- مع أن إسرائيل بدأت الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب على قطاع غزة، بسبب الضغط الأمريكي والخسائر البشرية والاقتصادية، إلا أنها حتى الآن لا تملك تصوراً واضحاً ورسمياً حول مرحلة ما بعد الحرب، نتيجة للصراعات والخلافات داخل المستوى السياسي والحكومة.
- تتضمن المرحلة الثالثة للحرب الإسرائيلية تقليص العمليات العسكرية المكثفة، وشن عمليات عسكرية محدودة في القطاع لمدة تتراوح بين 6 و9 أشهر، وربما حتى نهاية هذا العام، مع بناء منطقة أمنية عازلة في شمال قطاع غزة، وتحصين الحدود في الجنوب مع مصر.
- ينطلق التصور الإسرائيلي العام لمستقبل قطاع غزة من وحي مناطق “ب” الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث لا تريد إسرائيل أن تكون مسؤولة عن الحياة المدنية في القطاع، وإنما مسؤولة عن السيطرة الأمنية هناك. إلا أن هذا التصور يواجه تحديات عدة، أهمها الرفض الفلسطيني، وعدم التأييد الإقليمي والدولي.
- قد تُفضي مساعي الإدارة الأمريكية، وحراكها الدبلوماسي المكثف في المنطقة، إلى دفع التوافق على تصور سياسي إقليمي-إسرائيلي حول مرحلة ما بعد حرب غزة، لكنْ السياسة الداخلية الإسرائيلية ستبقى العامل المعيق لهذا التوافق.
تنتقل إسرائيل إلى المرحلة الثالثة من الحرب ضد قطاع غزة، بضغط أمريكي من جهة، وبسبب الخسائر البشرية والاقتصادية من جهة ثانية. وكانت إرهاصات المرحلة الثالثة قد بدأت بتسريح جزء من جنود الاحتياط، ومطالبة الجيش الحكومة بتحديد أهداف سياسية واضحة للحرب، وبدء النقاش الإسرائيلي الرسمي حول مستقبل غزة في اليوم التالي للحرب. ولكن مع الانتقال إلى المرحلة الثالثة ازدادت الخلافات الإسرائيلية الداخلية، والتي فاقمها قرارات المحكمة العليا بشأن تعديل قانون المعقولية وقانون إقالة رئيس الحكومة، كما بدأت حركة احتجاج تطالب باستقالة نتنياهو والذهاب إلى انتخابات جديدة.
تستكشف هذه الورقة التصورات الإسرائيلية لطبيعة وملامح المرحلة الثالثة من الحرب على غزة، على المستويين العسكري والسياسي، وتحلل تداعيات قضية مستقبل الحرب وغزة على المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل.
ملامح المرحلة الثالثة من الحرب
طالبت الولاياتُ المتحدة إسرائيلَ بالانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب على قطاع غزة، والتي ترتكز على تقليل العمليات العسكرية المكثفة، سواء أكانت عبر القصف المدفعي والغارات الجوية أو التوغل البري الشامل. وهذا يعني شن عمليات عسكرية محدودة “جراحية” أو “خاصة” في القطاع، مع بناء خط دفاعي وربما منطقة أمنية عازلة، وهذا الأمر يتطلب انتشاراً أقل للقوات الإسرائيلية، ولذلك فإن الجيش الإسرائيلي بدأ بتسريح أعداد كبيرة من جنود الاحتياط تمهيداً للدخول في المرحلة الثالثة التي قد تستمر وفق تقديرات إسرائيلية من 6-9 أشهر، وربما حتى نهاية عام 2024. وجاء تسريح قوات الاحتياط تلك تزامناً مع استكمال افتتاح السنة الدراسية الجامعية في جميع المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل، حيث يصل عدد جنود الاحتياط من الطلبة الجامعيين إلى 100 ألف، أي ما يقارب 30% من جنود الاحتياط الذين اُستدعوا للحرب.
ويمكن قراءة قرار رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي بتشكيل فريق تحقيق عسكري لفحص أسباب الفشل العسكري والأمني في السابع من أكتوبر، بأنه عنصرٌ من عناصر المرحلة الثالثة من الناحية العسكرية، حيث يهدف الفريق إلى استخلاص العبر من الهجوم العسكري لحركة حماس، لتحصين الحدود تمهيداً لعودة السكان إلى غلاف غزة، ومنع تكرار هجوم مماثل أو أقل منه.
ويشير أغلب التقديرات الإسرائيلية إلى أن إسرائيل تحقق نجاحات عسكرية في قطاع غزة. وتؤكد هذه النتيجة التقديرات العسكرية الإسرائيلية الرسمية، إذ إن تقييم العمليات العسكرية حتى الآن يشير إلى أن إسرائيل نجحت في هدم الكثير من البنية التحتية العسكرية والحكومية لحماس في قطاع غزة، واغتالت جزءاً من قيادتها العسكرية والسياسية (آخرهم وأهمهم صالح العاروري في بيروت)، ولكنها لم تحقق أي هدف من أهداف الحرب، وهو أيضاً تقييم المجلس الوزاري المصغر. وهذا الأمر هو ما يفسر مطالبة الجيش من الحكومة وضع هدف سياسي واضح للحرب، من أجل بناء العمليات العسكرية في المرحلة القادمة بالارتكاز على هذا الهدف. إذن، تفرّق التقديرات الإسرائيلية بين النجاحات التكتيكية العسكرية والنجاح في تحقيق أهداف الحرب، فالجيش، وفقاً لها، يحرز نجاحات وانتصارات ولكنه لم يحقق الهدف المركزي المتمثل بالقضاء على حركة حماس، والذي ليس له تعريف واضح حتى الآن.
بناءً على ذلك، فإن وضع تصور سياسي لما بعد الحرب، ربما يُشكل بالنسبة للولايات المتحدة تحقيقاً للهدف المركزي من الحرب، وهو استبدال سلطة حماس بسلطة سياسية جديدة في قطاع غزة. ويؤكد هذا التوجه الأمريكي تصريح الناطق الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، والذي مفاده أن حركة حماس لا تزال تملك قدرات عسكرية، ومؤكداً أن إسرائيل تستطيع تقليص القدرات العسكرية لحماس، لكنها لن تستطيع القضاء على أيديولوجيتها. وتأتي جولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الإقليمية الأخيرة في محاولة لحسم التصور السياسي بعد الحرب في المنطقة عموماً، وفي الجانب الإسرائيلي خصوصاً.
وتُمكن الإشارة إلى مجموعة من السمات العسكرية للمرحلة الثالثة:
- بناء منطقة أمنية عازلة في شمال قطاع غزة، وتحصين الحدود في الجنوب.
- القيام بعمليات محددة، وبناءً على معلومات استخباراتية في شمال القطاع، واستمرار الحرب في الجنوب.
- استهداف قيادات حركة حماس، السياسية والعسكرية.
- زيادة المساعدات الإنسانية التي تدخل من القطاع من الجانب الإسرائيلي، لاسيّما من معبر كرم أبو سالم.
ويشير عاموس يدلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً، إلى فوائد الانتقال إلى المرحلة الثالثة من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية. فمن الناحية السياسية، تُثبت المرحلة الثالثة للعالم أن لا مصلحة لدى إسرائيل للبقاء في قطاع غزة واحتلاله، وفي الوقت نفسه لن تقبل بالعودة إلى الواقع الأمني قبل السابع من أكتوبر، لذلك يعتقد يدلين أن وجود هدف سياسي للحرب هو أمر مهم كي لا تذهب الإنجازات العسكرية سدى. ومن الناحية الاقتصادية، سيؤدي تقليص عدد جنود الاحتياط إلى التقليل من العبء الاقتصادي ويُعيد حركة الإنتاج إلى العمل بشكل كامل. ومن الناحية العسكرية، فإن الانتقال إلى عمليات عينية سوف تستنزف حركة حماس، لأن قدرة إسرائيل على تحمل حرب استنزاف طويلة -وبشرط من دون أعباء اقتصادية وخسائر بشرية كبيرة- ستكون أكبر من حماس.
