عبدالعزيز الدخيل
المرأة السعودية والرجل السعودي بشران مثل بقية البشر، لسنا غير الناس خيراً كان ذلك أو شراً. ولدنا كبقية البشر الأبيض والأسود والأصفر، إن كان هناك ما يميزنا ويعيبنا فهو ما اكتسبناه في تاريخ حياتنا.
ولدت المرأة السعودية ثم لفت بثوبها الاجتماعي، التراثي والديني، الحضري والبدوي. ثوب مغلق المسام، تراث وإن أشاد بالمرأة في شعره ونثره إلا أن في بعض أحكامه وأد لحياتها وكان أيام الجاهلية ما زالت قائمة. القرار الأول والأخير لوالدها وإن بلغت من عمرها الرشد والعصمة لزوجها أو الرجل من أبنائها وإن بلغت عقوداً بعد الرشد. فقه ديني متشدد يقدم الممنوع على المسموح سداً لباب الذرائع، ويرى في المرأة فتنة، صوتها ممنوع ووجها مغطى ومستور، مكانها المنزل في الحياة والقبر في الممات، وكلاهما قبران. العلم والتعلم ليس لها فهو للرجال فقط (مال النساء وللكتابة والقراءة – هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابه).
توحدت البلاد على يد المؤسس الملك عبد العزيز عام 1932 م الموافق 1351 هجرية فجمع الأطراف ووحد القيادات وبدا التحول الاجتماعي تدريجياً من القبلية بقواعدها الاجتماعية الجافة الصارمة إلى المدنية بقواعدها وعلاقاتها الهينة اللينة.
أنشئت مديرية المعارف عام 1923 ميلادية في مكة المكرمة بعد أن ضم الملك عبدالعزيز الحجاز إلى فتوحاته ثم أنشئت وزارة المعارف 1953 ميلادية. فتحت المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية تباعاً للأولاد فقط وبدا التعليم ينتشر ويتوسع في المدن والقرى والهجر. وبعد 33 عاماً وبالتحديد في أكتوبر من عام 1959 ميلادية صدر أمر ملكي بافتتاح مدارس حكومية لتعليم البنات وفي عام 1960 أنشئت الرئاسة العامة لتعليم البنات. وعلى الرغم أن التعليم الحكومي للبنات لم يبدأ إلا في وقت متأخر إلا أن المدارس الأهلية لتعليم البنات بما فيها الكتاتيب كانت منتشرة في المدن الكبرى بجهود أهلية.أقبلت المرأة السعودية على التعليم برغبة شديدة؛ ففي المدارس سعة لحياتها الاجتماعية المحصورة في حدود المنزل كان ذلك منزل الأهل أو الأقارب، وفي المدرسة زيادة في علاقاتها الاجتماعية مع زميلاتها، كانت المدرسة فضاء اجتماعياً وعلمياً جديداً. كما وجدت المرأة السعودية في التعليم رفعاً لقيمتها ومكانتها الاجتماعية العائلية، فلم تعد القراءة والكتابة من قدرات رجال العائلة فقط. كان انتظام المرأة في التعليم وفي التحصيل وفي النتائج أفضل من الرجل بشكل عام ليس لفروقات جينية بين الرجل والمرأة ولكن بسبب فروق الحياة الاجتماعية بين الأخ وأخته، كان حراً طليقاً بعد المدرسة وكانت معظم الوقت حبيسة الدار فساعدها سجنها الاجتماعي على القراءة وأداء الواجبات المدرسية.
في عام 1935 تم اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية بعد عامين من توحيد البلاد تحت اسم المملكة العربية السعودية. أوقفت الحرب العالمية الثانية (1940 – 1945) التوسع في استخراج وبيع البترول ومعه الزيادة في إيرادات الدولة. وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى بدا البترول السعودي يأخذ طريقه إلى الأسواق العالمية ويدر دخلاً متزايداً للإيرادات الحكومية. في عام 1960 وصل إيراد الحكومة من البترول 1706.3 مليون ريال سعودي ارتفع إلى 246183.8 مليون ريال سعودي في عام 1982. هذه القفزة الهائلة في إيرادات الدولة من البترول أدت إلى زيادة دخل الأفراد فزاد معه معدل الإنفاق ومنه سفر العوائل إلى خارج المملكة للسياحة وهنا أصبحت المرأة السعودية ترى الحياة الأجنبية عن قرب وترى معها الحرية الاجتماعية التي تتمتع بها المرأة الأجنبية في ذلك العالم ومدى مشاركتها ومساهمتها مع الرجل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بالطبع لم تكن كل مظاهر حياة المرأة. لم يكن السفر للخارج بالنسبة للمرأة السعودية، هو المسرح الوحيد الذي رأت فيه المرأة السعودية رؤى العين الجانب الآخر من حياة المرأة، بل كان هناك الابتعاث الحكومي والخاص للدراسة في الخارج. هنا عاشت المرأة السعودية وعاصرت بشكل أعمق ولمدة أطول الحياة الاجتماعية للمرأة في العالم الآخر، عالم يتيح للمرأة مجالاً أكبر للمشاركة الفاعلة في الحياة وبناء مستقبلها ومستقبل الوطن. كل هذا إضافة إلى ما تنقله الوسائط المرئية من تلفزيون وأفلام وما في حكمها أعطى للمرأة السعودية مجالاً أوسع للاطلاع والتعرف على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه المرأة في الحياة.
المرأة السعودية وعلى الرغم من هذا الزخم من المعرفة والاطلاع عن قرب على الحياة الاجتماعية الطبيعية التي تنعم بها المرأة في العالم الآخر وعلى الرغم من التطور في حياتها العلمية والمعرفية إلا أن المرأة السعودية ظلت إلى حد كبير حبيسة القيود الاجتماعية البالية والفكر الفقهي المتزمت رغم أن القرآن الكريم رفع من قدر المرأة ومقامها ولم يفرق بينها وبين الرجل في الفرائض والواجبات وفي الحساب والعقاب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) «سورة الحجرات». في 26 سبتمبر صدر قرار ملكي يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة فأشعل هذا القرار مخزوناً هائلاً من الطاقة والرغبة في التطور الاجتماعي كانت مقموعة بالتقاليد والأحكام والأوامر. كما كانت هناك قرارات أخرى تصب في توسيع دائرة الحرية الاجتماعية التي تسمح بالاختلاط المسموح به شرعاً في العمل والأسواق، والحد من تجاوزات بعض أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعم توظيف المرأة في المكاتب والمتاجر، والسماح بالمهرجانات والحفلات وفتح دور للسينما. الانفتاح النسبي في الحياة الاجتماعية للمرأة السعودية مستحق منذ زمن وقد أدى تأخره من جهة، وزيادة الوعي الاجتماعي والعلمي من جهة أخرى إلى تراكم الضغط لدى المرأة طلباً للإصلاح الاجتماعي وفك الحصار. لقد رأينا كيف اندفعت هذه القوى الإيجابية للمرأة بقوة وإيمان عندما فتح الباب لها وسوف يستمر في نظري هذا الاندفاع والتدافع من أجل التطور الاجتماعي الذي تتصدره المرأة لأنها تعرف أكثر من الرجل كآبة الحياة الاجتماعية في ظل القيد والتخلف الاجتماعي.
الأمل في أن يكتمل عقد الحقوق للمرأة السعودية بإصلاح بعض القوانين التي لا تزال تحد من حركة المرأة وحريتها مثل قانون الولاية وغيره. كما آمل أن تمتد مسيرة الإصلاح الاجتماعي لتشمل الجوانب الأخرى من حياة الإنسان السعودي ومنها الإصلاح السياسي، الذي يعتبر العمود الفقري لحركة الإصلاح والتطور الشاملة.
ورغم أن حقوق المرأة لم تكتمل وأظنها في مراحل الدراسة والمراجعة إلا أن ما تحقق للمرأة من حرية اجتماعية نسبة لما كان عليه الوضع سابقاً، سمح للطاقة الإيجابية النسائية المكبوتة على مر السنين بإيجابية حركة التطور الاجتماعي في المجتمع السعودي. إن المرأة السعودية اليوم هي التي في مقدمة الصفوف تقود حركة التغير والتطور الاجتماعي.
رابط المصدر: