عادل زين العابدين
بدأت تحالفات بين الأحزاب السياسية في العراق بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة في 27 ديسمبر/كانون الأول 2021، وكانت أولى هذه التحالفات بين الأحزاب السنية وفي مقدمتها تحالفا التقدم والعزم، في 5 يناير/كانون الثاني 2022، الذي يضم 64 نائباً. من جانب آخر كان من المؤمل أن يتألف تحالف كردي يضم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أصبح يملك 31 مقعداً والاتحاد الوطني الكردستاني الذي له 18 مقعداً، لكن الخلاف حول منصب رئيس الجمهورية ومنصب محافظ كركوك، وغياب الثقة بين الطرفين، حال دون توحد الأكراد إلى الآن. التحالف بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني يمكن أن يحدد بتسوية حول منصبي رئيس الجمهورية ومحافظ كركوك، وهذا ما يعني عودة ملف المناطق المتنازع عليها – مادة 140 من الدستور – خاصة كركوك، إلى الواجهة من جديد بعدما غابت أكثر من ثلاث سنوات عن أجندة الحكومات العراقية.
المادة 140 من الدستور تتضمن مجموعة من الخطوات لتسوية الأوضاع في المناطق التي شهدت تغييرات ديمغرافية بين عامي 1968 و2003، وذلك من خلال تطبيع الأوضاع، وإجراء تعداد سكاني، وإجراء عملية استفتاء لتحديد مصير المناطق المشمولة، خاصة محافظة كركوك. تألفت لجنة دستورية لتنفيذ المادة 140 في عام 2006، وتركز عملها في إعادة وتعويض العوائل المتضررة نتيجة ترحيلها من مناطق سكناها؛ وذلك بسبب سياسات التغيير الديمغرافي لنظام السابق. اللجنة التي كان رئيسها وأعضاؤها من مكونات العراق المختلفة افتتحت مكاتب خاصة بها في عدة محافظات، وخلال الأعوام الماضية قُطعت ميزانيتها، وفي عام 2021 خصص أقل من 13 مليار دينار لتسيير أعمال تلك المادة.
تختلف مواقف المكونات العراقية من عملية تطبيق المادة، إذ يرفضها التركمان والعرب، فيما يدافع الأكراد عن تطبيقها.
موقف التركمان والعرب
يعترض العرب والتركمان على أي محاولة لتطبيق المادة 140؛ فمن وجهة نظرهم أي محاولة لتطبيق المادة هي مخالفة دستورية، وذلك بسبب انتهاء السقف الزمني المحدد لتطبيقها وهو ديسمبر/ كانون الأول 2017. ومن جهة أخرى يشتكي التركمان والعرب من التغيير الديمغرافي الذي حصل بعد 2003 لحساب الأكراد، وذلك بحجة تطبيق هذه المادة. ولذلك طالب التركمان والعرب بوضع خاص لكركوك، وذلك من خلال تأسيس إقليم كركوك أو إبقاء المحافظة تابعة لحكومة مركزية. بعد عملية فرض القانون في 2017، طالب التركمان بإبقاء المحافظة والمناطق الأخرى تحت إدارة حكومة المركز، وعدم السماح بعودة قوات البيشمركة إلى المناطق الواقعة خارج الحدود الإدارية للإقليم.
بعد انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني، بدأ الحديث يتصاعد أكثر عن إمكانية تأليف حكومة أغلبية وطنية من التيار الصدري والأحزاب السنية والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا ما جعل التركمان والعرب السنة في المناطق المتنازع عليها في حالة ترقب وحذر من أن تكون كركوك والمدن المختلطة قومياً موضوعاً لتفاهمات وتسويات سياسية. حيث صرح رئيس الجبهة التركمانية العراقية، حسن توران، في 25 يناير/كانون الثاني، برفضهم إخضاع كركوك لأي تفاهمات سياسية في مفاوضات تأليف الحكومة.
موقف الأكراد
بعد أن فقدت الأحزاب الكردية السيطرة الأمنية والإدارية في المناطق المتنازع عليها في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وذلك نتيجة عملية فرض القانون التي قامت بها القوات العراقية بقيادة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، لإخراج قوات البيشمركة التابعة للحزبين الكرديين الاتحادي الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، بدأت الأحزاب الكردية المطالبة بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي. وعلى الرغم من مطالبات الأكراد بتسوية وضع المناطق المتنازع عليها، فإن هذه الدعوات لم تلقَ استجابة سياسية في الفترة السابقة، لكن المحكمة الاتحادية العليا قضت، في 28 يوليو/تموز 2019، ببقاء سريان المادة 140 من الدستور العراقي، مؤكدة أن ذلك يستمر لحين تنفيذ مستلزماتها وتحقيق الهدف من تشريعها.
يرى الأكراد أن المادة 140 من الدستور العراقي هي خريطة الطريق الوحيدة لحل النزاع بين المركز والإقليم حول المناطق المختلطة قومياً، خاصة محافظة كركوك الغنية بالنفط، وظل قادة إقليم كردستان يطالبون بتطبيقها في مختلف الأوقات، وفي الفترة التي سبقت عملية فرض القانون التي استعادت فيها الحكومة المركزية السيطرة الأمنية والإدارية على كركوك والمدن المتنازع عليها، عمل الأكراد على فرض أمر واقع في تلك المناطق، مستغلين انشغال الحكومة المركزية بمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، حتى شاعت مقولة داعش “نفذ مادة 140″، في إشارة إلى دخول قوات البيشمركة كركوك وخضوعها لسيطرة حكومة الإقليم.
عادت كركوك إلى أجندة الأحزاب الكردية بعد الانتخابات المبكرة التي شهدها العراق في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ومن المحتمل أن تكون كركوك موضع تسوية كردية-كردية، وذلك من أجل تقاسم المكاسب السياسية في بغداد، حيث يطالب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي خسر نصف مقاعده في كركوك، بمنصب محافظ كركوك، في حين يسعى أيضاً إلى الحفاظ على منصب رئيس الجمهورية بمرشحه المعلن، رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، في مسعى منه للحفاظ على التوازنات السابقة بينه وبين الديمقراطي الكردستاني. من المعروف أن التفاهمات السابقة بين الحزبين الكرديين كانت قائمة على اساس ترك رئاسة إقليم كردستان العراق للديمقراطي الكردستاني وإحدى الوزارات السيادية؛ مثل المالية والخارجية في المركز، في مقابل حصول الاتحادي الوطني على منصب رئيس الجمهورية. في حين اليوم يسعى الديمقراطي الكردستاني إلى الحصول على منصب رئيس الجمهورية، وذلك بترشيحه وزير الخارجية والمالية الاتحادية السابق هوشيار زيباري، حيث يفسر هذا المسعى على أنه محاولة ضغط من قبل الديمقراطي الكردستاني على الاتحاد الكردستاني من أجل التنازل عن منصب محافظ كركوك.
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أبرمت الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان اتفاق سنجار الخاص بإعادة تنظيم الملف الإداري، الأمني والخدمي في القضاء، وعلى الرغم من عدم تنفيذ بنود اتفاق سنجار فإن الأحزاب الكردية تعول على اتفاقية مماثلة في كركوك والمدن الأخرى، مثل خانقين التابعة لمحافظة ديالى، وطوزخورماتو التابعة لصلاح الدين، خاصة أن مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، كان قد صرح في ديسمبر/كانون الأول من 2020 بإمكانية نقل تجربة سنجار إلى المناطق الأخرى في حال نجاحها.
في المحصلة يمكننا القول إن تأليف حكومة أغلبية وطنية بمشاركة قوية للحزب الديمقراطي الكردستاني، وفي حالة بقاء الأحزاب السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة في المناطق المتنازع عليها، خاصة تحالف الفتح، خارج الحكومة الجديدة، سوف يُفتح النقاش من جديد حول إمكانية إعادة العمل بمادة 140 من الدستور، ومن ثم سوف تكون محافظة كركوك بؤرة نزاع جديدة بين مكونات المحافظة، وهذا ما يشير إلى مرحلة خطيرة قد تدخلها كركوك، وذلك لامتلاك كثير من الأطراف جماعات مسلحة تساعدها على قيام بنشاط مسلح.
رابط المصدر: