- تزايدت احتمالات التوصل إلى اتفاق تهدئة/صفقة بين إسرائيل وحركة حماس قبل شهر رمضان، ويعود ذلك إلى تراجع “حماس” عن أغلب شروطها الأساسية، وهو ما سيزيد ضغط الوسطاء والشارع الإسرائيلي على حكومة نتنياهو لتوقيع الاتفاق.
- يُحقِّق الاتفاق المقترح شروط إسرائيل أكثر من “حماس”، فإسرائيل لن تنسحب من القطاع ولن تُطلق عدداً كبيراً من الأسرى الفلسطينيين كما طالبت حماس، ولن يناقش الاتفاق المرحلة الثانية حالياً، فضلاً عن أنه لن يتضمن إشارة إلى وقف نهائي لإطلاق النار.
- تهدف حركة حماس من الاتفاق للحصول على تهدئة طويلة نسبياً من أجل تقليل حدة المعاناة الإنسانية في القطاع التي تشكل عاملاً ضاغطاً عليها، وتحرير عدد من الأسرى الفلسطينيين “النوعيين” من السجون الإسرائيلية، بحيث تسوّقه داخلياً كإحدى ثمار الحرب.
تجدَّدت مباحثات التهدئة في باريس وقطر من أجل التوصل إلى اتفاق تهدئة وصفقة تبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل قبل شهر رمضان. وعلى الرغم من التصريحات المتفائلة من الوسطاء، فإن الطريق للوصول إلى اتفاق لا تزال تعتريه صعوبات وتحديات من الطرفين. وقد رافق مباحثات التهدئة/الصفقة طرح مبادرات سياسية لليوم التالي للحرب، ولا شك في أن هذه المبادرات أو التصورات غير منفصلة عن مسار مباحثات التهدئة، سواء من الجانب الإسرائيلي أو من الجانب الأمريكي أو الإقليمي-الفلسطيني.
تتناول هذه الورقة مسار مباحثات التهدئة/الصفقة، على ضوء المتغيرات الجديدة منذ “اتفاق الإطاري” الذي تم التوصل له في “مباحثات باريس-1″، وتناقش مصالح الأطراف، واحتمال توقيع اتفاق في الوقت القريب.
مباحثات التهدئة/الصفقة والعوامل الجديدة
بعد إخفاق مباحثات التهدئة/الصفقة التي جرت في القاهرة في أواسط شهر فبراير المنصرم نتيجةً لعدم جدية المشاركة الإسرائيلية في المباحثات، استُؤنفت المباحثات في باريس في 24 فبراير، وضمت ممثلون عن الوسطاء (قطر ومصر والولايات المتحدة) وشارك فيها وفد إسرائيلي ضم رئيس جهاز الموساد ديفيد برنيع، ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، ومسؤول ملف الأسرى والمحتجزين في الجيش الإسرائيلي اللواء نيتسان ألون، إلى جانب أوفير فليك المستشار السياسي لرئيس الوزراء. وتم التوصل في “مباحثات باريس-2” إلى مقترح مُعدل “للاتفاق الإطاري” الذي تُوصِّل إليه في اجتماع باريس الأول، في 28 يناير الماضي.
ووفق المعلومات التي أوردتها وكالة “رويترز” تتضمن المرحلة الأولى من المقترح المعدل صفقة تبادل تشمل تحرير 40 محتجزاً إسرائيلياً من النساء المدنيات والمرضى والأطفال (دون سن 19)، وكبار السن (فوق 50 عاماً)، مقابل 400 تحرير أسير فلسطيني (بمعدل 10 لكل واحد). وتشمل المرحلة الأولى أيضاً زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ودخول 500 شاحنة مساعدات يومياً، والالتزام بتوفير 200 ألف خيمة، و60 ألف وحدة إيواء متنقلة، وتأهيل المستشفيات والمخابز، وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الركام والمساعدة في الأغراض الإنسانية، كما تشمل انسحاب القوات الإسرائيلية من الأماكن لمكتظة بالسكان في قطاع غزة، والسماح بالعودة التدريجية لجميع النازحين المدنيين (باستثناء الرجال من سن الخدمة العسكرية) إلى شمال قطاع غزة. وترك المقترح التباحث على المرحلة الثانية لاحقاً، بمعنى أن المباحثات الحالية تركز على المرحلة الأولى التي تصل مدتها إلى 40 يوماً، وتهدف إلى وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان.
