علي عواد
أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس، تسجيل أوّل لقاح ضدّ فيروس كورونا الجديد في بلاده، مؤكّداً أن اللقاح «فعّال بما فيه الكفاية، وأنه يعطي مناعة مستدامة». وكشف بوتين أن إحدى بناته تَلقّت اللقاح الذي أُطلق عليه اسم «سبوتنيك في»، تيمّناً باسم القمر الصناعي السوفياتي، «سبوتنيك»، أوّل مركبة فضائية وُضعت في المدار، فيما «في» تُمثّل أول حرف من كلمة لقاح (Vaccine) في عدّة لغات أجنبية.
المعلومات عن اللقاح شحيحة، لكن ما أصبح معلوماً أنه تمّ تطويره عبر مركز «غاماليا» للأبحاث، التابع لوزارة الصحة الروسية، بطريقة مشابهة للقاحين الصيني والبريطاني، لكن عبر استخدام نوعين من فيروس «Adenoviruse» (هما «Ad5» و«Ad26») الذي يصيب البشر، بعكس اللقاح البريطاني الذي يعتمد على فيروس «Adenoviruse» الخاصّ بحيوان الشمبانزي. واستُخدمت، في تصنيع اللقاح الروسي، تقنية الهندسة الجينية، حيث تمّ تعديل الفيروسين المذكورَين لينتجا تيجاناً مشابهة لفيروس «كورونا» الجديد، من دون أن تكون ضارّة بالإنسان، ومن ثمّ يطوّر الشخص المحقون باللقاح استجابة مناعية من ناحية الخلايا التائية «T-cells»، ومن ناحية الأجسام المضادة «Antibodies». وفيما تبدأ اليوم المرحلة الثالثة من التجارب السريرية بعد انتهاء المرحلة الثانية، أعلن الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي الذي يموّل إنتاج اللقاح، كيريل ديميترييف، أن لقاح «غاماليا» يُجرّب أيضاً خارج الأطر الإكلينيكية الرسمية، إذ أُعطي لعدد كبير من الأشخاص من خارج منظومة التجارب السريرية مثل متطوّعين من الجيش ومدير مركز الأبحاث نفسه.
«منظمة الصحة العالمية»، التي كانت قد أبدت شكوكاً الأسبوع الماضي بعد إعلان روسيا أن لقاحها على وشك الإنجاز، بدت حذرة أمس أيضاً في تعاملها مع خبر ترخيص موسكو بدء تصنيع اللقاح، إذ دعت إلى احترام «الإرشادات والتوجيهات الواضحة» في هذا المجال. وقال المتحدث باسم المنظمة، طارق ياساريفيتش، في مؤتمر صحافي: «نحن على تواصل وثيق مع السلطات الروسية، والمحادثات تتواصل. المرحلة التي تسبق الترخيص لأيّ لقاح تمرّ عبر آليات صارمة». وأوضح أن «مرحلة ما قبل الترخيص تتضمّن مراجعة وتقييماً لكلّ بيانات السلامة والفعالية المطلوبة التي جُمعت خلال مرحلة التجارب السريرية». والجدير ذكره، هنا، أن روسيا لم تنشر، إلى الآن، دراسة مفصّلة عن نتائج التجارب التي سمحت لها بتأكيد فاعلية اللقاح، مثلما فعلت الصين وبريطانيا. كما أن «الصحة العالمية» لم تذكر، حتى الساعة، لقاح «سبوتنيك في» على موقعها الإلكتروني.
فضلاً عن ذلك، أبدى علماء غربيون قلقهم من سرعة إنتاج هذا اللقاح، في وقت شكّك فيه الإعلام الأميركي في فعّاليته منذ الأيام الأولى، واستمرّ في حملته عليه، مستعيناً بتحذيرات خبير الأوبئة، أنتوني فاوتشي، الذي أعلن أن اللقاحات الأميركية أصبحت في المرحلة الثالثة من التجارب، و»لا حاجة لنا إلى استخدام لقاحات غير محلية الصنع». غير أن اللافت هو إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس، قبل صدور موافقة السلطات الروسية على اللقاح، أن لدى الولايات المتحدة 3 لقاحات في المرحلة الثالثة من التجارب، ولكن «إذا ما أثبت لقاح ما من أيّ دولة أخرى نجاحه، فلن ننتظر وسنحصل على اللقاح منهم». وهذا ما يتقاطع مع كلام رئيس الصندوق السيادي الروسي الذي قال إن عشرين دولة أجنبية طلبت مسبقاً «أكثر من مليار جرعة» من اللقاح الروسي.
ستبدأ عملية تصنيع «سبوتنيك في» في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بينما ستعطي روسيا الأولوية في التلقيح لأفراد الجهاز الطبي، الذين يمثلون خطّ الدفاع الأول في المعركة مع الوباء. على أن ما هو جدير بالملاحظة قول بوتين إن اللقاح أمّن «مناعة مستدامة». وبالنظر إلى غياب أيّ نتائج منشورة عن اللقاح حتى الساعة، فإن ما قاله بوتين قد يعني أن بلاده قد تمكّنت من معالجة إحدى المشكلتين التاليتين أو كليهما: احتمال احتياج البشر إلى عدّة جرعات من اللقاح كلّ عدّة أشهر أو كلّ سنتين لتأمين مناعة دائمة ضدّ الفيروس؛ والغموض في شأن إذا ما كانت الأجسام المضادّة التي أنتجها جسد الإنسان الملقّح ستبقى بالمستوى نفسه الكفيل بمحاربة الفيروس. الأيام المقبلة هي الكفيلة بإيضاح الصورة، لكن يُسجّل لروسيا أنه أمام اكتساح «كورونا» لكوكب الأرض، كانت أوّل دولة تتوصّل إلى لقاح ضدّه وتوافق عليه.