تقديم :
إلى أي مدى يمكن الإقرار بأن الفايسبوك ساهم في بلورة ملامح اتصال جديدة على مستوى الشكل والمضمون خلال الثورة التونسية وبعدها؟
إلى أي حد يصح القول بأن رمزية العناصر التي يشتمل عليها محتوى صفحات الفايسبوك تُبرز حصول نقلة اتصالية على مستوى الأساليب والمضامين؟
استوجبت متطلبات البحث اللجوء إلى تقنية تحليل المضمون خاصة، بالإضافة إلى اعتماد الملاحظة البسيطة والمباشرة والمنظمة، لاستعراض وتحليل محتوى بعض صفحات الفايسبوك التي ارتبط مضمونها بالثورة التونسية، ما مكن من الحصول على بعض الإجابات على كل فرضية من الفرضيات المقترحة.
تم التطرق إلى أربعة مستويات٬ ألا وهي رمزية الصورة ورمزية المحتوى النصي ورمزية المحتوى السمعي البصري، بالإضافة إلى رمزية صفحة الفايسبوك نفسها للوقوف عند خصوصية الأساليب والمضامين الاتصالية.
خولت محاولة رصد ملامح الاتصال على شبكة الفايسبوك خلال الثورة التونسية وبعدها البلوغ إلى ثلاثة استنتاجات أساسية ألا وهي:
أولا، توفير الفضاء الافتراضي لأرضية ملائمة للتواصل، لكن بنسق رمزي جديد ابتكره الأفراد منذ انطلاق الثورة التونسية مستخدمين الإمكانيات التي وفرها لهم الفايسبوك.
بالتالي، استخدمت التقنية لإكساب التفاعلية بعدا متفردا بمحتوى متعدد الأفكار والاتجاهات التي يعبر عنها برموز جديدة، لتبدأ بذلك عملية نشرها وتعريف الأفراد بها لتقاسمها بينهم وبناء صورة عن الواقع من خلالها٬ وإعادة رسم واقع مغاير باستخدامها.
ثانيا، وفي نفس سياق ابتكار الرموز وإنتاج الدلالات المتعلقة بالثورة التونسية، يسعى الفاعل الاجتماعي في اتلشبكات الاجتماعية الرقمية إلى تشكيل منظومة رمزية قادرة على خدمة الأفراد في كل طور من أطوار الثورة وبمناسبة كل حدث، بتوفير أساليب تعبير مناسبة ومضبوطة بإمكانها أن تمنح التفاعل ديناميكية أكثر من خلال فهم مشترك للتصور الرمزي العام ومحاولة الخروج عن المعتاد، لكن ليس بهدف الانعزال٬ وإنما لغاية الإثراء وإنعاش روح الاختلاف التي يعمل جميع الأطراف على الكشف عن وجوهها ومناقشة الإيجابيات والسلبيات، لتبنّي النسق الرمزي الذي تم تصوره في الفضاء الافتراضي وجعله حاضرا وبقوة للتأثير على الواقع الاجتماعي.
ثالثا، الفضاء الافتراضي يحتوي ويستعرض وينشر مضمونا اتصاليا جديدا يتعلق بالأساس بالثورة التونسية وكيفية تفاعل مستخدمي الفايسبوك مع أحداثها ومستجداتها، وبرز ذلك على مستويين: أولا على مستوى الرموز وثانيا على مستوى العلاقات.
إذن٬ يمكن القول أن خصوصية التواصل في الفضاء الافتراضي تكمن في بلورته لملامح اتصال مبتكرة من خلال إضفاء مستخدمي الفايسبوك روحا جديدة على العملية الاتصالية بإكسابها أبعادا متعددة عن طريق اقتراح أساليب ومضامين اتصالية فريدة٬ وإن كان ذلك من خلال الاعتماد على أشكال تقليدية (الصورة، المحتوى النصي، المحتوى السمعي البصري).
في هذا السياق، على مستوى الإطار النظري٬ يتضح أن الفضاء الافتراضي ساهم في تدعيم التفاعلية الرمزية أثناء الثورة التونسية وبعدها، حيث مكن التعبير الحر، الذي لا يعترف بأي نوع من المحظورات، بالإضافة إلى الانتشار السريع للمعلومة، من خلق محيط يسهل فيه التواصل لتحقيق التفاعل، عن طريق تكوين المجموعات.
حافظت الميديا الاجتماعية الافتراضية على الأسس والمبادئ الأولى للتفاعلية الرمزية، وعدم الاقتصار على ذلك وإنما دعمتها وأكسبتها قوالب جديدة، ل”تنحرف” ببراديغم التفاعلية الرمزية عن السياق العادي وعن المفاهيم المتداولة في بحوث الإعلام والاتصال نحو سياق رمزي مبتكر، اتخذت فيه التفاعلية مظاهر متعددة تبلورت منذ قيام الثورة التونسية.
حقق المواطن التونسي من خلال الثورة غايته من التعبير وإثبات الذات ويحدد هو نفسه مجرى الأحداث، لكن، ما تم ملاحظته، أن هناك في بعض الأحيان سوء استعمال للفضاء الافتراضي، وهنا يتبلور الهدف المناط بعهدة الباحثين لتحقيقه والمتمثل في توجيه هذا الاستعمال وتفسير متطلبات الدور الذي يجب أن يلعبه المواطن، لتغدو مساهمته ناجعة وحضوره معترف به في إطار عملية الاتصال، والسعي إلى الإشارة أن الغنى الرمزي الذي قد يتحول، إذا زاد عن حده، إلى ثراء “فاحش”٬ أو إذا تم فهمه بطريقة خاطئة إلى إفلاس رمزي وعقم اتصالي، وهي وضعية لا بد من كشف ملامحها وتحليلها.