تمثل القيم الاجتماعية المتعلقة بالنشاط السياسي أحد اهتمامات علم الاجتماع السياسي حيث تقوم على دراسة تأثير قيم النسق الاجتماعي في السلوك السياسي للأفراد، وبيان إثر القيم الاجتماعية كمتغير اجتماعي في السلوك السياسي كمتغير سياسي في كل مجتمع، وطبيعة هذه العلاقة كونها ترتبط بعوامل متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية..
ماهي القيم؟
على المستوى الفلسفي تتمثل القيم المثالية في (الخير والحق والجمال) فقيمة الخير تتعلق بالسلوك، وقيمة الحق تتعلق بالمعرفة، وقيمة الجمال تتعلق بالوجدان..
ومفهوم القيم الاجتماعية من الناحية الفلسفية يبحث عما ينبغي ان يكون عليه سلوك الفرد ونظرته الى الأشخاص والموضوعات والاشياء التي تثير اهتمامه فهي توفر للمرء صيغة سلوكية تعفيه من مغبة التناقض والصراع وتقوده الى العفوية، وهي حلول دائمة للمواقف التي تواجه الفرد في مسيرة حياته لأنها تبين له المسارات الصحيحة للسلوك والحياة والمفاضلات القائمة في شتى ميادين الحياة..
من منظور علم النفس عرّفت القيم بانها اهتمامات او اتجاهات معينة حول أشياء معينة او مواقف او اشخاص..
وعرّفت القيم من منظور علم الاجتماع بانها احكام مكتسبة من الظروف الاجتماعية يتشرّبها الفرد ويحكم بها لتحدد مجالات تفكيره وتؤثر في تعلمه، فالصدق والأمانة والولاء قيم يكتسبها الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه، وتختلف هذه القيم باختلاف المجتمعات بل والجماعات الصغيرة..
اما مفهوم القيم الاجتماعية من منظور علم الاجتماع السياسي فيرتبط بالعلاقة بين القيم الاجتماعية والظاهرة السياسية، أي ان القيم الاجتماعية من هذا المنظور تمثل احكاما وتوجيهات مكتسبة من الواقع الاجتماعي حول ظاهرة سياسية معينة، فالقيم الاجتماعية هنا تشمل الرغبات والتفضيلات والتوجهات حول وضع سياسي والحكم على هذا الوضع من منطلق ثقافة معينة وتوجه قيمي محدد. اما الدور الذي تشكله القيم الاجتماعية في علم الاجتماع السياسي فيكمن في طبيعة الموضوعات التي يناقشها هذا العلم، كالسلوك السياسي والثقافة السياسية والتنشئة السياسية وغيرها من الموضوعات، حيث ان كل واحدة من هذه الموضوعات تلعب فيه القيم الاجتماعية دورا بارزا ومؤثرا فهي تمثل الموجه والمحرك للسلوك السياسي، فضلا عن تأثيرها في الثقافة السياسية التي هي جزء من الثقافة الكلية للمجتمع، فكل ثقافة هي انعكاس لقيم اجتماعية معينة، وهي أيضا تلعب دورا بارزا في عملية التنشئة الاجتماعية السياسية، حيث ان عملية التنشئة تمثل عملية اكتساب لقيم ومبادئ معينة، لذلك فالقيم الاجتماعية تقع في صلب عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية..
علم الاجتماع السياسي
ضمن هذا الاطار يحاول علم الاجتماع السياسي ان يجيب على أسئلة من قبيل:
ما هو دور المجتمع في تكوين الدولة؟ كيف يمكن لسياسات الدولة أن تؤثر في البنى الاجتماعيَّة؟ ما هي العوامل الاجتماعيَّة التي تؤثر في السلوك السياسي؟ كيف تعكس المؤسسات السياسية القيم الثقافية والمعايير الاجتماعيَّة بشكل عام؟ ما هو دور الشرائح المختلفة الاجتماعيَّة في صنع القرارات السياسة وتشكيل الدولة؟ هل يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا فاعلًا في التحولات الديموقراطية؟ ماهي علاقة الطبقات الاجتماعيَّة بالمؤسسة السياسية؟ ماهو دور وتأثير وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على الحقل السياسي في المجتمع؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تشكل الهاجس المعرفي لعلم الاجتماع السياسي. والسلوك السياسي هو احد اهتمامات علم النفس السياسي كونه يتعلق بدراسة التأثيرات الشخصية وافعالها وتصرفاتها سواء على مستوى النخب والقيادات السياسية او على مستوى المجتمع وطريقة تعاطيهم وتعاملهم ونظرتهم للقضايا ذات الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على المستويين الداخلي والخارجي..
ويبحث السلوك السياسي سواء على مستوى النخب السياسية او على مستوى المجتمع في ظواهر متعددة سواء على صعيد الاعلام والاتصال الجماهيري فضلا عن موضوع القيادة واتخاذ القرار على المستويين الداخلي والخارجي والقدرة على إدارة الازمات التي تواجه صانع القرار وكيفية إيجاد الحلول المناسبة له، اذ يبرز في كل مفصل من هذه المفاصل السلوك السياسي للشخصية السياسية او للجهة السياسية المعنية سواء اكانت رسمية كالحكومة والمجلس النيابي او غير رسمية ترتبط بالأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني..
والسلوك السياسي يُعد نمطاً مهماً من أنماط السلوك الاجتماعي، والذي يخضع إلى شروطه ومواصفاته وأحكامه و قوانينه المتعلقة بحكم القيادة وتنظيم وتنسيق المجتمع بغية تحقيق أهدافه و إشباع طموحات وتطلعات أفراده والتي يجب أن تنسجم مع طبيعة النظام الاجتماعي والتي تحاول القيادة السياسية تعزيزه والحفاظ على نهجه من الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية وفي الوقت نفسه تعمل جاهدة على ترسيخه وتنميته وتطويره خدمة لأهداف المجتمع التكتيكية والإستراتيجية.
والسلوك السياسي ذلك النشاط والفعالية التي يمارسها فرد أو مجموعة أفراد يشغلون أدواراً سياسية معينة يستطيعون بواسطتها تنظيم الحياة السياسية في المجتمع وتحديد مراكز القوى فيه وتنظيم العلاقات السياسية بين القيادة والجماهير.
تهدف الدراسات متعددة التخصصات في علم الأحياء والعلوم السياسية إلى تعريف العوامل المشتركة بين السلوك السياسي والنواحي البيولوجية؛ في سبيل فهم السلوك السياسي فهمًا علميًا.
الموضوعات التي يتناولها مجال العلوم السياسية من خلال وجهات النظر هذه تشمل: اتجاهات الرأي العام والعدالة الجنائية، والإيديولوجيات السياسية، (على سبيل المثال عوامل ارتباط علم الأحياء والتوجه السياسي)، وسلوكيات التصويت، والحرب.
فعلى سبيل المثال، الصلة بين علم الأحياء والتوجه السياسي، وتهدف أيضًا إلى دراسة عوامل أخرى مثل الشراكة وسلوك التصويت. ويطلق على مجال الدراسة هذا أحيانًا اسم العلوم السياسية الأحيائية، او السياسة الحيوية.
ماهو السلوك؟
يعرف السلوك الإنساني بانه الاستجابات الحركية والغدية، أي الاستجابات الصادرة عن عضلات الكائن الحي او عن الغدد الموجودة في جسمه او الأفعال والحركات العضلية او الغدية..
او هو كل ما يصدر عن الفرد من استجابات حركية وعقلية واجتماعية عندما تواجهه اية منبهات.. وهو أيضا مجموعة التصرفات والتعبيرات الخارجية التي يسعى عن طريقها الفرد لان يحقق التأقلم والتوافق بين مقومات وجوده ومقتضيات الإطار الاجتماعي الذي يعيش بداخله..
ويعرفه أستاذ علم النفس الفرنسي الان بياجيه بانه كل رد فعل فسيولوجي او نفسي يتألف او يدخل ضمن التبادل بين البنية والوسط من حيث تأثير وتعديل البنية للوسط والوسط للبنية كما في الاندماج والمواءمة والتكيف..
يمتاز السلوك الإنساني بعدة خصائص منها:
– انه سلوك مسبب حيث يتحرك السلوك الإنساني نتيجة لتأثير العوامل الخارجية المحيطة بالفرد
– انه سلوك موجه نحو هدف
– يتضمن السلوك الإنساني مبدأ الدافعية
– انه سلوك متغير او تطوري من المستوى البايولوجي الى المستوى السيكولوجي
– انه محصلة لتفاعل المقومات الوراثية مع المؤثرات البيئية..
يتميز السلوك الإنساني بانه ليس نوعا واحدا فهو على أنواع متعددة يمكن تناولها بالشكل التالي:
– من ناحية العدد، هناك سلوك فردي وسلوك جماعي
– من ناحية الثبات والتغير، هناك سلوك غريزي او موروث وسلوك مكتسب
– هناك سلوك عقلاني وسلوك انفعالي
– هناك سلوك عادي وسلوك شاذ
– من ناحية الإرادة، هناك سلوك اختياري وسلوك اضطراري
– من ناحية الوضوح، هناك سلوك ظاهر وسلوك مستتر
– من ناحية التكيف مع المجتمع، هناك سلوك انعزالي وسلوك اجتماعي..
هناك عدة عوامل مؤثرة في السلوك الإنساني هي:
– الفرد نفسه، كيانه البايولوجي واعضاءه
– الوراثة وأثرها في الفرد والسلوك
– القدرات العقلية للفرد وأثرها في سلوكه
– الجماعات وأثرها في سلوك الفرد
– الثقافة وأثرها في سلوك الفرد..
والسلوك السياسي هو نتاج مجموعة من القيم الانسانية الاخلاقية والثقافية المتأصلة في المجتمع والمتراكمة عن تجربة الشعب عبر التاريخ. فكلما زاد الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي تراكمت القيم الاخلاقية لدى المجتمع، مما تخلق تلك النتاجات انماط وظواهر سلوكية محكومة بتلك القوانين الاخلاقية التي تؤُمن بالسلوك السياسي السليم.
المؤثرات والمصادر
تحاول نظريات السلوك السياسي باعتبارها أحد جوانب العلوم السياسية قياس وتفسير المؤثرات التي تحدد الآراء السياسية للشخص والإيديولوجيا ومستويات المشاركة السياسية. ومن العلماء الذين أسهموا في هذا المجال كارل داتش (عالم اجتماع واستاذ جامعة وعالم سياسة من تشيكوسلوفاكيا وأمريكا) وتيودور أدورنو (فيلسوف وعالم اجتماع وعالم نفس، اشتهر بنظريَّاته النقدية الاجتماعية).
هناك ثلاثة مصادر أساسية للمؤثرات التي تشكل التوجه السياسي الذي يحدث آثارًا طويلة المدى. ينشأ المؤثر الأساسي عمومًا من الأسرة. يعتنق الأطفال غالبًا القيم الأيديولوجية التي يؤمن بها آباؤهم. ويقول بعض المنظرين إن الأسرة هي القوة الأشد والأكثر تأثيرًا على مدار الحياة، وهناك مقالة نسبت غالبية النشاط الطلابي في فترة الثلاثينيات إلى الآباء.
ثانيًا يؤثر المدرسون وغيرهم من رموز السلطة التعليمية تأثيرًا كبيرًا على التوجه السياسي للطلاب. فمن سن الرابعة وحتى الثامنة عشرة، يقضي الأطفال ما يقرب من 25% من وقتهم منخرطين في العملية التعليمية. التعليم العالي يرفع بدرجة كبيرة تأثير الوعي السياسي والتوجهات السياسية؛ ففي دراسة أجريت عام 2004 على 1,202 طالب في المرحلة الجامعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة تبين أن 87% من الطلاب الجامعيين مسجلون للتصويت في الانتخابات، مقارنةً بمتوسط وطني يبلغ 64% من الأمريكيين البالغين. كما بينت دراسة أيضًا أجريت في جامعة سانتا كلارا أن 84% من طلاب الجامعة مسجلين في سجلات التصويت. ولنضع في اعتبارنا أيضًا أن مرحلتي الطفولة والبلوغ في نمو الشخص تتميزان بأعلى مستويات التأثر.
ثالثًا، يؤثر الأقران أيضًا على التوجه السياسي. فيتميز الأصدقاء غالبًا، ولكن ليس بالضرورة، أنهم من جيل واحد، بحيث يطورون جميعًا مجموعة فريدة من المشكلات الاجتماعية، إن التنشئة الاجتماعية هي العملية التي يكتسب الأشخاص من خلالها المعرفة والعادات والتوجهات القيمية التي تفيد في المستقبل. فالقدرة على الارتباط بهذا المستوى العام هو السبيل لتشكيل النمو الأيديولوجي.
اهتم بعض العلماء السياسيين مؤخرًا بالعديد من الدراسات التي تهدف إلى تحليل العلاقة بين سلوك الجماعات الاجتماعية والنتائج السياسية، فبعض الجماعات الاجتماعية التي شملتها الدراسات كانت جماعات ديموغرافية حسب العمر والجنس والمجموعات العرقية.
فعلى سبيل المثال، في سياسة الولايات المتحدة، تؤثر الجماعات العرقية والجنس على النتائج السياسية تأثيرًا كبيرًا.
الأمريكيون من أصل لاتيني يتميزون بتأثير اجتماعي كبير على النتائج السياسية لتصويتهم ويبرزون كقوة سياسية صاعدة وقوية. وكانت أكبر زيادة ملحوظة في تصويت الأمريكيين من الأصل اللاتيني في الانتخابات الرئاسية عام 2000، رغم أن الأصوات لم تشارك الرأي السياسي العام الاجتماعي في ذلك الوقت. في انتخابات 2006، ساعد تصويت الأمريكيين من أصل لاتيني مساعدة هائلة في انتخاب سيناتور فلوريدا ميل مارتينز، رغم أنه في الانتخابات الرئاسية 2004، أعطى ما يقرب من 44% من الأمريكيين من أصل لاتيني أصواتهم للرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش. فلقد بدا أن الأمريكيين من أصل لاتيني يظهرون اتجاهًا متزايدًا نحو المسائل التي يصوتون لصالحها مما جعلهم أكثر تماسكًا عند مواجهتهم بالآراء السياسية. وتستحوذ مسألة الهجرة غير الشرعية حاليًا على أكبر نسبة اهتمام ويهتم الأمريكيون من أصل لاتيني بالتعليم والتوظيف وترحيل المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، رغم عدم اجتماعهم على تلك المسائل.
اكتسبت المرأة حق التصويت على مدار العقود السبعة الماضية، ومنذ ذلك الحين أصبحت المرأة تشكل فارقًا في نتائج الانتخابات السياسية. مع التسليم بأن حق ممارسة النشاط السياسي قد منح المرأة الفرصة لتعميق معرفتها وتأثيرها في الشئون الحالية، وتعتبر المرأة الآن أحد المكونات الأساسية في صناعة القرار في البلاد في كل من السياسة والاقتصاد.
وفقًا لـ جمعية العلوم السياسية الأمريكية، حسم تصويت المرأة في الانتخابات الرئاسية عام 2004 نتيجة العرق. سوزان كارول، مؤلفة كتاب الأصوات الانتخابية النسائية وفجوة الجنس، ذكرت أن زيادة تأثير المرأة على السلوكيات السياسية يرجع إلى فئات أربع رئيسية: زيادة عدد المصوتين من النساء عن الرجال، والجهود الحثيثة المبذولة لزيادة التسجيل بين النساء، ولقد تجلت الفجوة الجنسية في انتخابات عام 2004 مثلما كانت في كل انتخابات رئاسية منذ 1980، وتشكل المرأة نسبة كبيرة غير متناسبة في المصوتين المذبذبين الذين يتخذون قرارهم في نهاية الحملة.
المجتمع والدولة
يعد علم الاجتماع السياسي من أهم فروع العلوم الاجتماعيَّة، ويهتم بالعلاقة الجدلية بين المجتمع والدولة.
وتكمن أهمية هذا العلم بتسليط الضوء على الجانب المجتمعي لهذه العلاقة الجدلية. لعل القول المأثور: (مثلما تكونوا يولّى عليكم)، يبين الدور الكبير الذي يلعبه المجتمع والثقافة العامة في بناء السلطة السياسة.
فالسياسة تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل المجتمعات والثقافات والقيم والمعتقدات. وفي الوقت نفسه، يؤثر المجتمع بشكل كبير في السياسة وصنع قراراتها. توجد علاقة وثيقة بين السلوك السياسي والسلوك الاجتماعي بشكل عام. إذا كانت ثقافة مجتمع ما، تهتم بقضايا كالمساواة الاجتماعيَّة ستنعكس هذه الهواجس في السياسة أيضاً. وفي المقابل، كل ما كثرت النعرات والصراعات الطائفية والقبلية في المجتمع، كلما انعكس ذلك سلباً على المؤسسة السياسية.
لا يمكن الفصل بين الممارسات الاجتماعيَّة والممارسات السياسية. وهذا ما يدعونا إليه علم الاجتماع السياسي. يهتم هذا الفرع من العلوم الاجتماعيَّة الحديثة بدراسة دور المجتمع المدني في التغييرات السياسية ويسلط الضوء على الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، الأحزاب الشرائح الاجتماعيَّة كـ: النساء، والشباب، والطبقات الاجتماعيَّة، بما فيها الطبقة الوسطى في التحولات الديموقراطية والتنمية السياسية. يكشف لنا علم الاجتماع السياسي الجذور المجتمعية للديموقراطية، أو نقيضها الدكتاتورية. الواقع السياسي مرآة للواقع الاجتماعي في المجتمع. لا يمكن الحديث عن التنمية السياسية دون السعي إلى تحقيق التنمية الاجتماعيَّة. خلق الأرضية المناسبة للمبادرات المجتمعية في شتى المجالات، من شأنه تعزيز المشاركة والمسؤولية الاجتماعيَّة لدى المواطنين ويمكن اعتباره خطوة أساسية في مسير التنمية الشاملة.
الثقافة السياسية
يتأثر أي نظام سياسي بالبيئة المحيطة به. وبدورها تلعب الثقافة السياسية جزءاً مهماً في تحديد طبيعة هذه البيئة عبر المدخلات النابعة من البيئة، وعبر توقعات الأفراد والجماعات المكونة للمجتمع من النظام السياسي، والمطالب التي يضعونها على كاهل هذا النظام.
الثقافة السياسية هي مجموعة القيم والمعايير السلوكية المتعلقة بالأفراد في علاقاتهم مع السلطة السياسية. والثقافة السياسية هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع. ويقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة. وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
وعرف غابريل الموند (عالم سياسة أمريكي عُرف بعمله حول السياسة المقارنة والثقافة السياسية) الثقافة السياسيَّة: بأنها مجموعة من المواقف والمعتقدات والمشاعر التي تدور حول السياسة الجارية في دولة ما وفي فترة زمنيّة معينة، وفي تعريف مشترك له مع سيدني فيربا استاذ جامعة وعالم سياسة من امريكي: بأنها التوجهات السياسيّة ازاء النظام السياسي وأجزائه المختلفة، وتشير ايضا إلى الاتجاهات ازاء الدور الذي يقوم به الافراد في النظام السياسي. أما اريك رو فإنه يتحدث عن: نمط القيم والمعتقدات والاتجاهات العاطفيّة الفردية، وهو يرى أن الثقافة السياسيّة تتكون من مجموعة معارف ومعتقدات تسمح للأفراد بإعطاء معنى لتجربتهم الروتينيّة في علاقتها مع السلطة التي تحكمهم.
او (أن الثقافة السياسية ليست هي كل ثقافة المجتمع وإنما هي الجانب السياسي من ثقافة المجتمع). او (إنها التاريخ الجمعي للنظام السياسي ولتاريخ حياة الأفراد الذين يكونونه).
ويرى (موريس ديفرجيه ) بأن الثقافة السياسية هي جزء من الثقافة السائدة في مجتمع معين غير إنها بمجموع عناصرها تكون تركيبا منظما ينضوي على طبيعة سياسية. وفي قاموس (أكسفورد) نجد تعريف الثقافة السياسية أنها الاتجاهات والقيم التي تتصل بعمل نظام سياسي محدد، وتعد بمثابة معرفه متضمنة، ومهارات مكتسبة عن عمل هذا النظام، كما تتضمن اتجاهات ايجابية أو سلبية نحوه، وأيضاً أحكاماً تقييمية بشأنه.
فيما يتحدث الدكتور صادق الأسود في كتابه (علم الاجتماع السياسي) عن مستويين للثقافة السياسية الاول: مستوى الأفراد حيث يرى أن جوهر الثقافة السياسيّة هو الجانب النفسي، كيف يشعر الفرد؟، وكيف يفكر بالقواعد والمؤسسات والرموز التي تكون النظام السياسي؟، وكيف يستجيب لها؟، أي كيف تؤثر في سلوكه؟.
أما المستوى الثاني فهو مستوى النظام السياسي والعناصر التي يتكون منها وموقف الجماهير منه.
للثقافة السياسية أهمية بارزة في تكوين وتشكيل شخصيه الفرد وتحديد الاتجاهات والميول، فهي تشكل إطاراً بأنماط السلوك السياسي المختلفة. وبما أن الثقافة السياسية هي الجانب السياسي من الثقافة العامة السائدة في المجتمع وتُشكِلها مجموعة القيم والمعايير والمعتقدات والتوجهات نحو الرموز التي تحكم السلوك السياسي لأفراد المجتمع تجاه السلطة، لذا فان الثقافة السياسية وإن كانت صنيعة النظام السياسي إلا إنها تأخذ بنظر الاعتبار قيم ومعتقدات المجتمع وتعمل على تحويلها وقولبتها بشكل تدريجي وبطيء نسبياً لتتوافق وتوجهات النظام، ولهذا فإن الثقافة السياسية لأفراد المجتمع تتضمن ثلاثة أنساق تشكل كلاً مركباً في التوجه نحو السلطة والمجتمع على حد سواء فهي في الوقت الذي تكوّن فيه توجهات نحو النظام السياسي فإنها توجهات نحو الآخرين وتوجهات نحو النشاط السياسي الذي يمارسه الفرد نفسه، وتلعب الثقافة دورا كبيرا في تدعيم الاتجاهات المختلفة، إذ تدعم الآراء الموجودة بين الجمهور أكثر مما يحتمل أن تغير تلك الآراء، وحدوث التغيير البسيط في الاتجاهات يبدو أكثر من احتمال حدوث التحول في الرأي.
وتعد الثقافة السياسية إحدى الأدوات السياسية في بناء المجتمع السياسي الذي أساسه اتفاق أبناء المجتمع على شكل العملية السياسية بالتزام النخبة الحاكمة بعدم تجاوزها لحدود السلطة السياسية الشرعية، مع التزام أفراد المجتمع بالمقابل بقرارات هذه السلطة لتحقيق أهداف عامة تتجاوز المصالح الفرعية للقاعدة الاجتماعية التعددية، إذ إن هذه العملية تقود الى ترسيخ قواعد للعمل السياسي متفق عليها مسبقاً ومقبولة من قبل الحكام والمحكومين على حد سواء، وتعمل الثقافة السياسية أيضاً على ضرورة اتساع مدركات الأفراد خارج إطار الولاء الضيق للثقافات الفرعية والاهتمام بالنظام السياسي والدولة والهوية الوطنية أولاً وبالتالي تحقيق الاندماج الوطني.
ويبرز دور الثقافة السياسية بشكل واضح وخطير في ظل وجود مشكلة سياسية او غيرها مؤثرة على الأفراد، وهي تحرك أفراد المجتمع سياسياً تجاه هذه القضية. وعليه فأن محرك الاتجاه السياسي ضروري للغاية، وذلك بهدف التعرف على المؤثرات الأيديولوجيا والنفسية التاريخية التي تدخل في تشكيل وصياغة القرارات السياسية الداخلية والخارجية، وخصوصا حين يكون لذلك القرار تأثير شامل يتجاوز الإطار الجغرافي لها، وهو ما دفع الكثير من الدول والحكومات في مختلف أنحاء العالم لبناء المؤسسات الأكاديمية والاستخباراتية التخصصية في تحليل الثقافات السياسية للدول والشعوب، لما لذلك من أهمية بالغه في معرفه شخصية تلك الدولة من جهة، وبناء وإدارة العلاقات الخارجية بينها، وفهم هيكليه بناء القرار السياسي لسياستها الخارجية من جهة أخرى.
وتبرز الثقافة السياسية على الصعيد الداخلي للمواطنين خلال ممارسة الدور السياسي لهم وهو من خلال الانتخابات في النظم السياسية الديمقراطية، إذ سيكونون أمام ثقافة سياسية تشاركية وليس انعزالية.
الفرد والسلوك السياسي
هناك ارتباط بين شخصية الفرد ومدى احتمال أن يسلك سلوكا سياسيا وهذه العلاقة تتمثل في الحالات الآتية:
1 – الأفراد الذين يتصفون بأن نقطة التحكم لديهم خارجية: وهؤلاء الأفراد يرجعون أسباب ما يحدث لهم على أنه خارج عن إرادتهم وهو بفعل عوامل خارجية لا يستطيعون التحكم فيها. وهؤلاء أقل احتمالا أن يسلكوا سلوكاً سياسياً
2- الأفراد الذين يتصفون بأن نقطة التحكم لديهم داخلية: وهؤلاء الأفراد يرجعون أسباب ما يحدث لهم على أنه في نطاق إرادتهم وهو بفعل عوامل داخلية يستطيعون بأنفسهم التحكم فيها. وهؤلاء أكثر احتمالا أن يسلكوا سلوكاً سياسياً
3 – الأفراد الذين لديهم الحاجة للقوة: وهم الأفراد الذين تتملكهم الرغبة في أن يستحوذوا على أكبر قدر من القوة في المنظمة. وهؤلاء الأفراد أكثر احتمالا لأن يسلكوا سلوكا سياسيا.
4-. أتباع الأسلوب الميكافيلي: هؤلاء الأفراد الذين يتبعون هذا الأسلوب يؤمنون بأن الحاجة تبرر الوسيلة. كذلك يتبع هؤلاء الأفراد أي وسيلة سواء كانت أخلاقية أو غير أخلاقية لتحقيق حاجاتهم.
وأخيرا، يمكن القول إن العلاقة بين المجتمع والسلطة السياسية هي علاقة تأثير وتأثر من كلا الجانبين فلا يمكن فهم التغيير السياسي أو الاجتماعي بشكل كامل إلا من خلال تفاعل المجتمع والدولة معاً.
المصدر :https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/37415