وعلى المستوى السياسي الداخلي، تكمن معضلة نتنياهو في أن المرحلة الثالثة ستكون طويلة الأمد وستكون بمنزلة حالة من الوضع القائم، وهو ما سينقل الصراع إلى المشهد السياسي عبر إجراء انتخابات جديدة، وربما خروج بيني غانتس من حكومة الطوارئ، فضلاً عن بقاء قضية الأسرى والرهائن دون حل حتى الآن.
اقرأ أيضاً: |
ما بعد الحرب: الخلاف السياسي
بناءً على ما ذكر سابقاً، تتباين وجهات النظر داخل الحكومة الإسرائيلية حول التصور السياسي لما بعد الحرب، ويدور هذا النقاش في الوقت الذي لم تحقق إسرائيل أهدافها المركزية من الحرب.
وكان نتنياهو قد نشر مقالاً في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أشار فيه إلى رؤيته للأفق السياسي لقطاع غزة، المتمثل بثلاثة محاور: القضاء على حركة حماس، وتحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، وتعليم الفلسطيني وتثقيفه على عدم كراهية اليهود. وقد أضاف نتنياهو إلى تصوره في وقت لاحق فكرة السيطرة الأمنية الإسرائيلية على “محور فيلادلفيا” أو “صلاح الدين” (الشريط الحدودي الممتد بين القطاع ومصر بطول نحو 14 كيلومتراً)، لمراقبة الحدود مع مصر ومنع تهريب السلاح إلى قطاع غزة. وكان نتنياهو قد أكد مرة أخرى أن إسرائيل لن توقف الحرب حتى تحقيق جميع أهدافها، والمتمثلة بالقضاء على حركة حماس، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، ومنع غزة من أن تشكل مستقبلاً تهديداً لإسرائيل. ولا شك في أن أحداً من الحكومة الإسرائيلية لم يتحدث عن السيطرة على محور فيلادلفيا باستثناء نتنياهو، فالأمر فيه مَسٌّ بالعلاقات المصرية-الإسرائيلية، وسيواجَه برفض دولي لأنه يعني احتلال جزء من قطاع غزة والبقاء فيه.
في المقابل، صرّح وزير الدفاع يوآف غالانت أنه بعد الحرب لن تسيطر حركة حماس على قطاع غزة، وإنما ستُقام إدارة مدنية فلسطينية، وقوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية معتدلة. وفصَّل غالانت رؤيته للوضع ما بعد غزة، حيث يقترح تأسيس منظومة سيطرة مدنية على قطاع غزة تتكون من أربعة عناصر: الأول، قوة متعددة الجنسيات، تكون بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة دول غرب أوروبا ودول عربية معتدلة، والتي ستأخذ على عاتقها أيضاً مسؤولية إعادة بناء القطاع، وتكون العنوان للمؤسسات الدولية المعنية بالمساعدة في إعادة البناء. والعنصر الثاني، الإدارة المدنية الفلسطينية، التي ستتشكل من اللجان المحلية ومن عناصر غير معادية لإسرائيل. والعنصر الثالث هو مصر التي ستكون المسؤولة عن معبر رفح الحدودي، وربما يعني غالانت أيضاً أنها ستبقى المسؤولة عن محور فيلادلفيا بالتعاون مع الولايات المتحدة، وهي مَقولة لا تتوافق مع تصريحات نتنياهو حول السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا. أما العنصر الأخير فهو إسرائيل، المسؤولة عن توجيه القوة المتعددة الجنسيات، ومراقبة دخول المساعدات والسلع إلى قطاع غزة.
وفي مقابل مقترحات غالانت، تبرز مقترحات لأحزاب اليمين المتطرف في الحكومة، مثل تهجير سكان قطاع غزة، فيما يُسمى “الهجرة الطوعية”، وإعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة. وكان ايتمار بن غفير، ويزر الأمن القومي وزعيم حزب “عظمة يهودية”، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية ورئيس حزب “الصهيونية الدينية”، قد أدليا بشكل مثابر في الفترة الأخيرة بتصريحات تدعو إلى تهجير سكان قطاع غزة، وتوطينهم في دول مختلفة في العالم. وعلى الرغم من التنديد الأمريكي المباشر بهذه التصريحات وبأصحابها، رد الوزيران على التنديد الأمريكي بمواصلة التمسُّك بهذه المواقف، حيث قال بن غفير إن إسرائيل ليست “نجمة إضافية” في العلَم الأمريكي، فيما قال سموتريتش رداً على البيان الأمريكي أن 70% من الإسرائيليين يؤيدون الهجرة الطوعية لسكان غزة، وأن إسرائيل لا يمكن ان تشعر بالأمن بوجود السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.
تُترجَم الخلافات حول مرحلة ما بعد الحرب داخل الحكومة ومجلس الحرب، إلى صراعات سياسية، والتي برزت مع تهجم وزراء اليمين المتطرف على رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، بسبب تشكيل الأخير فريق لفحص الإخفاق العسكري في السابع مع أكتوبر، والذي سيكون برئاسة رئيس هيئة الأركان السابق شاؤول موفاز، والذي كان رئيساً للأركان خلال خطة فك الارتباط عن قطاع غزة عام 2005. ودفع هذا التهجم على هليفي غانتس إلى الخروج ببيان مصور للمجتمع الإسرائيلي يُحمّل فيه نتنياهو مسؤولية التهجم على رئيس هيئة الأركان، مُخيّراً إياه بين الأمن والوحدة وبين السياسة. كما ظهر الخلاف في المستوى السياسي في منع نتنياهو وزير الدفاع غالانت من لقاء رؤساء الأجهزة الأمنية الاستخباراتية من دون وجوده. ويمكن إرجاع أسباب هذا الخلافات إلى النقاط الآتية:
- محاولة اليمين المتطرف في إسرائيل السيطرة على أهداف الحرب، وتحويلها إلى حرب من أجل أهدافه الأيديولوجية كما ذكرها، وهي تهجير سكان القطاع وعودة المستوطنات إلى غزة (مستوطنات غوش قطيف).
- أن نتنياهو بدأ يدير الحرب ويضع رؤية سياسية تستلزم إطالتها من أجل الحفاظ على بقائه السياسي وحكومته، لذلك فهو تحول إلى رهينة وأسير لأحزاب اليمين المتطرف في الحكومة، الذي يستغلون ضعفه وحاجته إليهم للبقاء من أجل تسيير الحرب كما يريدون.
- الخلاف حول مسؤولية الإخفاق في السابع من أكتوبر، حيث إن تشكيل الفريق العسكري لفحص ما حصل في ذلك اليوم، يُعدّ مؤشراً على عودة النقاش عن الجهة المسؤولة عن الإخفاق، حيث حاول نتنياهو وتياره بمثابرة كبيرة تحميل الأجهزة الأمنية والعسكرية مسؤولية الإخفاق والتنصل من مسؤوليته عن الهجوم، فضلاً عن أن خطاب اليمين يهدف إلى تحميل مسؤولية الإخفاق إلى اتفاق أوسلو والانسحاب من قطاع غزة عام 2005. ويُولِّد هذا النقاش توتراً بين المؤسسة العسكرية والحكومة، وبالتالي يخلق انقساماً داخل الحكومة أيضاً، وبخاصة مع تيار غانتس الذي يعتبر نتنياهو وحكومته مسؤولة أساسية عن الإخفاق. وقد تكون هذه الخلافات وتصاعدها في الفترة الأخيرة تمهيداً لبداية خروج غانتس من الحكومة.
وفي المجمل، فإنه يمكن القول إن التصور الإسرائيلي العام، الذي يمثل التيار المركزي في الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي، سيتكون من وحي مناطق “ب” (B) الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث لا تريد إسرائيل أن تكون مسؤولة عن الحياة المدنية في القطاع، وإنما مسؤولة عن السيطرة الأمنية في القطاع، مع إدخال قوة متعددة الجنسيات لإدارة شؤون قطاع غزة، وتأسيس إدارة مدنية فلسطينية بإشراف دولي.
تحديات التصور الإسرائيلي لما بعد الحرب
يُواجه التصور الإسرائيلي العام لمستقبل قطاع غزة مجموعةً من التحديات، أهمها:
أولاً، هناك مَن يعتقد من الخبراء الإسرائيليين أن التفكير بوجود قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة هو وهْم لا يمكن تحقيقه؛ فلا الدول العربية ستوافق على المشاركة في قوة عسكرية متعددة الجنسيات تُوجهها إسرائيل، ولا الدول الغربية ستتحمس لذلك. فضلاً عن أن تجربة قوة “اليونيفيل” في جنوب لبنان أثبتت فشلاً كبيراً، ولن يكون مصيرها أفضل في قطاع غزة. كما أن التعويل على الدول الخليجية من أجل الاستثمار في إعادة البناء لن يكون أمراً سهلاً من دون ضمانة للاستقرار السياسي والأمني على المستوى الفلسطيني، وربما إطلاق التسوية على أساس حلّ الدولتين.
ثانياً، الموقف الأمريكي والدولي الداعم لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وتوحيد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع، وتُعدّ هذه الرؤية هي المُوجهة للولايات المتحدة للأفق السياسي للحرب، حيث تسرَّب في تقارير إعلامية غربية أن الولايات المتحدة ستبدأ بتحضير وتدريب قوات الأمن الفلسطينية لزيادة سيطرتها على الضفة الغربية وتمهيداً لدخولها قطاع غزة.
ثالثاً، الفكرة الإسرائيلية بتأسيس قيادة محلية في قطاع غزة، مثل اللجان المحلية، التي جُربت في الضفة الغربية أواخر السبعينات بوصفها بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، فشلت فشلاً ذريعاً، وعلى ما يبدو سيكون مصيرها مشابهاً في قطاع غزة إذا تم استثناء السلطة الفلسطينية، كما أن حركة حماس لن تختفي كُلياً عن المشهد الفلسطيني حتى في القطاع، كما صرح بذلك جون كيربي، مما يضع فكرة إنشاء لجان محلية أمام تحديّات تتعلق بغياب واقعيتها وفاعليتها.
رابعاً، الخلاف السياسي الداخلي، حيث تعارض أطراف في الحكومة الإسرائيلية هذه الرؤية للحل في قطاع غزة، وتَعتبرها عودة إلى الوضع الذي ساد قبل السابع من أكتوبر، ويتبنَّى هذا الموقف أحزاب اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية مثل حزبيّ “الصهيونية الدينية” و”عظمة يهودية”.
استنتاجات
لا تملك إسرائيل حتى الآن تصوراً سياسياً واضحاً ورسمياً حول مرحلة ما بعد الحرب على قطاع غزة، ويعود ذلك بالأساس إلى العامل السياسي الداخلي المتمثل بالصراعات داخل الحكومة الإسرائيلية بين توجهات مختلفة. ويرفض نتنياهو حسم الموضوع بسبب خوفه من تفكيك حكومته والذهاب إلى انتخابات سيخسر فيها حتماً. وقد أجّل نتنياهو عدة مرات جلسات في المجلس الوزاري المصغر لنقاش مرحلة ما بعد الحرب، وعندما التأم المجلس في 5 يناير الجاري لنقاش الأمر، تهجم وزراء في الحكومة على رئيس هيئة الأركان، مما أرجأ النقاش مرة أخرى حول هذا الموضوع. بل إن قيادات في المعارضة، مثل يائير لبيدن يعتقدون أن نتنياهو هو مَنْ خطط لتفجير الجلسة حتى لا يحسم هذا النقاش في الوقت الحالي.
وربما تُسهم زيارة بلينكن الأخيرة للمنطقة في الدفع نحو توافق على تصور سياسي إقليمي-إسرائيلي حول مرحلة ما بعد الحرب، ولكنْ ستبقى السياسة الداخلية الإسرائيلية العاملَ المعيق لهذا التوافق، وهو ما قد يدفع بشكل نهائي غانتس إلى الخروج من الحكومة والمطالبة بعقد انتخابات جديدة في إسرائيل.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/almarhala-althaalitha-min-alharb-al-israyiylia-ala-qitae-gaza-alkhiarat-alaskaria-walsiyasia