في ذكرى شهادة الزهراء عليها السلام بضعة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم وسيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين نريد ان نتناول جانب من جوانب قيامها المبارك ضد المنقلبين على دينها ودين ابيها المصطفى صلى الله عليه واله وسلم ، وهذا الجانب هو القيادة الحقة و ضرورة الدفاع وازالة الغبار عنها وتركيز أذهان الامة نحو القيادة الحقيقية ولضرورة وجود مثل هذه القيادة وبدونها لا يأمل من الامة شيء ، بل وبدونها لا قيمة للحياة والأكثر من ذلك ينبغي ان يضحي الانسان الرسالي بنفسه دونها وحتى لو كان المضحي فاطمة الزهراء عليها بضعة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم فضلاً عن غيرها .
ونجد الاحتفال بهذه الذكرى ضعيفة لا يتناسب وحجم المناسبة وعظمة صاحبة الذكرى عليها السلام ، وهذا القصور – وقد يكون تقصيراً – يشمل جميع المسلمين سنة وشيعة ، فاهل السنة عموما مبتعدون عن احياء ذكرى اهل البيت عليهم السلام ما عدا ذكرى المولد النبوي الشريف . اما الشيعة فإما غفلة وجهلاً وتكاسلاً او لان بعضهم يرى ان اثارة ذكرى الزهراء عليها السلام هو اثارة للفتنة الطائفية كون ان المتهم في ظلم فاطمة عليها السلام هم اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبالتالي فإن هذا سيثير غبار الماضي ويثير غيظ اهل السنة .
هذا الطرح قد يكون صحيحاً وحقيقياً إذا لم تدار الأمور بشكل علمي جكيم ، واذا اخذنا بذلك فاننا امام مفترق طرق : اما ان نترك احياء ذكرى الزهراء عليها السلام بالشكل المفروض او ان يكون احياؤها بشكل تقليدي ضعيف لا يفهم منها المؤمنون شيئا ً، وبما ان ترك احياء الذكرى عند الشيعة امر مستحيل توجه غالبية الشيعة لاحياء ذكرى الزهراء عليها للسلام بشكل تقليدي لا يفهم منه الا البكاء واللطم ، اما الاستفادة العملية من هذه المناسبة فهذا غير موجود لان ذلك سيثير الفتنة وغيرها من الحجج .
عادة القشريون هم المستفيدون من ترويج فكرة اثارة الفتنة الطائفية لانهم لا يستطيعون ان يترجموا الدروس العملية لهذا القيام المبارك بل يجدون انفسهم اول المحارَبين من قبل الزهراء عليها السلام وأن قيامها المبارك سيكون عليه قبل غيره ، وعادة من يُتهَم بإثارة الفتنة هم الداعون للاستفادة العملية من الذكرى – حالها حال اي ذكرى يراد الاستفادة منها استفادة عملية – والذين يريدون ان يطبقوا ما تريده الزهراء عليها السلام على أرض الواقع ، وهم بذلك رافضين اتهام الاخرين لهم بأن احياء ذكرى الزهراء عليها السلام هو اثارة للفتنة بدليل قول الزهراء عليها السلام نفسها : (( وجعل إماماتنا نظاماً للملة وأماناً من الفرقة )) ، فالمطالبة بإمامة أهل البيت عليهم السلام هو أمان من الفرقة لا اثارة للفتنة ، فهؤلاء المتّهِمون خالفوا الزهراء عليها السلام رغم تطمين الزهراء عليها السلام لهم بذلك .
ان مطالبة الزهراء عليها السلام بإرجاع القيادة لبعلها أمير المؤمنين عليه السلام – كونه أحق الخلق بالقيادة وهو القيادة الحقيقية الوحيدة آنذاك – دعوة لمحبيها ومواليها بأن يطالبوا بالقيادة الحقيقية ولو بالتضحية ، فمن دون القيادة الحقيقية لا يمكن ان للأمة ان تنتظم وتتوحد فتنتصر في جميع المحالات . وكما أن الزهراء عليها السلام حوربت بسبب خروجها على القيادات الباطلة والزعامات المزيفة والمنحرفة وقيل فيها ما قيل من الاولين الاخرين فكذلك من سار على نهجها ومنهجها يلاقي نفس المعاناة والمواجهة من قبل المنحرفين من اتباع القيادات المنحرفة ، وهنا الانحراف ليس بالضرورة انحراف 180 درجة عن الصراط المستقيم لأن من خرجت عليهم الزهراء عليها السلام كانوا مسلمين ، لذا فالانحراف درجات وكل انحراف يجب ان يكشف مهما صغر ولكن باسلوب يتناسب معه .
وان لم تتهم الزهراء عليها السلام بالخروج عن الاسلام فقد اتهم ابنها الحسين عليه السلام ومن حاول تطبيق مبادئهما بأنهم خرجوا على امام زمانهم او شقوا عصا الوحدة . ومن يستعرض تاريخ المصلحين يجد قضية الزهراء عليها السلام حاضرة بقوة في مناهجهم وابجديات حركتهم الاصلاحية ، بينما نجد المتقاعسين او ممن ألبسوا قداسة مزيفة يحاول ان يبرر عدم الاحتفال ( المناسب ) لاستشهاد الزهراء عليها السلام بأن ذلك حفاظاً على الوحدة الاسلامية وفي الحقيقة هي حفاظاً على موقعه الذي يجب ان يتنازل عنه اذا آمن بما خرجت من اجله فاطمة عليها السلام ، بل ويشن الهجمات التسقيطية المباشرة وغير المباشرة ( منه ومن اتباعه ) ضد السائرين على خطى الزهراء عليها السلام .
ونسأل الله بحق الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها أن يرزقنا شفاعتهم في الدنيا والآخرة