في أول أيامه في المنصب، أرسل رئيس الوزراء العراقي الجديد، مصطفى الكاظمي، رسائل عدة قد تكون عند البعض علامات تفاؤل، وعند آخرين مدعاة للقلق، لكن سرعته في التعامل مع بعض الملفات الضاغطة، قد يوحي بقدرته على الحسم وتعويض مرحلة من هشاشة الحكم ميَّزت فترة ولاية عادل عبد المهدي القصيرة والمضطربة.
الكاظمي هو جزء من النظام السياسي الذي أسسته الولايات المتحدة بعد غزو العراق عام 2003، لكنه لم يكن طرفًا في أي كيان سياسي، والأهم أنه أول رئيس وزراء في العراق خلال هذه الفترة لا ينتمي للإسلام السياسي الشيعي، باستثناء فترة ولاية إياد علاوي التي لم تستمر أكثر من ستة أشهر وكانت مجرد مرحلة انتقالية بعد تسليم السلطة من الحاكم الأميركي، بول برايمر، في صيف عام 2004.
هذا المتغير له دلالاته التي لا يمكن إغفالها في عملية تقييم المرحلة المقبلة في العراق، فوجوده إلى جانب رئيس جمهورية كردي ورئيس برلمان سُني، لا ينتميان بدروهما للإسلام السياسي، ولكل منهما جذور وخلفيات متباينة، قد يقدم تصورًا لطبيعة التفاهم المحتمل في التعاطي مع قضايا العراق الشائكة، وعلاقة هذه الرئاسات بالقوى الحزبية الضاغطة التي طالما شكَّلت أساس الدولة العميقة المهيمنة على القرار والنفوذ، وكذلك مع ظاهرة القوى المسلحة التي بدأت تعلن انتماءها لما يسمى (المقاومة الإسلامية) التي تمتد عبر الإقليم، وترتبط بشكل عضوي بهيمنة إيرانية علنية ومباشرة.
بين الصحافة والمخابرات والحكم
عمل الكاظمي قبل توليه منصبه الجديد، رئيسًا لجهاز المخابرات في العراق منذ عام 2016 بقرار من رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، لكنه في الأصل ليس جزءًا من مجتمع المخابرات، فقد عمل صحفيًّا منذ غادر العراق في عام 1985 ليتنقل بين عدة دول أوروبية قبل أن يستقر في لندن، وانخرط في أنشطة المعارضة العراقية آنذاك، وعمل بشكل خاص مديرًا تنفيذيًّا لما يسمى (مؤسسة الذاكرة العراقية) التي أسسها كنعان مكية في الولايات المتحدة، وكان الأخير من بين أهم منظِّري المعارضة والمؤيدين لقيام الولايات المتحدة بغزو العراق لإسقاط النظام الحاكم.
يؤشر عمل الكاظمي كصحفي وكاتب عمود، على أنه يتوفر على قدر واضح من البراغماتية، وربما كانت هذه الصفة هي ما أملت عليه أن يكون متحفظًا في تقييم رؤية القوى السياسية المعارضة، وقرارها بالتقسيم الطائفي والعِرقي للسلطة (المستقبلية) في العراق منذ مؤتمر لندن الذي عُقد في نهاية عام 2002، قبل الغزو بأسابيع. وبدلًا من ذلك، انشغل الكاظمي خلال سنوات ما بعد الغزو، بالعمل كصحفي وناشط في مجال أرشفة الوثائق العراقية ضمن إدارته لمؤسسة الذاكرة العراقية، بحثًا عمَّا يدين نظام الرئيس الراحل، صدام حسين، وعمل لفترة رئيسًا لتحرير مجلة كان يملكها الرئيس الحالي، برهم صالح، وهو ما يفسر العلاقة الخاصة بين الرجلين، وحماسة صالح لترشيح رفيقه القديم لرئاسة الحكومة.
ولأنه لم يتولَّ منصبًا حكوميًّا خارج جهاز المخابرات، ولأنه أيضا ليس جزءًا من الكيانات الحزبية التي سيطرت على منافذ القوة والثروة، فإن الكاظمي من الشخصيات القليلة التي لم تُتهم بملفات فساد أو سوء إدارة، فضلًا عن أن الطابع المتكتم لعمل المخابرات، لا يوفر معلومات يمكن أن تطعن في قدراته القيادية، لكن أبرز تحد واجهه، كان اتهام (كتائب حزب الله) العلني له بالتورط في القصف الأميركي الذي تسبب بمقتل الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، والنائب السابق للحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في بغداد مطلع العام الحالي(1).
ظهر هذا الاتهام العلني مع بدء تداول اسم الكاظمي ضمن عدة خيارات لتولي رئاسة الحكومة، إلا أن هذه الاتهامات تراجعت فجأة، بعدما التقى الكاظمي مع أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، خلال زيارة الأخير لبغداد في مارس/آذار الماضي (2020)، واعتُبرت تلك المقابلة تمهيدًا مباشرًا لقبول طهران والقوى السياسية والمسلحة القريبة منها في بغداد بالكاظمي كمرشح محتمل في تلك الفترة لخلافة عبد المهدي المستقيل(2).
مرشح الاضطرار
قبل الكاظمي فشل مرشحان في الحصول على إجماع سياسي لقبول شغلهما رئاسة الحكومة، هما: الوزير السابق، محمد توفيق علاوي، ومحافظ النجف السابق والنائب الحالي في البرلمان، عدنان الزرفي، لكن جهودًا سياسية دفعت بالكاظمي إلى الواجهة، ووفرت له غالبية مريحة، عززتها أيضًا عناصر محلية وخارجية.
حسب العُرف السياسي الذي استقر في العراق بعد عام 2003، يكون منصب رئيس الوزراء حقًّا حصريًّا لشخصية شيعية، ترشحها القوى الشيعية الممثلة في البرلمان، قبل أن تحظى بموافقة بقية المكونات السياسية، وقد تعرَّض هذا النهج، إلى خلل جسيم منذ انتخابات عام 2018، حيث جاء اختيار عادل عبد المهدي أيضًا تحت الاضطرار، ثم تفاقمت الحالة بعد استقالة الأخير في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (2019) تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية؛ حيث فشلت القوى السياسية الشيعية في اختيار بديل، وأظهرت قدرًا واسعًا من الانقسام والخلافات، لاسيما بعد اغتيال سليماني والمهندس وما تسبب به ذلك من اهتزاز واضح للدور الإيراني في العراق.
وقد زاد في انقسام القوى السياسية الشيعية، استمرار الاحتجاجات الشعبية، ورفضها لأي مرشح من داخل الكيانات الحزبية، وهو ما استند اليه الرئيس، برهم صالح، في رفض شخصيات رشحتها هذه القوى عارضًا استقالته بدلًا من قبول تكليف أي من هؤلاء(3). وبطبيعة الحال، فقد ترافق هذا الفشل المتكرر مع تطورات محلية ودولية، من أبرزها: تفشي وباء كورونا، وانهيار أسعار النفط، وعدم إقرار موازنة عام 2020، واستئناف تنظيم الدولة أنشطته المسلحة في مناطق عدة، إلى جانب تراجع واضح في العلاقات مع الولايات المتحدة، واضطراب الساحة الداخلية، وزيادة نفوذ الميليشيات المسلحة على القرار السياسي، وبطبيعة الحال مع محدودية صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، بل وقيام رئيسها، عادل عبد المهدي، بمنح نفسه إجازة أسماها: (غياب طوعي) تاركًا لوزير النفط تسيير أمور البلاد.
في غمرة هذا الاضطراب، وجدت القوى الشيعية نفسها أمام طريق مسدود ليس وراءه غير انهيار شامل للعملية السياسية. وبدا أن استمرار الفشل في اختيار مرشح مقبول من قبل القوى السياسية وكذلك من الشارع، يهدد بشكل جدي قدرة الدولة على تجنب الفشل في إدارة البلاد، بل دخل العراق مرحلة شك حقيقية مع خواء الميزانية، وظهور علامات على الاقتراب من عدم القدرة على تسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين، وهو ما جعل من القبول بالكاظمي حلًّا وسطًا يحظى بتأييد رئيس الجمهورية، ولا ترفضه القوى السنية والكردية، ولا يرفضه الشارع كذلك، رغم الشكوك الشعبية بالقوى السياسية التي رشحته أو التي وافقت عليه.
العامل الخارجي في اختيار الكاظمي
طوال الحكومات السابقة منذ 2003، أسهم التفاهم الأميركي/الإيراني في تسهيل مهمة تشكيل الحكومات المتعاقبة وتلافي الخلافات السياسية وحتى الدستورية، كما حصل في انتخابات العام 2010، لكن تردي العلاقة بين واشنطن وطهران منذ تولي الرئيس، دونالد ترامب، مقاليد البيت الأبيض مطلع عام 2017، أوقف هذا التفاهم، وظهرت آثار ذلك واضحة على نتائج انتخابات مايو/أيار 2018، التي جاءت غير حاسمة، وشهدت من جديد خلافات حول مفهوم (الكتلة الأكبر) المؤهَّلة لتشكيل لحكومة، فضلًا عن الاتهامات الجدية بوقوع عمليات تزوير واسعة النطاق خلالها.
استمرت الخلافات السياسية خمسة أشهر، قبل أن يجري اختيار عادل عبد المهدي لتولي رئاسة الحكومة، رغم أن الأخير كان قد انسحب من العمل السياسي ولم يشارك أصلًا في الانتخابات. واجه الساسة العراقيون في تلك الفترة تجربة غير مسبوقة منذ 2003، تتمثل في استقطاب حاد بين قوى تدعمها واشنطن وأخرى تدعمها طهران، وهو ما جرى حله أخيرًا باختيار عبد المهدي ذي المرجعية الإسلامية القريبة من إيران، وفي نفس الوقت ذي الثقافة الغربية التي يمكن أن تقنع الولايات المتحدة بأنه لن يكون منحازًا بشكل سافر لطهران.
ويبدو أن المشكلة ذاتها تكررت بعد استقالة عبد المهدي، فالصراع الأميركي-الإيراني الذي ازداد حدة لاسيما بعد اغتيال سليماني والمهندس، تسبب بعدم يقين لدى النخب السياسية العراقية في طبيعة خياراتها، فالقوى الشيعية الأساسية ولاسيما التي لديها قوى مسلحة فاعلة، لم تشأ أن تقدم تنازلات ترضي بها شركاء الداخل أو الولايات المتحدة، على اعتبار أن هذا هو حقها الحصري، لكنها فوجئت بعد مماطلات طويلة، بأنها مجبرة على تقديم شخصية وسطية مقنعة للأطراف الداخلية كما لواشنطن وطهران، فجاء اختيار الكاظمي في نهاية المطاف.
تحديات معقدة أمام الحكومة الجديدة
كما حصل مع حكومة عبد المهدي، اكتفى البرلمان بتمرير نحو ثلثي حكومة الكاظمي فقط، في حين بقيت سبع وزارات شاغرة من أبرزها الخارجية والنفط، ومن المتوقع أن تجري الكثير من المساومات والمفاوضات قبل إكمال الكابينة الحكومية، لكن ذلك على أهميته، ليس أبرز ما يواجه الحكومة الجديدة، فهناك أولويات أكثر خطورة، من أبرزها أربعة رئيسة:
- انهيار الاقتصاد مع هبوط أسعار النفط، مع عجز ضخم في الموازنة المتوقعة، وفرص قوية -نظريًّا- لفشل الدولة في تأمين الرواتب والأجور، ناهيك عن توفير ميزانية تشغيلية لمؤسسات الدولة، أو بالطبع ميزانية استثمارية لتعزيز الاقتصاد. ويرتبط بذلك طبعًا، فساد إداري ومالي واسع تعترف به السلطات الحكومية وتقدر قيمته بنحو 300 مليار دولار، فيما تقدره المصادر غير الرسمية بنحو 800 مليار دولار منذ عام 2004(4).
- تحديات الثقة المفقودة تقريبًا بين النظام السياسي وجزء مهم من الطبقات الاجتماعية العراقية. وقد كان هذا العامل من أبرز محركات الاحتجاجات التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي (2019). يتهم المحتجون النظام السياسي، بالطائفية والفساد، وسوء الإدارة، وتقسيم المجتمع والتبعية للخارج والتفريط بسيادة الدولة، وقد تجاوز المحتجون المطالب الإصلاحية، إلى تغيير كامل النظام السياسي بما في ذلك الدستور، ويعمِّق هذا التحدي، حقيقة أن هذه المطالب تمركزت في البيئة الشيعية التي طالما مثَّلت أساس شرعية النظام السياسي، أو أحزاب الإسلام السياسي الشيعي المهيمنة عليه على الأقل.
- تهديد أمني مزدوج، فمن جانب، استأنف تنظيم الدولة نشاطه القوي في مناطق شمال وشمال شرقي بغداد، بعد أكثر من عامين على الإعلان الرسمي عن هزيمته، وقام خلال الأسابيع الماضية بعمليات تسببت بمقتل عشرات من رجال الأمن والحشد الشعبي والعشائري. يقابل هذا التطور، استفحال ظاهرة القوى المسلحة الشيعية العاملة ضمن غطاء الحشد الشعبي وتمويله، لكن بسياسات ومواقف خاصة بها، ومن أبرز هذه القوى: (كتائب حزب الله، وحركة النجباء، وعصائب أهل الحق وغيرها)، وهي تعتبر نفسها جزءًا من حركة (المقاومة الإسلامية) التي تنتشر عبر الإقليم بدعم وتوجيه إيرانيين، على غرار حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، إلى جانب العديد من الميليشيات العاملة في سوريا. وخلال ولاية عبد المهدي، استفحلت ظاهرة هذه الميليشيات، وأصبحت خارج سيطرة الدولة أو القيادات العسكرية الرسمية.
- أخيرًا، يبرز الصراع الأميركي-الإيراني كتحد جوهري، فشلت حكومة عبد المهدي في استيعابه، وسيكون على الكاظمي أن يتعامل معه كأولوية سياسية لمنع الطرفين من استخدام العراق كساحة للصراع. حصل ذلك فعليًّا في ربيع العام 2017. ويشمل ذلك بطبيعة الحال، الجانب السياسي كما الأمني، حيث عزز الصراع حالة الانقسام السياسي الحاد، بين من يميل إلى واشنطن، أو من يميل إلى طهران. لكن بالمقابل، هناك من عناصر التحليل ما يدفع إلى التكهن بوجود نوع التوافق الأميركي/الإيراني هو الذي سمح بتمرير الكاظمي. ربما جرى ذلك من خلال هدنة أو اتفاق، وقد تكون طهران قبلت بالكاظمي، تحت ضغط الأوضاع وحرج حلفائها من السياسيين العراقيين، لكن من الصعب إغفال حقيقة أن تنصيب الكاظمي ترافق مع أنباء خفض القوات الأميركية في السعودية ومياه الخليج، وما نُقل عن مسؤولين أميركيين من أن إيران لم تعد تشكل تهديدًا للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة(5).
بداية سريعة برسائل مباشرة
في أولى خطواته في الحُكم، سعى الكاظمي إلى إضفاء شكل جديد على صورة الحاكم، على أمل كسب قدر من المصداقية لدى الشارع. يدرك الكاظمي (53 عامًا) أنه أصغر رؤساء الوزارات سنًّا منذ 2003، ويدرك أيضًا أن قدومه من خارج دائرة الأحزاب التقليدية، يمنحه ميزة إضافية، حتى لو كان ذلك لا يوفر له نظريًّا دعمًا برلمانيًّا، ولذلك اعتنى رئيس الوزراء الجديد، بطريقة تقديم نفسه للجمهور، وإعلانه مقررات أول اجتماع لحكومته بنفسه، بطريقة مباشرة تخلو من الخطابية المبالغ بها.
في هذه القرارات، لامس الكاظمي بعض مطالب الشارع الأكثر إلحاحًا، فقد شكَّل لجنة عليا للتحقيق في قتل المتظاهرين، وقرر تعويض القتلى والجرحى ماديًّا. كما قرر إطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين، فضلًا عن إعادة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي إلى الخدمة وترقيته.
كان الساعدي يشغل منصب قائد قوات مكافحة الإرهاب في العراق، وقام بدور أساسي في إنهاء وجود تنظيم الدولة في عدة مدن عراقية أبرزها الموصل، قبل أن يقرر عادل عبد المهدي إبعاده عن منصبه في سبتمبر/أيلول الماضي (2019) دون أسباب واضحة. كان هذا القائد العسكري الذي ينحدر من جنوب العراق، يحظى بشعبية واسعة لمشاركته الميدانية في القتال وطريقة تعامله مع السكان، وقد اعتبره الشيعة الذين ينحدر منهم، نموذجًا مشرفًا لهم، فيما اعتبره السنَّة شخصية شجاعة وذات مواصفات إنسانية قد لا تكون معتادة عند القادة العسكريين في وقت الحرب، حتى إن سكان الموصل صنعوا له تمثالًا في مدينتهم سارعت السطات لإزالته(6). وقد كان إبعاده واحدًا من الأسباب المباشرة لتزايد المشاركة في الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
استخدم الكاظمي بنجاح، عناصر تقدم إشارات مباشرة ومؤثرة لأطراف مختلفة في وقت واحد، فهو من ناحية قدَّم نفسه للشارع كشخصية قيادية حازمة، قادرة على اتخاذ القرار، ويحترم الإرادة الشعبية سواء الممثلة بالاحتجاجات، أو بإعادة الفريق الساعدي وترقيته. في الوقت ذاته، قدم الكاظمي نفسه للطبقة السياسية بشكل قوي قبل أن يلامس مصالحها بشكل مباشر، فهو لم يتصدَّ بعدُ لقضايا الفساد أو السلاح خارج الدولة، وغيرها من الملفات الشائكة، لكنه أوحى بأنه يمكن أن يقوم بذلك. وقد كان القرار الخاص بالفريق الساعدي رسالة قوة للفرقاء المحليين بقدر ما هو رسالة تطمين للشارع، فهذا الضابط تولى الآن منصب رئيس جهاز مكافحة الارهاب بعد أن كان قائدًا لقواته، وهذا الجهاز هو قوة النخبة داخل الجيش العراقي، ويمكن أن يقوم بأدوار مهمة مستقبلًا في حال احتاج الكاظمي إلى ضبط القوى المسلحة التي قد تعتبر غير منضبطة، وهي بالطبع مهمة صعبة لكنها حاسمة لتكريس سلطة رئيس الوزراء الجديد.
وفي الوقت نفسه، استقبل الكاظمي في يوم واحد كلًّا من السفيرين، الأميركي والإيراني، وبغضِّ النظر عن الطابع البروتوكولي للقائين، وما صدر عنهما رسميًّا، فالكاظمي يريد أن يقدِّم نفسه للبلدين المتخاصمين على أنه يقف معهما في منتصف الطريق، وهذا بحد ذاته يعتبر مكسبًا لكل من طهران وواشنطن على حدٍّ سواء، فلكل منهما مشكلاته وانشغالاته الداخلية الملحَّة والصعبة، وفي هذه المرحلة بعدما ضرب وباء كورونا البلدين بقسوة، ودخل كلاهما في معاناة من تبعات ما يجري، سيكون ضمان عدم جعل العراق ساحة معادية لأي من العاصمتين، وضمان مصالحهما فيه، هو بحد ذاته هدفًا مهمًّا، يحرص البلدان عليه، كما يحرص الكاظمي على استخدامه لصالح تدعيم نفوذه.
لكن هذه البداية الناجحة للكاظمي، لا تعني انفتاح الطرق أمامه، فمن جهة، ما زال للشارع مطالب أخرى عميقة وكثيرة، يتعلق كثير منها بالوضع الاقتصادي والخدمي، وتوفير فرص عمل، وحياة لائقة، وهذه ملفات ذات تركة ثقيلة للغاية، وسط تراجع كبير للقدرات الاقتصادية للبلاد.
عدا ذلك، فقوى الضغط التقليدية في العراق بعد 2003، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم دينية أم عسكرية، لديها وسائل وقدرات وشبكات مصالح داخلية وإقليمية ضخمة يمكن أن تواجه بها الكاظمي، ولذلك فما زالت التكهنات مبكرة، وما زال أمام رئيس الوزراء العراقي الجديد الكثير ليفعله، من دون ضمانات أكيدة بالنجاح.
(1) المخابرات العراقية تنفي علاقتها باغتيال المهندس وسليماني، الجزيرة نت، 3 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 10 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/3chzUmc
(2) شمخاني يلتقي الكاظمي ويبلغه: إيران ترغب بتشكيل حكومة عراقية فاعلة، شفق نيوز، / مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 10 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/3dwBDEc
(3) الرئيس العراقي يضع استقالته أمام البرلمان ويرفض تكليف العيداني، الحرة، 26 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 10 مايو/أيار 2020): https://arbne.ws/2AeFasC
(4) 300 مليار دولار حجم الفساد في العراق، الجزيرة نت، 6 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول:10 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/3fCXFXG
(5) البنتاغون وترامب يعلقان على تقارير عن سحب واشنطن بطاريات باتريوت وجنودًا من السعودية، الجزيرة نت، 8 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 10 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/3dIK2or
(6) قوة أمنية تقوم برفع تمثال الفريق الساعدي ليلًا بالموصل ونقله إلى جهة مجهولة، القدس العربي، 30 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 10 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/35JtXMm
رابط المصدر: