مقدمة
لا يخفى على أحد أن دول مجلس التعاون تبذل جهدها وتتنافس فيما بينها على تصدر مؤشرات التنمية الدولية. وأحد أهم تلك المؤشرات التي تتفاخر بها، من حين لآخر، هي تلك المتعلقة بمستوى تعليم المرأة، إذ أدى الحال إلى أن يكون تعليم المرأة يفوق نظيرها الرجل في التعليم الجامعي في أغلب دول مجلس التعاون، مما دفع البعض إلى الحديث عما يمكن تسميته بـ “الفجوة العكسية” بين الجنسين.[1] كما تتفاخر الدول بوصول المرأة إلى بعض المناصب القيادية بالتعيين أو عن طريق صندوق الاقتراع، مثل ما حصل مؤخراً في المملكة العربية السعودية في انتخابات المجلس البلدي.
دون إنكار لأهمية هذه التغيرات، حتى وإن كانت في نظر البعض بطيئة أو شكلية، فإنها بالتأكيد تعد خطوات صغيرة في طريق طويل لتحقيق العدالة والمساواة للمرأة في مجتمعات دول المجلس. لكن، وكما تبين لنا سلسلة الاصدارات السنوية من “الثابت والمتحول”، فإن مع كل متغير طارئ نتيجة للتطورات والتغيرات الجارية في تتابع متسارع في الدول الست، سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية، فهنالك ما هو “ثابت” وفي “ركود هامد”، وكذلك الحال مع قضايا المرأة. فبرغم التغيرات الحديثة الطارئة على المجتمع، تبقى عدة من المسائل ثابتةً أو بالأصح خاضعةً للتثبيت جراء سياسات معينة. من هنا يسعى هذا البحث إلى طرح طرق لقراءة وتفكيك هذه السياسات عبر إثارة السؤالين التاليين:
1. كيف تنظر سياسات التنمية لموقع المرأة في المجتمع، خصوصاً فيما يتعلق بأوجه الخلل المزمنة؟
2. هل تشهد المرأة في الخليج تمكيناً في وضعيتها في المجتمع، أم انتقاصاً لحقوقها وتهميشاً لمكانتها في ظل السياسات القائمة؟
للإجابة عن هذين السؤالين، يقوم هذا البحث بإجراء قراءة نقدية من منظور النوع الاجتماعي (الجندرية)[2] ، للوثائق الحكومية والاحصائيات والدراسات التي تنشرها. يحاول هذا النوع من التحليل إبراز كيفية إنتاج النوع الاجتماعي والفرضيات التي يستند إليها لاختلافات منهجية في المعايير والسياسات والفرص المتاحة للمرأة.[3] من الوثائق التي يتطرق لها هذا البحث ما هو عام في مضمونه، كرؤية قطر 2030، والتي نجد ما يوازيها في كافة دول الخليج، وما هو أكثر تفصيلاً، كوثائق السياسة السكانية وقوانين الجنسية. كما تمت الاستعانة ببعض التقارير من الصحف المحلية كمؤشر للمناخ العام إزاء الفعاليات والأنشطة المتعلقة تحديداً بقضايا المرأة، كالمؤتمرات والمحاضرات العامة. في نهاية هذا البحث، سوف يتم إبراز التناقضات في السياسات المتعلقة بالمرأة، تلك الناجمة عن محاولة الدولة لمحاكاة وإرضاء قطاعات مختلفة من الجماهير في داخل المجتمع المعني وخارجه.
وأخيراً، فإن هذا القسم من الإصدار السنوي يعد دعوة للباحثين في شؤون سياسات التنمية للبدء بإدراج قراءة نقدية من منظور النوع الاجتماعي لما يحدث من تغيرات في دول مجلس التعاون. وبالرغم من أن البحث يستحضر حالة المرأة القطرية بالأخص، إلا أنه يأمل أن يوفر إطاراً نظرياً ونموذجاً متواضعاً لمن يرغب بدراسة سياسات التنمية وتأثيرها على المرأة في الدول الخليجية الأخرى.
نبذة تاريخية
لا يجد الباحث الكثير من الدراسات التي تتناول تاريخ النساء في الخليج خصوصاً والعالم العربي عموماً. وقد نجم عن هذا الإهمال لتاريخ النساء، سواء في حقبة ما قبل الإسلام أو ما بعده، تصور سطحي للمرأة في مجتمعاتنا وأيضاً في مخيلة الغرب. وكي لا نقع في ذات الخطأ، يستعرض هذا القسم لمحة سريعة عن تاريخ النساء بشكل عام في ما يتعلق بمشاركتهن في الفضاء العام والخاص.[4] وإذ أننا نجد العديد من سياسات الدولة اليوم منصبةً حول مكان المرأة ضمن الأسرة أو في قطاع العمل، فستتم الإشارة في هذا البحث إلى هذين الفضائين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الفصل المقترح بين العام والخاص يواجه نقداً من قبل العديد من الباحثين.[5] لذا سنضع في الاعتبار تداخل الفضائين عند الإشارة إلى هذه المفاهيم في الصفحات التالية. ولذلك فإن القول بأن المرأة لا يبرز مكانها إلا في الفضاء الخاص مقارنة بنظيرها الرجل هو افتراض مضلل، خاصة وأنه تاريخيا كان العام والخاص مختلطين ومتداخلين ولا يمكن حصر فضاء لنوع اجتماعي واحد على حساب الآخر. وأخيراً، تم استرجاع بعض هذه الحالات التاريخية بهدف كسر التصورات النمطية والثابتة عن المرأة، وليس بهدف تمجيد مرحلة تاريخية على حساب الأخرى، أو تعميم هذه الحالات على حقبة زمنية معينة.
