المسألة الإسرائيلية «2»

عقد المؤتمر الصهيونى الأول؛ فى مدينة بازل السويسرية (29 ـ 31 أغسطس) 1897 وفيه جرى تأسيس «المنظمة الصهيونية» العالمية، واختير ثيودور هرتسل رئيسا لها. طرح فى هذه النسخة الأولى من المؤتمرات الصهيونية، مشروع هرتسل الذى أصبح يحمل اسم «مشروع بازل»، وقد نجح هرتسل فى تجميع التيارات الصهيونية المتفرقة فى إطار تنظيمى واحد، وسعى من خلال تأسيس آلية «المؤتمرات الصهيونية» التى ستتوالى سنويا بعد ذلك، إلى تحويل «القضية اليهودية» إلى قضية عالمية مع التأكيد على أهمية السير قدما نحو تنظيم عملية بناء الوطن القومى اليهودى مستقبلا. جرى انتخاب لجنة تنفيذية مكونة من «15 عضوا»، من أجل تحقيق هدف المؤتمر الأساسى وهو وضع «حجر الأساس»، للبيت الذى سيسكنه الشعب اليهودى فى المستقبل.

واعتبر هرتسل كما أعلن فى المؤتمر، أن الصهيونية هى عودة لليهودية قبل العودة إلى بلاد اليهود. بداية من المؤتمر الثانى الذى عقد فى 1898، حافظ المؤتمر الصهيونى على دورية انعقاده سنويا، وفى نسختيه الثانية والثالثة كان جل اهتمامه منصبا على كيفية إدخال «الفكرة الصهيونية» فى أوساط اليهود فى مختلف بلدان العالم.

كما جرى الإعلان عن إنشاء «صندوق الاستيطان»، الذى مثل الجهاز المالى للمنظمة الصهيونية العالمية، وبدأت حملات التبرع تجوب أوساط الأثرياء اليهود فى الغرب خصيصا من أجل حثهم على دعم الصندوق، بل وتخصيص نسبة مئوية من أرباح شركاتهم ومؤسساتهم الكبرى سنويا من أجل ضمان استدامة التمويل، بعد أن تضخمت مصروفات المنظمة وتوسعت مجالات انفاقها التى ستظهر لاحقا.. المؤتمر الصهيونى الرابع بدأ يدق أبواب العواصم الكبرى حينئذ، فعقد بلندن (13 ـ 16 أغسطس) 1900 وخصص لمناقشة الإشكالية التى طفت على السطح، وهى الضائقة التى كان يعانى منها العمال اليهود فى فلسطين، المتمثلة فى انتشار البطالة فى فلسطين، مما دفع الكثيرين من اليهود إلى ترك مستوطناتهم والانتقال إلى مواقع أخرى فى فلسطين، أو مغادرتها كليا إلى الخارج.

لهذا طرحت فى هذا المؤتمر للمرة الأولى مسألة تأسيس الصندوق القومى اليهودى، على يد الصهيونى الروسى «تسفى هرمانشابيرا»، من أجل تمويل شراء الأراضى فى فلسطين. المؤتمر الخامس عقد فى سويسرا 1901، وكان أهم ما خرج عنه هو المصادقة بالإجماع على تأسيس الصندوق القومى اليهودى. وبداية من هذا التاريخ صار تنظيم المؤتمر يجرى كل عامين، لذلك جاء المؤتمر السادس فى بازل أغسطس 1903، وفيه طرح لأول مرة مشروع إقامة دولة يهودية فى «أوغندا» من جانب الحكومة البريطانية، وتحمس هرتسل لهذا الخيار كحل مؤقت وتمكن من اقناع 295 مندوبا للموافقة، بينما عارضه 178 مندوبا.

ودارت فيه نقاشات ساخنة حول ضرب صلب المشروع الصهيونى فى حال تبنى تنفيذه، فى مكان آخر غير فلسطين. ومنعا لحدوث انشقاقات تهدد ما جرى إنجازه منذ 1897، احتال هرتسل على هذا التنازع بالوعد بتشكيل لجنة تقصى للحقائق، تسافر إلى أوغندا وتقوم بدراسة المنطقة وتعود بتوصياتها لعرضها على المؤتمر الصهيونى التالى.. توفى ثيودور هرتسل قبل انعقاد المؤتمر السابع 1905، لكن المنظمة كانت حريصة على دوريته وعاد ليجرى فى بازل مرة أخرى، وتم اختيار «ديفيد ولفسون» الصهيونى الروسى ورفيق هرتسل المقرب رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية.

وقد أعلن فى هذا المؤتمر، إلغاء فكرة «أوغندا» والعودة لاقرار «مشروع بازل» الذى تضمن فلسطين كوطن «قومى» وحيد. كما أصر بقوة «حاييم وايزمان» أشهر شخصية صهيونية فى التراث الإسرائيلى بعد هرتسل، فى المؤتمر الثامن الذى عقد فى لاهاى بهولندا 1907، على دمج «الصهيونية السياسية» بالاستيطان فى فلسطين، وبحث خلاله بتعمق المشكلات التى يعانى منها العمال اليهود هناك، مما أخرج للنور فكرة انشاء مكتب «أرض إسرائيل» للمرة الأولى، وقد افتتح بالفعل فى مدينة «يافا» وترأسه «آرثر روبين». وقد نجح الأخير فى إحداث تحول هائل على العمل الصهيونى، بحيث أصبح موجها نحو تشكيل اقتصاد وطنى قائم على الاستيطان الاشتراكى، وصب اهتمامه على إقامة «مزارع تجريبية» فى بعض المواقع بفلسطين، مثل بن شيمن، وحولدا، وكنيرت.

وتمكن مكتب أرض إسرائيل سريعا من استقطاب أصحاب رءوس الأموال اليهود، فى سبيل إنشاء حقول زراعية للحمضيات والفواكه الأخرى، كما وفر مساهمات لإقامة مستوطنات زراعية فى بوريا ومجدال شمالى بحيرة طبريا وفى الرملة واللد. ويعود للمكتب الدور الأكبر فى إقامة حى «أحوزات بايت»، الذى مثل النواة المركزية للمدينة العبرية الأولى «تل أبيب»، ليبدأ بعدها فى الانخراط على نحو واسع فى حمل أعباء مسئولية إدارة حركة النشاط الاستيطانى فى عموم فلسطين. وبعد أن استقرت أعمال مكتب «أرض إسرائيل» اشتهرت فى تلك الحقبة المبكرة، ما عرف لاحقا بـ«الكيبوتس» الذى جسد فكرة إقامة التعاونيات الزراعية.

كانت الأسس التى أقيمت عليها، جوهرها بناء مجتمعات زراعية تعتمد على الملكية الجماعية لأدوات الإنتاج، وتنعدم فيها جميع أشكال الملكية الفردية، حيث يجرى فيها تقاسم عائدات الإنتاج بالتساوى بين أفراد المجتمع الزراعى الصغير، على أن يقوم المكتب بتنظيم المهاجرين اليهود الجدد فى التجمعات الناشئة، ويتكفل بتدريبهم على العمل فى الحقول والمزارع التابعة لها،

كما يتولى توفير المأوى والطعام وتهيئتهم للاندماج فى المجتمع الإسرائيلى المزمع انشاؤه. سجلت إحصاءات الهجرة اليهودية المبكرة بين 1882 و1903 ما بلغ مجموعه من 20 إلى 30 ألف يهودى، مثلوا الموجة الأولى للهجرة التى أتت غالبيتها من روسيا القيصرية، بسبب أعمال العنف والاعتداءات التى تعرضوا لها هناك. ولحقتها بعد فترة قصيرة الموجة الثانية، ما بين 1904 و1914 والتى بلغ مجموعها نحو 40 ألف روسى، بعد اطمئنانهم أن سبل الرعاية والتأهيل يقوم عليها مكتب «أرض إسرائيل» على أكمل وجه

المصدر : https://ecss.com.eg/38153/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M