المحتوى الهادف ومواجهة التحديات الرقمية

ان الإعلام التقليدي والجديد يلعبان دورًا محوريًا في تشكيل وعي المجتمع ومواجهة التحديات الرقمية. في ظل الانتشار الواسع للمحتوى غير الهادف، تقع مسؤولية كبيرة على الإعلام في تعزيز ثقافة التمييز بين المعلومات الموثوقة والمضللة، ودعم المحتوى الإيجابي والهادف…

في ظل التطور السريع للتكنولوجيا الرقمية، شهدت وسائل الإعلام تحولًا جذريًا في دورها التقليدي، مع ظهور المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت المصدر الرئيسي للمعلومات والأخبار لدى كثيرين. ومع هذا التطور، برزت تحديات جديدة تتعلق بالمحتوى الرقمي، لا سيما المحتوى غير الهادف والشائعات التي تنتشر بسرعة. من هنا، تبرز أهمية دور الإعلام في توجيه الجمهور وتعزيز المحتوى الهادف والمفيد. “شبكة النبأ المعلوماتية” تستعرض من خلال هذا التحقيق دور الإعلام التقليدي والجديد في مواجهة مخاطر المحتوى الرقمي، والتحديات التي يواجهها في تعزيز الوعي الاجتماعي والحفاظ على القيم المجتمعية.

دور الإعلام في مواجهة المحتوى الرقمي

ياسر الشمري، إعلامي: مع الثورة الرقمية المتزايدة في السنوات الأخيرة، ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية المعروفة، مما أدى إلى تغييرات جذرية في كيفية نقل الأخبار والمعلومات. هذه الوسائل الرقمية قد تجاوزت التوقعات في سرعة انتشار الأخبار والمعلومات، حتى لو كانت مجرد شائعات يُمكن لعامة الناس تصديقها.

إضافة إلى ذلك، يتفاعل المجتمع بصورة قوية مع الأحداث الجارية، وخاصة تلك التي تؤثر على حياتهم الشخصية وتعود بالنفع والفائدة عليهم. لذا، تقع مسؤولية كبيرة على وسائل الإعلام التقليدية في التصدي للمحتوى غير الهادف والمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم ذلك من خلال زيادة وعي الجماهير وتوجيههم نحو مصادر المعلومات الموثوقة.

من جهة أخرى، تتحمل الدولة عبر الجهات المعنية مسؤولية تثقيف المجتمع المدني وتعزيز المعرفة والثقافة والوعي. في هذا السياق، يلعب رجال الدين دوراً محورياً في التوعية والإرشاد، خاصة إذا تضافرت جهودهم مع الأسرة، التي تُعتبر الخط الأول للدفاع عن القيم ورفض المحتوى غير الهادف أو الدخيل على العائلة العراقية.

تحفيز الجمهور بالمحتوى الهادف

يوسف باسم محمد، مدرب التنمية البشرية: تؤثر وسائل الإعلام الجديدة بشكل كبير في تحفيز الجمهور لمواجهة المحتوى غير الهادف، ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية:

1. نشر المحتوى الهادف بشكل مستمر: من خلال نشر محتوى هادف بانتظام، يمكن أن يتم رفعه إلى منصات مثل “الاكسبلور”، مما يسهم في زيادة انتشاره. مع مرور الوقت، وباستمرار نشر المحتوى الهادف، سيبدأ المحتوى غير الهادف في الانخفاض تدريجياً.

2. نشر الدورات والمواضيع المتعلقة بسوق العمل: من خلال تسليط الضوء على المواضيع والدورات التي تساهم في تطوير مهارات الشباب وتحقيق تقدم في سوق العمل، يمكن تقليل الاهتمام بالمحتوى غير الهادف. هذا يساهم في تمكين الشباب من اكتساب مهارات جديدة، مما يقلل من انشغالهم بالمحتويات التي لا تضيف لهم قيمة.

دور الإعلام الجديد في مواجهة المحتوى غير الهادف

استبرق عدنان الربيعي، موظفة في كلية الآداب: تؤثر وسائل الإعلام الجديدة في تحفيز الجمهور لمواجهة المحتوى غير الهادف من خلال عدة طرق. من أبرز هذه الطرق هي نشر المعلومات والتوعية عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يمكن للمستخدمين مشاركة الأفكار والآراء حول المحتوى غير الهادف ومناقشته، مما يسهم في نشر الوعي المجتمعي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للندوات والحوارات الإعلامية التي يغطيها الإعلام عبر الإنترنت أو عبر القنوات الفضائية أن تلعب دورًا في تسليط الضوء على الآثار السلبية للمحتوى غير الهادف، وتحفيز الجمهور على التفكير النقدي والمشاركة في النقاشات التي تعزز من الفهم الصحيح وتحد من انتشار مثل هذا المحتوى.

الإعلام الجديد وتوجيه المحتوى

علي حسين عريبي، صحفي: أصبحت وسائل الإعلام الجديد، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، المحرك الأساسي لتوجيه الجمهور في استهلاك المحتوى. كما أن التطورات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التوصية، ساهمت في جعل المحتوى أكثر استهدافاً وتكيفاً مع احتياجات الجمهور.

لكن هذه المزايا تأتي مع تحديات كبيرة، شأنها شأن أي مجال آخر في الحياة الواقعية والرقمية. من أبرز هذه التحديات هو انتشار المحتوى غير الهادف.

في هذا السياق، تمتلك وسائل الإعلام القدرة الفاعلة على المساهمة في محاربة المحتوى غير الهادف، وذلك عبر تعزيز الرقابة وتطبيق سياسات واضحة. كما يمكنها دعم صناع المحتوى الهادف مادياً أو معنوياً، بالإضافة إلى تثقيف الجمهور حول أهمية التمييز بين المحتوى المفيد والمضر، وذلك من خلال تنظيم برامج وورش عمل ومحاضرات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

أنا على يقين تام أنه إذا تم استخدام هذه الوسائل بوعي وذكاء، فستكون أداة فعالة لبناء مجتمع إيجابي، خالٍ إلى حد ما من الشوائب.

المحتوى الهادف في مواجهة الابتذال الإلكتروني

حسين سامي الجعفري، كاتب: من المشهور وما هو رائج في واقعنا العراقيّ، هو انتشار المحتويات المبتذلة، التي تقدَّم عبرَ وسائل الإنترنت كافّة، والتي عُرِفت بمشاهدها المُنافية لأخلاق مجتمعنا وطِباعهم والحُدود التي تربَّوا ونشأوا وفقها، فخدشت الحياء ودخلت أواسط البيوت ونشرت أسرارها إلى خارج نِطاقها الأصل، وأحرفت الأطفال والمراهقين إلى الانجراف خلف الباطل وصوره عامّة، وغيرها من المحتويات التي استُخدِمت وأُسلِكت لأجل المصالح الشخصية التي فاقت قيمة الأخلاق والأدب والذوق العام، نتيجة الإهمال والإخفاق في الأداء الأُسري والتربوي والرقابي.

ولكن، دون أدنى شك، تبقى هنالك خُيوط الأمل الوتيدة متناثرة بينَ حياتنا الاجتماعية والمهنية، وهي تجاهد بكلّ وِسعها لنشر آفاق الرُقي والأصالة العراقية التي سادت وتسودُ دَومها برغم العوائق التي تواجهها، وذلك من خلال الطاقات الذهبية سواء من الشباب أو الكِبار، التي نراها نيِّرة في تقديم شتّى المحتويات الهادفة والسامية، التي تهذِّب النفوس وتروِّضها على النجاح والصلاح، كما تحذِّرها وتُبعدها كلّ البعد عمّا يُطرح من المحتوى غير الهادف.

إنَّ أهداف مواقع التواصل الاجتماعي وُجِدَت لتغيِّر نمط الحياة إلى الحداثة والحضارة الأعمق والأسمى، ولتنقل الإنسان إلى مكانة أكثر تطوُّرًا ممّا هو عليه، تماشيًا مع التطوُّر الحاصل في العالم، والمحتوى الهادف جزء من هذه الغاية الصائبة، وليس الهدف هو نشر وإعمام الإسفاف والابتذال والرجعية بين الناس.

دور المحتوى الإلكتروني في ترسيخ القيم

إخلاص علي إسماعيل الدراجي، محامية: عندما نتحدث عن المحتوى الإلكتروني ودوره في ترسيخ القيم في المجتمع، فنحن نتحدث عن وسائل الإعلام ودورها في التنشئة الاجتماعية التي تغرس من خلالها القيم الاجتماعية لدى أفراد المجتمع المحلي. هناك مجموعة من المؤسسات التي تمارس قيماً إيجابية داخل نفوس الأبناء، مثل الأسرة، والمدرسة، والأقران، والقانون، والإعلام، الذي يعتبر إحدى أهم المؤسسات التي تغرس هذه القيم.

التكنولوجيا الرقمية نقلت العالم إلى حالة جديدة تلاشت فيها الحدود الجغرافية والثقافية والاجتماعية. ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتنشئ عالماً افتراضياً يشكل معالمه وقيمه، وتتحكم في توجيهات محتواه قوى مهيمنة على هذا القطاع، التي وجدت فرصتها لتحقيق أرباح ضخمة.

من ثم، تسهم القواعد القانونية الناظمة للمجتمع في تكريس العديد من المبادئ المهمة التي تحقق الحماية لكافة أفراد المجتمع، خصوصاً في ظل انتشار وسائل الإعلام الرقمية. الاعتداء على مصالح المجتمع من خلال هذه الوسائل أصبح أمراً متكرراً؛ فالكثير من وسائل الإعلام الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم تتعدى على حقوق الأفراد العاديين والشخصيات العامة.

المحتوى القانوني وأهميته

المحتوى القانوني له تأثير كبير على الأفراد والمجتمعات والمؤسسات، ويمكن تلخيص هذا التأثير في عدة نقاط:

1. توعية الجمهور: يساهم المحتوى القانوني في توعية الجمهور بحقوقهم وواجباتهم، والقوانين التي تنظم حياتهم. يساعد ذلك في فهم القانون وتطبيقه بشكل صحيح.

2. تحقيق العدالة: يلعب المحتوى القانوني دوراً مهماً في تحقيق العدالة وحماية حقوق الأفراد والمجتمعات من خلال توضيح القوانين والمعايير والإرشادات اللازمة للتعامل مع القضايا القانونية.

3. توجيه القرارات: يساعد المحتوى القانوني في توجيه القرارات الشخصية والمهنية، حيث يقدم المعلومات والتوجيهات القانونية التي تساعد الأفراد والمؤسسات في اتخاذ القرارات الصحيحة.

التواصل الاجتماعي والمحتوى

الدكتور غزوان المؤنس، تدريسي في قسم الصحافة بكلية الآداب/ جامعة اهل البيت (ع): إن طبيعة تركيبة المجتمع تميل إلى البحث عن المحتوى غير الهادف، مما يجعل تحقيق المحتوى الهادف صعب المنال، خصوصاً في مجتمع يعاني من سطحية الثقافة، لذلك استمر الناس في مواجهة صعوبة إنتاج محتوى هادف في ظل هيمنة وسائل الإعلام التقليدية، حيث كان التفاعل حول ما ينشر يعاني من الضعف.

ومع ذلك، برزت شبكات التواصل الاجتماعي التي تميزت بسمة التفاعلية المتبادلة بين المرسل والوسيلة من جهة، والمستقبل والرسالة من جهة أخرى، وبشكل فوري، مما أدى إلى زيادة كبيرة في التفاعل مع المحتوى المنشور.

إضافة إلى ذلك، وفرت الأدوات التفاعلية أمام الجمهور الافتراضي مثل الإعجاب، والتعليق، والمشاركة، مما جعل التعليق على ما ينشر يعد بمثابة إبداء رأي، وهذا الأمر عزز دور شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها مجالاً عمومياً، بما يتوافق مع ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس في نظريته حول المجال العمومي.

كذلك، أتاحت المنصات الاجتماعية حرية الرأي واختيار الموضوعات بعيداً عن قيود السلطة التي كانت تتحكم في المادة المعروضة للجمهور.

هذا التطور جعل المحتوى الهادف أكثر سهولة للوصول إلى الجمهور في ظل البيئة الافتراضية، على الرغم من وجود عدد كبير من السلبيات المرتبطة باستخدام هذه المنصات.

لذا، ينبغي استغلال شبكات التواصل الاجتماعي بشكل صحيح للترويج للمحتوى الهادف، والاستفادة من سمة التفاعلية المطلقة للوصول إلى جمهور واسع.

الترويج للمحتوى الهادف ومكافحة التضليل

مقداد الموسوي، تدريسي في جامعة الكوفة: من خلال التوعية الإعلامية ونشر الوعي بين الجمهور حول كيفية الترويج للمحتوى المفيد ومعرفة المحتوى المضلل وغير المفيد، وفهم اهتمامات الجمهور وتحليل وتحديد أنواع المحتوى، بالإضافة إلى التعاون مع مؤثرين يدعمون القضايا الهادفة، وتحفيز الجمهور على المشاركة، ومراقبة المحتوى المنشور والتدقيق المستمر.

خلص هذا التحقيق، الذي أجرته “شبكة النبأ المعلوماتية”، إلى أن الإعلام التقليدي والجديد يلعبان دورًا محوريًا في تشكيل وعي المجتمع ومواجهة التحديات الرقمية. في ظل الانتشار الواسع للمحتوى غير الهادف، تقع مسؤولية كبيرة على الإعلام في تعزيز ثقافة التمييز بين المعلومات الموثوقة والمضللة، ودعم المحتوى الإيجابي والهادف. إن مستقبل الإعلام يتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات الإعلامية والهيئات الحكومية والمجتمع، لضمان تقديم محتوى يعزز من قيم المجتمع ويحافظ على هويته، في ظل عالم رقمي يزداد تعقيدًا.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M