المرأة والعمل
تاريخياً، لم يكن عمل المرأة خارج المنزل دخيلاً على المجتمع الاسلامي بشكل عام أو حتى في بعض مجتمعات شبه الجزيرة العربية على وجه التحديد. فالجميع يعرف أن الرسول (ص) عمل عند السيدة خديجة (رضي الله عنها) قبل أن يتنزل عليه الوحي، والتي بدورها كانت سيدة أعمال بارزة. وبعد الإسلام استمرت مشاركة المرأة في العمل، كما تسرد لنا فاطمة المرنيسي حالات عده في المجتمع الاسلامي لنساء قياديات، كالسيدة عائشة زوجة الرسول.[6]
ولنا ان نسترجع عدة أمثلة مشابهة في مجتمعات دول الخليج العربية في الماضي القريب. ففي دبي، تم إصدار قرار لتنظيم بيع السمك في عام 1930، ينص على منع النساء من بيع السمك في السوق.[7] وتروي لنا الباحثة الإماراتية فاطمة الصايغ كيف تظاهر الرجال احتجاجاً على هذا القرار التعسفي، مبررين اعتراضهم بأنه يصعب عليهم الذهاب لبيعه في السوق بعد قضاء يوم شاق في البحر لصيد السمك.[8] كما تضيف الصايغ بأنه تبين لاحقاً بأن النساء يحصدن ربحاً أفضل من الرجال نتيجة لخبرتهن في البيع والشراء. فإن كانت هذه الرواية تدل على شيء فهي بالتأكيد تدل على أن المرأة لم تكن رهينة المنزل، وكان الوضع الاقتصادي للعديد من الأسر يتطلب مشاركة النساء في الكثير من الأعمال في الفضاء العام، خاصة خلال فترة سفر الرجال في موسم الغوص.
ولكن مع زيادة الدخل المعيشي لأغلبية الأسر في دول المجلس، تلاشت تلك الحاجة الاقتصادية، والتجأ العديد من النساء إلى العمل في المنزل، وهو طبعاً عمل لا يقل أهمية أو قيمة من العمل خارج نطاق البيت. في المقابل، قد يعتقد البعض أن الفصل بين الجنسين قد ساعد المرأة في تخطي العزلة المتصورة لها في المنزل ومشاركتها في الحياة العامة، حيث مكن هذا الفصل المرأة من الخروج من المنزل والعمل دون الاختلاط مع الرجال، وبذلك كان الفصل طريقة لتعزيز مشاركة المرأة اجتماعياً. إلا أن الأمثلة السابقة تؤكد أن النساء شاركن واختلطن مع الرجال في العديد من المجالات قبل هذا الفصل بين الجنسين، والذي لم يتحقق إلا مع تزايد إيرادات النفط ومقدرة الدول على بناء مساحات مخصصة للمرأة في المرافق العامة.[9] ولذلك فإنه من المستغرب أن نجد أشخاصاً ما زالوا يكررون مقولة أن عمل المرأة تاريخياً أو ثقافيا أودينياً يقتصر على المهام داخل المنزل فقط. وليس الهدف من هذه المقولة التقليل من أهمية عمل المرأة في المنزل، ولكن لتأكيد على وجود مجالات ومساحات أخرى يمكن للمرأة أن تخوض غمارها إن هي اختارت ذلك، وأن تلك الخيارات ليست بدخيلة على مجتمعاتنا كما يصورها البعض، ولا هي نتاج طفرات النفط أو التغريب أو غيره من التبريرات التي تفتقر إلى العمق التحليلي.[10]
المرأة والأسرة
بالإضافة إلى سن السياسات المتعلقة بقضايا عمل المرأة في دول الخليج، فهناك اهتمام متزايد يربط المرأة بقضايا الأسرة والإنجاب أيضاً. وإن هذا الاهتمام بسياسات الأسرة والمرأة ليس بالغريب مع نشأة الدول الحديثة. فتاريخياً، نجد أن الدول خلال نشأتها تبدأ بالاهتمام بقضايا الإنجاب والعدد السكاني، وهي قضايا محورية لبلورة صورة “الجماعات المتخيلة” التي تعد ركناً أساسياً لقيام الدول الحديثة.[11] تقول لنا الباحثة أميرة سُنبل أن من أهم ما قًنن خلال نشأة الدول الحديثة في العالم العربي في ظل فترة الاستعمار هو قانون الأحوال الشخصية، والذي منح الرجل للمرة الاولى سلطة قانونية لم تكن موجودة سابقاً في سياق الأسرة.[12] وفي تلك المرحلة نجد أيضاً رسم بُنية الأسرة الحديثة، وهي ما تسمى ب”الأسرة النووية”، التي يترأسها الأب ومن ثم الأم و من ثم الأبناء. وفي هذه المرحلة التاريخية تتلاشى الصلاحيات التي كانت في السابق عند رب/ربة الأسرة الممتدة، والتي لم تكن بالضرورة على نمط الأسرة النووية.
وفي المقابل، انتقلت تلك السلطة إلى الفضاء العام، وأصبحت من تخصص مؤسسات الدولة. أحد أبسط الأمثلة هي التنشئة. فمع افتتاح المدارس النظامية، لم تعد تنشئة الأبناء في يد الأسرة كالسابق. وبهذا أصبحت سياسات الدولة تتدخل في أدق تفاصيل الحياة الخاصة، حتى صفات الشخص الذي يسمح أو يمنع المواطن من الزواج منه، وكأن هذه القضايا جزء من تخصص الدولة والفضاء العام. في الحالة القطرية مثلاً، نجد القانون الأساسي لدولة قطر والدستور القطري يؤكد اضطلاع الحكومة بـ”حماية الأسرة”، بصفتها “عماد المجتمع”. وعلى مستوى دول مجلس التعاون، أقر وزراء العدل في مجلس التعاون في العام 1966 نظاماً موحداً للأحوال الشخصية، والمعروف بوثيقة مسقط.[13] وفي العديد من الدول، ينبغي لمن يرغب بالزواج من “أجنبي” أن يأخذ موافقة الدولة، وفي بعض الحالات يتم رفض من هو من جنسية أخرى بناءً على معايير فضفاضة: فكمثال، يتطلب قانون الزواج من أجنبي وجود “أسباب اجتماعية” تدعو إلى ذلك الزواج، ولكن ليس من الواضح ما هو المقصود بتلك “الأسباب الاجتماعية”.[14]
ومنذ ذلك الحين، نجد توسعات عدة في المؤسسات التي ترعى المرأة والطفل والمؤسسات المختصة بالشؤون الاجتماعية، والتي بدأت تتكفل بالمهام التي كانت تقع في السابق على عاتق أفراد الأسرة الممتدة. أضف إلى ذلك سياسات الإسكان، وقوانين إجراءات الزواج والطلاق والتي تؤثر جميعها على الأسرة بشكل عام والمرأة بشكل خاص، نتيجة الربط المتصور بين المرأة والأسرة، بافتراض أنها المسؤول الأول عن أعمال المنزل وتربية الأطفال في الصورة المختزلة للأسرة في أذهان الكثير من صناع القرار.
ومن الجدير بالذكر أن كلمة أسرة لا تظهر ولا مرة واحدة في القرآن الكريم، على الرغم من الحث على صلة الرحم. إلا أن الشكل النمطي للأسرة النووية المفروضة علينا والتي يتم الترويج لها على أنها الصورة المثلى، لم تكن معروفة لا تاريخياً ولا دينياً، فهي ليست مقدسة كما يحاول أن يسبغ عليها البعض تلك الهالة اليوم.[15] وبالتأكيد فإن هذه النظرة السطحية لشكل الأسرة، وأيضاً للأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل في داخل الأسرة، مرة أخرى تفتقر إلى العمق التاريخي والتحليل النقدي. فمثلاً، نجد أن الرسول (ص) كان يشارك في أعمال المنزل وتربية الأطفال. وإن طريقة الزواج والتربية في أغلب الحالات تصور في الأحاديث على أنها عملية شراكة، وليست مقتصرة على جنس معين. كما أن الزواج والطلاق لم يكونا يوماً عملية معقدة ومقننة، وكان بالإمكان الزواج والطلاق مع تواجد الشهود فقط، ودون الحاجة لإجراءات بيروقراطية وموافقات عدة، كما هو الحال عليه اليوم.[16]
في ختام هذا القسم، نود أن نؤكد مرة أخرى بأن الحالات التاريخية السابقة تبين احتواء المفاهيم المستخدمة في رسم السياسات اليوم على درجة عالية من المرونة والتعددية، برغم استخدام هذه المفاهيم عادة وكأنها أُحادية وثابتة عبر الزمن، أو حتى عبر الطبقات الاقتصادية والاجتماعية. فمن الواضح أن لا “مكان المرأة” يمكن تحديده بوضوح في الفضاء العام أو الخاص، ولا حتى إن استندنا لحقبة تاريخية معينة. فهناك عدة عوامل تتداخل، بحيث يكون للنساء والرجال في الفضاءات المتعددة أدوار مختلفة تتناسب مع واقعهم الاجتماعي والاقتصادي. وبذلك، فإن الاستنتاج العام هو أن تصور الأسرة بشكلها الحالي، ودور المرأة النمطي في المؤسسات الاجتماعية، لم يكن في السابق محدداً كما هو الحال عليه اليوم. ويعتبر تقنين هذه الأدوار والعلاقات وإعطائها شرعية قانونية أمراً ليس بقديم، بل أنه تلى قيام الدولة الحديثة. ولذلك فهو ليس فوق النقد، بل انه يحتاج إلى تطوير مستمر.
الا ان لهذه التصورات النمطية لدور المرأة انعكاسات حقيقية على مستوى سياسات ورؤى الدولة. كمثال، فإن هذا التصور النمطي للأسرة، ودور المرأة فيها، يجعل من أي تغير في نسب الطلاق مصدر هلع على المستوى الرسمي وحتى المجتمعي. وتكثر هذه النظرة خاصة في ظل الفجوة بين عدد المواطنين والسكان الأجانب، أو ما يسمى بالخلل السكاني. في القسم التالي، سنقوم بتفكيك بعض التصورات النمطية عن الأسرة والمرأة، وانعكاساتها على السياسات والقضايا التي تعتقد الدولة في قطر أن عليها معالجتها، كالطلاق، وانخفاض نسب الإنجاب، وتزايد العمالة الأجنبية، وتأثيرها على الهوية والثقافة المحلية.
“المرأة” في السياسات التنموية والسكانية: الحالة القطرية
لا شك بإن التغيرات التي شهدتها دول مجلس التعاون في العصر الحديث جرت بسرعة هائلة، لدرجة أن آثارها الاجتماعية ما زالت صعبة الرصد. وفي تقارير وسياسات الدولة في قطر، غالباً ما نجد ضمانات لحماية المجتمع من التغيرات التي قد تراها الدولة سلبية. وقد تكون أحد أهم هذه التغيرات هي تزايد أعداد العمالة الوافدة، والتي وصفها وزير عمل أحد دول المجلس على انها باعتقاده “أخطر من القنبلة النووية، بل ومن أي هجوم إسرائيلي” حسب اعتقاده.[17]
وتعد قضية الخلل السكاني أحد أهم محاور هذا الإصدار السنوي، والذي يتم وصفه بأنه “يتأسس على مجتمع ُيشكل فيه وافدون غير مواطنين نسبة عالية من سكان وقدرات المجتمع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لفترة ممتدة ومتصلة من الزمن”.[18] ويؤكد هذا الوصف أن هذه القضية مرتبطة بالوضع الاقتصادي في البلد، ويمكنه أن يؤثر أيضا على الوضع الثقافي والاجتماعي. ولذلك أصبحت الحكومات تحاول أن تضع ضمانات ضد آثار هذا الخلل على المجتمع المحلي من وجهة نظهرها.
وتعكس الاقتباسات التالية من استراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر، هذه الضمانات والسياسات الحكومية المتعلقة بالخلل السكاني، والتي غالباً ما تضع النساء في قلب مواجهة هذه التحديات، سواء من ناحية مشاركتهن في العمل للتخفيف من الاتكال على العمالة الأجنبية، أو من ناحية “الحفاظ على الهوية” عن طريق دورهن في التربية:
إن الأساليب التقليدية لمساندة الأسرة ورعايتها لن تتلاشى في خضم تكيف المجتمع القطري مع التغيرات العالمية الجديدة. وتعمل الحكومة على مساعدة الأسر في رعاية أفرادها والحفاظ على قيمها الأخلاقية والدينية ومُثلها الإنسانية. وسوف تبدي الحكومة أيضاً تفانياً متزايداً في تعزيز قدرات المرأة وتمكينها للمشاركة بشكل كبير في المجالين السياسي والاقتصادي [19].
للمرأة دور مركزي في تطور الأسرة القطرية. ففي الوقت الذي تحافظ فيه على ارتباطها بالتقاليد، أخذت المرأة تتكيف مع آثار التحديث. فمن خلال تعلقها باللغة، وأنماط السلوك، ومنظومة القيم، والمعتقدات الدينية، تؤدي المرأة دوراً لا غنى عنه لحفظ القيم الأسرية التقليلدية والثقافية[20].
على الرغم من ازدياد معدل التحصيل التعليمي لدى الشابات القطريات، إلا أن انخفاض معدل مشاركتهن يعكس وجود احتياط غير مستغل من المعارف والمهارات. ويتمثل التحدي في كيفية تحويل مكاسبهن التعليمية إلى تمكين اقتصادي أفضل[21].
في هذه الاقتباسات نجد ربطاً واضحاً ومتكرراً في سياسات الدولة: الأول هو ما بين المرأة والأسرة بالتحديد. وهذا ليس بمستغرب، خاصة وأنه منذ أن نشأت المراكز والمؤسسات الاجتماعية، كالمؤسسة القطرية لحماية المرأة والطفل، نجدها غالباً ما تضم في مسمياتها المرأة والطفل، أو المرأة والأسرة معاً، وكأن كيان المرأة لا ينفصل عن دورها كأم أو زوجة. أما الرابط الثاني، والذي يبدو أحياناً مصطنعاً، كأنما تم نسخه ولصقه في التقارير، هو الربط بين مكانة المرأة في الأسرة، و”تمكين المرأة” الاقتصادي والسياسي. فنجد، على سبيل المثال، بعد كل جزء مرتبط بدور المرأة في الأسرة، يتم إضافة جملة أو جملتين عن أهمية تمكين دورها الاقتصادي.
وهذه الإشارة ليست بالغريبة في الخطابات والكتابات الدولية المتعلقة بسياسات التنمية، وأيضاً في ظل النقد المتزايد من قبل أطراف غربية مختلفة للدول العربية، وتصورهم المعين “للمرأة الشرقية المضطهدة”.[22] وقد كتب الكثير عن هذا المصطلح، “تمكين المرأة”، والذي هو مستعار من فكر النسوية الليبرالية ونظرية “القدرات البشرية” أو Human ،capabilities approach والتي تعتقد أن المساواة بين الجنسين تتحقق عن طريق التمكين الاقتصادي للمرأة بالتحديد.[23]
ولا شك أن دول الخليج واعية بأن المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الغربية والدولية تبحث عن مؤشرات حول “تمكين المرأة”، إن كان في التعليم أو في المشاركة الاقتصادية والسياسية، وذلك لكي تتمكن من تصنيف الدول في تقاريرها ومؤشراتها. وفي بعض الحالات، تشترط هذه المؤسسات معايير محدده لمنح القروض من البنك الدولي. فمثلاً نجد في التقرير الأخير للتنمية البشرية الذي أصدرته قطر العام الماضي 2015 جملة صريحة في هذا الصدد، حيث ربط التقرير اهتمام “وعزم القيادة السياسية” في موضوع حقوق المرأة بما تراه من “تعزيز سمعة الدولة في الأوساط الدولية وإعلاء شرعيتها”.[24] وبهذه الطريقة، نجد أن بعض المحللين يرون أن المرأة تستعرض كـ”رأس مال رمزي” للمناورة بين المجتمع الدولي والمجتمع المحلي. ورغم حديث الدولة المستمر عن المحافظة على المجتمع ومكانة المرأة في الأسرة، إلا أنها تؤكد باستمرار أن ذلك لن يحصل إلا في ظل تمكينها الاقتصادي.[25] لكن ما مدى واقعية هذه الرغبة وفاعليتها السياسية؟ وهل تساعد أم تعيق المرأة القطرية اليوم؟
“مشكلة المرأة” في الخطاب الحكومي والاعلام: حقيقة أم من نسج الخيال؟
مع التصور الرومانسي للمرأة على أنها عضو الأسرة الذي يتوجب عليه حماية المجتمع من الآثار السلبية للنمو السريع في اقتصاد الدولة ومن ترسبات الخلل السكاني، أصبحت أي فكرة مغايرة لهذا التصور النمطي للمرأة والأسرة مصدراً للذعر. على سبيل المثال، نجد في تقرير حول مؤتمر “اجتماع الخبراء الثالث” الذي كان قد نظمه المجلس الأعلى لشؤون الأسرة (قبل أن يتم حله 2014)، تحت عنوان “السعي نحو تحقيق التوازن بين مسؤوليات المرأة المهنية والأسرية”، نجد احد التعابير حول المخاوف الناتجة عن التغيرات المجتمعية، وخاصة تلك التي تتعلق بالمرأة القطرية.[26] وخبرنا التقرير كيف أن المشاركون في الاجتماع كشفوا “عن انخفاض معدل الخصوبة الإنجابية لدى المرأة القطرية العاملة”. وفي إحدى المداخلات، يدعو أحد المشاركين والشخصيات البارزة مجتمعياً “إلى تعدد الزوجات باعتباره الحل الجذري لهذه القضية وبالتالي معالجة خلل التركيبة السكانية التي تواجه المجتمع القطري”.
قد يجد البعض هذه الدعوة مثيرة للسخرية، إلا أن بعض سياسات الدولة لا تبتعد كثيراً عن هذا الطرح. حيث نجد الرغبة في تقليل الفجوة بين نسبة الأجانب والمواطنين عن طريق الحث على الزواج والإنجاب وتقليل نسب الطلاق وزيادة “الخصوبة”، وهي أفكار شائعة في سياسات الدولة ومحط اهتمام الدراسات والمؤتمرات السنوية التي تقوم بها الجهات المختصة.
فمثلاً نلاحظ أن أحد ركائز السياسة السكانية لدولة قطر تنص على رغبتها بـ “زيادة المعدلات الحالية للنمو السكاني الطبيعي للمواطنين”،[27] ولتحقيق هذه الغاية تهدف إلى: “تشجيع الشباب القطريين، وحثهم على الزواج من المواطنات”[28] بهدف تقليل نسبة غير المتزوجات، أو “الحد من مشكلات تأخر سن الزواج، ولاسيما عند الإناث، وتشجيع الزواج بالمطلقات والأرامل” بالإضافة إلى “الحد من ارتفاع نسبة الطلاق”[29].
وكما جاء في عنوان التقرير، يتم ربط هذه “المشكلة” بشكل دوري مع عمل المرأة تارة، وفي مرات أخرى بمستواها التعليمي الذي يفوق نظيرها الرجل. فمثلاً، يذكر التقرير الإخباري نفسه بأن الأمين العام للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة أكد “أن الاجتماع جاء هذا العام ليناقش وضع المرأة العاملة من أجل تحسين أدائها من خلال توفير بيئة عمل مناسبة، تلبي احتياجاتها وتتفهم طبيعتها وتعزز دورها في الأسرة، إضافة للحد من زيادة نسبة العمالة المنزلية، وما ينتج عنها من مشكلات وآثار قد تنعكس سلبا على استقرار الأسرة القطرية بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام”.
ولكي نكون منصفين، لم يفت التقرير مناقشة الآليات المطروحة لتحقيق الخطوات المقترحة منذ صدور استراتيجية قطر عام 2011، كإنشاء حضانات مرفقة بأماكن العمل، كما حصل في الإمارات. ولكن ما زال هذا الهدف، كما هو الحال مع الكثير من أهداف الاستراتيجية المذكورة، غير محقق. وقبل النظر في بعض الأفكار المقترحة لمعالجة هذه المشاكل، علينا أن نتساءل إن كانت هذه القضايا فعلاً تستحق كل هذا الارتياب، وما إذا كانت آثارها سلبية فعلاً بهذا الحجم على المرأة والمجتمع.
ارتفاع نسبة الطلاق وانخفاض نسبة الانجاب
ما زالت مستويات الإنجاب في مجتمعات دول المجلس أعلى من المتوسط العام في ما يسمى بمنطقة “الشرق الأوسط”.[30] ويعتبر أي انخفاض في نسبة الإنجاب مصدرا للقلق في قطر، خاصةً في دولة وصلت نسبة الوافدين فيها الى 88 بالمئة من إجمالي العدد السكاني.[31] والواقع أننا لا نعثر على دلالة احصائية على انخفاض هذه النسبة، فنسبة الإنجاب في قطر ما زالت أعلى من المتوسط العالمي البالغ 2.5، بمعدل 3.6 لكل امرأة في عام 2012. ولم ينقص هذا المعدل في السنوات الأخيرة (بين عام 2000-2012)، اكثر من 0.9 على مدى 12 عاماً.[32] وكذلك هو الحال مع “تأخر الزواج” أو “ارتفاع متوسط سن الزواج”، والذي لم يرتفع منذ 1990 حتى 2013 بأكثر من 1.4 سنة للنساء، ليصبح 23.5 عاماً. [33] ومازال سن الزواج يعد مستقراً نسبياً مقارنة بالأرقام في دول “الشرق الأوسط”.[34]
أما بالنسبة الى مستويات الطلاق، فنجد أن نسب الطلاق التي يتم استخدامها في التقارير الإعلامية، والتي تعتمد على الأعداد الخام لعقود الزواج والطلاق، لا تضع بعين الاعتبار العديد من المتغيرات الإحصائية، فهي أرقام لا تعكس الوضع الدقيق للزواج والطلاق بين المواطنين. فمثلاً أشار تقرير صادر عن الأمانة العامة للتخطيط التنموي والإحصاء إلى أن معدلات الطلاق مستقرة ولم تتغير في الاعوام 2002 و2004 و2008. فلقد كانت حالات الطلاق، حسب الدراسة الاخيرة، 0.71% لكل نسمة قطرية في 20,014، وفي 2006 هبطت إلى 0.65%، وعادت إلى 0.70% في 2008.[35] إلا أننا ما زلنا نجد مقالات بالخط العريض تستعرض الأعداد الخام للطلاق، كمثال: “36,800 زيجة و10,325 حالة طلاق في 10 سنوات”.[36] وان غضضنا النظر عن عدم صحة مقولة ارتفاع نسب الطلاق، ففي العديد من الحالات يتم ربط هذا الارتفاع في نسب الطلاق، أو الانخفاض في نسب الانجاب، بارتفاع مستوى تعليم المرأة أو عملها. ونجد هذا الطرح في الدراسات، الإعلام، وحتى التقارير الرسمية للدولة[37].
ونظراً لهذا التصور السلبي لتعليم المرأة، وتزايد فجوة التحصيل العلمي بين المرأة والرجل، وعزوف الرجال والنساء “في معظم المجتمعات” عن الزواج بمن هو أعلى تعليماً، ترتب على ذلك نظرة سلبية بين كثير من النساء تجاه تعليمهن.[38] فقد كشفت دراسة أجريت في “مجالس الحريم” في قطر عن استياء “معظم الفتيات” من توجيه المجتمع والأهل لهن لإتمام تعليمهن العالي في مقابل إدراكهن بأن “معظم الرجال يريدون الزواج بمن لم يتجاوز تعليمهن المرحلة الثانوية”.[39] كما كشفت 35 بالمئة من المشاركات، في مسح أجراه معهد بحوث المسح الاجتماعي والاقتصادي في جامعة قطر في عام 2011، عن تركهن لدراستهن بعد الزواج، وهي نسبة عالية.[40] كما نرى نسبة ليست بالقليلة (35%) من المشاركات تتفقن مع مقولة أنه عندما يفوق دخل الزوجة مدخول الزوج، قد يتسبب ذلك بمشاكل زوجية.[41] وقد بينت نسبة أعلى من ذلك عن أنها “توافق بشدة” فكرة أن عمل المرأة يضر بالأبناء (79%). وفي جميع الحالات، كان عدد النساء والرجال الموافقين مساوياً لبعض تقريباً، مما يبين أن النظرة السلبية لعمل النساء وتعليمهن لا تقتصر على الرجل فقط، بل تشمل المرأة كذلك.[42] ولذلك فإن الصورة السلبية للمرأة في الإعلام ووثائق الدولة، وربطها بالخلل السكاني، قد تسبب تفاقم مثل هذه النظرة السلبية لعمل المرأة بدلاً من تصحيحها. فالإحصائيات في الحالة القطرية تدل على أن الأطفال في الأسر التي يعمل فيها كلا الوالدين هم أقل عرضة للمعاناة من الفقر، حيث يسهم عمل كل من الوالدين في تعزيز رغد المعيشة.[43] إضافة الى ذلك، ترتفع نسب الطلاق في قطر ما بين الزيجات الأقل تعلماً، وبالأخص حاملي الشهادات الثانوية، وهذا بعكس ما يتم نشره والترويج له.[44]
العمالة الاجنبية في البيت وخارجه
ومع التخوف من ارتفاع دخل المرأة،والآثار السلبية المزعومة لعملها على الأطفال، ظهر تخوف جديد من العاملات في المنازل ودورهن في التربية. وبالرغم من أن هذا الربط بين النساء العاملات والاتكال على العاملات المنزليات في التربية غير دقيق (فأغلبية القطريات اللواتي لا يعملن ما زلن يتكلن على المربيات أيضاً)،[45] إلا أنه ما زال هناك قصور في تحسين وضع المرأة العاملة. فبالرغم من أن الوثائق الصادرة عن الدولة تتحدث عن إنشاء حضانات في العمل منذ 2011، وتمديد فترة إجازات الأمومة، لم تترجم هذه الأهداف بعد إلى تشريعات واضحة وملزمة لأرباب العمل.[46] وذلك بعكس الإمارات مثلاً، التي ألزمت أرباب العمل بإنشاء حضانات لأبناء العاملات في مكان العمل. أما إجازة الأمومة أو الوضع، فإنها لا تزيد عن 60 يوماً مدفوعة الأجر، حسب قانون العمل، وهي إجازة أطوّل من تلك التي تحددها الجهات المعنية في الإمارات، ولكنها أقل من السعودية والبحرين وأغلب الدول النامية.[47] وفي دولة تضع “حماية الأسرة” في قلب دستورها وتمكين المرأة اقتصادياً في كل سياساتها، يبدو غريباً عدم تعديل أي من هذا السياسات، واستمرار التركيز على لوم العاملات في قطاع الخدمة المنزلية والأمهات العاملات، وكأنهن جوهر الخلل في الأسرة القطرية. كما قد يسهم هذا التركيز على لوم العاملات في المنازل في تكريس المعاملة السلبية لهن، مما يتناقض مع سياسات الدولة التي تدعي الرغبة في “تعزيز التسامح والمحافظة على قيم الرحمة في الوقت الذي يزداد فيه السكان عدداً وتنوعاً”.[48]
وبالإضافة إلى التخوف من العاملات في المنازل، فهناك تخوف أيضاً من العمال الآسيويين “العزاب”. فعلى سبيل المثال، تهدف سياسة قطر السكانية إلى “تشجيع الاعتماد على الوافدين المتزوجين، لا سيما في التخصصات التي يتطلبها سوق العمل من الجنسين”،[49] وذلك لتلافي مخاطر توظيف العزاب المزعومة. كما أن هذه المخاوف من الأجانب لا تنعكس فقط في سياسات الدولة، بل أيضاً في اتجاهات القطريين، فنسبة 46.5 من المشاركين في مسح القيم العالمية World Value Survey 2010، قالوا انهم لا يحبذون بأن يكون جيرانهم من المهاجرين أو العمال الأجانب.[50]
وكما جاء في القسم السابق، فهناك مخاوف حول نسب الطلاق وعدم الزواج بين النساء القطريات. بالإضافة الى ذلك، فهناك مخاوف على مستوى الدولة والبعض في المجتمع من تزايد زواج القطريات من غير القطريين، فبين عامي 2000 و2013 ازداد عدد القطريات المتزوجات من أجانب إلى “حوالي واحد من ثمانية” كنسبة من إجمالي زيجات القطريات،[51] على الرغم من طرح الدولة لحزمة من التحفيزات للمواطنين للزواج من مواطنات، كالدعم المالي المتمثل بصناديق الزواج.[52] وفي المقابل، ازداد الحذر من زواج المواطنين من غير المواطنات. كاستراتيجية لردع تلك الحالات، قامت دول الخليج بتحديد قيود وإجراءات ترمي إلى تحجيم هذه الظاهرة. ففي الحالة القطرية، بالإضافة لقانون الزواج من أجنبي والذي يتطلب موافقة وزير الداخلية على الزواج واجتياز عدة شروط قد تأخذ مدة زمنية طويلة لتحقيقها،[53] إلا أن أولئك القطريات ما زلن غير قادرات على منح أبنائهن الجنسية كباقي مواطنات دول المجلس،[54] وذلك بعكس المواطنين الذكور. وقد يعد هذا التمييز ضد أبناء المواطنات مستغرباً، خاصة من بعض دول المجلس، كقطر والإمارات، التي تعاني من خلل سكاني تدعي محاولة معالجته. ومع كل تأكيدات الدولة أن المرأة هي من يزرع الانتماء الوطني للأبناء عن طريق تربيتها لهم، إلا أن أبنائها مازالوا يعانون من التمييز[55].
أين يقع الخلل إذن؟
قد يكون هناك تناقض ملحوظ بين رغبة الدولة في تهدئة مخاوف المواطنين من تأثير الخلل السكاني، عن طريق تأكيد دور المرأة في الحفاظ على الأسرة، وبين رغبتها في تصدر المؤشرات العالمية المتعلقة بتمكين المرأة الاقتصادي والسياسي. نجد في هذه الحالة تصوراً نمطياً لدور المرأة في الأسرة، يكمن لا في مخيلة الناس فحسب، بل حتى في نصوص القوانين. فمثلاً، ينص قانون الأسرة القطري بالتفصيل على “حقوق وواجبات” الرجل والمرأة بشكل نمطي، الأمر الذي يبعث على التساؤل عن زعم صناع القرار بأنهم يواكبون حقبة “تمكين المرأة”.[56] أحد مواد ذلك القانون، مثلاً، يؤكد على أنه يتوجب على الرجل “السماح” للمرأة بأن تكمل دراساتها داخل الدولة، ولكن “بما لا يتعارض مع واجباتها الأسرية”.[57] وبالرغم من أن هناك تأكيد على دور الأبوين في تربية الأبناء، إلا أننا نجد هناك مواد تخص المرأة فقط في رعاية الأبناء والمحافظة على البيت وإدارته، قد لا تتناسب مع واقع المرأة القطرية اليوم، والتي لا تدير البيت فقط، بل تشارك أيضاً في الإنفاق عليه.[58]
أما في سياق عمل المرأة، فما من شك حول تمكن النساء في العقود الأخيرة من دخول مجالات جديدة في العمل، كانت حكراً على الرجل في الماضي القريب. لكن، وعلى الرغم من ذلك، يبقى التصور سلبياً للمرأة العاملة، وكأن مشاركتها في الفضاء العام يأتي على حساب الأسرة دائماً. وإن كان هناك ما يعيق مشاركة المرأة على أتم وجه، فهو النقص في السياسات التي تحمي دورها كأم في قوانين العمل، مثل محدودية إجازة الوضع والنقص في الحضانات. ومع هذه النظرة السلبية أصبح هناك إحساس عام بأن المرأة تنافس الرجل بسبب تفوق تحصيلها العلمي في كثير من الأحيان، ولكننا نجد أن معدل مشاركة المرأة في قوة العمل لا يزيد عن 35 بالمئة، كما تواجه المرأة صعوبات عدة للوصول إلى المناصب القيادية.[59] ولذلك ينبغي على الدولة الاستمرار في العمل جاهدة لتمكين المرأة ليس فقط عن طريق التفاخر بالأرقام والمؤشرات الدولية، ولكن بالنظر في واقع المرأة القطرية واحتياجاتها.
خاتمة وتوصيات بحثية
تبين لنا الحالة القطرية أنه بالرغم من كل المتغيرات التي يشهدها المجتمع، لا زال هناك ما ترغب الدولة في تثبيته من وجهة نظرها، كـ”المحافظة على الأسرة” حسب تصورها. يكون ذلك غالباً على حساب المرأة، التي يتم تحميلها مسؤوليات وعبئ الحفاظ على الاستقرار و”الثبات”. ولكنها مع ذلك لا زالت غير قادرة على تحصيل حقوقها الكاملة، خاصة مع ازدياد المسؤوليات الملقاة على كاهلها. بالإضافة إلى ذلك، فأن الدولة تحاول رسم صورة نمطية للمرأة ومكانتها في المجتمع، قد يكون لها ناتج سلبي لنظرة المجتمع بشكل عام للنساء، وأيضاً نظرة المرأة لذاتها.
قد تؤثر هذه النظرة من الدولة والمجتمع والسياسات الموازية على حياة النساء بشكل مباشر، مما يستدعي قراءة نقدية من منظور النوع الاجتماعي لهذه النظرة والسياسات. لهذه القراءة أن تضع سياسات الدولة في قلب تحليلها، كي تحدد كيفية تأثيرها على حياة النساء بشكل منهجي، أكانت هذه التأثيرات مقصودة أم لا. وغالباَ ما تنتج هذه السياسات عن الأفكار النمطية المترتبة على النوع الاجتماعي لكلا الجنسين، وتصور مختزل للمرأة لا يضع بعين الاعتبار أدوارها المختلفة والهامة تاريخياً. إضافة إلى ذلك، يتقاطع النوع الإجتماعي مع عوامل عدة (intersectionality)، كالمستوى التعليمي، والطبقة الإجتماعية والاقتصادية للنساء، والمواطنة. لذلك يتوجب على أي دراسة نقدية التعامل مع هذه العوامل وعدم تجاهلها. فعلى الباحثين والباحثات في هذا المجال عدم الوقوع في التعامل مع عنصر النساء في المجتمع وكأنه وحدة متراصة، بل التركيز على إبراز اختلاف النساء واحتياجاتهم بناءً على العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، وغيرها.
وبما أن هذا البحث تناول حالة قطر فقط، يمكن للباحثين المهتمين بسياسات التنمية في دول المجلس استخدام ذات الإطار النظري لدراسة تداخل سياسات التنمية مع حياة النساء في باقي مجتمعات دول المجلس. وعند اختيار موضوع البحث، يجب علينا البدء بالنظر للقضايا التي تمس حياة النساء بشكل يومي وتستدعي تغييرات عاجلة، كسياسات الجنسية ومنح أبناء المواطنات حقهم في اكتساب جنسية الأم، كما مازالت قوانين العمل تحتاج الى تطوير لكي تتناسب مع حياة المرأة في دول المجلس وتمكينها اقتصادياً. وأخيراً، تحتاج قوانين الأسرة والتشريعات المتعلقة بالطلاق والزواج والعنف الأسري، وغيرها من القضايا، الى إعادة نظر للتأكد من تناسبها مع واقع النساء اليوم.
ختاماً، لا شك أن هناك قضايا أخرى تستحق التطرق اليها، بما فيها مسألة المشاركة السياسية للمرأة في دول المجلس في ظل الخلل السياسي المتفاقم. فبالرغم من أن هذا الخلل يصف حالة تمتاز بمحدودية او انعدام المشاركة السياسية في صنع القرار لكلا الجنسين، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل النظر في هذه القضية أيضاً من منظور النوع الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، هناك نقص في مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في مجال قضايا المرأة، وإن وجدت فيحظر عليها العمل بالقضايا السياسية كتبني المرشحات وغيره. ولذلك، هناك حاجة للقيام بدراسات مقارنة تنظر في سياسات الجمعيات والمؤسسات النسائية الرسمية وغير الرسمية في الدول الست. فهناك العديد من الدروس في دول الجوار يمكن للباحثين والباحثات والناشطين والناشطات وصناع القرار التعلم منها، وتناقلها عبر الدول الست، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل دولة، كي تتحقق المساواة والعدالة للجنسين في المنطقة.
ومن هذا الوثيقة اصدرت ثلاث دول قانون أسرة مستعار منها، انظر:
http://www.musawah.org/sites/default/files/CEDAW%20and%20Muslim%20Family%20Laws-Arabic-edited.pdf
-Lila Abu-Lughod, “Dialects of Women’s Empowerment: The International Circuitry of the Arab Human Development Report 2005,” International Journal of Middle East Studies, 41 no. 1 (2009), 83-103.
إيفانز وفيليب باول ديفيس وتسنغ بنغ تشنغ و، مصدر سابق.