تسير مصر بخطوات ثابتة منذ سنوات في إنشاء مجموعة ضخمة من المشروعات القومية، والتي تستهدف دفع عجلة الاقتصاد المصري، بما يسهم اجتماعيًا في توفير فرص عمل وتسهيل المعيشة على المواطنين. وترتكز تلك المشروعات على الاستدامة والحفاظ على البيئة وبناء بنية تحتية قوية، وبالأخص في صعيد مصر والذي غابت عنه مسيرة التنمية منذ سنوات طويلة. ويأتي مشروع المثلث الذهبي ضمن العديد من المشروعات التي تسعى الدولة إلى تحقيقها خلال الفترة الحالية، وهو يُعد واحدًا من أهم المشروعات القومية الكبرى؛ ومن أهم المشروعات التنموية التي تعتمد على المقومات التعدينية الموجودة بجنوب مصر. فما هو مشروع المثلث الذهبي؟ وما هي أهميته الاستراتيجية؟
منطقة المثلث الذهبي
هي منطقة تأخذ شكل المثلث في الصحراء الشرقية المصرية، وزوايا هذا المثلث هي قنا –سفاجا –القصير؛ حيث قاعدة المثلث على ساحل البحر الأحمر بطول حوالي 80 كم ما بين سفاجا والقصير، ويمثل طريق قنا-سفاجا ضلع المثلث بطول حوالي 164 كم والضلع الثاني طريق قفط-القصير بطول حوالي 174 كم، فهناك حوالي 10 كم من قنا لقفط عبارة عن ثنية واضحة على الخرائط، ومساحة المثلث الكلية حوالي حوالي 7000 كيلو متر مربع.
ويقام المشروع على 6 مراحل، تسـتغرق المرحلة الأولى منها 5 سنوات، ويستغرق المشروع حوالي 30 عامًا للانتهاء منه بالكامل. ولذلك ومن موقع المثلث الجغرافي نستطيع القول إن استراتيجية التنمية بالمنطقة تم تأسيسها في ضوء المميزات المختلفة بالمنطقة.
الأهمية الاستراتيجية للمنطقة
سعت الدولة المصرية في تنفيذ مشروعاتها القومية الجديدة إلى تحقيق أكبر استفادة ممكنة من المناطق الغنية بالموارد الطبيعية، ومن هنا جاء اختيار تلك المنطقة (قنا وسفاجا والقصير)، والتي تُمثل أكثر المناطق الغنية بالثروات؛ إذ تصل نسبة الثروات التعدينية بها إلى نحو 75% من الموارد التعدينية في مصر، وهي غنية بالمعادن الفلزية وغير الفلزية، بما في ذلك: الزنك، والنحاس، والحديد، والذهب، والفضة، والجرانيت، والفوسفات، وغيرها من المعادن المهمة التي تدخل في العديد من الصناعات التي تتمتع بقيمة اقتصادية مرتفعة.
وتتيح هذه الثروة المعدنية إمكانية إنشاء مصانع جديدة لإنتاج الأسمنت والزجاج والسيليكون والكيماويات ورقائق الكمبيوتر، وسوف تستخدم بعض المشروعات الأخرى المواد الخام مثل الطين والحجر الجيري لصناعة الإسمنت وكذلك الطفلة الزيتية لإنتاج الجازولين. بالإضافة إلى أن المثلث الذهبي يقع في منطقة أبو طرطور، وهي المنطقة التي تحتوي على النسبة الأكبر من احتياطيات الفوسفات في مصر، وتأتي مصر في المرتبة السابعة على مستوى العالم من حيث احتياطات خام الفوسفات والتي تُقدر بنحو 1.3 مليار طن، وتحتل المرتبة التاسعة بطاقة إنتاجية حوالي 5 ملايين طن من الفوسفات.
ومن هنا يمكننا إلقاء الضوء على أهم الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها من خلال تنفيذ هذا المشروع ومنها:
● تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية المتوافرة في مختلف أرجاء مصر.
● يتمتع بمنفذ واسع على البحر الأحمر بين القصير وسفاجا مما يعطيه نفاذية لدول الخليج وشرق آسيا وأفريقيا، بجانب أن قربه من منفذي أسوان البري والنهري يساعد على سرعة وسهولة اتصاله بوسط وجنوب القارة الإفريقية.
● خلق مجتمعات عمرانية جديدة تشكل مناطق جذب للسكان، مما يعمل على تخفيف الضغط السكاني على مناطق العمران الحالية.
● المشروع سيعمل على خلق مناطق استثمارية ذات طبيعة خاصة للأنشطة التعدينية والصناعات المعتمدة عليها، ستكون جاذبة للاستثمارات المحلية والعالمية وخاصة في مجالات التعدين.
● تحقيق أكبر قدر ممكن من عدالة توزيع ثمار التنمية بين كافة أنحاء الجمهورية.
● مصادر المياه في منطقة المثلث الذهبي هي المياة الجوفية والمياه السطحية، وخطوط أنابيب المياه.
● يحقق المشروع عوائد سنوية للدولة تتراوح بين 6 و8 مليارات دولار.
● المشروع سيوفر نحو نصف مليون فرصة عمل.
● المعادن الموجودة بالمنطقة تجعلها جاذبة لعديد من الفرص الاستثمارية في المجالات المختلفة، مما يعمل على خلق مناطق استثمارية ذات طبيعة خاصة للأنشطة التعدينية.