وبالرغم من أن “حماس” لم تُصدر ردها بخصوص المقترح المعدل، فقد توجه وفد إسرائيلي أمني إلى قطر في 26 فبراير من أجل التباحث حول تفاصيل المقترح، مثل تعريف المناطق التي ستُعيد القوات الإسرائيلية التموضع فيها، وقائمة أسماء الذين سيُفرَج عنهم بين الطرفين، وغيرها.
ويمكن الإشارة إلى مجموعة من المتغيرات التي استجدت في المباحثات الأخيرة:
أولاً، بداية تحرك عربي ودولي-أمريكي لطرح تصور سياسي لليوم التالي للحرب، وترتبط هذه التحركات بتوقيع اتفاق تهدئة في قطاع غزة وتبادل أسرى، لمنح مساحة تحرك أفضل للأطراف، وهو واحد من اعتبارات الضغط الأمريكي في هذا الصدد، لاسيّما على إسرائيل، ومطالبتها بتأجيل عملية رفح بحجة انعدام خطة إسرائيلية مقنعة تضمن الحفاظ على حياة الناس المدنيين في القطاع.
ثانياً، استقالة الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد اشتية، كجزء من دعم التحرك الأمريكي لليوم التالي للحرب.
ثالثاً، تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بسبب تراجع دخول المساعدات لسكان القطاع، وخاصة في الشمال، مما بدأ يُنذر بانتشار مجاعة في القطاع، حيث تشير معطيات الأمم المتحدة إلى أن المساعدات تراجعت للنصف تقريباً في شهر فبراير، وهو أمر يُشكل حالة ضغط على حركة حماس تحديداً.
رابعاً، تفاقم الاحتجاج الشعبي في إسرائيل وانتقاله إلى مرحلة جديدة من الحدّة، لدرجة أن رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق إيهود براك طالب المتظاهرين بمحاصرة الكنيست حتى إجراء انتخابات جديدة، وجزء من هذه المناشدة نابع من فشل الحكومة في تحرير المحتجزين الإسرائيليين، وتجدُّد دعوة إيهود أولمرت رئيس الحكومة السابق إلى وقف الحرب وتحرير المحتجزين. كما صرّح رئيس المعارضة يائير لبيد بشكل مباشر أن نتنياهو لا يفكر إلا ببقائه السياسي، وهو الأمر الوحيد الذي يوجهه في هذا المرحلة، وقراراته نابعة من هذا الاعتبار الوحيد.
خامساً، اقتراب شهر رمضان، والتخوف الأمريكي وحتى الإسرائيلي من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية والقدس إذا استمرت الحرب خلاله، وربما تفاقم التوتر على جبهات إقليمية أخرى.
اتفاق التهدئة ومواقف الأطراف
أولاً، الحكومة الإسرائيلية
يُظهر الجانب الإسرائيلي مؤخراً نوعاً من الثقة في إمكانية فرض شروطه على حركة حماس للقبول بالتهدئة. ويشير تحليل الخطاب والممارسات الإسرائيلية إلى أن نتنياهو غير مستعجل في التوصل إلى اتفاق، وذلك من أجل سحب مزيد من التنازلات من حركة حماس، وفرض شروط الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق.
وقد مارست إسرائيل ضغوطاً على حركة حماس من خلال تقييد دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وبخاصة في شماله، ما تسبَّب في ظهور معالم مجاعة بين السكان، فضلاً عن التهديد بتنفيذ عملية عسكرية في رفح في حال فشلت المباحثات، واستمرار القتال في القطاع وتحديداً في خانيونس، وتحقيق الجيش الإسرائيلي أهدافاً عسكرية تكتيكية على نحو هدم أنفاق مراكز التحكم والسيطرة لحماس في خانيونس، واستمرار القتال في الشمال لتصفية الحضور العسكري لحماس فيه.
وتضع إسرائيل الشروط الآتية لقبول اتفاق التهدئة:
- عدم انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
- تحديد عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيُطلَق سراحهم في المرحلة الأولى، وإجلاء الأسرى “النوعيين” (ذوو الأحكام العالية) خارج الأراضي الفلسطينية، مثل قطر أو تركيا.
- عدم الإعلان عن وقف إطلاق النار بعد التهدئة، ولا حتى الإشارة إلى ذلك بشكل غير مباشر كما تطالب حماس.
- عدم ربط ملف التهدئة بملف إعادة الإعمار في قطاع غزة، أو أي تسوية أو تصور سياسي لليوم التالي للحرب.
وفي قراءة لمعالم الاتفاق يمكن القول إن الاتفاق اقترب من الشروط الإسرائيلية أكثر من شروط حركة حماس؛ فإسرائيل لن تنسحب من القطاع كما طالبت حركة حماس، ولن تُطلِق عدداً كبيراً من الأسرى الفلسطينيين كما طالبت حماس في البداية (1400 أسير)، ولن يناقش الاتفاق المرحلة الثانية حالياً، فضلاً عن أنه لن يتضمن إشارة إلى وقف نهائي لإطلاق النار.
وعشية استئناف المباحثات في باريس، طرح نتنياهو تصوّره لليوم التالي للحرب (التي أطلق عليها اسم “اليوم التالي لما بعد حماس-مبادئ”)، ويبدو أن هذا التصور جاء رداً على التحركات الأمريكية والإقليمية والفلسطينية لوضع تصور سياسي لليوم التالي للحرب، وهو تصور يستهدف نتنياهو من طرحه مخاطبة الشارع الإسرائيلي ليؤكد موقفه أن اتفاق التهدئة لن يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها الأساسية من الحرب، وهي القضاء على البنية العسكرية لقطاع غزة وجعلها منطقة منزوعة السلاح، وأن التهدئة لن تكون جزءاً من تصور سياسي لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة.
يُدرك نتنياهو أن “حماس” قدمت تنازلات أمام الوسطاء من أجل التوقيع على اتفاق التهدئة، وأن الاتفاق إذا فشل فسيكون هو الُملام دولياً وإسرائيلياً، ولن يستطيع تسويق سردية أن “حماس” أفشلته. وقد صرّح الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً أن سلوك الحكومة الحالية من شأنه أن يُفقِدها دعم العالم.
ثانياً، حركة حماس
بدأت حركة حماس تدرك أن التعويل على الضغط الإسرائيلي الداخلي في ملف الأسرى والرهائن، لم يعد مُجدياً بشكل كبير في الضغط على الحكومة الإسرائيلية عموماً، وعلى نتنياهو خصوصاً، بل إنَّه يُظهر تفرُّد نتنياهو في إدارة ملف المباحثات، وتراجُع تأثير أعضاء مجلس الحرب من المعسكر الرسمي (بيني غانتس وغادي آيزنكوت) على إدارة هذا الملف.
وفي أعقاب رد الحركة على اتفاق باريس الأول، والذي شمل شروطاً عَدَّها نتنياهو “غير واقعية ونوعاً من الهذيان”، يبدو أن الحركة تراجعت عن جزء من هذه الشروط، إذ تغير خطاب الحركة نحو نوع من الضبابية بحيث اكتفت بالقول إنَّها تعاملت بإيجابية مع مقترح الوسطاء. ولكن يبدو أن الحركة تنازلت عن بعض شروطها المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وتهدف حالياً إلى الحصول على تهدئة طويلة نسبياً من أجل تقليل حدة المعاناة الإنسانية في القطاع الذي يُشكل عاملاً ضاغطاً عليها. واعتبرت حماس أن سياستها تتسم بالمرونة من أجل تخفيف المعاناة عن سكان القطاع، وهو اعتراف ضمني بالتراجع عن الشروط التي وضعتها على مقترح باريس.
ويمكن تفسير تراجع موقف “حماس”، فضلاً عن الضغوط الإسرائيلية، وربما ضغط الوسطاء، بتعويل الحركة على المسار السياسي الذي يتبلور دولياً وإقليمياً وحتى فلسطينياً في طرح تصور سياسي يُنهي الحرب، والذي بدأ مع استقالة حكومة محمد اشتية في 26 فبراير، ومساعي تشكيل حكومة فلسطينية تحكم الضفة وغزة بما ينسجم مع التصور الأمريكي والإقليمي.
وبناءً على ذلك، فقد تراجعت عوامل الضغط التي تمارسها حماس على إسرائيل للقبول بشروطها، فالمجتمع اليهودي يؤيد بنسبة 68% منع دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ولا يؤيد وقف الحرب حتى بثمن التطبيع مع السعودية، ولم تعد الخسائر البشرية في الجيش تؤثر في مواقف المجتمع الإسرائيلي من الحرب، إذ إن الجيش يُسوِّق أنه يحقق انتصارات في قطاع غزة، ويظهر ذلك في تراجع عدد إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة. وهنا يجب التفريق بين وجود دعم شعبي إسرائيلي لصفقة بأقل الأثمان لاسترجاع المحتجزين الإسرائيليين، وبين معارضته لوقف الحرب كُلياً.
وعلى الرغم من تراجُع “حماس” عن ملاحظاتها السابقة على مقترح باريس، فإن الحركة تُعوّل على أن الاتفاق ينحصر في المرحلة الأولى، والتي تشمل الإفراج عن الرهائن الأطفال والنساء والمرضى، وتُبقي لديها الجنود والرجال، مما يعني بقاء ورقة ضاغطة [لديها] في المرحلة الثانية من الحرب أو الاتفاق. كما أن الاتفاق يُسهِم في تخفيف الأزمة الإنسانية الضاغطة عليها، لاسيّما مع اقتراب شهر رمضان، ويُمكّنها من التحرر من الضغط العسكري واستهداف قيادتها، وفي نفس الوقت تحرير عدد من الأسرى الفلسطينيين “النوعيين” من السجون الإسرائيلية، بحيث تسوّقه للمجتمع الفلسطيني بوصفه نوعاً من ثمار الحرب.
ثالثاً، الولايات المتحدة
تهدف الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاق التهدئة قبل شهر رمضان، وتنطلق الولايات المتحدة من أن اتفاق التهدئة هو جزء من تصورها السياسي لليوم التالي للحرب، والذي يهدف بالأساس إلى الحفاظ على مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وقد أشار بايدن إلى أن وقف إطلاق النار في غزة سوف يدفع مساراً سياسياً للسلام بين إسرائيل والدول العربية، والبدء بمسار دبلوماسي لحل الدولتين. كما تريد الإدارة الأمريكية إنجاز الاتفاق لتقديم صورة إلى العالم وإلى شرائح في المجتمع الأمريكي بأنها لا تدعم الحرب فقط، بل تدعم جهود وقف إطلاق النار من منطلقات إنسانية، وبخاصة أنها استعملت حق النقض الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن لمنع قرار وقف إطلاق النار. وهنا يدخل الموقف الأمريكي المثابر المعارض لعملية عسكرية في رفح من دون تقديم خطة إسرائيلية تضمن حماية السكان، وحتى الآن تشير الولايات المتحدة إلى أنها لم تستلم خطة مقنعة من الطرف الإسرائيلي في هذا الشأن.
وتشي تصريحات بايدن الأخيرة حول توقيع الاتفاق خلال أيام، ووقف الحرب خلال شهر رمضان، وانتقاده للحكومة الإسرائيلية، أن الضغط الأمريكي انتقل من حركة حماس إلى إسرائيل. وهذا يدل على أن إسرائيل هي العقبة الأخيرة في التوصل إلى اتفاق، بعد أن قدمت حركة حماس تنازلات بالمقارنة مع شروطها على مقترح باريس، واقتراب شروط الاتفاق من الشروط الإسرائيلية، لذلك ترى الإدارة الأمريكية أنه لم يعد هناك ما يمنع توقيع الاتفاق قريباً قبل شهر رمضان.
استنتاجات
تشير المؤشرات الجديدة إلى تزايد احتمال التوصل إلى اتفاق تهدئة/صفقة بين إسرائيل وحركة حماس قبل شهر رمضان، ويعود ذلك إلى تراجع “حماس” عن أغلب شروطها الأساسية، وهو ما سيزيد ضغط الوسطاء والشارع الإسرائيلي على الحكومة الإسرائيلية لتوقيع الاتفاق. وسيحرص نتنياهو على تسويق الاتفاق باعتباره انتصاراً له، أو على الأقل الإيحاء بعدم خضوعه لمطالب حماس أو الوسطاء، بما يسهم في تحسين شعبيته، التي عادت للتصاعد بشكل بطيء في الأسابيع الأخيرة.
وتربط الولايات المتحدة بين اتفاق التهدئة الحالي والمسار السياسي الأوسع في المنطقة المتمثل في عودة التطبيع مع الدول العربية، وبدء مسار دبلوماسي لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهو أمر ترفضه إسرائيل. وجاء نشر مبادئ نتنياهو لليوم التالي تعبيراً عن معارضته لهذا الحراك من جهة، وطمأنةً لجمهوره اليميني بأن التهدئة منفصلة عن هذا الحراك، ليسهل عليه تسويقها له.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/almakhad-alsaab-lisafqat-altahdia-bayn-harakat-hamas-wa-israiyl