ماركوس مونتغمري
مقدمة
يقترب موعد الانتخابات الأميركية لعام 2020. وفي ولايات عدة، أدلى المقترعون بأصواتهم بموجب نظام التصويت المبكر[1]. ويسعى الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى الفوز بولاية ثانية، في حين يسعى خصمه المرشح الديمقراطي، نائب الرئيس السابق، جو بايدن إلى دخول البيت الأبيض. وقلما شهدت البلاد أجواءً انتخابية مماثلة، في وقت تواصل فيه جهدها لمكافحة وباء “كورونا”. ومع أن مؤشرات معيّنة، على غرار سوق الأوراق المالية مثلًا، توحي بأن الاقتصاد في حالة جيدة، فإن المؤشرات الاقتصادية الحقيقية تُفيد أن اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية يمرّ بمأزق خطِر[2]، بسبب وجود ملايين العاطلين عن العمل كليًّا أو جزئيًّا. وإضافةً إلى تزامن أزمة الصحة العامة مع الأزمة الاقتصادية، شهدت الولايات المتحدة كوارث مناخية مدمرة[3]، وعانت أشهرًا عديدة اضطرابات اجتماعية[4] أشعل فتيلها العنصرية المؤسسية المزمنة والتمييز والعنف.
يؤدي اضطراب على هذا النحو في أي دورة انتخابية اعتيادية إلى تلاشي آمال الرئيس بشأن إعادة انتخابه لدورة ثانية قبل وقت طويل من يوم الانتخابات. لكنّ نسبة تأييد الرئيس ترامب، وفقًا لمتوسط استطلاعات الرأي الأخيرة، ظلت ثابتة عند قرابة 45 في المئة، على الرغم من كل هذه الظروف[5]، وهي أعلى بأربع نقاط من معدل تأييده على مدار معظم السنوات الأربع التي قضاها في منصبه[6]. ربما لا تشكّل هذه النسبة دعمًا كافيًا لتحقيق الفوز، إلا أنه من الأهمية أن نعلم أن نظام المجمع الانتخابي الأميركي لا يستند إلى الدعم الشعبي بالمفهوم التقليدي (أي الاقتراع الشعبي)، بل يفوز الرئيس الذي يحوز أكثرية أصوات الناخبين في المجمع الانتخابي (270 صوتًا من أصل 538 صوتًا، أو 50 في المئة + 1) التي أصبحت تذهب في العقود الأخيرة إلى المرشح الذي يفوز بأكثرية نسبية بسيطة من أصوات كل ولاية. فمثلًا، في حالة فوز مرشح بنسبة 50 في المئة من الأصوات زائدًا صوتًا واحدًا في ولاية تكساس أو كاليفورنيا، فإنه يحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي في الولاية.
ويرتبط عدد أعضاء كل ولاية في المجمع الانتخابي بعدد الأعضاء الذين تنتخبهم إلى مجلس النواب (الذي يستند أساسًا إلى نسبة عدد سكانها، وهو يبلغ نحو 650 ألف نسمة بالنسبة إلى المقعد الواحد)، إضافةً إلى المقعدين المخصصين لكل ولاية في مجلس الشيوخ. وهكذا، تحصل كل ولاية على ثلاثة أصوات في المجمع الانتخابي على الأقل، لأنّ لكل ولاية عضوًا واحدًا في مجلس النواب على الأقل وعضوَين في مجلس الشيوخ. ومن هنا يأتي الشغل الشاغل للمرشحين للفوز بالولايات كل على حدة[7]. وقد استفاد رؤساء كثيرون في تاريخ الولايات المتحدة الحديث من هذه الميزة للفوز بالرئاسة من دون الحصول على أصوات أكثرية المقترعين في مجمل البلاد[8].
ثمة موقف واسع الانتشار في الولايات المتحدة يعارض انتخاب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر، بحجة أنه في ظل نظام من هذا القبيل سيتجاهل المرشحون للرئاسة الولايات ذات العدد القليل من السكان ويكتفون بإطلاق حملات انتخابية في الولايات ذات العدد الكبير. لكن الممارسة العملية لنظام المجمع الانتخابي تفضي إلى النتيجة نفسها. فمعظم الحملات الرئاسية تركز في إنفاق الموارد على عدد محدود من الولايات، وذلك لأن معظم الولايات ذات صبغة حزبية معينة؛ أي إن غالبية مقترعيها تؤيد أحد المُرشحَين دون الآخر بغضّ النظر عمّن يكون، وهو ما يجعل الحصول على أصوات ناخبيها في المجمع الانتخابي أمرًا مفروغًا منه. ثم تأتي الولايات المتعارف عليها باسم “الولايات المتأرجحة” لأنها “تنوس” بين الحزبين الرئيسَين أثناء كلّ دورة انتخابية وأخرى. ولكن بعض الولايات تنتقل، في كل بضع سنوات، من نتيجة معروفة مسبقًا إلى نتيجة يُحتمل الفوز فيها لأي طرف، وذلك بسبب النمو أو التنوع السكاني أو النشاط الحزبي، أو عوامل أخرى عديدة.
الولايات الحمراء والزرقاء والبنفسجية
يهيمن حزبان رئيسان على النظام السياسي في الولايات المتحدة: الحزب الديمقراطي ويرمز إليه باللون الأزرق، والحزب الجمهوري، أو ما يسمى الحزب الكبير القديم، ويرمز إليه باللون الأحمر. ثمة ولايات تصوّت بأغلبية ساحقة للمرشحين الديمقراطيين لشغل مناصب على مستوى الولاية وعلى المستوى الفدرالي، ومن ثمّ تعتبر “ولايات زرقاء”، وولايات أخرى تُصوت بأغلبية كبيرة لصالح الحزب الجمهوري وتسمى “الولايات الحمراء”.
وحتى قبل أن تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية، يذهب عدد ثابت، إلى حد ما، من أصوات المجمع الانتخابي إلى مرشح حزب بعينه. فطوال العقدين أو العقود الثلاثة الماضية، على الأقل، فاز مرشحو الحزب الديمقراطي غالبًا بالولايات الآتية: كاليفورنيا (55 صوتًا في المجمع الانتخابي)، وكونيتيكت (7 أصوات)، ومقاطعة كولومبيا (واشنطن العاصمة) (3 أصوات)، وديلاوير (3 أصوات)، وهاواي (4 أصوات)، وإلينوي (20 صوتًا)، ومين (4 أصوات)، وماريلاند (10 أصوات)، وماساتشوستس (11 صوتًا)، ومينيسوتا (10 أصوات)، ونيوجيرسي (14 صوتًا)، ونيومكسيكو (5 أصوات)، ونيويورك (29 صوتًا)، وأوريغون (7 أصوات)، ورود آيلاند (4 أصوات)، وفيرمونت (3 أصوات)، وواشنطن (12 صوتًا).
ومن ناحية أخرى، غالبًا ما يحصل الجمهوريون في المجمع الانتخابي على أصوات الولايات الآتية: ألاباما (9 أصوات)، وألاسكا (3 أصوات)، وأركنساس (6 أصوات)، وأريزونا (11 صوتًا)، وجورجيا (16 صوتًا)، وأيداهو (4 أصوات)، وإنديانا (11 صوتًا)، وكانساس (6 أصوات)، وكنتاكي (8 أصوات)، ولويزيانا (8 أصوات)، وميسيسبي (6 أصوات)، وميسوري (10 أصوات)، ومونتانا (3 أصوات)، ونبراسكا (5 أصوات)، وداكوتا الشمالية (3 أصوات)، وأوكلاهوما (7 أصوات)، وكارولينا الجنوبية (9 أصوات)، وداكوتا الجنوبية (3 أصوات)، وتينيسي (11 صوتًا)، وتكساس (38 صوتًا)، ويوتاه (6 أصوات)، وفيرجينيا الغربية (5 أصوات)، ووايومنغ (3 أصوات). ويُظهر جمع أصوات الولايات، قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية، أن مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن سيحصل سلفًا، على الأرجح، على 201 من أصوات المجمع الانتخابي، في حين يُرجح أن يحصل الرئيس ترامب على 191 صوتًا، وذلك من دون أن يتكبد أي من المرشحين عناءً يذكر في القيام بحملة انتخابية في أي من الولايات المذكورة آنفًا.
الخريطة (1)
أصوات المجمع الانتخابي
وجدير بالذكر أنّ ولاية نبراسكا (منذ عام 1972)، وولاية مين (منذ عام 1992)، تعتمدان في توزيع أصوات الناخبين على ما يمكن تسميته بنظام تقسيم الأصوات[9]. فبالنسبة إلى المندوبين التشريعيين على المستوى الفدرالي، لدى نبراسكا خمسة ناخبين (اثنان يمثلانها في مجلس الشيوخ، وثلاثة في مجلس النواب)، ولدى مين أربعة ناخبين. ولم تكتفِ الولايتان بتقسيم أصوات الناخبين على أساس فرز أصوات المقترعين على مستوى الولاية، بل أضافتا إليها نتائج الاقتراع الشعبي في دوائر الكونغرس الفردية أيضًا (المناطق التي انتخب فيها المندوبون المذكورون أعلاه). وباختصار، فإن أي مرشح يحصل على أغلبية الأصوات داخل حدود ولايتي نبراسكا ومين، يفوز تلقائيًّا بصوتَين من أصوات الناخبين الخمسة والأربعة على التوالي. وبعد ذلك تُقسم أصوات الناخبين المتبقية على المرشح الفائز بالاقتراع الشعبي في الدوائر الفردية.
أدى تطبيق هذا النظام إلى فوز المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري جون ماكين في انتخابات عام 2008 بأربعة أصوات من أصل أصوات ولاية نبراسكا الخمسة، لأنه فاز بأغلبية أصوات المقترعين على مستوى الولاية وأغلبية أصوات دائرتَي الكونغرس الأولى والثالثة فيها. لكن الفائز النهائي، باراك أوباما، حصل على أغلبية أصوات دائرة الكونغرس الثانية في نبراسكا؛ وبذلك كسب صوت ناخب الولاية المتبقي الخامس[10]. وفي انتخابات عام 2016، نجح الرئيس ترامب في تقسيم أصوات ولاية مين؛ إذ فاز بأغلبية أصوات دائرة الكونغرس الثانية، في حين بقي لهيلاري كلينتون صوتان على مستوى الولاية وصوت واحد عن دائرة الكونغرس الأولى[11].
ونظرًا إلى تسمية الولايات المؤيدة للحزب الديمقراطي بـ “الزرقاء”، والمؤيدة للحزب الجمهوري بـ “الحمراء”، فإن الولايات المتأرجحة توصف غالبًا بأنها “بنفسجية” نتيجةً للتنافس المحتمل بين كلا الحزبين الرئيسَين للحصول على أصواتها، وكذلك غياب التأييد الكافي الذي يسمح لأيّ منهما بالقول بثقة، قبل موعد الانتخابات، إن أغلبية الأصوات ستذهب إليه. فمن بين الكيانات الانتخابية التي يبلغ عددها 51 كيانًا، والتي تعطي أصواتها للمجمع الانتخابي (50 ولاية، إضافةً إلى منطقة واشنطن العاصمة)، اعتبرت 11 منها ولايات متأرجحة بشكل مؤكد بحسب معطيات الدورات الانتخابية الأخيرة، وهي: كولورادو، وفلوريدا، وآيوا، وميشيغان، ونيفادا، ونيوهامبشاير، وكارولينا الشمالية، وأوهايو، وبنسلفانيا، وفرجينيا، وويسكنسن. ولدى هذه الولايات 146 صوتًا انتخابيًّا. وقد اعتبرت مينيسوتا مؤخرًا ولاية متأرجحة، مع أن ناخبيها لم يمنحوا أصواتهم لأيّ مرشح جمهوري منذ عام 1972[12].
إلى أين ستذهب أصوات الولايات المتأرجحة؟
قبل نحو 30 يومًا من موعد الانتخابات الرئاسية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وضع “المتنبئون” قائمة الولايات المتأرجحة، ومعظمها يرد ذكره في القائمة التقليدية المذكورة آنفًا، مع أن بعضها لا ينطبق عليه اللون “البنفسجي” إلا بسبب الظروف الاستثنائية التي تمرُّ بها البلاد وبعض السمات الشخصية للمرشحين الرئاسيين تحديدًا.
ترسم بيانات استطلاعات الرأي طوال الموسم السياسي لعام 2020 الصورة التالية: يتقدم نائب الرئيس جو بايدن[13] في معظم استطلاعات الولايات المتأرجحة التقليدية مثل ميشيغان (16 صوتًا انتخابيًّا)، وبنسلفانيا (20 صوتًا)، ونيوهامبشاير (4 أصوات)، وويسكونسن (10 أصوات). في حين يتصدر الرئيس دونالد ترامب[14] ولايات متأرجحة تقليدية مثل آيوا (6 أصوات)، وأوهايو (18 صوتًا). أما ولايات كولورادو (9 أصوات)، ونيفادا (6 أصوات)، وفيرجينيا (13 صوتًا)، التي اعتُبرت سابقًا ولايات متأرجحة “متقلبة”، فقد ذهبت أصواتها إلى المرشحة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في عام 2016[15]، وتشير الاستطلاعات إلى أن جو بايدن سيفوز بها أيضًا.
ولم تُشر الاستطلاعات إلى تعادل إحصائي متسق إلا في ولايتَي كارولينا الشمالية (15 صوتًا) وفلوريدا (29 صوتًا)؛ ما يدّل على عدم تقدّم أيّ من المرشحين على الآخر، بإغفال هوامش الخطأ الملازمة لجمع البيانات. فإذا سارت نتائج الانتخابات وفق هذه الاتجاهات والتزمت جميع الولايات الأخرى بتوجهاتها التاريخية الأخيرة، فسيحصل جو بايدن على 279 صوتًا في المجمع الانتخابي مقابل 215 لدونالد ترامب. وهذا يعني أن بايدن سينتخب الرئيس 46 للولايات المتحدة، حتى لو خسر التنافس على الولايتين المتقلبتين كارولينا الشمالية وفلوريدا (يحصل الرئيس ترامب في هذه الحالة على 259 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي، أي أقل بـ 11 صوتًا من الأصوات 270 المطلوبة للفوز).
الخريطة (2)
أصوات الولايات وميولها الانتخابية لعام 2020
الطبيعة الفريدة للسباق الرئاسي في عام 2020
على الرغم من بيانات استطلاعات الرأي المذكورة أعلاه، فإن البيئة السياسية الحالية في الولايات المتحدة، مع اقترانها بالأزمات المتعددة التي تمرُّ بها البلاد والطبيعة الاستقطابية للرئيس ترامب، قد تؤدي إلى تحويل بعض الولايات غير المتأرجحة عادةً إلى ولايات متأرجحة في انتخابات عام 2020. فرغم أن نيفادا ونيوهامبشاير ومين صوتت مؤخرًا لمرشح الحزب الديمقراطي مثلًا، فإن الاستطلاعات الحالية تشير إلى تقارب في نتائج السباق[16] أكثر ممّا كان عليه الأمر سابقًا.
ومن المهم أن نتذكر أن دونالد ترامب فاز بصوت واحد من ولاية مين في عام 2016. وليس مفاجئًا أن يتمكن من تكرار ذلك. فاستطلاعات الرأي في نيفادا ونيوهامبشاير تقع غالبًا ضمن هامش الخطأ؛ ما يعني أن السباق، بدايةً من هذه اللحظة حتى 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، قد يتأرجح لصالح أيّ من المرشحين، ويضع الرئيس ترامب قاب قوسين أو أدنى من الفوز في تلك الولايات.
من ناحية أخرى، شهدت بعض الولايات الحمراء تقليديًّا تحولًا جذريًّا لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن. فمن المؤكد أن أريزونا التي صوتت لصالح مرشح الحزب الجمهوري في جميع الانتخابات منذ عام 1972 باستثناء عام 1996[17]، أصبحت الآن مشكلة حقيقية بالنسبة إلى الرئيس ترامب؛ إذ أظهر استطلاع تلو الآخر[18] أنها في أحسن الأحوال متقلبة، وفي أسوئها ستذهب إلى بايدن. كما أنّ ولايتَي تكساس وجورجيا[19] المصنفتين تقليديًّا باللون الأحمر، واللتين قلّما صوتتا لصالح الحزب الديمقراطي في أي انتخابات مهمة رئاسية أو على مستوى الولاية، قد تذهبان إلى بايدن بسبب تدني معدلات تأييد ترامب فيهما. فإذا خسر ترامب أصوات أيّ منهما في المجمع الانتخابي، فإن حصوله على الأصوات الـ 270 الضرورية للفوز يصبح شبه مستحيل. وأخيرًا، أصبح بايدن أيضًا في وضع يسمح له باقتناص صوت دائرة الكونغرس الثانية في ولاية نبراسكا، كما فعل أوباما في انتخابات عام 2008 حين كان بايدن نائبًا له.
في ظل ظروف طبيعية، يبدو انتصار جو بايدن مؤكدًا على نحو يزيد كثيرًا على انتصار الرئيس ترامب، لأن متوسط استطلاعات الرأي تسمح له بالحصول على 270 صوتًا في المجمع الانتخابي بسهولة أكبر.
تكتيكات عتيقة في اختيار المجمع الانتخابي
يتضح من المعطيات المتوفرة أن جو بايدن يحظى بتفوق إحصائي يسمح له بالحصول على 270 صوتًا يؤهله للفوز. إلا أن مخاوف جدية برزت هذا العام بشأن كيفية تحديد الفوز في المجمع الانتخابي. فجائحة “كورونا” تهدد بالحد كثيرًا من إقبال الناخبين على التصويت بشكل شخصي، كما أنها تهدد بزيادة كبيرة في التصويت عن طريق البريد الإلكتروني؛ ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في وقت احتساب الأصوات في جميع الولايات تقريبًا، ولا سيما التي تفتقر منها إلى بنية تحتية مناسبة للتصويت الإلكتروني، وكذلك زيادة احتمال ضياع الأصوات أو إهمالها من جرّاء أخطاء طفيفة أو إغفال عدّها لسبب أو لآخر. لقد اعتاد الأميركيون إعلان النتائج في ليلة الانتخابات نفسها، لكن فرص حدوث ذلك في عام 2020 تبدو ضئيلة. وهذا يعني أن ثقة جمهور المقترعين، المعروف بنفاد صبره الذي ربما يؤججه الرئيس ترامب بسبب استمراره في إثارة الشكوك في شرعية الانتخابات[20]، قد تتزعزع بشأن شرعية نتائج الانتخابات إذا أخذ ظهورها شكلًا متتابعًا على مدى أيام وأسابيع.
نظريًّا، وعلى وقع هذا الاضطراب العام، قد يضطر المجمع الانتخابي إلى اتخاذ قرار، في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2020، لم يلجأ إليه منذ منتصف القرن التاسع عشر[21]. فوفقًا للمادة الثانية من دستور الولايات المتحدة، يدلي الناخبون بأصواتهم في المجمع الانتخابي، وتقرر المجالس التشريعية في الولايات كيفية تعيين هؤلاء الناخبين[22]. فمنذ ستينيات القرن التاسع عشر، ربطت جميع الولايات ومنطقة واشنطن العاصمة تعيين الناخبين بنتيجة الاقتراع الشعبي. لكنّ ذلك ليس حتميًّا، بحسب ما أكّدته المحكمة العليا في قضية بوش ضد آل غور عام 2000[23]؛ إذ أصدر قضاتها حكمًا أوقف إعادة فرز الأصوات[24] في ولاية فلوريدا، فسمح ذلك بفوز جورج بوش الابن. فوفقًا لهم، ليس للناخبين من الولايات حقٌّ أصيل في إبداء رأيهم بشأن كيفية إعطاء أصواتهم في المجمع الانتخابي[25]. أما من الناحية الفنية، فلا شيء غير دستوري في تجاهلِ المجلس التشريعي للولاية نتائجَ الاقتراع الشعبي واختيار الناخبين كما يراه مناسبًا.
وفي سيناريو يغيب فيه فائز واضح بعد مرور أسابيع عدة قبل انتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر، وفي جوٍّ يثير فيه الرئيس ترامب وحلفاؤه السياسيون شكوكًا حول شرعية النتائج، فإن المجالس التشريعية لبعض الولايات المتأرجحة الحاسمة قد تبادر وتختار فائزًا. فمثلًا، يخشى البعض أن تقوم المجالس التشريعية في ولايات يسيطر عليها الحزب الجمهوري، مثل أوهايو وفلوريدا وميشيغان وويسكنسن وبنسلفانيا وأريزونا وتكساس وجورجيا، بمصادرة إرادة جمهور المقترعين وتعيين ناخبين يدلون بأصوات تلك الولايات في المجمع الانتخابي لصالح الرئيس ترامب، حتى لو كانت نتائج الاقتراع الشعبي في تلك الولايات غير واضحة أو مكتملة[26]. وهذا يطرح سلسلة جديدة كاملة من القضايا الانتخابية القانونية، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الحكام الديمقراطيين لولايات ميشيغان وويسكنسن وبنسلفانيا قد يطعنون في قرارات مجالسها التشريعية. ليس مؤكدًا أن تؤول هذه الانتخابات إلى هذا النوع من الفوضى القانونية، لكننا نمرُّ بأوقات غير مسبوقة ويجب ألا نستخف باحتمال حدوث ذلك.
قبل أسابيع قليلة من يوم الانتخابات، ترجّح بيانات استطلاعات الرأي أن يتمكن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من إزاحة الرئيس الحالي دونالد ترامب. إلا أن وجود حشد كبير من المقترعين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، قد يرجح كفَّة مرشح دون آخر. وإضافةً إلى ذلك، ثمة آليات قانونية “عميقة” قد تقرر نتيجة انتخابات شابتها مزاعم متعلقة بقمع المقترعين والتزوير وأحداث أخرى غير متوقعة.