● يوفر المثلث الذهبي فرصًا لاستغلال الفوسفات للأسمدة والمواد الخام للأسمنت المنتج من الشست والحجر الجيري وخام الذهب وإنتاج البترول من الصخر الزيتي. بالإضافة إلى أن هناك بعض محاجر الحجر الجيري والطفلة العاملة حاليًا في المنطقة.
● يهدف المشروع إلى إنشاء منطقة اقتصادية جديدة عن طريق إنشاء مركز عالمي متكامل (صناعي، اقتصادي، تجاري، لوجيستي، سياحي) وذلك لتحقيق التنمية المستدامة في جنوب مصر.
● منطقة المثلث تتوافر بها العديد من المزايا التي تؤهلها لأن تكون جاذبة للسياحة؛ لثراء المناطق التاريخية والأثرية بمناطق الظهير الصحراوي حتى وادي النيل.
● تُشكل المحميات الطبيعية في محافظات قنا وأسوان والبحر الأحمر أحد أهم المقومات السياحية لمنطقة المثلث، ومن هذه المحميات جزر البحر الأحمر وعددها حوالي 22 جزيرة تتميز بتنوع الحياة البحرية والعديد من الطيور النادرة، ومحمية أبرق، ومحمية وادي الدئيب، ومحمية وادي علبه، وحماطة، وجبل شايب وغيرها.
وبشكل عام، يعد الهدف الرئيس للمشروع هو استغلال المواد الخام في مصر، مثل الذهب والفوسفات وزيادة عائدها على الاقتصاد، حيث تستهدف الدولة المصرية استثمارات إجمالية بقيمة حوالي 16.5 مليار دولار في غضون حوالي 30 عامًا بعد التنفيذ، وسيشمل مشروع التنمية شتى القطاعات، بما فيها الزراعة والسياحة والتجارة والصناعة وخاصة صناعة التعدين، حيث تُعد المنطقة ذات قيمة خاصة للسياحة، حيث موقعها على طول طريق الحج القديم إلى مكة المكرمة، والتي تشتمل الكثير من المواقع التاريخية.
ووفقًا للنقاط السابقة ومع الخطط الاقتصادية الطموحة للدولة المصرية، كان هناك إصرار على إحياء المشروع في عام 2015، حين أصدرت الحكومة قانونًا يوضح ضوابط التعدين كخطوة لاستغلال موارد مصر الطبيعية بصورة أكثر كفاءة، لزيادة العوائد الاقتصادية. وجاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء المنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبي بداية لانطلاق ثاني منطقة اقتصادية في مصر. وجدير بالذكر أن مصر تمتلك منطقتين اقتصاديتين ذات طابع خاص، وهما المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومنطقة المثلث الذهبي الاقتصادية، تغطيان عدة مناطق وهي: العين السخنة مع ميناء العين السخنة، وشرق بورسعيد مع ميناء شرق بورسعيد، والقصير، وسفاجا، وقنا، وقفط.
محاور مشروع المثلث الذهبي
بوجه عام، هناك العديد من المحاور المهمة التي تعتمد عليها منطقة المشروع الذهبي ومنها: تطوير ميناء ومدينة سفاجا والتي تهدف إلى تحويله إلى ميناء تجاري صناعي عالمي من خلال: إنشاء أرصفة جديدة جنوب الميناء الحالي بأعماق مختلفة، وتهيئة الميناء لأغراض متعددة مثل الصب الجاف والبضائع العامة والحاويات ومشروعات خدمات الشحن والتفريغ والنقل البحري. بالإضافة إلى تطوير ميناء الحمراوين وجعله ميناء متكاملًا مع ميناء سفاجا لتجارة المواد التعدينية والحجرية والمواد الاستخراجية المصنعة. وأيضًا تطوير مدينة القصير وجعلها مقصدًا سياحيًا عالميًا خاصة على صعيد السياحة البيئية.
ذلك بالإضافة إلى إنشاء مركز اقتصادي لوجيستي شمال غرب سفاجا يشتمل على العديد من الأنشطة التعدينية والاستخراجية ويتكون من مناطق لوجيستية ومراكز للمال والأعمال ومراكز تسوق تجارية، وإسكان إداري وإسكان فندقي، ومناطق ترفيهية مفتوحة. وإنشاء مناطق صناعية على طريق سفاجا-قنا وفي منتصف الطريق تقريبًا، وهناك مقترحات بإقامة منطقتين صناعيتين مساحة كل منها تزيد على المئة كيلو متر مربع.
مجمل القول، تتطلع الدولة إلى تقوية اقتصادها عن طريق رفع تدفقات الاستثمار الأجنبي وجذب الاستثمارات، ويُعد المثلث الذهبي من المشروعات الأساسية التي من المتوقع أن تجذب العديد من الاستثمارات الأجنبية، وهي كذلك من المناطق الواعدة في نشاط التعدين؛ لاحتوائها على كميات هائلة من الثروات المعدنية التي بإمكانها تحقيق قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد المصري. ذلك بالإضافة إلى المقومات الزراعية والسياحية بالمنطقة، مما يدعم إمكانية تنفيذ مشروعات صناعية، وإقامة مشروعات لوجيستية لخدمة هذه القطاعات، وتوفير فرص استثمارية في مجالات مختلفة. وبالتالي نستطيع القول إن مشروع المثلث الذهبي يُعد من أهم المشروعات القومية الكبرى التي تخدم منطقة جنوب مصر، ومشروع استراتيجي وسيعمل على خلق بنية تحتية حقيقية في جنوب مصر.
.
رابط المصدر: