بقلم : سعد الراوي – نائب رئيس مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات / الأسبق – كاتب ومستشار متخصص في الانتخابات
في أي إشكال من إشكالات العملية الانتخابية يقع اللوم والطعن بشريك محدد من شركاء العملية السياسية وغالباً ما يكون اللوم على الجهة المنفذة للانتخابات وهي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وأما لوم الآخرين فمحدود جدا، وقبل البدء لا بد أن نتعرف من هم شركاء العملية السياسية {مفوضية الانتخابات / السلطة التشريعية / السلطة التنفيذية / السلطة القضائية / الأحزاب السياسية / المنظمات المحلية والدولية / الإعلام بكل توجهاته الرسمي وغير الرسمي / المانحون / الناخبون} كل هؤلاء تقع عليهم المسؤولية التضامنية بنجاح أو فشل الانتخابات أي انتخابات وبنسب متفاوتة وكل من موقعه ومهامه.
لن نعرج في هذا الأمر إلى تفاصيل ما حدث في كل الانتخابات السابقة ولكن سنسلط الضوء على أسباب أدت إلى ما وصلنا إليه اليوم ولا بد من معالجتها وعدم تكرار الأخطاء وإيجاد حلول واقعية قابلة للتنفيذ وارجو أن لا ينزعج من يلوحه شيء من مسببات هذه الإشكالات فلا بد من مصارحة دون تجريح وتعاون دون اهمال أي شريك حتى نسير على جادة الصواب للوصول ببلدنا العزيز إلى بر الأمان وشاطئ الاستقرار في ظل حكم ديمقراطي.
وندون في أدناه نظرة سريعة لأهم الأسباب التي أدت إلى ما وصلنا إليه:-
1- هناك فجوة بين شركاء العملية السياسية لا بد من كسر هذه الفجوة وأن تقوم بذلك إحدى الرئاسات أو منظمة دولية موثوقق فيها وتؤسس لمبادرة وطنية لتعزيز الثقة بينهم واستمرار التعاون فالكل مسؤول وكل حسب موقعه ومسؤوليته، وإن بقيت الفجوة فستستمر اأازمة وتتفاقم مهما عالجنا من إشكالات أخرى.
2-لا استغرب مما نحن فيه اليوم فما زلنا في بداية المسيرة الديمقراطية رغم مرور ما يقارب العقدين من الزمن على هذه التجربة وقد نحتاج لعقدين آخرين أو أكثر فالديمقراطية تحتاج بيئة واعية انتخابية وذات ثقافة مقبولة عند الجمهور وعالية لدى السياسيين، نحتاج إلى تعزيز هذه الثقافة وممكن جعلها إحدى المواد الرئيسة في جميع المراحل الدراسية واستحداث معهد أو أكثر متخصص بالثقافة الديمقراطية.
3- يجب أن نعلم جميعا بأن المنظومة القانونية الانتخابية وخصوصاً قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 9 لسنة 2020م كان له الدور الأكبر في وضع عقبات لمعظم هذه الإشكالات التي افرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وممكن إيجاز إشكالاته بالنقاط التالية:-
§ القانون فيه تناقضات وفيه فقرات مبهمة غير واضحة مما تجعل تفسيرها وفق رؤية الفاعل السياسي كما رأيناها في انتخابات سابقة.
§ أقرت المادة 38 من القانون الانتخابات بوجود طريقتين للعد والفرز الأولى الكترونية والأخرى يدوية ويعد هذا إشكال بوجود أي فارق بينها وإن المشرّع العراقي لا يثق بالأجهزة الإلكترونية المستخدمة اشترط في حال وجود شكاوى تعتمد نتائج العد والفرز اليدوي.
§ وجود عدة طرق للتصويت واكثر من وثيقة تستخدم فهناك تصويت في البطاقة البايومترية وتصويت بالبطاقة الالكترونية وتصويت للنازحين المسجلين حصراً في وزارة الهجرة هذا كله للتصويت العام وهناك التصويت الخاص لقوى الجيش والشرطة والقوات الأمنية الأخرى ولهم بطاقة خاصة وتسحب منهم البطاقات الانتخابية. المفروض هناك بطاقة واحدة وطريقة واحدة كما هو في معظم الدول الديمقراطية وحتى العربية.
§ سجل الناخبين الكامل هو العمود الفقري لأي انتخابات حرة نزيهة شفافة بمعايير دولية، والكل تعرف بأن التسجيل البايومتري بدأ في بداية 2014م وأجريت الانتخابات في 10/10/2021م ولم يكتمل هذا السجل ولم يعالج القانون أسباب ذلك ولم يضع جدول للانتهاء من إكمال التسجيل البايومتري ولا يزال بحدود 40% لم يمتلكوا بطاقاتات بايومترية، نحتاج ورقة مخصصة لمعالجة سجل الناخبين.
§ عند قيام المفوضية بثلالث محاكات ودعت الأحزاب والمنظمات للحضور ولكن معظم الذين حضروا ليسوا أصحاب اختصاص بنقل تكنلوجيا المعلومات والأمن الالكتروني والنقل عبر الأقمار الصناعية وهذا ما جعلهم يقبلون بالعمل الالكتروني مما سبب كثير من الطعون بعد الانتخابات التي لا نعرف ماذا ستؤول نتائجها.
§ لا توجد تفصيلات دقيقة عن الإجراءات والتوقيتات المتسلسلة لإعلان النتائج الأولية وطريقة التشكي على هذه النتائج وما هي مضمون إعلان هذه النتائج هل فقط أصوات مرشحين أم أصوات ومقاعد وكم الفترة المحددة بين إعلان النتائج والبت في الطعون مع وجود هيئة قضائية انتخابية ومجلس مفوضين قضاة كلهم من الدرجة الأولى وعن آلية واضحة لتوزيع المقاعد وتحديد كوتا المرأة.. الخ. وهناك تفاصيل كثيرة أخرى مما أطال الفترة الزمنية لإعلان النتائج حيث تجاوز الشهر ولم نجد إعلان متكامل للنتائج الأولية ومتى ستكون النهائية بعد مصادقة المحكمة الاتحادية.
§ الفصل الرابع عنوانه الدوائر الانتخابية ويتكلم عن أعداد المقاعد في مجلس النواب والكوتا في مادة 13 وأما المادة 14 فتتكلم عن موضوع مراعات تسلسل النساء بنسبة امرأة بعد كل ثلاثة رجال بينما في المادة الأخرى 15 ثانياً (يكون الترشيح فردي ضمن الدائرة الانتخابية. ما هذا التناقض !!!!!
§ الفصل الخامس بعنوان النظام الانتخابي وأول مادة فيه 15 أولا (تقسم الدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة) كيف يطبق هذا وما معناه ؟؟؟ المفروض يكون النص كالآتي (تقسم المحافظة الواحدة إلى عدد من الدوار مساوٍ لعدد مقاعد كوتا المرأة في تلك المحافظة). شتان بين هذا وذاك.
§ انتهت الانتخابات ولم نجد أحد يطالب للدوائر الانتخابية {حدود إدارية واضحة / تعداد سكان تلك الدائرة / أعداد الناخبين للعام والخاص واكتمال سجلهم/ لم يحدد القانون الجهة المخولة بترسيم الدوائر/ لم يشير القانون الى إجراءات الشكاوى لمن لديهم اعتراض على هذا الترسيم ولا الجهة القضائية المخولة بالبت في الطعون}
§ نصت المادة 40 ثانبا من قانون الانتخابات النافذ على تشكيل لجان في كل محافظة لتدقيق سجلات الناخبين لتلك المحافظة وتتكون من {الفائزين من كل محافظة/ ممثل عن وزارة التجارة/ ممثل عن وزارة التخطيط / ممثل عن وزارة الداخلية / ممثل عن مفوضية الانتخابات / وبمعية الأمم المتحدة} تستمر بعملها لمدة عام ولا تعد نتائج الانتخابات في المحافظات كافة اساساً لأي عملية انتخابية مستقبلية أو سابقة لأي وضع سياسي أو إداري قبل الانتهاء من عملية تدقيق سجلات الناخبين فيها. لا تعليق.
§ نحتاج مراجعة شاملة لكل القانون الانتخابي بكل فصوله وفقراته من الألف إلى الياء وهناك فقرات كثيرة لا نود الاسهاب في تفاصيلها فقد سبق وأن قدمت عدة أوراق عن هذا القانون منذ أن كان مسودة إلى أن أُعلن بشكل رسمي في جريدة الوقائع العراقية وللعلم كل صفحاته لا تتجاوز 17 صفحة يضاف لها ملاحق ترسيم الدوائر الانتخابية بينما نرى قانون الانتخابات الأسترالي 522 صفحة كل شيء مفصل واضح غير قابل للتأويل والمفوضية الاسترالية تنفذ فقراته بكل يسر وانسيابية بحيث تجرى انتخابات مبكرة خلال 36 يوم فقط لا يتأخر يوم واحد وسنجد بعدها برلمان جديد تنبثق منه حكومة خلال أيام وليس كحالنا مضى سنتين على مطلب إجراء الانتخابات وأجريت ولا نعرف متى يجلس البرلمان ومتى تشكل الحكومة الجديدة؟؟
4-كل المرشحين والأحزاب والائتلافات سجلوا لهم مراقبين (وكلاء) لدى مفوضية الانتخابات في مراكز وحطات الاقتراع لكن استطيع أن أقول اغلب هؤلاء المراقبين لا يجيدون {إجراءات العد والفرز الالكتروني/ إجراءات العد والفرز اليدوي/ إجراءات التصويت بكل أشكاله/ إجراءات الشكاوى والطعون الانتخابية/ .. الخ}. وإن جهل المراقب هذه الإجراءات فما جدوى تواجده!!! وكيف سيؤدي دوره ويعطي معلومات دقيقة للحزب أو المرشح التابع له.
5-ضعف المتابعة والمراقبة المهنية لتشريع وتنفيذ هذا القانون فالكثير يتصور بأن المراقبة في يوم الاقتراع فقط وهذا ما وقع به كثير من الأحزاب والمرشحين والمنظمات، فالمراقبة تبدأ من صياغة القانون ومتابعة تنفيذه إلى يوم الاقتراع والشكاوى والطعون وإعلان النتائج النهائية.
6-ضعف الثقافة الانتخابية بين منتسبي الأحزاب والمرشحين فقد تواجدت بورش ولقاءات مع عشرات المرشحين مع مئات من قادة وموظفي حملاتهم الانتخابية مؤلم أن أسألهم من قرأ قانون الانتخابات ونظام الحملات الانتخابية فلم أجد أن أحدهم قد كان على إطلاع بها وبمضامينها !!!! ايعقل ذلك !! وبعد إجراء الانتخابات بأيام أحدهم اتصل بي وقال حدث في المركز الفلاني كذا وكذا فقلت له من حقكم تقديم شكوى فأجاب نعم قدمنا شكوى فقلت له أين فقال عند مركز الشرطة !!! فقلت له التقديم لدى مفوضية الانتخابات … الخ. الصمت أولى ولا نعمم هذه الحادثة.
7- لا بد أن نعرج عن دور المنظمات الدولية ونقول أين دورها في كل هذه الإشكالات القانونية والإجرائية وأين توجيههم بالمعايير الدولية .. الخ. هل نستطيع أن نقول إن دورهم هامشي مع العلم لديهم من الخبرات والخبراء ما لا يعد وهم من اسسوا ودربوا معظم كادر المفوضية العراقية منذ تأسيسها عام 2004م واصبح بعضهم خبراء ذهبوا إلى عدة دول عربية واجنبية، نتمنى أن تكون للمنظمات الدولية تقارير مفصلة بكل هذه الإشكالات القانونية والاجرائية والفنية.
8-سنكتفي بهذه النقاط ولمن يرغب المزيد فهناك أوراق عدة تتطرق لكل القانون وتعطي مقترحات قابلة للحوار لتعديل أي فقرة أو فصل من فصول ومواد هذا القانون ولا بد من أن تكون هناك مراجعة شامله لجميع المنظومة القانونية الانتخابية على أن يتم تعاون كل شركاء العملية السياسية دون استثناء لأي منهم في أي تعديل أو مقترح قادم.
9- لم اتطرق لإشكالات أخرى سواءً في الصياغة أو في التعاريف المبهمة أو في فصل العقوبات أو الدعاية الانتخابية أو في إجراء تقاطع البصمة وسحب بطاقات التصويت الخاص وتفاصيل كثيرة في الأحكام الختامية التي اعتبرها لم تراعي المعايير الدولية للانتخابات … الخ. فكل ما دوّن أعلاه هو إيضاحات لإشكالات في القانون واليوم الكل مسؤول عنه سواءً فائز أم خاسر، اعترض الآن أم لم يعترض فلا يوجد مجال لتعديل أية فقرة اآان ولا يوجد برلمان والحكومة حكومة تصريف اعمال فالمسؤولة تضامنية تقع على عاتق الجميع بلا استثناء ولكل حسب موقعه ودوره في انجاز هكذا قانون أو الصمت دون أي اعتراض في وقت التشريع فقد بقي عام كامل في قبة البرلمان وكان بإمكان كل الكتل السياسية مدارسته مع خبرائها القانونيين أو مستشاريها في الانتخابات، ولا أتصور هناك خيار غير القبول والتعاون القادم بتعديل وإصلاح شامل لكل المنظومة القانونية للانتخابات (قانون الانتخابات مجلس النواب العراقي/ قانون انتخابات مجالس المحافظات/ قانون الأحزاب/ كل الإجراءات والأنظمة التي تقرها مفوضية الانتخابات/ قانون مفوضية الانتخابات .. الخ).
الملاحق:-
1- الإصلاح الشامل للمنظومة الانتخابية {ورقة مقدمة للهيئة الوطنية لاصلاح النظام}
2- المبادرة الوطنية لتعزيز الديمقراطية {تبني خطة لتعزيز التثقة والتعاون بين شركاء العملية السياسية}.
3- نداء لانتخابات نزيهة ومشاركة فاعلة ومراقبة دقيقة.
4- نزاهة الانتخابات مسؤولية الجميع.