الملخص :
لا تتوقف أهمية استقلالية السلطة القضائية على حماية حقوق وحريات الأفراد والمجتمع، بل إن أهميتها تتجاوزها إلى حفظ وضمان التوازن داخل الأنظمة الديمقراطية من خلال تعزيز الرقابة على السلطة التنفيذية لأجل منع أي تغول أجهزتها على الحقوق والحريات، وبالتالي الحفاظ على سيادة القانون وتعزيز الحق في الوصول إلى العدالة لكافة الأفراد.
وقد نص القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 بشكل واضح على استقلالية السلطة القضائية وذلك أسفل مجموعة من المبادئ المتمثلة في استقلالية القضاء والقضاة، وعدم تدخل أي سلطة في عمله. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن القضاء الفلسطيني ما لبث يعاني من تدخلات مستمرة وخطرة في عمله من قبل السلطة التنفيذية، وهو ما دفع بالسلطة القضائية لتقع في قلب عاصفة من التجاذبات والتدخلات التي قادت إلى المساس المباشر، ليس فقط باستقلالية القضاء، بل بأداء القضاة وتعيينهم وعزلهم وآليات تطبيقهم للقانون.
وفي ظل غياب كامل للسلطة التشريعية في فلسطين منذ عام 2006، فقد انفردت السلطة التنفيذية في التدخل والتحكم شبه الكامل في شؤون القضاء وذلك من خلال إصدار عدد كبير من القرارات بقوانين التي مست العمل اليومي للمحاكم وعمدت إلى تعديل القوانين الناظمة لعمل القضاء بما يشمل المحكمة الدستورية العليا.
تناقش هذه الورقة الواقع القانوني والسياسي الذي يحكم دور المحكمة الدستورية العليا في فلسطين. إذ أنه في ظل واقع سياسي فلسطيني مضطرب يميزه غياب كامل للسلطة التشريعية، وانفراد السلطة التنفيذية -المنتهية ولايتها القانونية- بإصدار وتعديل القوانين، واستمرار حالة الانقسام السياسي الذي ينعكس على تأجيل مستمر ودائم لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية المستحقة, تحولت المحكمة الدستورية العليا إلى أداة تسعى لتعزيز صلاحيات السلطة التنفيذية عوضا عن كونها أداة للرقابة على أعمالها.
تناقش هذه المقالة في القسم الأول التنظيم القانوني للمحكمة الدستورية العليا في فلسطين, فيما تقدم عرضا لأبرز القرارات التفسيرية الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا ضمن القسم الثاني, وأخيرا تتطرق إلى أبرز التحديات التي تواجه المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية وذلك في القسم الثالث.