د. أحمد سيد أحمد
المبادرة الأوروبية التى طرحها مسئول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل لكل من إيران وأمريكا لإحياء الاتفاق النووى لعام 2015, المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة, جاءت كمحاولة لاختراق حاجز الجمود فى المفاوضات التى انطلقت فى أبريل عام 2021 ولم تفلح تسع جولات منها فى التوصل إلى اتفاق نهائى بين الجانبين, بسبب تمسك كل طرف بمواقفه وعدم تقديم تنازلات جوهرية, فهل تنجح المبادرة الأوروبية فى التوصل إلى اتفاق نهائى بين إيران وأمريكا, أم أن الظروف لم تنضج بعد؟.
بوريل اعتبر أن النص الأوروبى هو نهائى لا يمكن التفاوض عليه, وفى الوقت الذى رحبت فيه أمريكا على لسان وزير خارجيتها بلينكن بالنص واعتبرته الأساس للتوصل إلى اتفاق, ردت إيران مبدئيا بأنها ستقوم بدراسة شاملة للنص, الذى يمكن القول إنه بمثابة الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووى الإيرانى, ورغم أنه لم تعلن تفاصيل النص الأوروبى, فإن ترحيب أمريكا به يعنى أنه لم يتضمن الاستجابة لمطلب إيران المتعلق بإزالة الحرس الثورى من القائمة الأمريكية للإرهاب، كما أنها رفضت رفع العقوبات المرتبطة بالملفات الأخرى، خاصة البرنامج الصاروخى الباليستى وأنشطة إيران الداعمة للإرهاب والمزعزعة للاستقرار فى المنطقة، وكذلك رفض مطالبة طهران بأن تقدم إدارة بايدن تعهدات وضمانات بعدم الانسحاب من الاتفاق مستقبلا, لذلك أبدت واشنطن استعدادها للتوقيع على الاتفاق. فى المقابل فإن إيران رغم تراجعها عن مطلب رفع الحرس الثورى فإنها حققت بعض المكاسب فيما يتعلق برفع العقوبات, حيث تتضمن المبادرة الأوروبية رفع المزيد من العقوبات الأمريكية وزيادة تصدير النفط الإيرانى تدريجيا مقابل تقيد طهران بالتزاماتها فى اتفاق عام 2015, والتراجع عن انتهاكاتها للاتفاق فيما يتعلق برفع نسبة التخصيب وتركيب أجهزة الطرد المركزى الحديثة من نوع أر6.
وبالتالى يمثل النص الأوروبى صيغة توافقية وسط تحقق بعض المكاسب لكل من أمريكا، إيران مقابل تقديم تنازلات متبادلة للتوصل إلى اتفاق نهائى, وهو ما يعزز فرص نجاحه واحتمالات توقيعه قريبا, خاصة أن أمريكا والوكالة الدولية للطاقة الذرية قدمتا تنازلا مهما ويتمثل فى موافقتهما على طلب إيران بإغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بوجود يورانيوم مخصب فى ثلاثة مواقع إيرانية غير معلن فيها أنشطة نووية, وهو ما يعنى تجنب فرض عقوبات جديدة على إيران. كما أن لأوروبا مصلحة كبيرة فى إنجاح الاتفاق لاعتبارات اقتصادية ومصلحية أبرزها استيراد النفط والغاز الإيرانى كبديل عن النفط والغاز الروسى لحل أزمة الطاقة التى تواجهها, كما أن أوروبا كانت المستفيد الأكبر من الاتفاق السابق.
لكن رغم النص الأوروبى وحالة التفاؤل التى صاحبته, فإن الظروف السياسية لتوقيع الاتفاق لم تنضج بعد، وأن هناك صعوبات وتحديات كبيرة تواجهه تتمثل فى:
أولا: إن كلا الطرفين ليس فى عجلة من أمره لتوقيع الاتفاق وتدفعه لتقديم تنازلات كبيرة, فإدارة بايدن مقبلة على انتخابات التجديد النصفى وتواجه تحديات خاصة مع تراجع شعبية بايدن والحزب الديمقراطى فى ظل ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الطاقة والغذاء بشكل غير مسبوق بسبب الحرب الروسية الأوكرانية, كما أن الجمهوريين يتهمونها بالتراخى فى مواجهة البرنامج النووى الإيرانى وأنشطة إيران الأخرى خاصة برنامج الصواريخ الباليستية ودعم إيران لأذرعها العسكرية فى الشرق الأوسط, إضافة للضغوط الإسرائيلية عليها لعدم توقيع الاتفاق, وبالتالى تسعى لاتخاذ مواقف متشددة تجاه إيران وعدم تقديم تنازلات جوهرية خاصة فيما يتعلق برفع اسم الحرس الثورى من قائمة الإرهاب أو تقديم ضمانات بعدم الانسحاب مستقبلا من الاتفاق, كما فعل ترامب عام 2018. وفى المقابل فإن قرار التوقيع على الاتفاق النووى أو النص الأوروبى هو بالأساس قرار سياسى بيد المرشد على خامنئى, كما أن الرئيس إبراهيم رئيسى أعلن أن توقيع الاتفاق النووى ليس من أولوياته, إضافة إلى أن إيران تريد رفع العقوبات الأمريكية بشكل كامل والإفراج عن أرصدتها المالية فى أمريكا, وتبالغ فى مطالبها مثل الحصول على تعويضات أمريكية عن العقوبات التى فرضها ترامب عليها ضمن سياسة أقصى الضغوط. ورغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تواجهها إيران ومن ثم حاجتها إلى توقيع الاتفاق ورفع العقوبات واستئناف صادراتها من النفط فى ظل ارتفاع أسعاره عالميا, فإنها طورت علاقات اقتصادية وتجارية وإستراتيجية مهمة مع روسيا والصين, وهو ما يعنى انحيازها للمحور الروسى الصينى المناوئ للمحور الأمريكى الغربى.
ثانيا: هناك بعض القضايا التقنية التى مازالت عالقة وتمثل إشكالية كبيرة وأبرزها مطالبة إيران بالاحتفاظ بالتكنولوجيا النووية, وكذلك بكمية اليورانيوم التى تم تخصيبها, والتى زادت على 43 كيلو جراما من اليورانيوم المخصب فوق 60%, وهو ما ترفضه واشنطن والدول الأوروبية وتريد التخلص منها. إضافة إلى أن إيران تريد إحياء اتفاق 2015 كما هو, بينما تريد واشنطن إدخال تعديلات كبيرة خاصة فيما يتعلق ببند الغروب ومدة الاتفاق وجعله دائما, كذلك آلية التفتيش على المواقع العسكرية الإيرانية التى يشتبه بوجود أنشطة نووية فيها. لهذا فإن فرص النص الأوروبى فى التوصل إلى اتفاق نووى بين أمريكا وإيران تبدو بعيدة فى ظل وجود العديد من التحديات الفنية والسياسية.
نقلا عن جريدة الاهرام الأثنين 15 أغسطس 2022
.
رابط المصدر: