيسي، هذا بالطبع إن كانت لديها القدرة على القيام بذلك.
وتطرق الباحث إلى الأساليب التي يتوقع أن يعتمد عليها الطرف المناوئ للسيسي في الضغط عليه وإحراجه أمام الشعب، وخلال الشهور الثلاثة الماضية (فبراير، مارس، أبريل 2020)، وجد الباحث أن تلك الأطراف بدأت بالفعل في الضغط على النظام مستغلة تداعيات أزمة كورونا، لتوقعها أن الأوضاع ذاهبة إلى ما هو أسوأ في الشهور المقبلة، مما سيترتب عليه زيادة الضجر الشعبي على السيسي ونظامه.
وفى هذه الورقة نحاول أن نتتبع بعض مظاهر التحركات التي بدأت في الظهور مؤخرا، والمسارات المتوقعة للتطورات المحتملة خلال الفترة المقبلة.
أولاً: استغلال الفرص:
الوضع الحالي داخل الدولة المصرية يصفه الخبراء الاقتصاديون أنه يتجه إلى الأسوأ، وهذا لا يقتصرعلى مصر فقط بل في معظم دول العالم، وبحسب المختصين لا تزال موجة انتشار فيروس الكورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية في بداياتها، ومن الصعوبة التوقع الرقمي لمدى الانتشار وسرعته، أو توقيت انتهاء موجة الانتشار، وبالتالي التداعيات السلبية له سواء على صحة المصريين وحياتهم أو على الاقتصاد ومعاش المصريين وخاصة الفقراء منهم بشكل عام.
لكن الطبيعة الريعية للاقتصاد المصري هي التي ستجعله أكثر وأسرع وأعمق استجابة للمؤثرات الخارجية، بما يُحدث أثاراً شديدة السلبية على هذا الاقتصاد على المدى القريب والمتوسط. وبناءً عليه فإن الفئة المناوئة للسيسي قد ترى أن تدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير هو أمر حتمي في المرحلة المقبلة، وهو ما سيزيد من حالة الضجر الشعبي على السيسي ونظامه، وبالتالي سيكون هناك احتمالات لحدوث حراك شعبي، قد يستغلها هذا الطرف، وقد بدأ الاستعداد لها من الآن.[1]
ليست فقط الأوضاع الاقتصادية هي التهديد الأوحد لاستقرار نظام السيسي خلال الفترة المقبلة، بل هناك أزمة ستواجه الدولة المصرية لا تقل خطورة عن الأوضاع الاقتصادية، وهي أزمة “سد النهضة” والتي من المحتمل أن يترتب عليها حدوث حالة غضب شعبي كبير، حيث يتضح للمراقبين لملف سد النهضة عدم قدرة نظام السيسي على إداراته بشكل صحيح يحفظ لمصر حقوقها المائية، ويحد من أثاره الخطيرة التي ستلحق بالمصريين. السيسي يعاني في التعاطي مع ملف سد النهضة سياسياً، والمفاوضات التي تمت بين الجانبين المصري والأثيوبي بمختلف أشكالها ثنائية كانت أو بحضور وسطاء، أظهرت “فشل” الجانب المصري في فرض شروطه أو حتى أخذ ملاحظاته في الاعتبار عند تنفيذ المشروع، في مرحلتي التشييد وملء السد، فالأثيوبيون ماضون قدماً للبدء في تخزين المياه خلف السد بالشكل الذي يريدونه، ولا يلتفتون لملاحظات الجانب المصري.
الأوضاع الراهنة في مصر من المحتمل إذن أن يترتب عليها خلال الشهور القادمة ضجر وسخط شعبي على نظام السيسي، وهذه بيئة مناسبة للمجموعات المناوئة للسيسي التي ترغب في التغيير، والأيام القليلة الماضية شهدت بعض المستجدات من المحتمل أنها تشير أن هناك بدايات لمحاولة الضغط على النظام وإحراجه أمام الشعب من قبل تلك الأطراف وربما يكون هذا تمهيداً لما هو قادم.
ثانياً: محاولات الضغط الإعلامي:
كما ذكرنا سابقاً أن زيادة الضجر الشعبي على النظام، من ضمن الأهداف التي تعمل الأطراف المناوئة للسيسي على تحقيقها، وإمكانيات تلك الأطراف تؤهلها أن تقوم بهذا، حتى لو بصورة جزئية، من خلال أذرعها الإعلامية أو عن طريق إخراج بعض الوثائق، والأيام الماضية شهدت أكثر من واقعه تشير إلى هذا، وهي على النحو التالي:
1-التسريبات والوثائق:
خلال الأيام الماضية تم إخراج العديد من الوثائق الخاصة بالمؤسسة العسكرية، ومثل هذا النوع من الوثائق وتسريبها لم يكن متواجدا من قبل بهذا الشكل. ففي شهر مارس 2020م، خرجت العديد من الوثائق بعضها كانت نشرات خاصة بالضباط، والبعض الآخر كانت خاصة بإدارة الخدمات الطبية التي يترأسها اللواء أشرف سليم.
الوثيقة الأولى التي سربت كان بها أسماء القيادات العسكرية التي أصيبت بفيروس كورونا، وحاولت بعض أذرع النظام تكذيبها، ثم ثبت صحتها بعد وفاة اثنين من اللواءات كانت أسماؤهم مذكورة على رأس تلك الوثيقة، وهما اللواء أركان حرب شفيع عبد العليم داود، مدير إدارة المشروعات الكبرى بالهيئة الهندسية، واللواء أركان حرب خالد شلتوت، رئيس أركان إدارة المياه، بالإضافة أيضاً إلى اللواء أركان حرب محمود شاهين، رئيس أركان إدارة المهندسين العسكريين والتي كانت حالته حرجة ولكنه تماثل للشفاء فيما بعد.
أيضا من الوثائق التي سربت من داخل المؤسسة العسكرية أيضأ خلال شهر مارس 2020م، وكشفت عن عدم شفافية تعامل المؤسسة مع أزمة “جائحة كورونا”، تلك الوثيقة العسكرية التي صنفت “سري جدا”، وكشفت المناطق “الموبوءة” في مصر بفيروس كورونا المستجد، حيث أصدرت هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية برئاسة الفريق أسامة عسكر تعميماً لكل وحدات الجيش بشأن المحافظات التي انتشر فيها كورونا، وهي المنوفية (شمالي القاهرة)، ودمياط (شمالي القاهرة)، والإسكندرية (شمالي القاهرة)، والمنيا (جنوب مصر)، وقنا (جنوب مصر). وإزاء تلك المناطق الموبوءة، قررت المؤسسة العسكرية، يوم 26 مارس 2020م، اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد داخل صفوف أفرادها من قادة وضباط ومجندين[2].
وقررت المؤسسة العسكرية في ذلك التاريخ إيقاف الإجازات للمتواجدين بالوحدات العسكرية من قاطني تلك المناطق “الموبوءة”، ومد الإجازات للمتواجدين خارج الوحدات (إجازة/ مأمورية) حاليا من قاطني هذه المناطق لمدة (15) يوما، مع عزل العائدين من تلك المناطق (15) يوما في أماكن عزل مطابقة للشروط بعد إجراء الكشف الطبي عليهم. هذه الوثيقة أثبتت انعدام الشفافية لدى المؤسسة العسكرية ونظام السيسي بشكل عام في التعاطي مع أزمة كورونا، حتى وإن أعلنت وزارة الصحة لاحقا عن تلك المناطق أنها معزولة بالفعل، لكن هذا جاء بعد تسريب الوثيقة!
يضاف إلى تلك الوثائق أيضاً الوثيقة التي تم تسريبها يوم 28 مارس 2020م، والتي كشفت عن تجهيز مستشفى
“مصر الجديدة العسكري”، كي تكون مقرا للحجر الصحي لاستقبال حالات العسكريين المُصابين بفيروس كورونا المستجد، بالإضافة لتجهيز قاعة المؤتمرات بمدينة نصر في محافظة القاهرة، ومستشفى المعادي العسكري، ليصبحا أيضا مقار للحجر الصحي.
الوثيقة صدرت من إدارة الخدمات الطبية بهيئة الإمداد والتموين التابعة للجيش المصري، وتفيد بإخلاء مستشفى “مصر الجديدة العسكري”، وتعديل الخريطة العلاجية لها بناءً على أوامر صادرة من مدير إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة، مجدي أمين مبارك. وتم توجيه الخطاب العسكري إلى المجمع الطبي ق.م بمنطقة المعادي، وإلى مستشفى غمرة العسكري، وإلى مستشفى مصر الجديدة العسكري للاستجابة للتعليمات وبدء تنفيذها.
ووفقا للوثيقة، تم تعديل الخريطة العلاجية لمستشفى مصر الجديدة العسكري، لتنتقل عائلات الضباط الذين يحملون رتب (عقيد ومقدم) بالجيش إلى تلقي الخدمة الطبية بالمجمع الطبي ق.م بالمعادي، وعائلات رتبة (رائد) إلى مستشفى غمرة العسكري، وحالات الغسيل الكلوي بمستشفى مصر الجديدة يتم تحويلها إلى مستشفى غمرة العسكري. وأشارت الوثيقة إلى أنه يتم تنفيذ الأوامر اعتبارا من يوم السبت الموافق 28 مارس 2020م ولحين صدور أوامر أخرى.
وتلك الوثيقة ثبتت عدم شفافية تعامل المؤسسة العسكرية مع ملف أزمة فيروس كورونا. تجهيز أكثر من مكان عسكري للحجر الصحي لأفراد القوات المسلحة كما كشفت الوثيقة ربما يثبت ويؤكد أن أعداد ضباط ومجندي الجيش المُصابين بفيروس كورونا كبيرة، وهذا ما يحاول أن يخفيه النظام ولكن تلك الوثائق كشفت عما يحاول أن يخفيه النظام لإحراجه أمام جموع الشعب.[3]
الأطراف التي تعمل على إخراج وثائق وتسريبات لكي تضغط على النظام وتحرجه، تبحث بطبيعة الحال عن المنصات الإعلامية الأكثر انتشاراً لترسل لها المادة التي ترغب في تسريبها إلى الشارع المصري لتحقيق أقصى استفادة ممكنه من التسريب الذي تقوم بإخراجه. وليس بالضرورة أن يكون الإرسال بشكل مباشر أو يكون هناك تواصل رسمي بينها وبين تلك الجهة أو المنصة الإعلامية، فهناك وسائل كثيرة للأرسال وهي ليست بالصعبة، ويسهل عليها الطريق عندما تكون لدى تلك المنصات الإعلامية وسائل للتواصل مع الجمهور لإرسال ملفات ليتم عرضها.
ومن ذلك المنطلق، فإن التسريب الذي أذاعه الإعلامي عبد الله الشريف والذي لديه ملايين المتابعين خلال شهر مارس 2020م، لضابط الصاعقة عبد الرحمن محمد أحمد النجار والذي يخدم في الكتيبة 103 صاعقة بشمال سيناء وظهر وهو يمثل بجثة شاب مقتول، والذي لاقى رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، يأتي في سياق الضغط على النظام من داخل قطاعات في المؤسسات السيادية. التسريب أوضح وأكد على الممارسات “الوحشية” التي ينتهجها النظام بعد 03 يوليو 2013م، فالتسريب أوضح أن الجرم الذي قام به ضابط كتبيه 103 عبد الرحمن النجار هو نتيجة تغير عقيدة الجيش من بعد 03 يوليو، الذي عمل عليها السيسي، فبعد أن كانت عقيدة الجيش في تعريفها للعدو أنه الكيان الصهيوني، أصبح العدو هم المعارضين للنظام والذين يعرفون في قاموس النظام بــ “الإرهابين”.[4]
التسريب أوضح أيضاً أن كل الذي يحدث في سيناء من قتل وتصفية جسدية خارج إطار القانون، يتم بموافقة السيسي وقيادات الجيش بكل تأكيد، لأنه لو أراد النظام أن ينفي ذلك لتمت محاكمة الضابط بعد إذاعة التسريب حتى ولو بشكل صوري لتهدئة الرأي العام، أو يتم نفى صحة التسريب، وهذا لم ولن يحدث لأن التسريب حقيقي. فالسيسي في إحدى الندوات التثقيفية أعلن صراحة بأنه لن تكون هناك محاكمات لضباط إذا مارسوا العنف كما كان في الماضي وكان يقصد أحداث ثورة يناير 2011م، إذن كل الجرائم التي ترتكب من قبل الضباط والجنود هي بموافقة القيادات العسكرية ومباركتها، وعلى رأسها عبد الفتاح السيسي. جدير بالذكر أن النظام لم يرد على ذلك التسريب بشكل رسمي، واقتصر رد النظام فقط على اعتقال[5] أشقاء الإعلامي عبدالله الشريف.[6]
التسريبات المتكررة من داخل المؤسسة العسكرية، خلال فترة قصيرة لوثائق وتسريبات عسكرية داخلية، هي نتيجة انسداد قنوات التصحيح الداخلي الذي قد تهدف إليه المجموعات المناوئة للسيسي، لزيادة حالة الضجر والسخط الشعبي على النظام، كذلك أيضاً هي نوع من الاحتجاج الصامت على عدم الشفافية وعدم كفاءة التصدي لوباء كورونا الذي لا يميز بين مدني وعسكري، واستنجاد غير مباشر بفعاليات الرأي العام.
2-الأذرع الإعلامية:
لا شك أن الإعلام الحكومي والخاص يدافع عن النظام خلال المرحلة الحالية، يبرر أفعاله ويبرز أن الحكومة تدير أزمة كورونا بشكل جيد، وبأن الجيش هو حامي الشعب من هذه الجائحة، ويرمي باللوم والمسئولية على الشعب ويتهمه بأنه غير ملتزم بتعليمات الحكومة.
ولكن بالرغم من هذا، شهدت الفترة الماضية أكثر من واقعة يجب الإشارة إليها، وهي لإعلاميين أو صحفيين يُعرف عنهم علاقتهم الممتدة منذ فترة بجهاز المخابرات العامة تحديداً:
الواقعة الأولى والتي كانت حديث الناس في وقتها، هي مواجهة الإعلامي وائل الإبراشي للفريق كامل الوزير، وزير النقل الحالي، على الهواء مباشرة في برنامجه الذي يعرض على القناة الأولى المصرية. كامل الوزير يحسب من الدائرة الضيقة التي تحيط بالسيسي ويعرف بعلاقته الجيدة بالسيسي؛ وهو أول رئيس هيئة هندسية يحصل على رتبة فريق، وتلك الرتبة لها امتيازات عديدة داخل الجيش المصري. وكامل الوزير كان على خلاف مع عباس كامل مدير جهاز المخابرات العامة الحالي والذراع اليمنى للسيسي، وبسبب ذلك الخلاف تم إبعاد كامل الوزير من منصب رئيس الهيئة الهندسية.
كامل الوزير في حديثه في برنامج وائل الإبراشي الجديد الذي يقدمه على التليفزيون الحكومي المصري بالقناة الأولى، ادّعى كذب المقاطع التي عرضها الإبراشي والتي أوضحت الزحام الشديد في القطارات، مؤكدًا أنها قديمة وتعود لأولى ساعات الحظر، وانفعل الوزير على الإبراشي مطالبًا إياه بممارسة العمل الإعلامي باحترافية، ولكن وائل الإبراشي ظل على موقفه مؤكداً أن المقاطع حديثة والقطارات تشهد ازدحام بشكل كبير، مما دفع كامل الوزير لإنهاء الاتصال.[7]
يري البعض أن إحراج كامل الوزير من قبل الإعلامي وائل الإبراشي يأتي في سياق الضغط على النظام بأشياء يراها الناس رأي العين يومياً، وبالتالي فهو يحرج النظام ككل في شخص الوزير، فالإبراشي لم يلفق أو يدلس أو يدّعي على النظام، بل كشف واقعا حقيقيا، ويعلم المتفرج أن كلام “الوزير” ليس له أساس من الصحة وأن كلام الإبراشي صحيح، بدليل تكرار الوقائع المشابهة لاحقا. جدير بالذكر أن علاقة الإعلامي وائل الإبراشي، مثله مثل الإعلاميين خالد صلاح وعمرو أديب وأسامة كمال، بجهاز المخابرات العامة علاقة قديمة تعود لأيام رئاسة اللواء عمر سليمان للجهاز وليست علاقة جديدة، وبالتالي من الطبيعي أن يكون الإبراشي له علاقة ما بالبعض من رجال المخابرات الذين تم التنكيل بهم.
وعلى الجانب الأخر، يري البعض أن المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل هي من تدير الملف الإعلامي بشكل مباشر، وخصوصاً الإعلام الحكومي الذي استضاف كامل الوزير، ويرون أن إحراج “الوزير” بهذا الشكل جاء من رجال اللواء عباس كامل في الجهاز والذين على خلاف مع كامل الوزير ويدفعون لخروجه من منصب وزير النقل أيضاً، وهم من دفعوا الإبراشي لعرض المقاطع وإدخال كامل الوزير للتعليق عليها وكشفه وإحراجه.
الواقعة الثانية والتي تكررت أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، ما قام به موقع “اليوم السابع” حيث عرض بشكل شبه يومي لمقاطع وفيديوهات تكشف عن الزحام الشديد بالمترو والقطارات، وهو ما يكشف أيضاً عن عدم التعامل الجاد من قبل الحكومة مع الأزمة.
موقع اليوم السابع يديره الإعلامي خالد صلاح والمعروف بعلاقته بجهاز المخابرات كما ذكرنا سابقاً، ويرى البعض أن ما يقوم به الموقع شكل من أشكال الضغط على النظام باستخدام حقائق ملموسة. موقع اليوم السابع داعم للنظام بشكل أساس، ويعمل على تزييف الحقائق باستمرار، وكان قادرا أن يغض الطرف عن تلك المظاهر كما يفعل دائما، لكن خالد صلاح اختار أن يُظهر الحقيقة في ذلك التوقيت الهام!
من جهة أخرى، فإن السيسي يحاول أن يستغل علاقاته الخارجية في تلك المرحلة الحرجة التي يشهدها العالم أجمع لكي تتمسك به المنظومة الدولية والإقليمية بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة، وحتى يُؤمّن استمرار الدعم الخارجي في حالة حدوث أي أحداث طارئه داخل مصر قد تهدد حكمه، نتيجة الإدارة السيئة لنظامه لأزمة كورونا وكذلك أزمة سد النهضة؛ فلذلك يمكن مثلا تفسير أن نظام السيسي قام بإمداد إيطاليا والصين “بكمامات” بالرغم من احتياج الدولة لها.
لم يقف الدعم الذي تقدمه مصر إلى بعض الدول في ظل تلك الأزمة العالمية، والذي من المفترض أن تحتفظ به الدولة تحسباً لما هو قادم، عند هذا الحد، بل وصل إلى الاستمرار في تصدير المواد الغذائية إلى الدول الأخرى، بالرغم من أن العديد من الدول المصدّرة للمواد الغذائية أوقفت التصدير بسبب أزمة كورونا، لكي تحتفظ بمخزون استراتيجي كاف يغطى احتياج الدول في حالة استمرار أزمة كورونا لشهور، ومنها على سبيل المثال روسيا ورومانيا التي أوقفت تصدير القمح.
الذي كشف عن ذلك الأمر هو موقع “اليوم السابع” الذي يديره الإعلامي خالد صلاح، وبناء على ما كشفه الموقع، فإن مصر منذ تعليق الطيران وحتى الآن تُعَد المصدر الوحيد للطعام لبعض الدول خصوصا الخضراوات والفاكهة والأسماك، حيث تقوم بتوريد الطعام لدول الخليج وعدد كبير من الدول الأوربية منها ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وهولندا وذلك بعد توقف غالبية منافسي مصر فى تصدير الغذاء سواء إسبانيا أو إسرائيل أو تركيا أو المغرب وذلك بسبب انتشار وتفشى وباء كورونا.[8]
وفى نفس التوقيت طالب السياسي ممدوح حمزة الدولة بأن توقف مشروعات الدولة في الإسكان والمباني الإدارية والتجارية وتوجه ميزانياتها إلى احتياطي غذاء لمدة ٦ شهور علي الأقل، وطالب الدولة بتكثيف العمل في مشروعات الصوب الزراعية والمزارع السمكية التي تم افتتاحها مؤخرا لكى تغطي احتياج المواطنين إذا استمرت الأزمة لشهور، وكل ذلك ربما يأتي أيضا في إطار إحراج النظام وإظهاره بمظهر المفرط في الاحتياجات الأساسية للمصريين في وقت تشتد الحاجة إليها، وكل ذلك بطبيعة الحال مما قد يزيد الاحتقان الشعبي ضده إذا ما تفاقمت الأمور لاحقا.
واقعة أخرى يمكن الإشارة إليها وهي التدوينه التي كتبها الإعلامي عمرو أديب بعد تقليل عدد ساعات الحظر لمدة ساعة، حيث كتب على حسابه على تويتر : “فيه حاله اطمئنان غير مفهومه وكأن الموضوع خلص أو على الأقل هيكمل بالإيقاع ده. الأرقام بتزيد وهتزيد أكتر والفترة اللي جايه فى مصر وفى أماكن كتير في العالم هتكون صعبة أرجوكم عدم التخلي عن الحرص وعدم الاطمئنان حتى لو كانت النبرة الرسمية هاديه ومطمئنه. المعركة مستمرة لم تنتهِ بعد”. كلام عمرو أديب له مدلول على أن المسئولية هي مسئولية الحكومة وليست مسئولية الشعب، فأديب حاول أن يشير إلى أن الاستهتار الذي يحدث من قبل الشعب، جاء نتيجة نبرة الحكومة الهادئة، التي وصلت للشعب أن الأمر ليس بخطير، وهذه ليست عادة عمرو أديب في مثل تلك المواقف!
3-عودة محمد على:
بعد إعلانه اعتزال العمل السياسي بعد فشل تظاهرات 25 يناير 2020م، ظهر الفنان والمقاول محمد على مرة أخري خلال الأيام الماضية، وقام بنشر مقطع فيديو على حسابه الرسمي على “تويتر” وأعلن فيه أنه سيظل يواجه ويقاوم السيسي، ويمكن فهم رسالة محمد أنها موجهة من قبل أطراف مناوئة للسيسي على لسان محمد على له ولنظامه بأنهم مستمرون، ومن الوارد أن تلك المجموعات تعمل على تجميع نفسها مرة أخرى وتعمل على إحياء “أدواتها وأذرعها” حتى إن كانت تعرضت لنوع من أنواع “الحرق” كما الحال مع محمد على، وتحاول التلويح للسيسي بهذا “السلاح” مرة أخرى، وقد تكون الرسالة أن هناك أخرون على شاكلة محمد علي يجري إعدادهم “للوقت المناسب”.
ثالثاً: استراتيجية الأولوية لمصلحة النظام:
يتعامل “نظام السيسي” دائما مع الملفات من منظور أمني، ومصلحة النظام تكون مقدمة لديه على أي شيء أخر، لذلك لم يكن التعامل مع ملف المعتقلين في ظل أزمة كورونا إيجابياً، لأنه يتعامل مع ذلك الملف من منظور مصلحة النظام وليس الصالح العام. ويرى النظام أن الإفراج عن المعتقلين هو تهديد حقيقي للنظام غير المستقر في ذلك التوقيت من الأساس، وسينظر إليه كتنازل مجاني ليس له داع، وربما ما تحدث به السيسي في كلمته التي ألقاها عند حضوره لاصطفاف عناصر القيادة العامة للقوات المسلحة، يوم الثلاثاء الموافق 07 إبريل 2020م، توضح ذلك، فالسيسي أراد أن يحذر الناس أن من كانوا في الحكم قبل يوليو 2013م سيحاولون أن يعودوا مرة أخرى للحكم بعد سنوات قليلة، وأن خطرهم ليس فقط على السيسي بل على الدولة المصرية ككل.[9]
على جانب أخر تعامل السيسي مع قرار حظر التجول الليلي من باب مصلحة النظام وليس من باب الصالح العام وحياة المواطنين، فقوات الشرطة منذ اللحظة الأولى لم تقدر على فرض حظر التجوال بالحزم الكافي، وبالرغم من هذا لم يتخذ السيسي قرار مشاركة القوات المسلحة في فرض حظر التجوال ليطبق بقوة وحزم وذلك حفاظاً على حياة المواطنين، واكتفى فقط بمشاركة إدارة الحرب الكيمائية في أعمال التعقيم والتطهير لبعض المؤسسات والميادين والمباني الحكومية.[10]
وقد اتخذت عدة دول قرار مشاركة قوات الجيش في عمليات مواجهة فيروس كورونا، وهو الأمر المعتاد في حالات الكوارث المشابهة، على سبيل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والأردن وغيرها من الدول قامت بهذا الأمر، ولكن السيسي لم يتخذ القرار، ويرى بعض مصادرنا أن مثل هذا القرار مستبعد تماماً في الظرف الحالي، والسيسي خلال كلمته التي أشرنا إليها سابقاً تحدث على أن الوضع ليس بحاجة لمشاركة قوات الجيش في فرض الحظر، وأن قوات وزارة الداخلية تقوم بفرض الحظر بشكل جيد، رغم أن العكس هو الصحيح.
فلماذا لم يتخذ السيسي قرار مشاركة الجيش في تطبيق حظر التجول؟
قرار مشاركة الجيش في تطبيق حظر التجول يعنى أن الجيش سينتشر في 28 محافظة بامتداد الجمهورية، وأن القوات التي ستقوم بالانتشار هي القوات التابعة للمناطق والجيوش العسكرية وهذا ما يرفضه السيسي[11]. السيسي منذ ديسمبر 2016م (انتفاضة الغلابة) يسمح فقط لقوات التدخل السريع “قوات حماية النظام” [12]بالانتشار في الميادين الرئيسية في القاهرة الكبرى والإسكندرية وبعض محافظات الوجه البحري عند الضرورة لفرض الأمن، وقوات التدخل السريع قدراتها “أفراد ومهمات” لا تسمح لها بأن تنتشر في 28 محافظة.
استراتيجية مصلحة النظام هي المتبعة من نظام السيسي، والنظام يقوم بإعداد تقديرات دورية للموقف وقد يستشعر أن الأمور في حال تدهورها بشكل كبير خلال الشهور المقبلة، قد يترتب عليها خرج الناس للشوارع بشكل كبير، وإذا وصل الأمر لذلك فلا يرغب السيسي أن تكون قوات الجيش “التابعة للجيوش والمناطق العسكرية” متواجدة وسط الناس في الشوارع الميادين، ويفضل ان تكون في ثكناتها العسكرية في ذلك التوقيت، ذلك لعدم ضمانه ولاء قوات الجيوش والمناطق العسكرية فى التعامل مع أحداث “فوضى” حال اندلاعها ، ومن المحتمل أن يكون لها رأى أخر وتتجرأ وتأخذ قرارا مغايرا لقرار المنظومة الحاكمة عندما ترى الملايين يملؤون الشوارع بسبب وجود كارثة حقيقة تهدد الجميع.
رابعا: المحاولات السياسية:
عندما يواجه أي نظام أزمة ويكون في حالة ارتباك، تصبح فرصة لأي مجموعة أو تيار أو فصيل أو حزب لتشتبك مع تلك الحالة لتحقيق أهداف خاصة بها، سواء إثبات حالة وجود على الساحة السياسية، أو رغبة في التغيير الحقيقي، أو حتى للأطراف الداعمة للنظام وتخشى عليه من السقوط. وقد شهدت الفترة الماضية بعض الشواهد نشير إليها في السطور القادمة.
يري البعض أن الفترة الماضية شهدت بعض التحركات السياسية من أطراف لا ترغب في تغيير النظام بل تعمل على إنقاذه ولفت انتباهه للخطر القادم، وتريد أن يعمل النظام على تغيير سياساته في بعض الملفات لتجنب الأخطار المهددة للاستقرار والتي يمكن أن تترتب على أزمة كورونا، من تلك المحاولات:
1ـ رسالة السياسي حمدين صباحي والتي وجهها للنظام بعنوان “نداء من القلب والعقل” وطالب فيها “صباحي” بالإفراج عن المعتقلين المحكوم عليهم في قضايا لا تمثل خطرا على المجتمع وطالب بتشكيل لجنة خبراء لاتخاذ حزمة إجراءات لحماية البشر والاقتصاد خلال أزمة فيروس كورونا المستجد.
2ـ دعوة النائب أحمد طنطاوي، القريب من صباحي، التي وجهها لعبد الفتاح السيسي بالإفراج الفوري عن المحبوسين والمحتجزين على ذمة قضايا رأي، والسياسيين غير المتورطين في أعمال عنف، لإصدار عفو عام عن الحالات الحرجة من المرضي والمسنين.[13]
3ـ مقال الصحفي عماد الدين حسين الذي كتبه في جريدة الشروق بعنوان “الفرصة الذهبية التي ضيعها «الإخوان” فكأنما حاول “عماد” أن يحث جماعة الإخوان على التعامل بإيجابية مع ملف كورونا وعدم استغلالها في الانتقام من الدولة، وأكد في مقاله أنه طالب بالمزيد من الإفراجات عن المعتقلين السياسيين، ويمكن قراءة مقال عماد الدين حسين بوصفها رسالة للنظام من داخله لمحاولة تهدئه الصراعات الداخلية مع أطراف الأزمة داخل مصر، تحسباً لما يمكن أن يكون قادما. [14]
وقد قام الدكتور حلمي الجزار القيادي بجماعة الإخوان المسلمين بالرد على ما كتبه عماد الدين حسين بمقال بعنوان “الإخوان ومقولة الفرصة الضائعة”، حيث أكد “الجزار” أن مواجهة كورونا هي الأولوية المطلقة للعمل الوطني في الوقت الحالي، وأكد على أنه يجب تأجيل الكثير من القضايا والصراعات لحين النجاح في مقاومة هذا الوباء. واختتم “الجزار” رده بالقول: “أود أن أؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين -كما عرفتها- لن تدخر جهداً في خدمة وطنها وشعبها كما كانت طوال تاريخها، وأنها ستكون مقبلة، وبقلوب مفتوحة، وأياد ممدودة، لتضع يدها في يد كل مخلص عاقل حريص -بصدق- على مصلحة هذا الوطن وهذا الشعب”.[15]
كما جاء رد جماعة الإخوان المسلمين إيجابياً، حيث قامت بتنظيم مؤتمر بعنوان ” “التعاون والمشاركة فريضة” وطرحت فيه رؤيتها لكيفية المشاركة في مواجهة جائحة كورونا داخل مصر، وأكدت الجماعة إنه لا مجال لجعل الخلافات الفكرية أو السياسية حائلا لمواجهة الجائحة.[16] هذا من وجهة نظري يأتي في سياق إثبات الوجود للاستفادة من تلك الأزمة بعد الفترات العصيبة التي شهدتها الجماعة في علاقتها بذلك النظام.
ربما فهمت جماعة الإخوان المسلمين أن رسالة عماد الدين حسين موجهة من النظام نفسه على لسان عماد الدين حسين، وحاولت أن تستثمر الفرصة وتثبت حالة وجود مرة أخرى، ولكن بعد مؤتمر الإخوان ورد الدكتور حلمي الجزار، خرج السيسي وأعلن أن موقفه لن يتغير من الجماعة، التي ضررها سيلحق بالجميع وليس بشخصه فقط، وأعلن رفضه لمثل تلك النداءات، وأغلق هذا الباب تماما.
كان رد السيسي في خطاب أمام قادة الجيش الحاليين في منطقة الهايكستب، والذين ربما يشاركونه نفس الموقف تجاه جماعة الإخوان المسلمين. لم يقتصر الأمر فقط على جماعة الإخوان المسلمين، فالسيسي أغلق الباب أمام أي تسويات سياسية مع المعارضة بكافة توجهاتها، وأعطى رسالة واضحة بذلك بهذا الحكم، فمؤخراً وفي قرار قضائي على غير المتوقع، أدرجت محكمة الجنايات المصرية عددا من الناشطين والسياسيين المعتقلين على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بقضية “خلية الأمل”، على لائحة الإرهاب لمدة 5 سنوات، بينما كانت تتوقع المعارضة المدنية أن ينهي النظام ذلك الملف في ظل جائحة كورونا.[17]
4ـ التغريدات التي يوجهها باستمرار الدكتور حسن نافعة، المفرج عنه مؤخراً، للإفراج عن المعتقلين ربما تأتى في ذلك السياق؛ ففي إحدى رسائله للنظام كتب “نافعه”: “عناد الحكومة حول قضية المعتقلين السياسيين ليس له ما يبرره ويلحق ضررا كبيرا بصورتها في العالم، من مصلحة مصر أن تبادر هي بالإفراج عنهم لأسباب إنسانية بدلا من أن تضطر لذلك عند وقوع الكارثة”.
5ـ رسائل السياسي ممدوح حمزة المستمرة للنظام بأن عليه أن ينتهج نهجاً إعلامياً واقتصادياً مختلفاً في مواجهة أزمة كورونا.
كل هذه الرسائل قد تكون من منطلق معارضة حقيقية للنظام، من الممكن أن تتطور لاحقا إذا أصم النظام أذنيه عن الاستجابة للحد الأدنى من المطالب المتمثلة في الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين في ظل انتشار وباء الكورونا، كما فعلت العديد من دول العالم.
التطورات والمسارات المستقبلية:
من المرجح أن تشهد الأوضاع في العالم بأسره تقلبات كبيرة بسبب أزمة جائحة الكورونا، ومصر ليست بعيده عن ذلك، ولكن التأثيرات السلبية على الوضع في مصر من المتوقع أن تكون مضاعفة عن مناطق أخرى في العالم لما كانت تشهده من حالة تدهور بالفعل من قبل أزمة كورونا في كافة النواحي السياسية والاقتصادية والمجتمعية والأمنية والحقوقية.
من غير الواضح حتى الان الأبعاد والتأثيرات الصحية المتعلقة بالوباء في مصر نظرا لغياب المعلومات الدقيقة، بل وغياب منظومة الاختبارات التي يمكن أن تكشف بصورة، ولو تقريبية، حجم وانتشار الوباء، ولا يمكن التنبؤ الان بمستقبل الوضع الصحي في مصر جراء الوباء، لكن لو اتخذ الوباء نفس المنحى الذي سلكه في مناطق كثيرة حول العالم، فلا يمكن تصور حجم الكارثة التي يمكن أن تراها البلاد، في ظل الضعف الواضح في الإدارة الصحية ونقص الوعي الشعبي وارتفاع نسبة الأمية، فضلا عن حالة الإنكار وسوء الإدارة الملحوظة من النظام الحاكم، وهذا يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات واسعة عندما تتكشف الحقيقة أمام الشعب إذا اتسع نطاق الوباء.
وفي ظل استمرار هذه الجائحة وتداعياتها الاقتصادية السلبية الدولية والإقليمية والمحلية لعدة شهور، فإنه من المتوقع حدوث انهيارات اقتصادية كبيرة في مصر، تؤثر على كافة مناحي النشاط الاقتصادي، وبشكل أكثر حدة على قطاع الفقراء والطبقة المتوسطة المتآكلة أصلا، وليس مجرد انخفاض في معدلات النمو كما تدعي الحكومة في ظل حالة الإنكار الموجودة، وتوجهات منظومة السيسي في مواجهة الأزمات.
وسيفاقم من تلك الأزمة النقص المائي الحاد في ظل بدء أثيوبيا المتوقع في ملئ خزان سد النهضة الصيف المقبل مما سيترتب عليه تبوير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وما يصاحب ذلك من أثار كارثية على قطاع الزراعة والمزارعين في مصر، فضلا عن الأمن الغذائي وتوفير حاجات البلاد من أساسيات الطعام.
ومما سبق، يمكن توقع ثلاث سيناريوهات لتطور الأوضاع في مصر خلال الفترة القادمة:
السيناريو الأول:
أن يستمر السيسي مسيطرا على الأوضاع، متغلبا على كل العقبات التي تقابله، مستمرا في سياسة القمع والإقصاء والانفراد بالحكم، وهذا السيناريو يقتضي عبور أزمة الكورونا بسرعة وسلام، وتفادي تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، مع حل مشكلة سد النهضة بشكل أو بآخر والاتفاق مع إثيوبيا على فترة لا تقل عن 10 سنوات لملء الخزان.
والمراقب للأوضاع في مصر يرى أن اجتماع هذه العوامل يكاد يكون من المستحيل في ظل الأداء المتردي لنظام السيسي وانفراده بالسلطة، وتغييب كافة القوى السياسية والمجتمعية التي يمكنها أن تساعد في تخفيف حدة هذه الأزمات على أقل تقدير.
السيناريو الثاني:
أن تؤدي العوامل المذكورة مجتمعة، إلى وقوع البلاد في حالة من الفوضى الشديدة والاضطرابات التي تؤدي إلى فشل النظام، وذلك في غضون عام أو عامين من الآن، بما يستحيل معه على السيسي أن يسيطر على الأوضاع، وتقع البلاد تحت وطأة اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية، تصاحبها انقلابات عسكرية ومحاولات للسيطرة على الحكم، مع احتمالات احتراب أهلي أو عنف طائفي أو تصاعد نفوذ جماعات متطرفة مثل داعش أو غيرها للاستفادة بالأوضاع المضطربة.
وهذا السيناريو الكارثي تتنامى احتمالات حدوثه مع الوقت، إذا لم تبرز قوى سياسية أو مجتمعية نافذة تستطيع ملء الفراغ الموجود في المجتمع وقيادته إلى بر الأمان.
السيناريو الثالث،:
وهو السيناريو الذي يبدو الأكثر احتمالا في الوقت الراهن، وهو أن يستمر الفشل في أداء النظام مع تصاعد المشكلات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والمائية بما يدفع إلى بدايات حالات من الاضطراب والغضب الشعبي المصحوب بحراك كبير، لكن في هذا السيناريو، قد تتدخل سريعا قوى داخلية للاستفادة من هذه الأوضاع بالقفز على السلطة، وقد يتم دعم هذه القوى بشكل أو بآخر من قوى خارجية لتفادي وقوع البلاد في حالة من الفوضى الشاملة، مع كل ما لهذه الفوضى من تداعيات على استقرار المنطقة المضطربة أصلا، أو على تصاعد معدلات الهجرة غير الشرعية أو الميل للعنف وفتح المجال للجماعات المتشددة لاكتساب مساحات كبيرة، ويبدو أن القوى المناوئة للسيسي قد بدأت تراهن على هذا السيناريو الثالث وتتجهز له.
والتحركات التي تم رصدها يمكن أن تكون بداية لاستجماع القوى وإعداد العدة، أو مقدمات لما بعدها، وقد تكون بمثابة تحذير أخير للسيسي بإكمال ما تم الاتفاق عليه في أعقاب أحداث 20 سبتمبر 2019 وإلا سيستمر مسار العمل ضده حتى تسنح الظروف المواتية من وجهة نظرهم.
ويمكن أن يكون التغيير المتوقع في هذه الحالة على شكل استبدال حكم عسكري بحكم عسكري بشكل مختلف، عندما تشعر المؤسسة أن استمرار السيسي في الحكم سيعود بالضرر على المؤسسة ككل، وعلى تماسك البلاد بشكل عام.
وطبقا لهذا السيناريو فإنه من المحتمل أن تشهد الفترات القادمة إجراءات أخرى تعمل عليها تلك المجموعات المناوئة للسيسي، بخلاف الوثائق التي تخرج لتحرج وتضغط على النظام، وبخلاف التحركات الإعلامية والسياسية التي شهدناها الفترة الماضية، وربما تكون أزمة كورونا أو تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية هي الدافع لحراك الشارع المصري مرة أخرى، بما قد يدفع الأمور للتداعي بشكل مختلف.
خاتمة:
السيسي ما زال يفكر بعقلية الحاكم “الفرد الديكتاتور” ولا يرغب في مشاركة حقيقية أوسع لمؤسسات الدولة في الحكم والإدارة، ولن يعطي لمعارضيه فرصة للقيام بأي دور في مواجهة الأزمة الحالية أو الأزمات القادمة خارج السياسات التي يضعها، وذلك لإظهار نفسه كمسيطر على كافة الأمور. والمؤشرات خلال الفترة الماضية تشير إلى أن السيسي لن يتراجع عن سياساته في ملفات عدة على رأسها ملف الإفراج عن المعتقلين، والقيام بمصالحة مجتمعية حقيقة، أو فتح الأفق السياسي أمام معارضيه ولو قليلاً، مما قد يدفع بسيناريوهات أخرى تحول دون بقائه في السلطة لفترة طويلة.
الهامش
[1] تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد المصري، د/أحمد ذكر الله، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[2] وثيقة عسكرية تكشف مناطق وباء كورونا بمصر، عربي21، تاريخ النشر 28 مارس 2020م، تاريخ الدخول 09 أبريل 2020م، الرابط
[3] الجيش المصري يجهز مستشفى عسكريا للحجر الصحي (وثيقة)، عربي21، تاريخ النشر 28 مارس 2020م، تاريخ الدخول 09 أبريل 2020م، الرابط
[4] الجيش المصري وإسرائيل: تحولات العقيدة، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[5] عبد الله الشريف يوجه رسالة خاصة لنظام السيسي بعد اعتقال أشقائه، الرابط
[6] قراءه في فيديو تمثيل الضابط بجثة شاب في سيناء، محمود جمال، الرابط
[7] كورونا.. مشادة بين كامل الوزير ووائل الإبراشي على التلفزيون المصري، الجزيرة مباشر، تاريخ النشر 31 مارس 2020م، تاريخ الدخول 09 أبريل 2020م، الرابط
[8] صور.. مصدر بالشحن الجوي: مصر تمد الخليج وأوروبا بـ 150 طن خضار وفاكهة وسمك منذ تعليق الطيران، اليوم السابع، تاريخ النشر 08 إبريل 2020م، تاريخ الدخول 09 إبريل 2020م، الرابط
[9] السيسي يشهد استعدادات أجهزة القوات المسلحة لمجابهة انتشار كورونا، بوابة الأخبار، تاريخ النشر 07 أبريل 2020م، تاريخ الدخول 09 أبريل 2020م، الرابط
[10] القوات المسلحة تعاون أجهزة الدولة لتنفيذ كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية لمجابهة فيروس (كورونا)، موقع وزارة الدفاع المصرية، تاريخ النشر 17 مارس 2020م، تاريخ الدخول 09 أبريل 2020م، الرابط
[11] الجيش المصري: التكوين وخرائط الانتشار، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[12] تنتشر قوات التدخل السريع في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية، ويشمل تشكيل قوات التدخل السريع قوات بقوام فرقتين تتمثل فيها كافة الأسلحة العاملة في القوات المسلحة بأفرعها المختلفة: كوحدات من قوات الصاعقة، وحدات ميكانيكا متطورة ومسلحة وفق أحدث نظم القتال، وحدات مدرعة، مجموعات مضادة للدروع، وحدات دفاع جوي، وحدات مدفعية، وحدات شرطة عسكرية، وحدات استطلاع خاصة، ومجموعة من المقاتلات والمروحيات.
[13] لحمايتهم من كورونا.. حمدين صباحي يدعو السيسي للإفراج عن المعتقلين، الجزيرة نت، تاريخ النشر 05 إبريل 2020م، تاريخ الدخول 10 أبريل 2020م، الرابط
[14] الفرصة الذهبية التي ضيعها الإخوان، الشروق، تاريخ النشر 28 مارس 2020م، تاريخ الدخول 10 إبريل 2020م، الرابط
[15] الإخوان ومقولة “الفرصة الضائعة”، العربي الجديد، تاريخ النشر 02 أبريل 2020م، تاريخ الدخول 10 أبريل 2020م، الرابط
[16] إخوان مصر يطرحون رؤيتهم لمواجهة “كورونا”، الجزيرة نت، تاريخ النشر 05 إبريل 2020م، تاريخ الدخول 10 أبريل 2020م، الرابط
[17] هل أُغلق الباب بين المعارضة والسيسي بإدراج “خلية الأمل” إرهابية؟، عربي21، تاريخ النشر 18 أبريل 2020م، تاريخ الدخول 19 أبريل 2020م، الرابط
رابط المصدر: